OCTOBER 9, 2017
لماذا يُؤزّم ترامب علاقات بِلاده مع إيران وتركيا دُفعةً واحدة؟
وهل سَيُوجّه الحَرس الثّوري الإيراني “ردًّا ساحقًا” على القواعد الأمريكيّة في الخليج؟
وما مَدى جِديّة تحذيرات السيناتور كروكر من حَربٍ عالميّةٍ ثالثةٍ وَشيكة؟
عبد الباري عطوان
لا نَعتقد أن السيناتور الجمهوري بوب كروكر، رئيس لَجنة الشؤون الخارجيّة في مَجلس الشّيوخ، بالغَ كثيرًا، وهو المُعتدل، عندما حَذّر أمس من أن تهديدات الرئيس دونالد ترامب “المُندفعة” للدّول الأُخرى تَضع الولايات المتحدة على “مَساراتِ حربٍ عالميّةٍ ثالثة”، وقال عن ترامب “إنه يُقلقني ويَجب أن يُقلق أيّ شخصٍ يَهتم بأمننا”.
الرئيس ترامب، وبَعد أن هَدّد “بتدمير كوريا الشماليّة بالكامل”، ها هو على وَشك أن يُفجّر أزمتين خَطيرتين، مع أهم قُوّتين إقليميّتين في الشّرق الأوسط، أي تركيا وإيران، ليس فقط بسبب تقاربهما فيما يتعلّق برَفض الاستفتاء الكُردي، وإنّما أيضًا في المَلف السّوري.
إذا بدأنا بالأسهل، أي تركيا (حتى الآن)، فإنّ العلاقات التركيّة الأمريكيّة تعيش أزمةً تتضخّم يومًا بعد آخر، فبَعد توجيه أمريكا تُهمًا جنائيّةً إلى ثلاثة من حُرّاس الرئيس رجب طيب أردوغان بتُهمة الاعتداء على مُتظاهرين أثناء زيارة الرئيس التركي لها في أيار (مايو) الماضي، وتُطالب بتَسليمهم، ها هي تُصدر قرارًا بتعليق مَنح التأشيرات للمُواطنين الأتراك الرّاغبين بزيارة أمريكا كردِّ فِعلٍ على اعتقال السّلطات التركيّة لمُوظّفٍ مَحلّي في سفارتها (أمريكا) في أنقرة اتّهم بالتّخابر مع الداعية التركي فتح الله غولن، فردّ الرئيس أردوغان بوَقف إصدارِ تأشيراتِ دُخول للمُواطنين الأمريكان مُتّبعًا سياسة “رد الصّاع صاعين”، وتوقيع الرئيس التركي صفقة صواريخ “إس 400″ المُتطوّرة مع موسكو قبل أسبوعين، ربّما تكون الشّعرة التي قَسمت ظَهر العلاقات مع واشنطن.
***
أمريكا وتركيا عُضوان في حِلف النّاتو، ولكن هذهِ الشّراكة الاستراتيجيّة في طَريقها إلى الانهيار لأن الإدارة الأمريكيّة اختارت الأكراد كحليفٍ “يُمكن الاعتماد عليه” عندما خَيّرها الرئيس أردوغان بينهم (الأكراد) وبين بلاده، وهُناك تقارير عديدة تُؤكّد أن الرئيس ترامب يُعارض الاستفتاء في كُردستان العراق عَلنًا ويُؤيّده سِرًّا.
أما إذا انتقلنا إلى الخِلاف الأمريكي الإيراني المُتفاقم على أرضيّة الاتفاق النووي، فإنّه دَخل مرحلةً جديدةً من التأزّم بعد قرار ترامب المُتوقّع بالانسحاب من هذا الاتفاق يوم الأحد المُقبل (15 تشرين الأول ـ أكتوبر)، وتواتر التّقارير عن قرار آخر بوَضع الحَرس الثّوري الإيراني على قائمة الإرهاب.
السيد محمد علي جعفري قائد الحَرس الثّوري قال أمس “أنه إذا صَحّت الأنباء عن حَماقة الحُكومة الأمريكيّة بتصنيف الحرس الثوري كحركةٍ إرهابيّة، فإن عَليها أن تتوقّع “ردًّا ساحقًا”، وسيَعتبر الحَرس الجيش الأمريكي في كل أنحاء العالم، ولا سيّما في الشّرق الأوسط في نَفس المِتراس مع داعش”، وأضاف “على أمريكا أن تَنقل قواعِدها خارج مَدى صواريخنا أي 2000 كيلومتر”.
وَضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب أثار قلق الحُكومة الفرنسيّة خوفًا من تَبِعاته، مِثلما أثار قلقها في الوقت نفسه قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، لأن مِثل هذهِ القرارات سَتُؤدّي إلى تفاقم التوتّرات في مِنطقة مُلتهبة أصلاً، وحَثّ الرئيس الفرنسي إيران على ضَبط النّفس.
السيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، هي الزّعيمة الأوروبيّة الوحيدة التي تُؤيّد “حماقات” الرئيس ترامب وتهديداته، فقد أكّد المُتحدّث باسمها أمس أنها اتّفقت مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مُكالمةٍ هاتفيّةٍ بينهما “على ضَرورة أن يُدرك المُجتمع الدّولي التّهديد الذي تُمثّله إيران لمَنطقة الخليج والشرق الأوسط، كما يَنبغي عليه أن يُواصل العَمل على التصدّي لأنشطة إيران لزَعزعة استقرار المِنطقة”.
***
سُبحان الله أصبحت إسرائيل حريصةً على استقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط، وتَدعم بريطانيا هذا الحِرص، وتُطالب المُجتمع الدّولي برَدع إيران مَصدر التّهديد، ويَجد هذا المَوقف دعمًا من رئيسة الوزراء البريطانيّة، إسرائيل التي خاضت أكثر من ثماني حروبٍ ضد العَرب على الأقل في الستّين عامًا الماضية، أصبحت داعمةً لاستقرار الخليج والمِنطقة، أمّا إيران فمَصدر التّهديد الوحيد.
صَدق السيناتور كروكر عندما قال أن ترامب يَضع الولايات المتحدة على طريق حَربٍ عالميّةٍ ثالثة، ولَيته أكمل مَقولته هذهِ بقوله “بتَحريض” من بنيامين نتنياهو الذي يَدفعه إلى هذهِ الهاوية، وبِسُرعةٍ قياسيّة.
لا نَعتقد، ونحن الذين نَعيش في الغَرب مُنذ 40 عامًا، أن السيناتور كروكر، وبحُكم مَنصبه، يَنطق عن هَوىً، مِثلما لا نَعتقد أن السيدة ماي تتّفق مع نتنياهو على التّهديد الإيراني لاستقرار دُول الخليج والشرق الأوسط، لولا وجود خُطّة مُتّفق عليها للتحرّش بإيران لجَرّها إلى الحَرب، الشيء نَفسه يُقال أيضًا عن القَلق الفرنسي، لكن ما يَعرفه هؤلاء أن الحَرب المُقبلة إذا ما اشتعلت لن تكون مِثل سابقاتها.
البداية، ربّما تَكون الانسحاب من الاتفاق النووي، والخُطوة الثانية، إعادة العُقوبات على إيران، أمّا الثّالثة، وعُنصر التّفجير، فَهِي وَضع الحَرس الثّوري على قائمة الإرهاب.
سياسات ترامب “الحَمقاء”، والتّحريض الإسرائيلي المُتصاعد لتَوريط أمريكا في حَربٍ جديدةٍ في المَنطقة، ربّما سَتكون أبرز العَناوين في المَرحلة المُقبلة..