حرب اقتصادية بين المغرب والجزائر في افريقيا
رشيد خشانة
أخذ الصراع الجزائري المغربي انعطافا جديدا مع انتقاله إلى القارة الافريقية حيث شن وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل هجوما على الاستثمارات المغربية، مُتهما المغاربة بترويج المخدرات في افريقيا، ومصارفهم بتبييض الأموال. وعلى الرغم من تراجع الوزير عن تصريحاته، فإن الحرب الاقتصادية بين الغريمين لم تتوقف، وهي تشكل امتدادا للخلاف «التاريخي» حول الصحراء الغربية. وكانت الشركات والمصارف المغربية باشرت «اختراقا» في بلدان افريقيا جنوب الصحراء مع مطلع الألفية، من خلال وفود من رجال الأعمال كان يقودها الملك محمد السادس بنفسه. وأسفرت تلك البعثات عن تركيز فرع مصرفي ومكتب لشركة الخطوط الملكية المغربية ومكتب لشركة تأمينات في كل بلد زارته البعثة. وأعطت الخطة أكلها سريعا، إذ بات المغرب حاليا أول مستثمر افريقي وخامس مستثمر دولي في القارة الافريقية. وتُقدر إحصاءات صادرة عن منظمات اقتصادية أممية قيمة الاستثمارات المغربية في أفريقيا بـ8 ملايين دولار في سنة 2015-2016. وتعمل غالبية الشركات المغربية في قطاع الاتصالات والخدمات المالية والصناعات التحويلية، في إطار اتفاقات تجارية توصل لها المغاربة مع عدد كبير من البلدان الافريقية. أما على الصعيد الداخلي فيستند هذا الانتشار الاقتصادي عبر القارة على نسبة نمو تتفوق على باقي البلدان المغاربية وتُقدر بـ4.8 في المئة. وأفادت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أن المغرب يتقدم على جيرانه من حيث نسبة النمو المُحقق سنويا، والتي قُدرت بـ4.8 في المئة.
انشغال بالحروب الداخلية
بالمقابل ما زال حضور الاستثمارات الجزائرية في القارة الافريقية محدودا، بالرغم من الإيرادات النفطية والغازية التي يُحققها هذا البلد. ويعزو خبراء اقتصاديون هذا الغياب إلى انشغال القيادات السياسية والاقتصادية بالحروب الداخلية على خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي استمر في الحكم قرابة عشرين سنة. ويُفضل الجزائريون تكثيف الإنتاج الزراعي وتطوير الصناعات الغذائية من أجل الحد من الاستيراد الذي وصل إلى 10 مليارات دولار في السنة. كما يميلون إلى استثمار الامكانات التي تُوفرها البنية التحتية الداخلية من الألياف الضوئية، والتي تم تركيزها في السنوات الأخيرة، وهي تقدر بآلاف الكيلومترات، من ضمنها 3000 كيلومتر على الطريق الصحراوية الرابطة بين الجزائر وتمنراست في أقصى الجنوب. ويسعى الجزائريون إلى إقامة مشاريع تخص تكرير النفط محليا بدل بيعه خاما، بالتعاون مع أطراف افريقية. غير أن المجموعات الدولية تُبدي حذرا شديدا من الاستثمار في الجزائر بسبب اشتراط القانون ألا تتجاوز حصة المستثمر الخارجي 49 في المئة مع بقاء 51 في المئة بين أيدي الجزائريين. وحض خبراء اقتصاديون على التخلي عن اشتراط امتلاك الدولة 51 في المئة من رأس مال الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع الابقاء عليه في الشركات العمومية الإستراتيجية.
أما نائب رئيس منتدى رجال الأعمال الجزائريين ابراهيم بن عبد السلام، فدعا إلى وضع خطة شاملة للاستثمار في افريقيا بالاعتماد على خبرات مجموعتي «سونتراك» النفطية و»سونالغاز» الغازية، وخاصة في بلدان الجوار أسوة بمالي والنيجر، وشدد على ضرورة أن تشمل الخطة الاستثمارية قطاع تصنيع الأدوية والصناعات الغذائية والمصارف والطاقة. وفي هذا الإطار قال بن عبد السلام إن منتدى الجزائر للاستثمار الذي سيُعقد في مطلع الشهر المقبل يرمي لاعتماد الاستراتيجيا الافريقية التي سيتعاون على تنفيذها القطاعان العام والخاص. واستطاعت الجزائر تحسين مستوى صادراتها إلى البلدان الافريقية، على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرُ فيها اقتصادها. وأفاد «المركز الوطني للمعلوماتية والإحصاءات» (قطاع عام) أن العجز التجاري الجزائري تراجع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى 8.14 مليار دولار أي بنسبة 38 في المئة قياسا على مستوى العجز في الفترة نفسها من العام الماضي. وعزا المركز تحقيق هذه النتائج إلى التقدم المسجل في الحد من الاستيراد والتحسن الطفيف في أسعار الصادرات من المحروقات.
تراجع إيرادات النفط
مع ذلك ألقت الأزمة النفطية بظلالها الكثيفة على احتياطات المصرف المركزي الجزائري، التي تراجعت من 194 مليار دولار في 2013 (أي قبل الأزمة) إلى 118 مليار دولار في 2016. ويتوقع الخبراء أن ينزل مستوى الاحتياطات إلى 85 مليار دولار في آخر السنة المقبلة، و76 مليار دولار في 2020. وأقر الجزائريون حزمة من الإجراءات الجديدة للحد من السحب من الاحتياط للإنفاق على المستوردات. وسنت الجزائر أخيرا قانونا جديدا يُجيز للدولة الاقتراض من المصرف المركزي لمجابهة العجز في الموازنة وتحويل بعض الديون لدى مؤسسات ومنشآت عمومية إلى الصندوق الوطني للاستثمار. وتعكس هذه المبادرات والإجراءات مدى الصعوبات الداخلية التي تُعيق خطط الجزائر لتكثيف استثماراتها في القارة الافريقية، ما يمنح المغرب سبقا واضحا يُمكنه من تعزيز حضوره الاقتصادي ليس فقط في غرب افريقيا، الذي يضم بلدانا ناطقة بالفرنسية، وإنما أيضا في شرق القارة، مثلما عكست ذلك وفود رجال الأعمال المغاربة الذين زاروا تلك المنطقة لاستكشاف فرص الاستثمار والتصدير.
وسنت الجزائر أخيرا قانونا جديدا يُجيز للدولة الاقتراض من المصرف المركزي لمجابهة العجز في الموازنة وتحويل بعض الديون لدى مؤسسات ومنشآت عمومية إلى الصندوق الوطني للاستثمار. وتعكس هذه المبادرات والاجراءات مدى الصعوبات الداخلية التي تُعيق خطط الجزائر لتكثيف استثماراتها في القارة الافريقية، ما يمنح المغرب سبقا واضحا يُمكنه من تعزيز حضوره الاقتصادي، ليس فقط في غرب افريقيا الذي يضم بلدانا ناطقة بالفرنسية، وإنما أيضا في شرق القارة، مثلما عكست ذلك وفود رجال الأعمال المغاربة، الذين زاروا تلك المنطقة لاستكشاف فرص الاستثمار والتصدير.
إعفاءات ضريبية
أقر تقرير صادر عن وزارة الصناعة والمناجم الجزائرية بأن التسهيلات الجبائية والحوافز الممنوحة لرجال أعمال أجانب لم تُعط أكلها، إذ أن المصانع التي أقيمت، خاصة في قطاع تجميع السيارات، لم تُخفف من العجز التجاري وإنما فاقمته. وكانت الجزائر وضعت في بداية الألفية الحالية تشريعات أعفت مستثمرين أجانب من دفع الضرائب لفترة محددة في مقابل إقامة مصانع يُوجه منتوجها إلى الخارج. لكن هذه المصانع لم تساهم في تطوير الصناعة الجزائرية وكان المستفيدون منها هم أصحاب المشاريع. وشرح وزير الصناعة والمناجم محجوب بدة في اجتماع حكومي مصغر محتوى التقرير، مشيرا إلى أن التسهيلات الجبائية المُقررة كانت تخص مشاريع في قطاعات مختلفة، من بينها استيراد مكونات السيارات وقطع الغيار لتجميعها محليا. واستفاد من هذه الآلية 60 صناعيا ورجل أعمال استطاعوا تأمين 20 ألف فرصة عمل، غير أن متوسط نسبة الادماج في هذه المصانع لم تتجاوز 20 في المئة.
كما أن فرص التصدير للبلدان الافريقية بقيت ضئيلة. وأفاد التقرير الوزاري أن الدولة الجزائرية لم تستفد من الحوافز التي منحتها لرجال الأعمال، وأنها خسرت الضرائب التي كان يمكن تحصيلها لو لم تُمنح الاعفاءات.
قُصارى القول إن الغريمين، المغرب والجزائر يخوضان حربا اقتصادية ضروسا ضد بعضهما البعض، تستنزف طاقات البلدين وتحد من إمكانات إشعاعهما في القارة الافريقية، بدل أن يكونا منارتين لتنمية هذه القارة واستثمار طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية.