منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 العَلمانيـة والدولة المدنيـة:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75801
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Empty
مُساهمةموضوع: العَلمانيـة والدولة المدنيـة:    العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2017 - 10:11

العَلمانيـة والدولة المدنيـة: مآزق النخب وأوهام العامة (3-1)


معاذ بني عامر
ثلاثة مآزق تُعاني منها النُخب الثقافية فيما يتعلق بموضوعة العَلمانيـة والدولة المدنية، يُقابلها وهمان يعاني منهما عامة الناس، بما يجعل من السجالات التي تدور حولهما، أعني حول العَلمانية والدولة المدنية، سجالات انتحارية بالدرجة الأولى، نظراً لاستنادها أساساً إلى سياقات ليست مغلوطة فحسب، بل وواهمة أيضاً.
إليكم تفصيلاً بذلك؛
مآزق النُخب:
1 - تقديم الدولة المدنية على العَلمانية.
2 - الانتقال من طور التراكمات الثقافية إلى طور كُنْ فيكون.
3 - الدخول في مجاملات معرفية لإرضاء العقل الجمعي.
وهما العامة:
1 - العداء المبدئي لمصطلح العَلمانيـة.
2 - الخلط بين العَلمانية والدولة المدنية.
إذاً، نحنُ أمام ثلاثة مآزق للنُخب، مقابل وهمين لعامة الناس، سيجتمعان معاً للإطاحة بمشروع العَلمانية كمشروعٍ عقلي بالدرجة الأولى، ومشروع الدولة المدنية كتجلٍ للمشروع العقلي بالدرجة الثانية. فعند نقطة معينة تلتقي المآزق التي تعاني منها النخب مع الأوهام التي يحتكم إليها عامة الناس وتتعالق معها، فتكون النتيجة تقويض المشروع المزدوج: 1 - العَلمانيـة. 2 - الدولـة المدنيـة.
في العَلَن يبدو أن النُخب تجنح ناحية التحكّم بمفصليات الحياة وتُسيّرها وفقاً لرؤاها وتطلعاتها، لكن في الأعماق ستنحاز النُخب –طوعاً/ كرهاً- إلى ما يُقرّره العامة. فالقوة التي يتمثلها الشعب –بما يتعلق بالسياق الذي أتناوله هنا- ستكون بمثابة الثقب الأسود الذي يبتلع كل ما حوله. ولتبيان العلاقة وتجلية معالمها فإني سأعمد إلى تناول موضوعة العَلمانية والدولة المدنية في ثلاثة مقالات ستكون المقالة الثالثة بمثابة تقديم نظراً لانطوائها على بسط مفاهيمي لكلّ من العَلمانية والدولة المدنية، في حين أنني سأتناول في هذه المقالة والمقالة التي تليها المآزق والأوهام التي أشرتُ إليها أعلاه. أي أنني سأعمد إلى تنظيف الأرض قبل حرثها، لكي لا يكون الغرس غرساً حسناً.
وعليه، فالمأزق الأول لدى النخبة، والمتمثل في تقديم العَلمانية على الدولة المدنية، ناجمٌ عن سوء تقدير للعلاقة بين ما هو عقلي وما هو تطبيقي. فالنُخب إذ تسعى لتمثّل الدولة المدنية كحالةٍ خلاصية على أرض الواقع قبل الاشتغال على الخُلاصات العقلية، فإنها تضع العربة أمام الحصان، وتقول للناس: تقدّموا إلى الوراء. فالعَلمانية بما هي سؤال العقل النقدي بإزاء السرديات التي كانت قد قدمت إجابات نهائية عن أسئلة آنية، فإنها –أعني العَلمانية- الخطوة الأولى والضرورية لمظهَرَة وتجلية مسارات العقل النقدي على أرض الواقع. وطالما عجزت النُخب عن تقديم رؤى فلسفية جديدة تُزيح السرديات عن مواقعها في الأذهان، فإنّ تقدما على أرض الواقع لن يحدث إلا بقوة السلاح ولبعض الوقت فقط، ثم ينهدم معمار هذا التقدّم نتيجة لعدم التأسيس له في أذهان الناس أولاً. لذا يصبح من الضروري جداً الاشتغال على زحزحة الثوابت الذهنية، قبل الانتقال إلى الواقع العملي. واليوم إذ نرى حراكاً باتجاه الدولة المدنية، فإن أي خطوة ناحية الأمام لا يرافقها أو بالأحرى يتقدّم عليها الفعل العقلي النقدي للثوابت التي أسّست للاجتماع الإنساني المُضاد للدولة المدنية أصلاً، سيكون مصيرها التقهقر نظراً لعدم استنادها إلى قواعد متينة.
وفي نوبة وصال حميم، سيحدث وصل بين 1- مأزق النُخب المتمثل في تقديم الدولة المدنية على العَلمانية، أو تقديم الجانب التطبيقي على الجانب العقلي؛ وذلك بانتقالها مباشرة إلى التطبيقات العملية أو ما اصطلح عليه بـ الدولة المدنية، نظراً لفشلها في تقديم رؤى معرفية تُفكّك ثوابت السرديات الكبرى من جهة وتبني أطروحات جديدة من جهة ثانية. وبين 2- وهم العامة في الخلط بين العَلمانية والدولة المدنية، فهم لا يعرفون ما هي العَلمانية وما هي الدولة المدنية، وعند لحظة معينة تختلط ليس المفاهيم فحسب، بل والمصطلحات أيضاً، إلى حد عدم التفريق بينهما. وهذا ناتج بالأساس عن سوء تقدير في عمل النُخب –في الغالب- فهي غير قادرة على تمثّل الفرق الجوهري بينهما، لذا يتم توريد صورة مشوّشة ومشوهة لدى العامة. بما يضغط باتجاه تأخير تأسيس نواة التغيير والتقدم ناحية الدولة المدنية، بصفتها انبثاقة لعقلٍ نقدي يُعمِلُ مبضعه في أوجاع السرديات التي تتحكم بمآلات حياتنا، ليس لغاية تطبيبها فقط، بل والعمل على الاستعاضة عن القطع التالفة فيها بقطعٍ جديدة صالحة لشرط وجودنا الحالي. وإذا استلزم الأمر استبدالها بالكامل فلا بأس، لكن ذلك سيتطلب توافر بيئة خصبة ومناسبة لاجتراحات فلسفية جديدة في الحقول العلمية والأدبية والجمالية والدينية، يكون من شأنها إحداث تغيير جوهري في رؤية الإنسان العربي لثنائية: الإنسان والعالَم.
إذاً، ثمة وصل ووصال بين مأزق النُخب المتمثل في تقديم الدولة المدنية على العَلمانية، وبين وهم العامة المتمثل في الخلط بين مفهومي الدولة المدنية والعلمانية. سينتج عنه تشويش كبير في الرؤى والأولويات إلى حدّ: 1 - تقديم تنازلات كبيرة من قبل النُخب لإرضاء العقل الجمعي أو عامة الناس، بما يُبقي على نواميسها الناظمة للحياة في بُعديها الدنيوي والأخروي. 2 - خلق حالة من العداء المبدئي لدى العامة للعَلمانية والدولة المدنية. وهذا ما سأتناوله في المقالة القادمة بشيء من التفصيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75801
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Empty
مُساهمةموضوع: رد: العَلمانيـة والدولة المدنيـة:    العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2017 - 10:13

العَلمـانية والدولـة المدنيـة: مآزق النُخب وأوهام العامة (2 - 3)


معـاذ بنـي عامـر
كتجلٍ لـ 1 - مأزق النُخب في تقديم الدولة المدنيـة على العَلمانية، واندماج هذا المأزق مع 2 - وهم العامة في الخلط بين العَلمانية والدولة المدنية؛ ينشأ 1 - مأزق النُخبة الثاني المتمثل بـ الانتقال من طور التراكمات المعرفية إلى طور (كُنْ فيكون)، و2 - وهم العامة الثاني المتمثل بـ: العداء المبدئي لمصطلح العَلمانيـة.
وفي التجلّي اللاحق للحالة الحميمة بين مآزق النُخب وأوهام العامة تنشأ الحالة الخطيرة التي تطيح بمشروع التقدّم، المتمظهرة بـ: المجاملات المعرفية لإرضاء العامة وعدم استفزازهم واستثارة مشاعرهم، بما يُبقي على المشروع العَلماني والدولـة والمدنية في طور الهدر المستمر.
مرةً أخرى، إليكم تفصيلاً بذلك:
واحدة من الإشكالات الكبرى التي تُواجه الطرح العَلماني في تجليه العملاتي؛ أعني الدولة المدنية، (وهو بالضرورة نوع من تركيب خطأ بَعْدي على خطأ قَبْلي؛ فالخطأ القَبْلي متمثل بـ تقديم الدولة المدنية على العَـلمانية، أي تقديم ما هو عملي دون التأسيس له عقلياً؛ والخطأ الثاني متمثل بـ عدم التأسيس لتراكمات معرفية تتناول السرديات التي شكلّت معالم الاجتماع الإنساني بالنقد والتحليل المستمرين، لذا يتم الاستعجال للتأسيس لدولة المدنية)، هو الانتقال من حالة التراكمات المعرفية التي تُؤسس للسؤال الفلسفي في أبعاده المختلفة لتفكيك المنظومات أو السرديات التي كان لها الدور الأساسي في تشكيل معالم الوجود الإنساني بتمظهراته المختلفة.
فالانتقال السريع من مرحلة التأسيس العقلي لأطروحات جديدة تتناول النصوص المُؤسِّسة بالدراسة والبحث دونما ثوابت مسبقة أو قداسات مبدئية، إلى مرحلة التطبيق العملي لشيء غير موجود أساساً، يجعل من أطروحة الدولة المدنيـة بصيغتها العملية دون التأسيس لها عَلمانيـاً، أطروحة مُتهافتة أصلا، فهي كمن يعمل على دهن بيته باللون الأحمر دون أن يكون لديه بيت أساساً، أو كذاك الذي دعا ربّه طويلاً أن يرزقه بولدٍ فلم يستجب له، إلى أن أرسل له الرب ملاكاً يقول له: تزوج أولاً أيها الأحمق.
وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من تغييب طوعي أو إكراهي للسؤال النقدي أو للسؤال العَلمانـي بإزاء النصوص المُؤسّسة والاشتغال على مواضعات نقدية جديدة في مختلف المجالات، فإنّ النُخب ستنتقل بالتقادم من طور المريض النفسي إلى طور المريض العقلي، أي من حالة العُصاب إلى حالة الذُهان بلغة علم النفس. والفرق بينهما هو أن المريض النفسي يبني قصراً في الهواء، في حين أن المريض العقلي يسكن في هذا القصر!
وهذا بدوره، أعني عدم تقديم أطروحات جديدة، سيُنشئ حالة من العداء المبدئي تجاه ليس العَلمانيـة فحسب لدى العامة، بل والدولة المدنية أيضاً. ففي سياق اجتماعي متدين، سيعتبر المواطن العادي أن الدعوات المحمومة –التي تقفز قفزاً- باتجاه التغيير السريع ناحية الدولة المدنية، هي تهديد حقيقي لمقتنياته الوجودية بالدرجة الأولى، فهو يعيش بأمن وأمان داخل شرنقة نصوصه الدينية التي أسّست له سيكولوجياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وآيديولوجياً ومنحته فوق هذا أمناً ميتافيزيقياً. لهذا ستكون الدعوة الفورية إلى الدولة المدنية دعوة انتهاكية بالدرجة الأولى، لذا سينكمش هذا المواطن أكثر ناحية الداخل ويركن ركوناً أخيراً داخل شرنقته، وبالتقادم يصبح الخروج منها أشدّ صعوبة.
من هنا، تنشأ الإشكالية الكبرى في معادلة العَلمانيـة والدولـة المدنيـة، لناحية تقديم تنازلات من قبل النُخب، من شأنها تطمين العامة إلى أن الدولة المدنية لا تستهدف مقتنياتهم الروحية والوجدانية والعقلية، فكل ما تسعى إليه الدولة المدنية هي إقامة دولة قانونية بحيث تتحقق العدالة الاجتماعية، بصفتها مقدمة ضرورية لدولة الرفاه.
ولن تكون هذه الإشكالية منزوعة عن سياقات غياب المشروع العقلي لدى النُخب، فهي لا تحمل على عاتقها أصلاً تفجير مكامن الاجتماع الإنساني عبر طرح حزمة من الأسئلة الفلسفية الجارحة/ المحرجة، القادرة ليس على تفكيك السرديات الناظمة لحركة هذا الاجتماع فقط، بل ومُؤسّسة لأطر ناظمة أيضاً، ستكون صالحة لفترة من الوقت إلى أن يأتي جيل جديد ويُؤسس لأطر جديدة، بما يبقي على شُعلة الأسئلة متوهجة، اقتضاء لواقع صيروة العقل الإنساني الذي يتحقّق تحقّقه الأمثل في الحركة الدائمة، لا في السكون الأبدي.
فمن لا يملك مشروعاً أساساً، أمكنه التنازل عنه بسهولة. والنُخب ليس لديها مشروع فلسفي على المستوى العقلي، لذا من السهل أن تتنازل عنه على المستوى التطبيقي مع أول احتجاج شعبي عليه أو على ما يحيط به. لذا لا تفتأ هذه النُخب تُوضّح للناس أن الدولة المدنية دولة لا تشتغل ضدّ المُسلمات التي يعتمد عليها الناس اعتماداً كلياً في تسيير أمورهم الدنيوية والأخروية، بل إنها تعمد في كثير من الأحيان إلى اعتماد بعض هذه المسلمات كنقاط ارتكاز قصوى في العلاقة التي يمكن أن تجمع بين المُتعلمِن والمُتديِّن. بما يُشكل خيانة ثقافية لناموس العقل الذي لا يمكن التقدّم خطوة واحدة على المستوى الحضاري إلا بإعمال شرطه في مادة هذا العالَم، سواء أكانت مادة محسوسة في الطبيعة أو مادة معنوية في النصوص الدينية أو الفلسفية أو الأدبية أو العلمية. ولربما في الأساس هو لا يعي هذه الخيانة، لأنه لا يتمثلها أصلاً، فعقل غيره أقدر –من جهة- من عقله على تقديم رؤى لتسيير أمور حياته. ومن جهة ثانية هو لا يملك أي رؤية عقلية ليقدمها لغيره، لذا تكون خيانة ناموس العقل من باب تحصيل الحاصل. وذلك الادعّاء بالانفصال عن العامة هو ادعّاء سيكولوجي، فهو لا يشتغل على فروقات جوهرية على المستوى العقلي، بل يشتغل على جملة من الفروقات الشكلية، التي سيظهر زيفها مع أول مواجهة حقيقية مع العامة. ففي النقطة القصوى والأشد وضوحاً النُخب عامة، والعامة نُخب. ولربما كان للكشف عن جوهر العَلمانية والدولة المدنية تحقّقاً أكثر جلاء في مظهرة هذا الطرح، وهذا ما سأعمل عليه في المقالة الثالثة من هذه السلسلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75801
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Empty
مُساهمةموضوع: رد: العَلمانيـة والدولة المدنيـة:    العَلمانيـة والدولة المدنيـة:  Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2017 - 10:13

العَلمانيـة والدولـة المدنيـة.. مآزق النُخب وأوهام العامة (3 – 3)


معاذ بني عامر
من ناحية، أعتبرُ العَلمانيـة –سعياً وراء تأسيس مفاهيمي- أسئلة عقلية برسم التشكّل الدائم، لغاية فهم العالَم في بُعديه الفيزيقي والميتافيزيقي، بصرف النظر عن مدى الإيمان من عدمه بوجود العالَم الثاني ( = العالَم الميتافيزيقي). والدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأسئلة في تفكيك المنظومات المعرفية التي شكلّت المعالم الأساسية لهذا العالَم، وتقديم أطروحات جديدة من شأنها إبقاء جذوة الفعل الحضاري مشتعلة. على أن تتم مراجعة هذه الأطروحات بشكلٍ دائم ومستمر، سعياً –بالدرجة الثانية- إلى احترام الوجود الإنساني الآني وعدم إخضاع شرطه الحياتي لأنماطٍ من التفكير السابق التي تسلبه حقّه في تقرير مصيره في هذا العالَم. وإقراراً –بالدرجة الأولى- لناموس العقل التأسيسي، أعني ناموس (الصيرورة: جدل العقل مع ذاته) والتحامه في علاقة تشابكية واشتباكية مع (سيروة) العالَم. فهو ناموس غير قارّ أو ثابت، بل هو دائم الحركة؛ وأي ثبات له أو إقرار بإجابات أبدية، سيحوّله إلى آيديولوجيا، ويخرجه من دائرة المعرفي.
وضمن هذا التوجّه، لا يمكن للعَلمانيـة أن تتحوّل إلى سردية كبرى تحمل بين طياتها إجابات قاطعة ونهائية عن أسئلة الحياة، بل هي نظام عقلي يسعى إلى تفكيك السرديات الكبرى (دينية/ فلسفية/ أدبية/ علمية/ سياسية/ اقتصادية/ اجتماعية...الخ) عبر نقد منظوماتها، اقتضاء لواقع مواضعات العقل الآني، من غير ارتهان لثوابت سابقة يمكنها أن تحجر على هذا النظام في استبصار ما ينفع الإنسان، حتى لو أدّى هذا الاستبصار إلى الإطاحة الكلية بتلك السرديات أو الإبقاء على بعض جوانبها أو تهذيب بعض مقارباتها...الخ. وفي سعيها لأنْ لا تكون سردية كبرى، يمكن القبض عليها أو على أطروحاتها، تبقى العَلمانيـة ميزة إنسانية فائقة، فهي التي تمنح الإنسان –إذا ما أراد- تحقّقاً مثالياً في السؤال الأنطولوجي: لِمَ أنا موجود في هذا العالَم، وما هو الدور المُناط بهذه الأنا تحديداً من دون الأنوات الأخرى؟ إذ لا يمكن لأحدٍ أن ينوب عن أحد ليس في تقرير مصيره فحسب، بل وفي إثبات موجوديته في هذا العالَم، من خلال اجتراح فعل إبداعي –أياً كان- لا يمكن لأحد غيره أن يجترحه.
من ناحية الثانية، الدولـة المدنيـة، تطبيق عملي للتعريف السابق. لكن أن تعمل آليات الدولة المدنيـة –عبر شبكتي الأشخاص والمفاهيم- على تثبيت الأسئلة العقلية القلقة والدافقة في إجابات ثابتة وقاطعة، سيجعل منها دولة استبدادية تُلغي فعل العَلمنـة الناسوتي، وتستبدله بفعل الأتمتـة اللاهوتي، حتى وهي تتخذ طابعاً دنيوياً بحتاً.
بالتقدم خطوة ناحية الخلف، النُخب في مجتمعاتنا تتحدّث عن الدولـة المدنيـة بصيغتها التطبيقية، باعتبارها حدثاً خلاصياً على المستوى الجمعي، لكنها لا تمتلك أطروحة عقلية تُفكّك بموجبها المنظومات المعرفية التي تتحكّم بمفصليات حياتنا –ابتداءً من لحظة الميلاد المادي إلى الأبد الميتافيزيقي- التي تقف عقبة كأداء في وجه الوصول إلى الدولة المدنيـة.
ومن هنا تبرز المأساة العظمى، إذ تُفهم أطروحة الدولـة المدنيـة باعتبارها سردية جاهزة وناجزة، تريد أن تُحدث إزاحـة قسرية في مفاهيمية الدولة الدينية كما هي قارّة في أذهان الناس. لذا يعمد العامة إلى رفضها رفضاً كاملاً، مما يُجبر النُخب –سعياً وراء عدم إغضاب العامة واستفزازهم وتحريك مياههم الراكدة- إلى تقديم تنازلات معرفية جوهرية تهدم الفعل العَلمـاني من جذوره، رغم أنهم في الأساس لا يمتلكون أي طرح عَلمانـي أو عقلي. ففي اعتقادهم أن الحفاظ على ثوابت كثيرة في السردية الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، وجعلها مساطر معيارية لا يمكن تجاوزها، سعياً للحفاظ على البعد الهُوياتي للأمة، سيخدم مشروع الدولـة المدنيـة ويجعلها أكثر قبولاً لدى الجماهير. لكن الأمر في حقيقته ينطوي على بُعدين اثنين:
1 - افتقاد النُخب إلى أيّ إطار فلسفي يحفر عميقاً في الجذور التي أسّست للاجتماع الإنساني، وإخضاعها إلى مُساءلات استقصائية، لذا تلجأ هذه النُخب إلى القشور، ليس بصفتها حلَاً سريعاً فقط، بل ولأنها الأكثر تعبيراً عن روح هذه النُخب، فهي نُخب معنية بالقشور لا بالأعماق، لذا لا يمكنها أن تُفلسف العالَم فسلفةً جديدة.
2 - حالة الانسجام بين النُخب والعامة في رفض العَلمانيـة أو سؤال العقل بإزاء العالَم. وما تلك الدعوات للدولة المدنيـة قبل أن تقدّم مشروعاً عقلياً لما يمكن أن تكون عليه الدولة المدنية، إلا من باب التحايل على المشروع العقلي والإطاحة به من خلال الدخول في مواجهة حتمية مع العامة المعبأة تماماً ضدّ أي شأن للعقل في الاجتماع الإنساني. فالمصالح الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الآنية للنُخب مُهدّدة في حال الاشتغال عليها عقلياً، لذا تلجأ النُخب إلى وضع عربة الدولة المدنية أمام حصان العَلمانيـة، لتُربك الرؤية لدى العامة وتجعلهم في مواجهة حقيقية مع أي مفكّر أو فيسلوف من شأنه إيقاظ الأسئلة النائمة وخلق مواجهة معرفية بينها وبين تلك السرديات الناظمة للحياة الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية...الخ. وبما أن ذهن العامة ذهن ديني في بعده الجوهري، فيتم تسويق العَلمانيـة باعتبارها تهديداً للمنظومة الدينية، التي يتم رفضها ورفض أتباعها بشكلٍ مبدئي، ويصبح وجود المُفكّر العَلمانـي الحقيقي وجوداً انتهاكيـاً لحُرمـة العقد الناظم لروح الأمة وبُعدها الهُوياتي. لذا يتم التضحيـة بهذا المُفكّر مرتين: 1 - مرةً من قبل النُخب، من خلال تميعة وتسخيف مشروعه العقلي والقفز عليه قفزاً ناحية تطبيقات عملية وفورية، لا يمكن أن يكون لها معنى في الاجتماع الإنساني إلا إذا تمّ الاشتغال عليها عقلياً، وتحويله إلى سياق قابل للتوريث النقدي. و2 - مرةً من قبل العامة، من خلال تهديد حياته في بُعديها المادي والمعنوي، كيف لا وهو الذي يستهدف روح الأمة، عبر سعي دؤوب ومحموم لإفقاد الناس يقينياتهم وثوابتهم في الحياتين الدنيوية والأخروية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
العَلمانيـة والدولة المدنيـة:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدولة المدنية والدولة الدينية
» استرداد الثقة لحماية الشعب والدولة
» الإسلام والدولة المدنية حلمي الاسمر
»  · البلاد العربية والدولة العثمانية، ساطع الحصري
»  ثورة نوفمبر المعجزة.. فاصلة بين الامبراطورية الفرنسية والدولة الفرنسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: