الثورة الصناعية الرابعة …تسونامى التكنولوجيا
نصف سكان الصين استعدوا للثورة الصناعية الرابعة
“الثورة الرابعة” توفر فرصاً واسعة لتحقيق معدلات عالية من التنمية
أهم السلبيات :
هيمنة الشركات الكبرى و اضمحلال دور المتوسطة والصغيرة في العملية الإنتاجية
يقف العالم اليوم على أعتاب ثورة جديدة هى الرابعة فى تاريخ االبشرية وقد اختار منتدى دافوس العالمي عنوان “الثورة الصناعية الرابعة” شعارا لدورته الـ46، ومرّد هذا الاختيار، وفق الخبراء أن “الثورة الصناعية الثالثة”، وهي ثورة الحوسبة الرقمية، التي انطلقت في خمسينات القرن الماضي، وصلت إلى ذروتها وتطبيقاتها في الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيوية وثلاثية الأبعاد والثورة الحاصلة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي.
موجات الثورة
ووصف المشاركون في دافوس الثورة الصناعية الرابعة بمثابة تسونامي التقدم التكنولوجي الذي سيغير في الكثير من تفاصيل الحياة البشرية. وعبر البعض عن قلقه من هذه الثورة الرقمية، ودور المواطن في فضاء التفاعل الرقمي تمييزا عن تفاعله الاجتماعي التقليدي، فالتفاعل الرقمي أصبح أداة متاحة للجميع، فضلا عن كون الفضاءات الإلكترونية أصبحت سهلة الوصول بعد أن كانت بعيدة أو مستبعدة.
ويرتبط مفهوم “الثورة الصناعية الرابعة”، الذي كانت ألمانيا المبادرة إلى إطلاقه، بأتمتة الصناعة، والتقليل من عدد الأيدي العاملة فيها، بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق، وشرط الوصول إلى ذلك وجود قدرات علمية توظف في امتلاك بنية تقنية ورقمية متطورة، إلا أن الإيجابيات الكبيرة التي يمكن أن تحققها هذه “الثورة”، لصالح البشرية، تقابلها سلبيات ستترتب عليها وستعاني منها المجتمعات، بما فيها مجتمعات الدول المتقدمة.
هناك ثلاثة أسباب للاعتقاد ان التحولات اليوم لا تمثل مجرد إطالة أمد للثورة الصناعية الثالثة بل دخول في الثورة الصناعية الرابعة: السرعة والنطاق ونظم التأثير. أن السرعة في التغييرات الحالية ليس لها سابقة في التاريخ. بالمقارنة مع الثورات الصناعية السابقة، تتطور الثورة الصناعية الرابعة بسرعة عالية، علاوة على أنها تطال كل صناعة تقريبا في كل بلد. وأن سعة وعمق هذه التغييرات تبشر بتحول لجميع نظم الإنتاج، والإدارة، والحوكمة. إن الاحتمالات غير محدودة امام المليارات من البشر الذين يتواصلون عبر هواتفهم المحمولة التي لم ير مثلها الانسان مثيلا في قوة المعالجة، وسعة التخزين، والوصول إلى المعرفة. وسوف تتضاعف هذه الاحتمالات عن طريق الاختراعات التكنولوجية الجديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وإنترنت الأشياء (هو البيئة التي فيها الشخص من نقل البيانات عبر الشبكة دون الحاجة الى التواصل المباشر مع غيره من البشر او مع الكمبيوتر. هذه التقنية طورت من خلال مزج التقنيات اللاسلكية، والأنظمة الإلكتروميكانيكية متناهية الصغر والإنترنت. وهي تعرف احيانا بانترنت كل شيء ) والمركبات ذاتية الحركة والطباعة ثلاثية الابعاد وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية.
أن الذكاء الاصطناعي هو موجود اليوم في كل مكان حولنا، من السيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة ( بدون طيار) وبرمجيات الترجمة أو الاستثمار وغيرها الكثير. تم إحراز تقدم مثير للإعجاب في حقل الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، مدفوعا بالتطورات الهائلة في القدرة الحاسوبية وتوافر كميات هائلة من البيانات، من البرمجيات المستخدمة لاكتشاف أدوية جديدة الى الخوارزميات المستخدمة للتنبؤ باهتماماتنا المختلفة . وفي الوقت نفسه فان تكنولوجيا التصنيع الرقمية، تتفاعل مع عالمنا البيولوجي بشكل مستمر. يجمع المهندسون والمصممون والمهندسون المعماريون بين التصاميم الحاسوبية والطباعة ثلاثية الابعاد وهندسة المواد، والبيولوجيا التركيبية لخلق بيئة تعايش بين الكائنات الحية الدقيقة، وبيننا والمنتجات التي نستهلكها، وحتى المباني الذي نعيش فيه.
الإيجابيات
من الإيجابيات أن “الثورة الصناعية الرابعة” توفر فرصاً واسعة للمجتمعات البشرية كي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عموماً، بتخفيضها لتكاليف الإنتاج، وبالتالي تأمين خدمات ووسائل نقل واتصال تجمع بين الكفاءة العالية وثمن أقل… ومن الإيجابيات الأخرى أيضا المساهمة في رعاية صحية أفضل للإنسان، كما أنها تختصر الكثير من الوقت في عملية التطور، وتعميم منجزاتها على العالم… الخ. غير أنها تفرض في الوقت عينه تحديات غير مسبوقة على المجتمعات البشرية.
التحدي الأول يتمثل في أنها تشترط إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، تلحق بها بالضرورة هيكلة اجتماعية وسياسية، لأن تحقيق أهداف “الثورة الصناعية الرابعة” يتطلب بنية اقتصادية واجتماعية وسياسية متطورة، بما يتواءم مع المضمون الجديد، الذي تفرضه هذه “الثورة”، لمفهوم التنمية الشاملة والمستدامة، وهو التحدي الثاني، ويكمن التحدي الثالث في المقدرة على تحمل نتائج تغيّر القيم الثقافية والاجتماعية، التي ستفرض على هامش “الثورة الصناعية الرابعة”.
وقال مؤسس المنتدى كلاوس شواب إن الثورة الصناعية الرابعة، التي ازدهرت على أساس الثورة الصناعية الثالثة المتمثلة في تطور تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت ، ستربط العلوم الفيزيائية أو المادية بالرقمية والبيولوجية.
وأضاف إن الثورة الصناعية الرابعة تتميز بثلاث مميزات، الأولى هي سرعة تطورها بمعدل النمو الأسى بدلا من معدل النمو الخطي، حيث أن التكنولوجيا الحديثة تدفع دائما تطور وظهور تكنولوجيا أحدث وأقوى. فعلى سبيل المثال، ظهر هاتف آي فون عام 2007، وأصبح منتشرا في الشوارع والأحياء، وحتى نهاية عام 2015، بلغ عدد الهواتف الذكية 2 مليار جهاز في أنحاء العالم.
وتابع شواب قائلا: “أما الميزة الثانية فتتمثل في زيادة حجم الفوائد بالنسبة للفرد الواحد. ففي العصر الرقمي، تحتاج الشركات إلى عدد قليل من الموظفين وحجم صغير من المواد الخام لإنتاج منتجات ذات فوائد كبيرة. وبالنسبة إلى الشركات الرقمية، تنخفض تكاليف التخزين والنقل وإعادة إنتاج منتجاتها إلى صفر. وتتطور بعض الشركات القائمة على التكنولوجيا بدون رأس مال كبير مثل انستغرام و”واتسأب وغيرهما”.
وبالنسبة للميزة الثالثة للثروة الصناعية الرابعة، أشار شواب إلى أن التنسيق والتكامل بين الاكتشافات المختلفة أصبح أكثر شيوعا. وقد تم تبادل الفوائد بين تكنولوجيا التصنيع الرقمي وتكنولوجيا البيولوجيا، وزاد استخدام المصممين والمهندسين المعماريين للتصميم الرقمي وعلوم المواد الحديثة وعلم الأحياء الصناعية في ابتكار وإنتاج المنتجات الحديثة.
تغييرات جذرية
وقال شواب “هذه الثورة لم تغير مهام عملنا وطرق الاتصالات بيننا فحسب، وإنما ملامح المجتمع بأسرة وهويتنا أيضا”. وأوضح أن أكثر من نصف سكان الصين استعدوا للثورة الصناعية الرابعة وقد عكست الخطة الخمسية الـ13 للصين هذه القدرة. وتلخص الخطة التي أصدرت العام الماضي مسار التنمية الصينية للسنوات الخمس التالية مع النمو المدفوع بالابتكار والتنسيق والتنمية الخضراء والانفتاح والتشارك.
وأشار شواب إلى أن التكنولوجيا الرقمية دخلت تقريبا جميع المجالات والمنتجات. وقد بدأت الشركات الرقمية في دخول قطاعات الصناعة التقليدية مثل صناعة السيارات. ووصف الخبراء السيارة بأنها أصبحت “كمبيوتر يسير على أربع عجلات” لأن 40 في المائة من مكوناتها الكترونية. وقد أعلنت شركة “أيبول” و”غوغل” عن تجربتيهما في صناعة السيارات ذاتية القيادة، ما يشير إلى أن شركات التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تتحول إلى شركات للسيارات وتفرض تحديا كبيرا للشركات التقليدية.
وتوقع شواب أن تحدث تغيرات لا مثيل لها في السنوات العشرة القادمة في الحياة اليومية، مشيرا إلى استطلاع شارك فيه 800 مدير تنفيذي حول انطباعاتهم عن التكنولوجيا الحديثة في المستقبل القريب.، ورأى 86 في المائة من المشاركين أنه قبل 2025، سيستخدم 10 بالمئة النظارات الذكية أي الشاشات المثبتة بالرأس وبالتالي التمكن من عرض المعلومات دون استخدام اليدين لمعظم المستخدمين الحاليين للهواتف الذكية إضافة الى التعامل مع شبكة الانترنت استناذا إلى الأوامر الصوتية فقط، لتصبح القدرة البصرية قدرة جديدة توجه الأوامر والبحث وتبادل المعلومات.
وبالإضافة إلى ذلك، ستربط المدن الكبيرة خدماتها ومرافقها العامة والطرق بالانترنت، ما يساعد على الرقابة وتوفير الطاقة وتسهيل حركة النقل. وقد سخرت سنغافورة وبرشلونة هذه العلوم في خدماتها العامة لاسيما في مجالات ركن السيارات والإنارة وجمع القمامة. وأكد 64 في المائة من المستطلعين أنه قبل 2025 ستظهر في العالم مدينة تضم أكثر من 50 ألف نسمة تكون خالية من أي ضوء إشارة مرور.
السلبيات
بالمقابل، فإن أخطر السلبيات التي يمكن أن تترتب على المجتمعات البشرية، جراء تبعات “الثورة الصناعية الرابعة”، هي انتشار البطالة على نطاق واسع، حيث تؤكد تقديرات خبراء الاقتصاد أن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل إلى 50%، تمس الفئات الوسطى والدنيا من الأيدي العاملة، المقصود أصحاب “الوظائف البسيطة” التي لا تحتاج إلى خبرات علمية وتقنية عالية.
ويخشى من أن تؤدي “الثورة الصناعية الرابعة” إلى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في العملية الإنتاجية، وهيمنة الشركات الكبرى، ويشار هنا إلى تصريح أدلت به وزيرة التعليم والبحوث الألمانية، البروفسور يوهانا فانكا، نوهت فيه إلى أن مخاطر الاعتماد على الشركات الكبرى لأن القوة الاقتصادية لألمانيا مازالت مستمدة من قوة اقتصاد الشركات المتوسطة والصغيرة، وأكدت البروفسور فانكا على ضرورة أن يعطى هذان القطاعان الحيويان اهتماماً كافياً، علماً بأن ألمانيا تعد رائدة البلدان الغربية في مجال الأتمتة الصناعية.
زيادة البطالة
منظمة العمل الدولية حذرت في تقريرها السنوي ، من ارتفاع معدلات البطالة عالمياً في العام 2016، بسبب ضعف أداء الاقتصاد العالمي، وذكرت المنظمة في تقريرها أنه من المتوقع أن يزيد مستوى البطالة العالمية بحوالي 2.3 مليون في عام 2016 عن 2015، والذي بلغ حوالي 197 مليون عاطل عن العمل بالإضافة إلى 1.1 مليون كزيادة في عام 2017.
وحذّرت المنظمة من تراجع أوضاع الطبقات المتوسطة في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى قلاقل واضطرابات اجتماعية وسياسية واسعة، بسبب اتساع حالة الفقر، وتدهور الأوضاع المعيشية في البلدان المذكورة.
ويقول الخبراء إن الموجة الجديدة من التقنيات الحديثة لا تجلب فرصا مثل زيادة الانتاجية فحسب، لكنها تحمل مخاطر أيضا .
الأسواق الناشئة
وأعرب خبراء عن قلقهم إزاء تأثير “الثورة الصناعية الرابعة” ولاسيما الأسواق الناشئة، على رأسها الصين وغيرها من دول “بريكس” التي تشمل روسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا إضافة إلى الصين، والأسواق الناشئة في منطقة جنوب آسيا مثل ماليزيا والشرق الأوسط مثل مصر.
وقالوا إن هذه التقنيات الحديثة رغم ما تحمله من مزايا ومنافع بيئية، إلا إنها في الواقع ستكون لها تأثيرات على عدم المساواة واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب انكشاف الأدوات الحديثة.
وواجهت الدول الناشئة أكبر التحديات في السنوات الأخيرة. وشهدت الصين على سبيل المثال انخفاضا ملحوظا في معدل مساهمة الأيدي العاملة في إجمالي الناتج المحلي، نظرا للجوء العديد من الشركات والمصانع الى استخدام التكنولوجيا الحديثة بدلا من الأشخاص.
وفي هذا الصدد، قال شواب إن” الروبوتات تهدد الوظائف القديمة ومن ثم يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة”، مشيرا إلى تقرير نشرته صحيفة ((ليانخه زاوباو)) السنغافورية يقول إنه بحلول عام 2020، سيفقد حوالي 5 ملايين شخص فرص عملهم بسبب التطور السريع في التكنولوجيا.
وأكد شواب على ضرورة التشارك والتقاسم في مواجهة تلك التحديات قائلا : “يجب على الحكومات ومجتمعات الأعمال ضمان استعادة الناس لفرص العمل وخلق فرص عمل جديدة. كما يجب على الحكومات أن تضمن تقاسم منافع التكنولوجيا الجديدة محليا ودوليا”.
وتعد الصين واحدة من أكبر أسواق الروبوتات وتزود العالم بالكثير في مجالات التكنولوجيا الأخرى، وفقا لشواب، الذي أعرب عن إعجابه بمرونة ومصداقية أحدث انتاج من الطائرات بدون طيار من شركة (( دي جي أي)) الصينية للتكنولوجيا ومقرها شنتشن، مضيفا أن “الصين يمكنها أن تلعب دورا رائدا في رسم ملامح الثورة الصناعية الرابعة”.
التأثير على الأعمال التجارية
أحد المواضيع الأساسية التي يطرحها الرؤساء التنفيذيون وكبار رجال الأعمال في العالم هو أنه من الصعب فهم أو توقع تسارع الابتكارات والانهيارات، كما أن هذه العوامل تشكل مصدراً ثابتاً للمفاجأت، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون أفضل الارتباطات والمعلومات، ولكن من المؤكد بأن هناك أدلة واضحة في جميع الصناعات تشير إلى أن التقنيات التي تستند إليها الثورة الصناعية الرابعة سيكون لها تأثير كبير على الأعمال التجارية.
من جهة العرض، تشهد العديد من الصناعات دخول التكنولوجيات الجديدة التي تخلق طرقاً جديدة تماماً لخدمة الاحتياجات الحالية وتعطل بشكل كبير سلاسل قيم الصناعات القائمة، من جهة أخر، فإن التعطيل يستمر أيضاً من خلال المنافسين الألمعيين والمبتكِرين الذين يستطيعون، بفضل الوصول إلى المنصات الرقمية العالمية للبحث، التطوير، التسويق، المبيعات، والتوزيع، الإطاحة بالموظفين القدامى بشكل أسرع من أي وقت مضى، وذلك من خلال تحسين الجودة والسرعة أو السعر.
في ذات الوقت، تحدث أيضاً تحولات كبيرة في جهة الطلب، فمع تزايد الشفافية ومشاركة المستهلكين، ودخول أنماط جديدة من السلوكيات الاستهلاكية (والتي تقوم بشكل متزايد على الوصول إلى شبكات الهواتف المحمولة والبيانات) أُجبرت الشركات على تبني طريقة جديدة في التصميم والتسويق وتقديم المنتجات والخدمات.
الاتجاه الرئيسي هو تطوير منصات تعتمد على التكنولوجيا التي تجمع بين كل من العرض والطلب لتعطيل هياكل الصناعة القائمة، مثل تلك التي نراها في اقتصاديات “المشاركة” أو اقتصاديات “تحت الطلب”، وهذه المنصات التقنية، التي أصبحت سهلة الاستخدام على منصات الهواتف الذكية، واجتماعات الأشخاص، والأصول، والبيانات، خلقت بالتالي طرقاً جديدة تماماً لاستهلاك السلع والخدمات في خضم هذه العملية، وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تزيل الحواجز بين الأعمال والأفراد بغية الوصول إلى الثروة، من خلال تغييرها لبيئات العمل الشخصية والمهنية، كما أن منصات الشركات الجديدة هذه تتضاعف بسرعة لتقدم العديد من الخدمات الجديدة، بدءاً من الملابس ووصولًا إلى التسوق، من الأعمال إلى مواقف السيارات، ومن خدمات التدليك إلى خدمات السفر.
على العموم، هناك أربعة آثار رئيسية يمكن للثورة الصناعية الرابعة أن تؤثر فيها بالأعمال، وهي التأثير على توقعات العملاء، وعلى تحسين المنتج، وعلى الابتكار التعاوني، وعلى الأشكال التنظيمية، فسواء بالنسبة للمستهلكين أو الشركات، الزبائن هم دائماً محور الاقتصاد، الذي يتمحور بدوره حول كيفية تحسين عملية خدمة العملاء، ولكن الآن يمكن تحسين المنتجات المادية والخدمات، من خلال القدرات الرقمية التي تزيد من قيمتها، فالتقنيات الجديدة تجعل الأصول أكثر متانة ومرونة، في حين تغيّر البيانات والتحليلات من الطريقة التي يتم من خلالها الحفاظ على هذه الأصول، وفي ذات الوقت، يحتاج عالم خبرات العملاء والخدمات القائمة على البيانات، وتقييم الأصول من خلال التحليلات، إلى أشكال جديدة من التعاون، لا سيما بالنظر إلى السرعة التي تسير فيها الابتكار والانهيارات، كما أن ظهور المنصات العالمية وغيرها من نماذج الأعمال الجديدة، ستعني أخيراً، أنه سيتوجب إعادة النظر بالموهبة والثقافة وطرق التنظيم.
عموماً، فإن التحول القاسي من استخدام الرقمنة البسيطة (الثورة الصناعية الثالثة) إلى الابتكار الذي يقوم على أساس مزيج من التقنيات (الثورة الصناعية الرابعة) يدفع الشركات إلى إعادة النظر في الطريقة التي تسير بها أعمالها، وخلاصة القول: يجب على كبار رجال الأعمال وكبار المديرين التنفيذيين فهم البيئة المتغيرة، وتحدي افتراضات فريق عملهم، والسعي المستمر للابتكار.
الحكومات
بدأت العوالم المادية والرقمية والبيولوجية تتداخل بشكل أكبر، وهذه التقنيات والمناهج الجديدة ستمكن المواطنين بشكل متزايد من التفاعل مع الحكومات والتعبير عن آرائهم وتنسيق جهودهم، وحتى الالتفاف على مراقبة السلطات العامة، وفي ذات الوقت، ستحصل الحكومات على قوى تكنولوجية جديدة تمكّنها من زيادة سيطرتها على السكان، وذلك من خلال أنظمة المراقبة المنتشرة والقدرة على التحكم في البنية التحتية الرقمية، ولكن على العموم، فإن الحكومات ستواجه ضغوطاً متزايدة لتغيير نهجها الحالي فيما يخص إشراك الجمهور ورسم السياسات، وذلك لأن دورها المركزي في إدارة السياسة سيتضعضع نظراً لوجود مصادر جديدة من المنافسة وإعادة التوزيع ومركزية السلطة التي ستكون متاحة بفضل التكنولوجيات الجديدة.
في النهاية، فإن قدرة الأنظمة الحكومية والسلطات العامة على التكيف هي ما سيحدد احتمالية بقائها، فإذا ثبت بأنها قادرة على احتضان عالم من التغييرات التخريبية، وإخضاع هياكلها إلى مستويات الشفافية والكفاءة التي تمكنها من الحفاظ على قدرتها التنافسية، فإنها ستستمر، أما إذا كانت غير قادرة على التطور، فإنها ستواجه مشاكل متزايدة.
تأثيرها على الأشخاص
أخيراً، ستغير الثورة الصناعية الرابعة، ما نقوم به وما نحن عليه، وستؤثر على هويتنا وكل الأمور المرتبطة بها، حيث سيتغير شعورنا بالخصوصية، وبمفاهيم الملكية، أنماط الاستهلاك، الوقت الذي نكرسه للعمل والترفيه، كيفية تطوير عملنا، تنمية مهاراتنا، لقاءاتنا مع الآخرين، تعزيز علاقاتنا، فضلًا عن أن هذه الثورة ستغير من صحتنا وتأخذنا نحو ذات “كمومية”، والقائمة لا تنتهي لأن لا شيء يحدها سوى خيالنا.
هناك الكثير من المتحمسين والمتبنين للتكنولوجيا، ولكن في بعض الأحيان قد يتساءل المرء ما إذا كان اندماج التكنولوجيا في حياتنا يمكن أن يقلل من بعض قدراتنا البشرية المثالية، مثل التعاطف والتعاون، وعلاقتنا مع الهواتفنا الذكية هي مثال على ذلك، فالاتصال المستمر قد يحرمنا من أحد أهم أصول الحياة، وهو الوقت اللازم للتوقف والتفكير، والدخول في محادثة ذات معنى.
واحدة من أكبر التحديات الفردية التي تطرحها تكنولوجيات المعلومات الجديدة هي الخصوصية، فنحن نفهم غريزياً ضرورة ذلك، ولكن تتبع وتبادل المعلومات التي تخصنا هو جزء أساسي من نظام الارتباط الجديد، وفي السنوات المقبلة، سيزداد التركيز على النقاشات حول القضايا الأساسية مثل تأثير فقداننا السيطرة على البيانات على حياتنا الخاصة، وبالمثل، فإن الثورات التي تحدث في مجال التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، والتي تعيد تعريف معنى الإنسانية عن طريق إطالة معدلات الحياة، الصحة، الإدراك، والقدرات، ستجبرنا على إعادة تعريف حدودنا الأدبية والأخلاقية.
المستقبل
يعتقد شواب ان التكنولوجيا والتغييرات التي سترافقها مهما بلغت ستبقى تحت سيطرة البشر . ستكون مسؤولية الجميع توجيه تطور التكنولوجيا من خلال القرارات التي نتخذها بشكل يومي سواء كنا مواطنين، اومستهلكين، اومستثمرين. وبالتالي يجب علينا استغلال الفرصة والقوة لدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يعكس الأهداف والقيم المشتركة.
للقيام بذلك، علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول تاثير التكنولوجيا على حياتنا وكيف تعيد صياغة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. ان الوقت القادم سيكون مليئا بالفرص والمخاطر . يجد صناع القرار اليوم انفسهم في كثير من الأحيان محاصرين بالتفكير النمطي التقليدي او ضائعين وسط ازمات متعددة تتطلب منهم التركيز مما يجعلهم غير قادرين على التفكير بشكل استراتيجي حول قوى التغير والابتكار التي تعيد تشكيل مستقبلنا.
في النهاية، ينحصر الامر بالناس والقيم. نحن بحاجة إلى تشكيل مستقبل لنا جميعا من خلال اعطاء الاولوية للناس وتمكينهم . في جانبها الاكثر سوداوية قد تحول الثورة الصناعية الرابعة الانسان الى روبوت ، وبالتالي ستحرمه من قلبه وروحه . في الجانب المضيء من الصورة ستكون الثورة الصناعية الرابعة جزءا لافضل ما يملكه الإنسان :الإبداع والتعاطف، والتنظيم الإشراف، وستكون قادرة على الرقي بالإنسانية إلى وعي جماعي وأخلاقي جديد يستند إلى المصير المشترك. وعلينا ان نعمل جاهدين لتحقيق ذلك.