من رياض الصلح إلى سعد الحريري إيران والدستور اللبناني
عندما أعلن الرئيس سعد الحريري أن لبنان لن يكون محميّة إيرانيّة، وأنّه عربي الهويّة، لم يكن يطلق كلاماً «يثير التفرقة» كما كتبت وكالة أنباء فارس بالأمس ونقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية «رامين مهمان برست» مخاطبته لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني «سعد الحريري بأنّ عليه الاتعاظ بثورات الشعوب العربية التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط» ولا تجاوزه كلّ حدود الوقاحة عندما اعتبر أن الرئيس الحريري «أطلق تصريحات نفاقية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية معتبرا إطلاق مثل هذه التصريحات لن تصب في مصلحة لبنان لأنها لا تمت بالحقيقة بأية صلة… وأنه اتخذ مواقف مضللة تصب في صالح أميركا والصهاينة إضافة إلى أنها لن تصب في مصلحة لبنان بل إنها تعتبر تحديا يهدد استقلال كل المنطقة»، وهذا تهديد إيراني سافر لاستقلال وأمن لبنان!!
تتفّق تصريحات دولة الرئيس سعد الحريري مع نصّ الفقرة ب من مقدّمة الدستور اللبناني، ولا يسع أي رئيس حكومة لبنانية مخالفة نص الدستور ولا الافتئات عليه، وقد أضيفت هذه المقدمة بموجب القانون الدستوري الصادر في21/ 9/ 1990، وقد كلّفت الفقرة ب من الدستور الكثير من الدماء والقتال، وهذا الكلام للذين يحاولون اليوم تجاهلها ورميها وراء ظهورهم ومهاجمة الرئيس سعد الحريري الذي أكّدها بتصريحاته حول العلاقة الإيرانية بحزب الله وليس بالدولة اللبنانية، فحتى الآن إيران تدعم فريقاً يدين بالولاء التام العقائدي والمالي والعسكري لها ولا تقيم علاقة حقيقيّة بالدولة والشعب اللبناني وهذا من الأمور التي تسيء إلى العلاقة اللبنانيّة ـ الإيرانية ولا تساعد على تصفيتها من الكدر الشديد والالتباس الذي يشوبها!!
وتنصّ الفقرة ب من مقدمة الدستور اللبناني على «أن لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها»، وما قاله الرئيس سعد الحريري هو هذه الفقرة بحذافيرها، ومع هذا شنّت إيران عليه هجوماً عاتياً وغير مقبول وغير لائق برئيس حكومة قام بزيارة طهران وأبدى كلّ رغبة صادقة في أن تكون العلاقات اللبنانية – الإيرانيّة صافية وواضحة.
أذناب إيران في لبنان لا قيمة لكلامهم البتة، لا الذين يعتبرونها شريكاً في انتصارات المقاومة وهذا كلام غير مفهوم البتة في السياسة فهو ينص على حقوق لإيران في لبنان اكتسبتها عبر علاقة ملتبسة بفريق بل بطائفة لبنانيّة استغلّت خلالها كلّ ما هو مخالف لسيادة الدولة اللبنانية بالاعتداء الصارخ على حدودها وانتهاكها بتهريب الصواريخ إليها بطرق غير شرعيّة وبالمال الطّاهر أيضاً، وأنشأت فوق هذا كلّه «دويلة» لها في داخل الدولة اللبنانيّة!!
تخطئ إيران عندما تعتدي على هويّة لبنان العربية وعندما تهاجم سعد الحريري من بوابة هذه الفقرة، لأنّ الفقرة ب بالتحديد كلّفت لبنان حرباً استمرت منذ العام 1975 حتى العام 1990 حتى نصّ اتفاق الطائف على أن لبنان عربيّ الانتماء، قبل هذا نقول لمن خانوا ذاكرتهم خصوصاً «أب وأم» التصريحات النارية «النفاقيّة» وليد جنبلاط أكبر أمراء الحرب اللبنانية العائد حديثاً إلى حضن العروبة العفنة فكان كالذاهب إلى الحجّ في ركاب أنظمة شعوبها تسعى إلى تغييرها ولم يستحِ بالأمس عندما طالب الرئيس سعد الحريري» إلى الكفّ عن الخطابات النارية التي لن تفيده بشيء، مشدداً على ضرورة العودة إلى الحوار الهادئ ـ ولا نعرف عن أي حوار يتحدث جنبلاط بعدما دفن حلفاءه طاولته ـ وشدّد على ضرورة الابتعاد بلبنان عن سياسات المحاور» مع أنّه هو وحلفاؤه يشدّون لبنان ويزجون به في محور يعادي العالم كلّه، وسعد الحريري يضع لبنان في مكانه الطبيعي «العالم العربي»، إنما «تبييض الوجه الأسود عند إيران يجعل جنبلاط يقول أكثر من هذا ويا ليته يصدّق اللبنانيين ويكفّ هو عن التصريح فمع كلّ تصريح يطلقه يغرق هو وزعامته «المتذبذبة» شبراً في الأرض، حتى لتكاد الأرض تصرخ فيه «أصمت لأنني أكاد أنشقّ وأبلعك»!!
وللذين خانتهم الذاكرة، في شهر أيار 1926 أعلن مسيو دي جوفنيل الاستقلال عندما أعلن الدستور والنظام الجمهوري في لبنان… وفي البيان الوزاري لأوّل حكومة استقلاليّة والذي ألقاه رياض بك الصلح ـ أبو الاستقلال الأوّل ـ في جلسة 7 تشرين الأول عام 1943، أعلن بصفته رئيساً للحكومة اللبنانية :»إنّ لبنان وطن ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب.. إن إخواننا في الأقطار العربيّة لا يريدون للبنان إلا ما يريد أبناؤه الأباة الوطنيّون، نحن لا نريده للإستعمار إليهم ممّراً فنحن وهم إذن نريده وطناً عزيزاً مستقلاً سيداً حراً» ، فكيف يكون الحال بعد حرب كلفتنا مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين والمفقودين، حتى اتفق اللبنانيون في الطائف وأقروا جميعاً بأنّ لبنان عربيّ الهويّة والانتماء، على البعض إعادة قراءة الدستور اللبناني حتى يعودوا إلى صوابهم العربي في هذه اللحظات الحاسمة من حياة المنطقة ونلفتهم جيداً أن الزمن لن يعود إلى الوراء في لبنان في وقت تسير فيه شعوب العالم العربي باتجاه الحريّة.