منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 اغتيال رياض الصلح؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

اغتيال رياض الصلح؟ Empty
مُساهمةموضوع: اغتيال رياض الصلح؟   اغتيال رياض الصلح؟ Emptyالسبت 18 نوفمبر 2017, 11:46 am

لماذا قرر بن غوريون اغتيال رياض الصلح؟*(1/4)../ محمود محارب
تاريخ النشر: 15/02/2011 


نشر في " المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"
المنطقة اللبنانية المحتلة والضغط الدولي


*هدف الاتصالات، تجديد العلاقات بالنخب العربية، تطوير مصالح مشتركة بين إسرائيل والنخب الحاكمة، تجديد العلاقات بزبائن الوكالة اليهودية وإذكاء الخلاف بين الدول العربية 

* أخبر رياض الصلح المندوب الإسرائيلي أنه يفكر بالاستقالة من رئاسة الحكومة والتفرغ للعمل في جامعة الدول العربية 

* كان الصلح يعرف أن الياهو ساسون قد كتب إلى رجلين آخرين هما لطفي الحفار وتقي الدين الصلح في شأن إمكان التوصل إلى اتفاق يهودي عربي.

* لبناء السلام سأل ساسون الصلح: «هل لدى العرب استعداد لإجراء مفاوضات مباشرة مع اسرائيل؟ وهل يقبل العرب تقسيم فلسطين. وكان جواب الصلح: لا بد من التفكير في الأمر قبل الجواب.

 

أجرت إسرائيل مفاوضات سرية للغاية مع رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في باريس في الفترة الممتدة بين منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر ومنتصف كانون الأول/ديسمبر1948. وفي الوقت الذي كانت تجري هذه المفاوضات فيه اتخذ رئيس وزراء إسرائيل دافيد بن غوريون، في الفترة بين 9 و12 كانون الأول/ديسمبر 1948 قرارا باغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح. وقد حاولت مجموعتان من المستعربين اليهود الإسرائيليين كانتا حينئذ في بيروت، تنفيذ قرار الاغتيال من دون نجاح، منذ تلقيهما أمر اغتيال رياض الصلح في 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 إلى أن تلقتا قرارا جديدا في 22 شباط /فبراير 1949 ألغى قرار الاغتيال.

من نافل القول إن قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في فترة زمنية محددة، وهو موضوع هذه الدراسة، لم يكن له علاقة إطلاقاً، لا من قريب ولا من بعيد، بقيام الحزب السوري القومي باغتيال رياض الصلح، في أثناء زيارته الأردن في 16 تموز/ يوليو 1951، انتقاما منه لدوره في إعدام انطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي وزعيمه.

تهدف هذه الدراسة إلى متابعة المفاوضات السرية التي أجرتها إسرائيل ورياض الصلح، في الفترة المذكورة أعلاه، وتحليلها، ثم الوقوف على أسباب قرار إسرائيل الخطير اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح وخلفياته التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بسياسة بن غوريون في تلك الفترة تجاه لبنان، وفي مقدمتها محاولته الاحتفاظ بالمنطقة التي كانت تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان حينئذ، تمهيدا لضمها.

تستند هذه الدراسة، بالإضافة إلى الدراسات التاريخية وكتب المذكرات التي عالجت تلك المرحلة، إلى مصادر أولية وفي مقدمتها تقارير كبار موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين شاركوا في المفاوضات السرية مع رياض الصلح، وخاصة تقارير إلياهو ساسون وطوفيه أرازي، وغيرهما، المحفوظة في «أرشيف الدولة» في إسرائيل. وقد وفرت هذه الوثائق، التي كانت سرية للغاية ولم يسمح لجمهور الباحثين الاطلاع عليها إلا بعد مرور عقود طويلة، فرصة لنا للإطلاع على تفصيلات تلك المفاوضات بين المسؤولين الإسرائيليين ورياض الصلح، وأمكنتنا من الولوج إلى ذهنية القادة الإسرائيليين الذين اجروا تلك الاتصالات والاجتماعات والوقوف على أهدافهم.

*** 

أقامت الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، جهاز مخابرات كانت غايته جمع المعلومات عن الأقطار العربية، وإقامة علاقات متشعبة مع النخب العربية في الأقطار المجاورة لفلسطين، بما في ذلك تجنيد عملاء من بين صفوفهم للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية (1). وجرت الغالبية العظمى من لقاءات الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية وجهاز مخابراتها مع النخب العربية، طوال فترة الانتداب البريطاني، في عواصم الأقطار العربية، إذ كانت الحدود حينئذ مفتوحة بين فلسطين والأقطار العربية المجاورة. وجـرت هذه الاجتماعات واللقاءات بسرية تامة، بطلب من النخب العربية، وذلك لأن الرأي العام العربي كان يعتبر أن هذه الاجتماعات تجلب الخزي والعار لمن يقوم بها من النخب العربية، وينعتهم، خاصة بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ 1939)، بنعوت سلبية مثل التواطؤ مع الصهيونية والعمالة لها. وبعد اندلاع حرب 1948 بات من المتعذر مواصلة الاتصالات السرية بين الوكالة اليهودية والنخب العربية في معظم العواصم العربية المجاورة، لذلك اقترح إلياهو ساسون، الذي شغل منصب مدير القسم العربي في الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية قبل قيام إسرائيل، ثم مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد قيام إسرائيل، على الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، في أثناء حرب 1948، إقامة قاعدة للنشاط الاستخباري والعمـل الدبلوماسي السري الإسرائيلي في باريس لمواصلة الاتصالات السرية مع نخب البلدان العربية المجاورة. وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة اقتراح إلياهو ساسون وخصصت له الميزانية الملائمة (2). وفي بداية تموز/ يوليو 1948 سافر إلياهو ساسون إلى باريس ومعه اثنان من كبار العاملين في قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية هما طوفيه أرازي وزيامة ديبون، وبعد ذلك بفترة قصيرة التـحق بهـم سليم بيخور(3)، ثــم انضمــت إليهم فـي تشرين الأول/أكتوبـر 1948 يولندا هارمر (4). واستمرت هذه المجموعة القيادية تعمل في باريس ما يقارب النصف عام، وتمكن ساسون وفريقه في هذه الفترة من إعادة وصل ما انقطع مع زبائنه القدامى من النخب العربية، ومن عقد اجتماعات سرية جمة ومتنوعة، مع عدد من النخب العربية، أكانت هذه النخب في الحكم أو خارجه أو في المعارضة.

الاجتماعات السرية مع رياض الصلح في باريس 

بعد وصوله إلى باريس، وفي سياق تجديد اتصالاته بالنخب العربية، بعث إلياهو ساسون في 24 تموز/يوليو 1948 رسالة (5)، بواسطة مبعوث، إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، بيد أن رياض الصلح لم يرد عليها. وسعى إلياهو ساسون إلى الاتصال برياض الصلح وعقد اجتماعات معه على الرغم ما تنسبه المصادر الإسرائيلية إلى رياض الصلح من أنه لعب دورا مركزيا، في الأشهر العديدة التي سبقت حرب 1948، في بلورة موقف الدول العربية القاضي بإرسال جيوشها إلى فلسطين، وأنه اتخذ في السنة الأخيرة موقفا عدائيا متشددا من إسرائيل في جميع الساحات اللبنانية والعربية والدولية. وما شجع إلياهو ساسون على الإصرار على الاجتماع مع رياض الصلح أن الصلح لم يتورع، وفق الوثائق والمصادر الإسرائيلية، عن عقد اجتماعات كثيرة مع مندوبي الوكالة اليهودية خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.

وصل رياض الصلح إلى باريس في 19أيلول/سبتمبر1948، رئيسا للوفد اللبناني إلى الدورة الثالثة لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي افتتحت أعمالها في باريس في 21 أيلول/سبتمبر1948. كان رياض الصلح الأعلى مرتبة بين رؤساء الوفود العربية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ كان رئيس الوزراء العربي الوحيد المشارك في الاجتماعات، الأمر الذي مكنه من أن يكون له شأن مهم في بلورة مواقف الوفود العربية من الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتنسيقها. وبعد وصول رياض الصلح إلى باريس بادر إلياهو ساسون إلى الاتصال بالعديد من أعضاء الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات الأمم المتحدة لاستشفاف موقف رياض الصلح من إمكانية اجتماعه إلى إلياهو ساسون، وللتمهيد لمثل هذا الاجتماع. كذلك أرسل إلياهو ساسون يولندا هارمر مرتين للقاء رياض الصلح. وقد التقت يولندا هارمر رياض الصلح وزهير عسيران في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 1948 في قاعة الأمم المتحدة وتحدثت إليهما في أمور عامة من دون إن تتطرق إلى تفصيلات السياسة (6). ويبدو ان يولندا هارمر اتفقت في هذا اللقاء مع رياض الصلح، والتي كانت التقته في القاهرة قبل ذلك، على تحديد موعد اجتماع بينهما. ففي 28 تشرين الأول/أكتوبر 1948 اجتمعت يولندا هارمر ورياض الصلح في الفندق الذي كان ينزل فيه. ويتضح من تقريرها عن هذا الاجتماع أن رياض الصلح أخبرها أنه استلم الرسالة التي أرسلها إليه إلياهو ساسون، وأن الأحوال لم تكن تسمح له بالرد عليها، وأن الوضع غير ملائم بعدُ لعقد اجتماع في وقت قريب مع إلياهو ساسون، وأنه سيعطيها جوابه عن الاجتماع المقترح مع إلياهو ساسون بعد أن تتضح نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في ذلك الأسبوع (7). ومن نافل القول إن نشاط يولندا هارمر لم ينحصر في حدود مكان إقامتها الجديد في فرنسا، فسرعان ما واصلت علاقاتها بالعديد من النخب العربية في القاهرة. ففي تقرير له يذكر إلياهو ساسون أنه قبل مغادرتها القاهرة إلى باريس اتفقت يولندا هارمر «مع ثلاثة أشخاص رسميين وستقوم بالكتابة لهم، وهم: تقي الدين الصلح من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وكريم ثابت رئيس مكتب الصحافة والإعلام في القصر الملكي، وعلي حسن من قادة الشرطة ومن المخلصين للملك». ويضيف إلياهو ساسون: «لذلك سيقع على كاهلي تحضير التقارير لها»، وأن "في الإمكان تضمين التقارير ليس أخباراً فحسب، وإنما آراء ومواقف وتوجهات أيضاً الخ. ومما لا شك فيه أن المستويات العليا ستقرأ هذه التقارير وأنها ستساعد في توجيه الأمور بالشكل المرغوب لنا" (Cool.

عقد إلياهو ساسون وطوفيه أرازي ستة اجتماعات سرية مع رياض الصلح في باريس في الفترة الممتدة من منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 1948 إلى منتصف كانون الأول/ديسمبر 1948، وجرى معظمها في فندق بريستول حيث كان رياض الصلح يقيم. وجرت هذه الاجتماعات في جولتين شملت الجولة الواحدة ثلاثة اجتماعات. كانت الجولة الأولى بمبادرة من إلياهو ساسون، وعقد الاجتماع الأول في 15تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، والاجتماع الثاني في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1948، والاجتماع الثالث في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948. أما الجولة الثانية فتمحورت حول مصير المنطقة اللبنانية التي احتلتها إسرائيل في عملية «حيرام»، ومطالبة رياض الصلح انسحاب إسرائيل منها، حيث جرى الاجتماع الرابع في 8 كانون الأول/ديسمبر 1948، والاجتماع الخامس في 12 كانون الأول/ديسمبر، والاجتماع السادس والأخير في 15 كانون الأول/ديسمبر 1948.

لإدراك كنه هذه الاجتماعات وأسباب سعي إلياهو ساسون للاجتماع إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، ينبغي الوقوف على أهداف إلياهو ساسون، وهي أهداف إسرائيل ذاتها من عقد الاجتماعات والاتصالات مع مختلف النخب العربية في تلك الفترة الحاسمة من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويتضح من تقارير إلياهو ساسون في شأن هذه الاتصالات والاجتماعات أن إلياهو ساسون سعى لتحقيق جملة من الأهداف من هذه الاجتماعات والاتصالات، يمكن إيجازها بالنقاط التالية:

1 ـ تجديد العلاقات بالنخب العربية، أكانت في الحكم أم في خارجه أم في المعارضة، وإقامة علاقات جديدة بنخب وأشخاص جدد بهدف الحصول على معلومات مباشرة عن إستراتيجية الدول العربية وسياساتها في قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛
2 ـ السعي لتأسيس ثم تطوير مصالح مشتركة بين إسرائيل والنخب العربية وخاصة الحاكمة، التي تتناقض مع الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني والحقوق العربية؛
3ـ العمل على تجديد العلاقات بزبائن الوكالة اليهودية وعملائها الذين كانت الوكالة اليهودية أقامتها قبل اندلاع حرب 1948، وتعزيز علاقاتهم بالدولة العبرية حديثة التأسيس؛
4 ـ إذكاء الخلافات بين الدول العربية وتعميقها وتأجيج الصراعات بينها، وكذلك تغذية الخلافات في المجتمعات العربية وتعميقها على أسس طائفية وإثنية وعشائرية وجهوية، وجعل هذه الخلافات العامل المهيمن والمسيطر في العلاقات البينية العربية بهدف ضرب العمل العربي المشترك والقومية العربية والوحدة العربية كفكرة وكمشروع؛
5 ـ الترويج للمواقف الإسرائيلية من الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومحاولة كسب هذه النخب وجذبها نحو المواقف الإسرائيلية على حساب حقوق الشعب العربي الفلسطيني والحقوق العربية. ومن الملاحظ ان إلياهو ساسون شدد في لقاءاته النخب العربية في هذه المرحلة على مسألة قبول تقسيم فلسطين من حيث المبدأ، لأن ذلك يعطي شرعية لوجود إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه كان إلياهو ساسون يدافع بقوة عن إجهاض إسرائيل الشق الآخر من قرار التقسيم القاضي بقيام دولة عربية في فلسطين، باحتلال ما يربو على نصف المنطقة المخصصة للدولة العربية وفق قرار التقسيم، ويدافع بقوة أيضاً عن «الأمر الواقع» وعن رفض إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق الفلسطينية المحتلة وعن ضمها لإسرائيل؛ وحاول جذب النخب العربية إلى مواقفه هذه. وكذلك سعى إلياهو ساسون لاجتذاب النخب العربية إلى مفاوضات ثنائية مباشرة مع إسرائيل من اجل الاستفراد بكل طرف عربي على حدة وفرض ما يمكن فرضه من حلول واتفاقات.

اكتسب إلياهو ساسون، الذي ولد ونشأ وترعرع في دمشق وكان يجيد العربية بطلاقة، خبرة واسعة في التعامل مع النخب العربية. ومع أن السلام كان آخر شيء تفكر فيه إسرائيل(9)، فإن إلياهو ساسون كان يتحدث مع النخب العربية كثيرا ومطولا عن السلام ويتغنى به، من دون أن يحدد أسسه ومضامينه، ويعزف على مقولة "التعاون العربي ـ اليهودي" في مختلف المجالات كي يطرب آذان مستمعيه من النخب العربية، مدركا أن لهذه المصطلحات الوقع المؤثر على الضعيف والمحتاج والمهزوم داخليا. ودأب إلياهو ساسون خلال تبشيره بالسياسة الإسرائيلية وتجميله إياها، كما يتضح من تقاريره وتقارير زملائه عن تلك الاجتماعات، على امتداح شخص محدثه والتزلف له وتحين الفرص، بعد أن يمهد لها، لإيقاع فريسته من النخب العربية في شرك تقبل الرشوة كمقدمة للعمالة. فهو لم يكن في حقيقة الأمر يجري محادثات أو مفاوضات لتحقيق السلام كما كان يحاول إيهام محدثيه من النخب العربية، أو كما يدعي عادة الباحثون الإسرائيليون، بل كان يروج للسياسة الإسرائيلية الساعية لفرض الأمر الواقع، ويبحث في الوقت نفسه عن إيجاد مصالح مشتركة بين إسرائيل ومحدثيه وعن متلقي رشى عملاء. وفي هذا السياق جاءت الاجتماعات الستة التي عقدها إلياهو ساسون وطوفيه أرازي مع رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، حيث سعى الاثنان لجذب رياض الصلح إلى المواقف الإسرائيلية من الصراع العربي ـ الإسرائيلي تحت غطاء الحديث عن تحقيق السلام، وعن دوره في ذلك الأمر كـ«صانع السلام» و«ملاك السلام»، ومن خلال عرض الرشوة عليه مرات عدة كما سنرى لاحقا.

الاجتماع الأول بين رياض الصلح وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع الأول بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في 15/ 11/ 1948 في الفندق الذي كان ينزل فيه رياض الصلح في باريس، واستمر اجتماعهما 45 دقيقة (10). لم يكن هذا اللقاء هو الأول بين الرجلين، فقد اجتمعا مرات عديدة خلال العقد الذي سبق حرب 1948؛ ولكنه كان الاجتماع الأول الذي يعقد بعد اندلاع حرب 1948، وبعد احتلال الجيش الإسرائيلي أراض لبنانية واسعة ووصوله إلى نهر الليطاني في «عملية حيرام» التي قام بها الجيش الإسرائيلي في 28ـ31 /10/ 1948. ولأن هذا الاجتماع كان مؤسساً لما تلاه من اجتماعات سنعرض ما دار فيه من تفصيلات من خلال تقرير طوفيه أرازي إلى القيادة الإسرائيلية عن هذا الاجتماع. كذلك سنتابع بالتفصيل الاجتماعات اللاحقة التي دارت بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي للوقوف على تطور العلاقات بين الجانبين وطبيعتها وأهدافها في تلك المرحلة. وسنراعي عند عرض هذه الاجتماعات، استنادا إلى تقارير طوفيه أرازي وإلياهو ساسون، الحفاظ على روح هذه التقارير وانطباعات كل منهما التي دونها كل واحد في تقريره إلى رؤسائه، لأن هذه الانطباعات تختزل وتلخص الموقف الذي نشأ عند كل منهما بعد الحديث المباشر إلى رياض الصلح، خاصة ان هذه التقارير لم تشكل محضرا كاملا لكل ما دار من حديث في الاجتماعات، وإنما هي تلخيص للحديث الذي دار في كل اجتماع.

في تقريره عن هذا الاجتماع يقول أرازي إن رياض الصلح استقبله بالمودة المعهودة عنه، وأنه ذكّره بالاجتماعات السابقة التي عقدها الاثنان في بيروت، وكذلك ذكّره باجتماعه إلى موشيه شرتوك (شاريت) عندما زاره في بيروت سنة 1944. في بداية الاجتماع قال طوفيه أرازي إن من الأفضل أن تكون اللقاءات مباشرة بينه وبين رياض الصلح والاستغناء عن الوسطاء اللبنانيين الذين يعرضون أنفسهم كأصدقاء لرياض الصلح، فلا حاجة للوسطاء بعد العلاقات القائمة بينهما لسنوات طويلة.

وافق رياض الصلح على ما ذكره أرازي. ثم استطرد أرازي بالقول إن القيادة الإسرائيلية تعرف رياض الصلح كواقعي، وذلك على الرغم من التصريحات المتطرفة التي تنشر باسمه أو تلك التي تنسب إليه. واتفق رياض الصلح مع ما قاله أرازي ونفى أن تكون التصريحات التي تنسب إليه قد صدرت عنه، وتنصل بشكل خاص من تلك التصريحات التي نسبت إليه والقائلة إنه على استعداد لأن يقف على رأس الجيوش العربية لمحاربة إسرائيل، وأن العرب سيحاربون إسرائيل حتى لو استمرت الحرب مئة سنة؛ وقال إن تصريحاته حُرفت. عندها قال أرازي لرياض الصلح إنه، أي رياض الصلح، يدرك الواقع، وإن هناك مهمة ذات شأن ملقاة عليه في المعسكر العربي وهي أن يعمل، عند ذهابه إلى القاهرة ومشاركته في اجتماعات اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، على توجيه الأمور بالشكل الصحيح ليؤدي ذلك إلى حل المشكلة التي يبحث العالم العربي كله عن حل لها، وإنهاء حالة الحرب بين إسرائيل والدول العربية. وأضاف أرازي أن الكثير من القادة العرب يتنافسون في ما بينهم في إلقاء الخطابات المتطرفة إرضاء للرأي العام في بلادهم. وأردف، أن الوضع عند رياض الصلح مختلف، فالرأي العام في لبنان يدرك جيدا الوضع ويسعى لإيجاد حل سريع مع إسرائيل؛ والمعارضة في لبنان تسعى لذلك أكثر من الموالاة، لذلك ليس لرياض الصلح ما يخشاه. وأضاف أرازي، إذا قبل رياض الصلح المهمة التي اقترحها عليه فإن رياض الصلح يعزز بذلك من مكانته في بلاده ويرفع اسم لبنان عاليا. فلا توجد للبنان تطلعات للتوسع الإقليمي على حساب القسم العربي المخصص للدولة العربية في فلسطين وفق قرار التقسيم، وكذلك لا حاجة للبنان لمثل هذا التوسع لتهدئة الرأي العام من الفشل العسكري. واستطرد أرازي أن لبنان يعاني جدا من الناحية الاقتصادية لأنه في حالة حرب مع زبونه الاقتصادي الأساسي أي إسرائيل. وأضاف أن في إمكان لبنان أن يكون المحرك الأساسي في جامعة الدول العربية لإحلال السلام في المنطقة. وفي محاولة منه لحث رياض الصلح على قبول دور صانع السلام ذكر أرازي أن السلام سيأتي من ذاته بعد عدة شهور. فالسلام ليس بعيدا لأن هناك خمسة أطراف مهمة تريده وهي: مصر والعراق وشرق الأردن واللاجئون وإسرائيل.

رد رياض الصلح على أرازي بقوله إنه قبل أن يوافق على الدور الذي يقترحه أرازي عليه فإنه ينبغي أن يكون مقتنعا بأن هذا الدور هو الخط الصحيح الذي يجب أن يسير عليه. لذلك سأل رياض الصلح أرازي عن الأسس التي سيقوم السلام عليها؟ وأضاف رياض الصلح أن هناك ضرورة لتحديد هذه الأسس بالتفصيل وليس الاكتفاء بالخطوط العامة. لم يجب أرازي عن سؤال رياض الصلح مباشرة، فقد ذكر أنه لم يأت إلى الاجتماع مع خطة جاهزة ولا مع خريطة في جيبه، ولكن إذا أراد رياض الصلح معرفة الأسس التي سيقام السلام عليها فبإمكانه معرفة ذلك من إلياهو ساسون الموجود في باريس، عندها يستطيع إلياهو ساسون وأرازي الحضور معاً للاجتماع إلى رياض الصلح لعرض هذه الأسس. وأردف أرازي أن الأسس موجودة بصورة عامة. فهناك قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، وهناك اقتراح برنادوت، ويوجد الوضع القائم. وبعد ذلك انتقل أرازي إلى مهاجمة القيادة العربية الفلسطينية وخاصة الحاج أمين الحسيني زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية حينئذ. ثم سأل أرازي أين رياض الصلح: أين يمكننا أن نجد بين القيادات العربية الفلسطينية شخصيات كتلك الشخصيات من عائلات الصلح وبيهم واليافي والداعوق وكثيراً من الشخصيات الأخرى التي تبارك بها لبنان؟ وطلب أرازي من الصلح أن يذكر أسماء شخصيات من العرب الفلسطينيين على هذا المستوى. ويذكر أرازي أن رياض الصلح لم يجب عن ذلك ولم يعلق كثيرا على الأسس الثلاثة التي ذكرها أرازي، واكتفى بالقول إنه على استعداد لأن يستمع إلى المزيد عن هذا الأمر. وفي تحذير من سياسة الأمر الواقع التي تتبعها إسرائيل قال إن «الأمر الواقع ليس نقاشا، مع أنه وضع ينبغي أخذه في الحسبان». وأعرب رياض الصلح عن استعداده للاجتماع إلى أرازي وإلياهو ساسون والاستماع إلى تفصيلات أسس السلام، وطلب من أرازي الاتصال به لتحديد موعد الاجتماع المقبل.

بعد أن عرض في تقريره مجرى الاجتماع إلى رياض الصلح، ذكر أرازي ان رياض الصلح اخبره أمراً يستشف منه طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الرجلين. فقد أخبره رياض الصلح أنه يفكر في الاستقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية والتفرغ للعمل في جامعة الدول العربية. وأجابه أرازي أنه يعتقد ان لبنان سيخسر جراء ذلك، ولكن في المقابل فإن مساحة فرص رياض الصلح ستزداد إذا ما أصبح في قيادة جامعة الدول العربية.

وفي ختام تقريره يذكر أرازي أنه أراد من حديثه مع رياض الصلح دفعه إلى التفكير في ان بإمكان رياض الصلح ان يبني نفسه ليس إذا ظهر أمام الرأي العام العربي الأكثر تطرفا بين القادة العرب، بل تقتضي الحكمة في الواقع الحالي أن يكون هو الرجل الذي يُخرج العالم العربي من المأزق الذي دخل فيه (11).

الاجتماع الثاني بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع الثاني بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي في 17/11/ 1948 في فندق بريستول، واستمر الاجتماع ساعة وربع الساعة. وفي تقريره عن هذا لاجتماع ذكر إلياهو ساسون ان رياض الصلح كان كعادته مؤدبا وصريحا. استفسر إلياهو ساسون في بداية الاجتماع عن الرسالة التي أرسلها إليه إلياهو ساسون قبل عدة شهور. وأجابه رياض الصلح بالإيجاب، واعتذر عن عدم الرد عليها، وذكر ان ذلك لم يكن لائقا من جانبه. وأشار رياض الصلح إلى أنه يعلم ان إلياهو ساسون كتب أيضا إلى رجلين آخرين هما لطفي الحفار وتقي الدين الصلح. وأضاف ان تقي الدين الصلح أخبره عن محادثات إلياهو ساسون معه في الماضي في شأن إمكان التوصل إلى اتفاق يهودي ـ عربي، وكذلك حدثه الدكتور حسين هيكل باشا عن هذا الأمر. وأضاف رياض الصلح أنه يدرك ضرورة التوصل إلى اتفاق يهودي ـ عربي، لكنه لا يرى أي احتمال لتحقيق ذلك في الأوضاع الحالية، فالفجوة بين الجانبين في الوقت الراهن عميقة جداً.

وأضاف رياض الصلح أن إسرائيل، كما يبدو، لا تكتفي بما حققته، «فالشهية تزداد مع الأكل»؛ الأمس فقط طالب موشيه شرتوك في اللجنة السياسية التابعة للأمم المتحدة بمخرج له إلى البحر في خليج العقبة. وفي الأمس أيضا أعلنت إسرائيل في مجلس الأمن أنها لن تنسحب من الجليل التابع للدولة العربية في فلسطين وفق قرار التقسيم. وقد نفى إلياهو ساسون وطوفيه أرازي ان تكون لإسرائيل أهداف توسعية في الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى، وأسهبا طويلا في تبرير احتلال إسرائيل أراضي عربية واسعة خارج المناطق التي خصصها لها قرار التقسيم، وحملا الدول العربية والفلسطينيين مسؤولية ذلك، وزعما أن التوسع الإسرائيلي جاء ردا على اعتداءات العرب، وحذرا من أن إسرائيل إذا ما استمر العرب في اعتداءاتهم ستحتل مناطق عربية أخرى. ونفيا ان تكون إسرائيل تعمل ضد الوحدة العربية أو أن تكون لها تطلعات في الهيمنة الاقتصادية على المنطقة. أما في خصوص أسس السلام التفصيلية التي استفسر عنها رياض الصلح في الاجتماع السابق فكان جوابهما أنه قبل الحديث عن تفصيلات أسس السلام ينبغي معرفة: أولاً، هل لدى العرب استعداد لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. وثانياً، هل يقبل العرب تقسيم فلسطين. فإذا كانت الإجابة عن هذين السؤالين إيجابية فعندها يصبح في الإمكان الحديث عن أسس السلام بالتفصيل. عقب رياض الصلح على هذين السؤالين بقوله إنه لا يستطيع الآن الإجابة عن هذين السؤالين، فهو يرغب في ان يفكر في الأمر. ثم قال رياض الصلح إن من المرجح أن يترك الحكم في لبنان ويتفرغ للقضية الفلسطينية، وقد يتجه نحو الحرب أو نحو السلام.

في ختام تقريره يذكر إلياهو ساسون أنه وأرازي تحدثا إلى رياض الصلح "عن ضرورة تهيئة الرأي العام في البلدان العربية لتقبل اتفاق يهودي ـ عربي، وجعلاه يفهم أننا على استعداد للتعاون من الناحية المالية في هذا الأمر. لم يجب. قصدنا بذلك إشعاره أننا ننوي ان ندفع له"(12).

1ـ للمزيد من التفصيلات عن هذا الموضوع انظر: محمود محارب، «المخابرات الصهيونية: بدايات التجسس على العرب»، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 257، تشرين الثاني/ نوفمبر 2008. 
2ـ شموئيل كوهن ـ شاني، «عملية باريس: مخابرات ودبلوماسية سرية في بداية الدولة»، تل أبيب: جامعة تل أبيب، 1994، ص 73 ـ 75. ولد الياهو ساسون في دمشق في سنة 1902، وهاجر في العام 1920 من سورية واستوطن فلسطين. انضم في العام 1934 إلى القسم العربي في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية وسرعان ما أصبح مديرا له (جهاز المخابرات والتجسس على العرب). وبعد قيام إسرائيل أصبح إلياهو ساسون مديرا لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ثم أصبح وزيرا في الحكومات الإسرائيلية طوال الستينيات. 
3ـ سليم (شلومو لاحقا) بيخور هو يهودي عراقي، التحق بجهاز مخابرات الدائرة السياسية للوكالة اليهودية فور هجرته إلى فلسطين عشية قيام إسرائيل، وكانت مهمته، في أثناء وجوده في باريس، الاتصال بالوفد العراقي إلى الأمم المتحدة. العديد من تقاريره عن هذه الاتصالات موجود في أرشيف الدولة (إسرائيل) ملف حيتس/ 13749. 
4ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 45 من باريس في 16/10/1948. يولندا هارمر صحافية مصرية يهودية من أصول يونانية، عملت مراسلة لعدة صحف أجنبية. نظمها إلياهو ساسون للعمل براتب مع جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية في القاهرة في العام 1945. واستغلت مهنتها الصحافية ومظهرها في اختراق النخبة السياسية المصرية والعديد من النخب العربية في القاهرة، وخاصة تلك النخب العاملة في الصف الأول في جامعة الدول العربية، وأصبحت لعدة سنوات من أهم المصادر الاستخبارية للوكالة اليهودية في القاهرة. اعتقلتها السلطات المصرية بعد اندلاع حرب 1948 لعدة شهور، ولكن يبدو ان علاقاتها بالنخبة المصرية العليا خدمتها، فأطلق سراحها ثم غادرت مصر إلى باريس في الثلث الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1948، فاستأنفت عملها مع إلياهو ساسون. هاجرت إلى إسرائيل في العام 1952. 
5ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في 24/7/1948 (باللغة الفرنسية). 
6ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 45 من باريس في 16/10/1948. 
7ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، تقرير عن يولندا هارمر إلى رياض الصلح، 29/10/1948 (باللغة الفرنسية). 
8ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 47 من باريس في 16/10/1948. للمزيد من التفصيلات عن نشر الأفكار والمواقف الصهيونية في الصحف العربية انظر: محمود محارب، «المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية (1936 ـ 1939)»، مجلة الدراسات الفلسطينية، (بيروت)، العدد 78، ربيع 2009. 
9ـ للمزيد من التفصيلات عن سياسة إسرائيل تجاه السلام مع العرب في تلك الفترة انظر: Avi Shalim, The iron wall: Israel and the Arab world, London: A lane, 1999. 
١٠ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3770، رسالة أرازي من باريس في 15/11/1948. 
11ـ المصدر السابق نفسه. من المفيد الإشارة إلى أن جميع التقارير التي كان يرسلها إلياهو ساسون وطوفيه أرازي كانت تصل مباشرة بشكلها «الخام»، أي كما كتبت، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون وإلى وزير خارجيته موشيه شرتوك وإلى العديد من كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين. 
12ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 59 من باريس في 17/11/1948.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 18 نوفمبر 2017, 11:50 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

اغتيال رياض الصلح؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: اغتيال رياض الصلح؟   اغتيال رياض الصلح؟ Emptyالسبت 18 نوفمبر 2017, 11:46 am

لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (2/4)../ د. محمود محارب

الاجتماع الثالث بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع الثالث بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي في 28/11 /1948 في فندق بريستول واستمر ساعتين، كان رياض الصلح خلالهما مؤدباً ولطيفاً، وفق تقرير إلياهو ساسون. في بداية الاجتماع سأل إلياهو ساسون رياض الصلح هل توصل إلى قرار بخصوص خيار الحرب أو السلام الذي تحدث عنه في الاجتماع السابق. وقبل أن يجيب رياض الصلح، استطرد إلياهو ساسون في شرح عواقب كل واحد من الخيارين على العرب، ثم قال: إذا اختار رياض الصلح طريق السلام فيمكنه عندها القيام بعدة ادوار ومهام معاً: الوساطة، الشرح والاعلام، والاقناع.

ويضيف إلياهو ساسون في تقريره: «شرحنا له كنه هذه الأدوار ووسائل تنفيذها». ولم يفصل إلياهو ساسون في تقريره أكثر من ذلك. ويبدو من رد فعل رياض الصلح، وفق تقرير إلياهو ساسون، على ما شرحه بالتفصيل عن كنه المهام والأدوار المطلوب من رياض الصلح القيام بها، أن إلياهو ساسون عرض على رياض الصلح الرشوة مرة أخرى تحت غطاء تمويل المهام المتعلقة بوسائل الإعلام، ويبدو أيضاً أن رياض الصلح فهم أن هذه المهام ستحوله إلى عميل لإسرائيل. 

في البداية، بحسب تقرير إلياهو ساسون، جاء رد فعل رياض الصلح على الأدوار والمهام التي عرضت عليه، في صيغة سؤال، إذ قال: «لماذا تختارونني أنا ولا تختارون قادة عرباً آخرين للقيام بهذه المهام؟». فأجابه إلياهو ساسون بأنهم توجهوا إلى رياض الصلح بالذات لأنه لا توجد لديه تطلعات ذاتية، فقد وصل إلى المنصب الأعلى في بلاده، وكذلك لأنه لا توجد للبنان مطالب في فلسطين، لا سياسية ولا إقليمية. 

ويضيف إلياهو ساسون أنه عرض أسباباً أخرى، بيد أنه لم يذكرها في تقريره. وفي رده ذكر رياض الصلح أن قادة إسرائيل يبدو أنهم سكارى من الانتصار، ففي الأول من كانون الأول/ديسمبر 1947 أعلنوا أنهم يقبلون قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، لكنهم يتراجعون اليوم عن ذلك ويطالبون بجميع المناطق التي احتلوها، والتابعة للدولة العربية وفق قرار التقسيم. وهناك أساس للافتراض أنهم سيتراجعون عن ذلك بعد عدة شهور ويطالبون بفلسطين كلها. فهل يستطيع هو، أي رياض الصلح، كرجل يحترم نفسه، في مثل هذه الأوضاع أن يبادر ويتحدث عن السلام مع اليهود؟ واستطرد رياض الصلح قائلاً إن من الأفضل له ان ينتحر على أن يسلم بيده فلسطين كلها لليهود. ثم وجه انتقادا شديدا لمواقف إسرائيل في الأمم المتحدة، وذكر أن إسرائيل تحاول قمع العرب في الجبهتين السياسية والعسكرية، وتمريغ أنوفهم في التراب بعضهم أمام بعض وأمام العالم اجمع.

وأضاف: لقد أحرزت إسرائيل فعلا نجاحا ليس قليلاً، لكن هذا نجاح موقت وليس في وسعه ان يقرّب السلام أو يؤمن حدود إسرائيل أو مصالحها. ويشير إلياهو ساسون في تقريره إلى أن رياض الصلح كرر مرات كثيرة في مجرى حديثه قوله: «لا تضربوا العرب في المكان الأكثر إيلاما لهم» و«لا تعمقوا الفجوة أكثر». 

ويضيف إلياهو ساسون أن رياض الصلح خاطبهما متقربا إليهما بالقول: «أنتم اليوم دولة، أنتم اليوم جزء من المشرق العربي، وعليكم ألا تنسوا أن ليس في مصلحتكم، وليس من مصلحتكم الاقتصادية والسياسية والعسكرية خاصة أن يظهر هذا المشرق أمام الخارج ضعيفا ومضروبا. هذا من شأنه أن ينتقم منكم من جهتين: من خارج الشرق الأوسط ومن داخله، من الأجانب ومن العرب أنفسهم. أولئك وهؤلاء سيعتبرونكم العدو الأساسي. أولئك وهؤلاء سيحاولون في الفرصة الأولى غرس سكين في ظهركم لهدم بنيانكم كله. انتبهوا، الانجليز يتربصون بكم.» ويكتب إلياهو ساسون عن انطباعهما، هو وطوفيه أرازي، بعد سماعهما أقوال رياض الصلح أن الصلح «تحدث بصدق وألم حقيقيين وبرغبة صادقة في إيجاد مخرج جيد». ويضيف أنهما، هو وأرازي، حاولا أن يقنعاه بأن لا أساس لمخاوفه وشكوكه، و«أننا مستعدون لتقديم تنازلات من أجل أمر واحد: السلام، وهذا أثر فيه كثيرا». بعد ذلك وعد رياض الصلح أن يعطيهما جوابه بعد عدة أيام، بشأن دعوتهما له كي يقوم بدور "ملاك السلام" كما يذكر إلياهو ساسون في تقريره.

وعند نهاية الاجتماع طلب رياض الصلح منهما أمرين:
1 ـ الإيعاز إلى مبعوثي إسرائيل في الأمم المتحدة ألا يطلبوا من الأمم المتحدة اتخاذ قرارات جديدة بخصوص الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وعوضا عن ذلك، الطلب منهم أن يسعوا لاستصدار قرار يدعو إلى تعيين لجنة تسوية بين إسرائيل والعرب.
2 ـ الإيعاز إلى مبعوثي إسرائيل في الأمم المتحدة ليطلبوا من إحدى الدول الحيادية أن تقدم اقتراحا إلى الأمم المتحدة لإصدار دعوة للطرفين العربي والإسرائيلي إلى السلام. 

وقال رياض الصلح إذا تم تنفيذ هذين الأمرين، فإن من شأن ذلك مساعدته، هو والكثير من الآخرين من أنصار السلام، في إيجاد جو جديد في العالم العربي لمصلحة المفاوضات مع إسرائيل. وأضاف رياض الصلح أن إسرائيل لن تخسر شيئا إذا لم تصدر الأمم المتحدة أي قرار جديد، ففي يدها أمران مهمان:
1ـ قرار التقسيم الذي صدر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947
. 2 ـ الوضع القائم في فلسطين. 
وعند سؤاله عن كيفية تصويت ممثلي الدول العربية في حالة وصول هذين الاقتراحين إلى مرحلة التصويت، أجاب رياض الصلح أنه لم يبحث ذلك بعد مع ممثلي الدول العربية، لكنه يعتقد أن في استطاعته الحصول على تأييدهم. وقد وعده إلياهو ساسون بطرح هذا الموضوع على موشيه شرتوك وزير الخارجية الإسرائيلي(13). وفعلا طرح إلياهو ساسون هذا الموضوع على موشيه شرتوك وزير خارجية إسرائيل الذي قرر الاستجابة لطلب رياض الصلح وتنسيق المواقف بخصوص الاقتراح القاضي بإنشاء الأمم المتحدة لجنة تسوية ونجم عن هذا التنسيق النجاح في إصدار الأمم المتحدة هذا القرار(14).

ويتبين من تقرير إلياهو ساسون عن الاجتماع الثالث مع رياض الصلح أن إلياهو ساسون كان متفائلا في قبول الصلح القيام بالمهام المقترحة عليه. ويتبين أيضا الأمر نفسه من تقرير طوفيه أرازي عن هذا الاجتماع. ففي تقريره عن الاجتماع الثالث كتب طوفيه أرازي: «انطباعي عن هذا الاجتماع مع رياض الصلح أن من الواضح لرياض الصلح أن في إمكانه القيام بمهمة رفيعة تتمثل في الإسراع في جلب السلام»، وأنه «إذا ما قام بذلك فانه سيرفع من مكانته الشخصية واحترامه في العالم العربي وسيربح من ذلك أيضاً». ويضيف أرازي في تقريره: « يبدو أن المحادثات السابقة معه قد فعلت فعلها، واتضحت له في هذا الاجتماع مسائل عدة تردد في الماضي في اتخاذ قرار نهائي بشأنها، ذلك كله على الرغم من قوله انه لا يزال في حالة تفكير»(15). 

كان من المفروض أن يكون الاجتماع الثالث هو الاجتماع الأخير بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وأرازي، ولكن عندما لم يعط رياض الصلح جوابه النهائي عن قيامه بدور «ملاك السلام» الذي اقترحه عليه إلياهو ساسون، تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر بين الطرفين. ويظهر من تقارير طوفيه أرازي أن اتصالات عدة جرت بعد الاجتماع الثالث برياض الصلح تناولت ليس موضوع قرار رياض الصلح بخصوص قيامه بدور «ملاك السلام» فحسب، وإنما موضوع مصير الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل في عملية «حيرام» أيضاً، وهي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع مباشرة بين الطرفين، علما أن الاجتماعات الثلاثة المذكورة تمت بعد عملية «حيرام» واحتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية.

الاجتماع الرابع بين رياض الصلح وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع الرابع بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1948 في الفندق الذي كان يقيم فيه رياض الصلح. ولم يشارك إلياهو ساسون في هذا الاجتماع لأنه عاد إلى إسرائيل، لكنه تابع الاتصالات برياض الصلح من خلال البرقيات والرسائل التي تبادلها مع طوفيه أرازي. 

كان الموضوع الأساس الذي هيمن على هذا الاجتماع، وعلى الاجتماعين اللذين تلياه أيضاً، مطالبة رياض الصلح بإلحاح بأن تنسحب إسرائيل من المناطق اللبنانية التي احتلتها في عملية «حيرام». ويذكر أرازي في تقريره أنه اخبر رياض الصلح بأنه استلم رداً ايجابيا من حيث المبدأ عن انسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية المحتلة، وأن إلياهو ساسون سيبرق إلى طوفيه أرازي في شأن الحيثيات التي سيتم وفقها هذا الانسحاب فور وصوله إلى إسرائيل. 

ويضيف أرازي أن رياض الصلح أكد له مرة أخرى أهمية هذا الانسحاب بالنسبة إليه، وأن من شأن ذلك أن يؤثر ايجابيا في اتخاذ قرار القيام بدور "ملاك السلام". ويضيف أرازي أنه أثار مسألة «تقوية رياض الصلح من طرفنا» (الأقواس في الأصل كما استعملها طوفيه أرازي والتي تدل على إعادة أرازي عرض الرشوة على رياض الصلح مرة أخرى. م. م.) كما قال له إلياهو ساسون قبل ذلك بعدة أيام. وقد أجابه رياض الصلح هذه المرة ، على خلاف المرات السابقة التي ظل فيها ساكتا عندما عرضت عليه الرشوة: إن المسألة هنا ليست مسألة نقود، وأنه إذا قرر العمل فلن يحتاج مساعدتنا لأنه حينها سيدخل إلى المعركة بكل طاقاته». 

وفي محاولة منه لحثه على قبول الرشوة قام طوفيه أرازي، وفق تقريره، بشرح العرض المالي الذي كان إلياهو ساسون قد عرضه على رياض الصلح وكرره أرازي في هذا الاجتماع، فذكر أرازي أنهم في إسرائيل يدركون ما هو وضع الرأي العام في الدول العربية وفي لبنان، وأنهم يرون أن هناك ضرورة لتمهيد الأرضية لرياض الصلح ولصورته، ويدركون أن عليه أن يعود إلى بلاده كرجل نجح في مهمته، وأن يتم إيضاح ذلك في وسائل الاعلام. 

وقصد أرازي في شرحه هذا أن كل ذلك يكلف مالا. أجابه رياض الصلح انه «سيكون شاكرا لنا إذا ما اهتممنا بنشر أمر نجاحه في الصحف الأميركية». وعده أرازي القيام بذلك، وفعلا اتصل بصحافي أميركي، وفق ما جاء في تقريره، في صحيفة نيويورك تايمز، الذي وعد بأن ينشر في صحيفته أن رياض الصلح كان مميزاً في نشاطه في الأمم المتحدة أكثر من جميع وفود الدول العربية الآخرين، وأن ما أنجزته الوفود العربية في الأمم المتحدة كان ثمرة نشاط رياض الصلح. ويشير أرازي أيضا إلى أنه تحدث مع صحافي آخر عن نشر الأخبار عن رياض الصلح، وأن أرازي يأمل أن يقوم ذلك الصحافي بنشر الكثير عن رياض الصلح(16).

الاجتماع الخامس بين رياض الصلح وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع الخامس بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في 12/12/1948 في الفندق الذي كان ينزل فيه رياض الصلح. وفي ضوء تلكؤ القيادة الإسرائيلية في الرد على طلب رياض الصلح الانسحاب من الأرض اللبنانية المحتلة، الأمر الذي كان من شأنه وفق تقارير أرازي إلى قيادته أن يؤثر إيجابا في قرار رياض الصلح، قال أرازي لرياض الصلح في بداية الاجتماع إنه لم يتلق بعد جوابا من إلياهو ساسون بخصوص حيثيات الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. واختلق أرازي سبباً لعدم تلقيه الرد، كذبا، وهو تأخر إلياهو ساسون في طريقه إلى إسرائيل؛ فطلب منه رياض الصلح أن يبرق إلى إلياهو ساسون ويحثه على الرد لأهمية الموضوع القصوى بالنسبة لرياض الصلح. وعرض أرازي في هذا الاجتماع على رياض الصلح إشكالية تنفيذ الانسحاب، فأخبره أنه ينبغي على حد علمه تنفيذ الانسحاب بتسليم الأراضي مباشرة من الإسرائيليين إلى اللبنانيين. رد رياض الصلح أن بإمكان ذلك أن يتم بواسطة الجنرال وليم رايلي، رئيس مراقبي الأمم المتحدة، وأنه لا يعارض أن يرافق ضابط لبناني الجنرال رايلي لترتيب الموضوع، والأمر المهم بالنسبة إلى رياض الصلح أن يتزامن وقت الانسحاب مع عودته إلى بيروت. ويذكر أرازي في تقريره أن رياض الصلح حدثه عن الأساليب التي اتبعها بخصوص التصويت في الأمم المتحدة بشأن لجنة التسوية، ويضيف أن أسارير وجه رياض الصلح انفرجت عندما هنأه أرازي على نجاحه الشخصي بشأن التصويت، واستفسر الصلح من أرازي عما إذا كان هذا رأي موشيه شرتوك أيضاً. وفي ختام تقريره يخبر أرازي مسؤوليه أنه سيلتقي الصلح قبل سفره المقرر بعد عدة أيام(17). 

الاجتماع السادس والأخير بين رياض الصلح وطوفيه أرازي 

عقد الاجتماع السادس والأخير بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في 15/12/1948 في مقهى في باريس، قبيل مغادرة رياض الصلح فرنسا. وهيمن على هذا الاجتماع عدم رد القيادة الإسرائيلية على موضوع انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة اللبنانية المحتلة. 

ويستهل طوفيه أرازي تقريره بالاحتجاج على عدم استلامه رد القيادة الإسرائيلية المنتظر، فيذكر أنه "على الرغم من وعد إلياهو ساسون للصلح، وعلى الرغم من برقياتي إليكم، لم يصلني جوابكم بشأن القرى اللبنانية التي احتللناها. وأن رياض يعطي أهمية كبيرة جدا لهذا الأمر وكان يتصل بي يوميا". ويضيف أرازي «أن رياض الصلح أجّل عودته إلى بيروت من أجل أن يهيئ رأيا عاما مؤيدا له يستند على «نجاحه» (الأقواس في الأصل م. م.) في باريس» ، وأن موضوع سحب القوات الإسرائيلية من القرى اللبنانية التي نحتلها كان سلسلة مهمة في خطته للعودة «منتصرا» (الأقواس في الأصل م. م.) إلى لبنان». ويضيف أرازي أن رياض الصلح اهتم بأن تقوم الصحافة الفرنسية بمدحه بما في ذلك صحيفة «لي موند»، حيث ترسل المقالات التي تنشر في فرنسا إلى بيروت والعواصم العربية لنشرها هناك. ويضيف أرازي أن رياض الصلح اهتم كذلك بالصحافيين العرب.

يبدو أن اتصالات رياض الصلح الهاتفية اليومية وإلحاحه على أرازي لاستعجال الجواب من القيادة الإسرائيلية، قادت أرازي إلى أن يجد مخرجا بعد ان تشاور مع موشيه شرتوك وزير الخارجية الإسرائيلي. فيكتب في تقريره إلى القيادة في إسرائيل أنه بعد تشاوره مع موشيه شرتوك الموجودة في باريس، أخبر رياض الصلح أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أوصت من الناحية السياسية بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وأن هذا الموضوع انتقل إلى سلطة الجيش الإسرائيلي الذي احتل القرى اللبنانية لأسباب عسكرية، بحسب ادعاء طوفيه أرازي. وأن أرازي لا يعلم ما هو سبب تأخر الجواب الإسرائيلي حتى الآن. 

ويضيف أرازي أن رياض الصلح، الذي كان على وشك السفر، طلب منه أن يتصل به فور تلقيه الجواب الإسرائيلي بخصوص الأراضي اللبنانية المحتلة، أكان في روما أو في القاهرة اللتين سيمكث في كل منهما عدة أيام قبل عودته إلى بيروت. ويذكر أرازي في ختام تقريره أن رياض الصلح حاول في جميع محادثاته معه في الأيام الأخيرة أن يقنع أرازي أنه إذا ما تزامن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى اللبنانية فإنه «سيكون لذلك تأثير ايجابي ليتخذ قرار العمل من أجل السلام ؛ وإلا فإنه يعتقد أن كل محادثاتنا معه لن تقود إلى نتائج» (الأقواس في الأصل م. م.). ثم يضيف أرازي أن رياض الصلح «تحدث بسخط مرات عديدة عن هذا الموضوع وعن التأخير في جوابنا. كان طلبه أننا إذا كنا فعلاً على استعداد لإخلاء القرى، فمن الأفضل إن نقوم بذلك قبل أو عند وصوله إلى بيروت»(18).

وقبل الخوض في قرار إسرائيل قتل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، في الوقت الذي كانت تجري مفاوضات معه، من المفيد إعطاء لمحة قصيرة عن احتلال الجيش الإسرائيلي أراض لبنانية ووصوله إلى نهر الليطاني في عملية «حيرام»، وهو الموضوع المرتبط مباشرة بالقرار الإسرائيلي قتل رياض الصلح.


عملية "حيرام"

احتل الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام» التي قام بها في 28 ـ 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، علاوة على مناطق واسعة في الجليل الأعلى الفلسطيني، أراضي لبنانيـة واسعة تقع في القطاع الشرقي من جنوب لبنان. فقد احتل في هذه العملية 15 قرية لبنانيـة (19) ووصل إلى نهر الليطاني في هذا القطاع، وهو الحلم والهدف الذي طالما تطلعت إليه وتحدثت عنه علنا القيادة الصهيونية . ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل عندما احتلت هذه المنطقة من جنوب لبنان كانت تسعى، كما في احتلالها الأرض الفلسطينية، أن يبقى فيها أقل ما يمكن من السكان اللبنانيين. 

وتجمع المصادر الإسرائيلية على أن الجيش اللبناني وكذلك سكان الخمس عشرة قريـــة لبنانية لم يقاوموا الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام». وتضيف هذه المصادر أن جيش الإنقاذ لم تبدر منه مقاومة تذكر بل انسحب من هذه المنطقة. ومع ذلك ارتكب الجيش الإسرائيلي في أثناء عملية الاحتلال جرائم حرب بحق قرية حولا اللبنانية عندما قتل العشرات من سكانها خلال عملية الاحتلال، ثم قتل بدم بارد، بحسب المصادر الإسرائيلية، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، أي في يوم الاحتلال نفسه 58 أسيرا مدنيا (20). وكان هدف الجيش الإسرائيلي من هذه المجزرة ترويع اللبنانيين لدفعهم إلى الهجرة من قراهم. 

الـــهـــوامـــش 

13ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 65 من باريس في 29/11/1948. 
14ـ رؤوفين ارليخ، في الشرك اللبناني، تل ابيب: وزارة الدفاع، 2000، ص256. 
15ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3770، رسالة طوفيه أرازي من باريس في 29/11/1948. 
16ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالتا طوفيه أرازي من باريس في 11/12/1948 وفي 12/12/1948. 
17ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3770، رسالة طوفيه أرازي من باريس في 12/12/1948. 
18ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 79/3771، رسالة طوفيه أرازي من باريس 15/12/1948. 
19ـ القرى اللبنانية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام» هي: بليدا، محيبيب، ميس الجبل، حولا، مركبا، طلوسة، عديسة، رب تلاتين، بني حيان، كفركلا، الطيبة، القنطرة، دير سريان، علمان، القصر. وتذكر المصادر الإسرائيلية أن لبنان الرسمي أخفى مسألة الاحتلال هذه عن الرأي العام اللبناني لفترة طويلة. 
20ـ عن تفصيلات المجزرة انظر التحقيق الذي أجرته مجلة «هاعولام هازه» في عددها الصادر في 1 آذار/مارس 1978.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

اغتيال رياض الصلح؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: اغتيال رياض الصلح؟   اغتيال رياض الصلح؟ Emptyالسبت 18 نوفمبر 2017, 11:47 am

لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (3/4)../ د. محمود محارب

نشر في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"
 تطرقت ثلاثة مصادر إسرائيلية منشورة إلى قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، اثنان منها كتبهما عنصران ممن شاركا في محاولة تنفيذ قرار الاغتيال، أما الثالث فأشار بأختصار إلى الموضوع في أطروحة دكتوراه. وهذه المصادر هي:

1. مذكرات غمليئيل كوهن قائد وحدة المستعربين في بيروت حينذاك،،وهي بعنوان "المستعربون الاوائل"، (صدر في تل أبيب عن وزارة الدفاع الإسرائيلية في العام 2002). وتنبع أهمية هذا الكتاب من أن المؤلف لم يعتمد في كتابة مذكراته على ذاكرته فحسب، بل على أرشيف الجيش الإسرائيلي، في ما يخص اغتيال رياض الصلح، وخاصة سجل البرقيات التي تبادلتها قيادة وحدة المستعربين في إسرائيل مع مجموعتي المستعربين في بيروت اللتين كلفتا اغتيال رياض الصلح. وقد وثق المؤلف باعتماده على هذه السجلات تواريخ هذه البرقيات ومضامينها في شأن قرار اغتيال الصلح.
2. كتاب رافي سيطون ويتسحاق شوشان وهو بعنوان "رجال السر والخفية: من قصص المخابرات الإسرائيلية خلف الحدود"، (صدر في القدس عن دار عيدنيم في العام 1990). وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أن أحد مؤلفَيه، وهو يتسحاق شوشان، كان أحد الاثنين المكلّفين اغتيال رياض الصلح في بيروت.
3. كتاب رؤوفين ارليخ، "في الشرك اللبناني"، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه أعدها المؤلف ذو الخلفية الأمنية، وأصدرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية في العام 2000.

في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، أي في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تفاوض رياض الصلح في باريس، أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" التابعة لجهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى غمليئيل كوهن، قائد مجموعتي المستعربين الموجودتين في بيروت آنذاك، برقية لاسلكية طلبت فيها إبلاغ القيادة في إسرائيل عن موعد وصول رياض الصلح إلى بيروت(21).
وتفيد المصادر الإسرائيلية أن ثلاث مجموعات للمستعربين نشطت في لبنان وسورية (اثنتان في لبنان وواحدة في سورية) في أثناء حرب 1948، وكانت هذه المجموعات الثلاث جزءا من وحدة المستعربين "هشاحر" (الفجر) التابعة لقوات "البلماح"، أي القوة الضاربة في الهاغاناه، ومن ثم في الجيش الإسرائيلي. وتضيف المصادر الإسرائيلية ان قرار إرسال المستعربين إلى بيروت اتخذ في تشرين الثاني/نوفمبر1947.

ووصل المستعرب غمليئيل كوهن إلى بيروت في 18 كانون الثاني/ يناير 1948 بهدف الاختلاط بالمجتمع اللبناني ووضع الأسس لإنشاء قاعدة سرية للمستعربين في بيروت. وبعد أن استقر غمليئيل كوهن في بيروت بفترة وجيزة أرسلت له قيادة المستعربين عددا آخر من المستعربين وجهازي اتصال لاسلكي وأسلحة ومتفجرات للقيام بأعمال تخريبية في لبنان. وبعد قيام إسرائيل وتأسيس الجيش الإسرائيلي، أُلحقت وحدة المستعربين "هشاحر" بجهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وأُعطيت الاسم "ش.م.18"(22).

في 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" برقية إلى غمليئيل كوهن قائد مجموعتي المستعربين في بيروت أبلغته فيها قرارا خطيرا للغاية، وهو التالي: "تقرر تصفية رياض الصلح والمهمة ألقيت علينا. تعقبوه وحضروا اقتراحات للتنفيذ. ستتلقون أمر التنفيذ في حينه"(23). وفي اليوم نفسه أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" برقية أخرى إلى قائد وحدة المستعربين في بيروت جاء فيها: "نحن نحضر إرسال طائرة كي تقوم بإنزال المواد المطلوبة لكم... أرسل لنا قائمة بكل ما هو مطلوب لكم...عليك بأسرع وقت إيجاد مكان ملائم للإنزال خارج الأماكن السكنية. عملية الإنزال ستتم في الليل..."(24).

ألقت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" مسؤولية تنفيذ عملية الاغتيال على المستعرب كوهن يعقوب أحد عناصر مجموعتي المستعربين في بيروت(25). وفور تلقي عناصر مجموعتي المستعربين قرار اغتيال رياض الصلح من قيادتهم في إسرائيل شرعوا في جمع المعلومات ووضع الخطط لتنفيذ العملية. فراقبوا رياض الصلح وتعقبوا تحركاته اليومية، خاصة عند ذهابه من بيته إلى مبنى البرلمان في بيروت وإيابه منه. وفي بعض الأحيان تعقبوا تحركاته في الليل في أثناء ذهابه للاجتماع إلى رئيس جمهورية لبنان.

ومن بين الأمور العديدة التي قام بها المستعربون فحصهم بدقة طريق انتقال رياض الصلح ومراقبتهم الترتيبات الأمنية حوله. ويذكر رافي سيطون ويتسحاق شوشان في كتابهما "رجال السر والخفية : من قصص المخابرات الإسرائيلية في ما وراء الحدود"، أن يتسحاق شوشان، وهو العنصر المستعرب الشريك لكوهن يعقوب في تنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح، اكتشف نقطة ضعف في الطريق التي يسلكها رياض الصلح من بيته إلى البرلمان. فقد كان في هذا الشارع مقطعاً يستعمل رصيفه سوقاً، الأمر الذي يؤدي إلى بطء سرعة السيارات. واقترح يتسحاق شوشان إلصاق لغم من نوع "كونوس" بسيارة رياض الصلح عند مرورها بهذا المقطع. بيد أن هذه الخطة لم يتم تبنيها. واستمر المستعربون في بيروت في القيام بعمليات المراقبة والتحري ووضع الخطط بجد ونشاط، والبحث عن أفضل الطرق لاغتيال رياض الصلح من دون ترك آثار تدل على مرتكبي الجريمة أو تقود إلى اعتقالهم أو قتلهم عند تنفيذ عملية الاغتيال.

منذ النصف الثاني من كانون الأول/ديسمبر 1948 وحتى أواخر شباط/ فبراير1949 تبادلت الوحدة "ش. م.18" الكثير من البرقيات مع المستعربين في بيروت، تضمنت توجيهات وإرشادات من القيادة في إسرائيل في شأن عملية الاغتيال وحثتهم مراراً على تنفيذ عملية الاغتيال.ويذكر غمليئيل كوهن في كتابه"المستعربون الأوائل" أنه في الثامن من كانون الثاني/يناير 1949 أصدرت قيادة الوحدة "ش.م.18" أمراً إلى كوهن يعقوب حثته وأمرته مجددا بتنفيذ العملية. وجاء في الأمر : "نعطيك بهذا أمراً بتنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح رئيس حكومة لبنان. نفذ أمر التصفية في أقرب فرصة". وشددت هذه البرقية على أن "لهذه العملية أهمية قصوى لمصالحنا"(26).

في العاشر من كانون الثاني/يناير 1949 أرسل كوهن يعقوب إلى قيادته في إسرائيل برقية جاء فيها أن عملية تصفية رياض الصلح قد تستغرق وقتا، وأن هناك ضرورة لضمان النجاح مئة بالمئة، وأنه سيعمل على تصفية رياض الصلح في أقرب وقت. وفي ردها على كوهن يعقوب وافقت القيادة في إسرائيل على أن التنفيذ يجب أن يكون ناجحا مئة بالمئة وقدمت له بعض الإرشادات التقنية في شأن استعمال المواد التفجيرية في عملية الاغتيال، وأوصت بأن تتم عملية التصفية في ساعات الظلام.

في اليوم نفسه أرسل كوهن يعقوب رده على رسالة القيادة في إسرائيل ذكر فيها أن من غير الممكن تصفية رياض الصلح بواسطة إطلاق النار عليه لانعدام إمكانية الانسحاب والهرب. وأضاف ان الحراسة على بيت رياض الصلح مشددة، وأن حراسه يرافقونه في تحركاته، وأن جدول أعماله غير ثابت. وأخبر كوهن يعقوب قيادته في هذه البرقية عن تفصيلات خطته لاغتيال رياض الصلح حيث ذكر أنه سينفذ عملية الاغتيال هو ويتسحاق شوشان مع مستعرب آخر في ساعات الليل في الشارع الذي يسكن فيه رياض الصلح، وأن العملية ستنفذ بواسطة إلصاق لغم موقوت من نوع "كونوس"،الذي يلتصق بسهولة بالسيارة، بسيارة رياض الصلح عندما تبدأ في التحرك. وفي اليوم التالي أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" ملاحظاتها على خطة اغتيال رياض الصلح إلى كوهن يعقوب وافقته فيها على أنه ينبغي عدم تنفيذ العملية بواسطة إطلاق النار، وحذرته من أن السيارة التي ستستعملها مجموعة المستعربين لتنفيذ العملية قد تفشل العملية إذا وضعت قريبا من مسرح العملية، وأوصت بوضع هذه السيارة في مكان آمن. وأضافت القيادة أنه ينبغي أن ينفذ العملية شخصان لا ثلاثة. وأشارت القيادة إلى أن هناك إمكانية للتسبب في إيقاف سيارة رياض الصلح بواسطة رش مسامير على الشارع، وعندما تتوقف السيارة يتجه نحوها منفذا العملية ويتظاهران بأنهما سيقدمان المساعدة ويلصقان بسرعة اللغمين الموقوتين من نوع "كونوس" بالسيارة(27).

يذكر غمليئيل كوهن في كتابه "المستعربون الأوائل" أن قيادة المستعربين في إسرائيل ظلت تحث كوهن يعقوب على القيام بعملية التصفية، واقترحت عليه في 17 كانون الثاني/يناير1949، جراء فشله في تحقيق خطته، وضع لغم في جثة كلب على الطريق التي تمر به سيارة رياض الصلح. ويقول المؤلف أن الإمكانيات والقدرة على تصفية رياض الصلح كانت أضعف من التطلعات المرتفعة والضغط الدائم من القيادة في إسرائيل للقيام بتصفية رياض الصلح (28). ويذكر غمليئيل كوهن أيضاً ان قيادة المستعربين في إسرائيل أبرقت في 28/1/1949 إلى كوهن يعقوب وأخبرته أنه "لأسباب سياسة متعلقة بعلاقات إسرائيل مع لبنان نأمركم بتأجيل عملية التصفية"، وطلبت البرقية من كوهن يعقوب الاستمرار في أعمال المراقبة والتفكير في إمكانية تحسين خطة التصفية. وفي 22 شباط/ فبراير 1949 أصدرت قيادة المستعربين في إسرائيل أمرا إلى كوهن يعقوب بإلغاء العملية كلية(29).

في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تسعى لتصفية رياض الصلح جسديا، حاولت القيادة الإسرائيلية أيضا "حرقه" سياسيا. ففي كانون الثاني/ يناير 1949 سرب مسؤول إسرائيلي أمر الاجتماعات السرية التي عقدت بين رياض الصلح وإلياهو ساسون ومجموعته في باريس إلى صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" بواسطة مراسلها كينيث بيلبي. وفي اليوم التالي لنشر الخبر في صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" نشرت صحيفة "النهار" البيروتية، المعارضة لحكومة الصلح، في عددها الصادر في 21/1/1949، ترجمة للمقال الذي نشر في الصحيفة الأميركية (30). أدرك طوفيه أرازي المعنى السياسي الكامن وراء تسريب القيادة الإسرائيلية أمر الاجتماعات السرية مع رياض الصلح. ففي رسالة له من باريس إلى إلياهو ساسون في تل ابيب عن التسريب قال أرازي : "أقوالك عن التسريب بخصوص رياض الصلح هزتني، خاصة بعد أن جاءت الردود من بيروت : أرسلت لك "النهار" البيروتية التي نشرت كليشيه مما جاء في مقال بيلبي في هيرالد تريبيون. يخبرونني أن المخابرات اللبنانية اندفعت في الشوارع وجمعت الأعداد التي نشرت الخبر. في هذا البريد ابعث لك أيضا صحفا تشير إلى حدوث تفتيش في هيئات التحرير الخ. لقد كنا على يقين أنكم قمتم عن قصد بالتسريب- لكننا لم نفهم المنطق من ذلك- وانكم قررتم إن "تقبروا" رياض"(31).

يطرح قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في الوقت الذي كانت لا تزال تجري مفاوضات معه أسئلة عدة في مقدمتها: لماذا قررت إسرائيل اغتيال رياض الصلح؟ وما هي دوافع هذا القرار الخطير؟ ما هي الأهداف التي سعت إسرائيل لتحقيقها من الاغتيال؟. للإجابة عن هذه الأسئلة هناك جملة من المعطيات ينبغي الإحاطة بها، تتعلق بإستراتيجية إسرائيل إبان قيادة بن غوريون خلال حرب 1948 تجاه لبنان، وبسعي بن غوريون للاحتفاظ بالمنطقة اللبنانية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في عملية "حيرام" تمهيدا لضمها إلى إسرائيل.

بن غوريون وقرار قتل رياض الصلح

تمتع ديفيد بن غوريون بمواصفات القائد التاريخي للييشوف ومن ثم لإسرائيل، وأمسك بقوة بالقرارات التي تخص الأمن القومي الإسرائيلي. وجمع بن غوريون بين زعامته لحزب "مباي" وللتيار العمالي وبين منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وكان من ضمن صلاحياته المسؤولية المباشرة عن أجهزة الأمن المختلفة، التي ما كان يمكن أن يصدر عن احدها، وهو جهاز المخابرات العسكرية، قرار اغتيال رياض الصلح إلا بعد تلقي رئيسه أمرا مباشرا بذلك من ديفيد بن غوريون.

لم يكن بن غوريون مقتنعا بحدود الهدنة التي رُسمت بعد عن الجولة الثانية من الحرب في تموز/يوليو 1948، تلك الحدود التي كان يصفها بأنها سخيفة ومضحكة، وكان يسعى بكل جهد لتوسيع حدود إسرائيل في جميع الجبهات.

اعتبرت الوكالة اليهودية، ثم إسرائيل تحت قيادة بن غوريون، والحكومات التي تعاقبت بعده، أن تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية العربية وتوجيه تطور الأحداث فيها لمصلحة إسرائيل، هو جزء من أمن إسرائيل. كان بن غوريون يخشى أن تواجه إسرائيل عدوا عربيا موحدا مصمما على مقاومتها، لذلك بذلت جهداً كبيراً لإذكاء الخلافات والصراعات الداخلية في داخل كل دولة عربية، وكذلك بين الدول العربية، على أسس طائفية أو عشائرية أو جهوية أو عرقية، وكذلك لايجاد مصالح مشتركة بين النخب السياسية في هذه الدول وإسرائيل.

في 25 أيار/مايو 1948، أي بعد قيام إسرائيل بعشرة أيام فقط، كتب ديفيد بن غوريون في مذكراته : "ان نقطة الضعف في الائتلاف العربي هي لبنان. الهيمنة الإسلامية فيه هيمنة مصطنعة ومن السهل إسقاطها. ينبغي إقامة دولة مسيحية يكون الليطاني حدها الجنوبي. وسوف نوقع معاهدة معها "(32). لم يكتب بن غوريون ذلك من فراغ، فقد كان لديه ما يستند عليه من علاقات قوية ومتشعبة مع فئات واسعة لها تأثيرها في لبنان، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها.

1. بعد التوصل إلى صيغة "الميثاق الوطني" ووصول بشارة الخوري ورياض الصلح إلى دفة الحكم في لبنان في العام 1943، ركزت الوكالة اليهودية اتصالاتها بالقوى اللبنانية المعارضة لصيغة "الميثاق الوطني" وأجرت الكثير من الاتصالات بها. وقد توجت هذه الاتصالات والمفاوضات بتوقيع معاهدة سرية في 30 أيار/مايو 1946 بين الكنيسة المارونية، التي عرضت نفسها بأنها تمثل الطائفة المارونية في لبنان (الطرف الأول)، وبين الوكالة اليهودية (الطرف الثاني). وجاءت هذه المعاهدة في ست مواد نصت على عقد تحالف بين الطرفين والتعاون بينهما في جميع الميادين. ونكتفي بإيراد المادة الأولى للبرهان على مدى خطورة هذه المعاهدة وعلى الشوط الذي قطعه فريق من اللبنانيين في تعامله وتحالفه مع الصهيونية واسرائيل، الأمر الذي كان له تأثير في تطلعات بن غوريون في تلك الفترة. فقد ذكرت المادة الأولى الآتي: "يعلن الطرف الأول اعترافه الكامل بالروابط التاريخية القائمة بين الشعب اليهودي وفلسطين وبتطلعات الشعب اليهودي في فلسطين، وبحق الشعب اليهودي في الهجرة إلى فلسطين وفي الإقامة فيها بحرية، ويعلن موافقته على البرنامج السياسي الحالي والمعلن للوكالة اليهودية الذي يتضمن بشكل خاص إقامة الدولة اليهودية"(33).

2. في النصف الأول من العام 1948 اتفق مندوبو الوكالة اليهودية مع الأب جوزيف عواد اللبناني على إثارة الرأي العام الماروني ضد حكومة رياض الصلح. وقد استلم الأب جوزيف عواد مبالغ مالية من مندوبي الوكالة اليهودية لتحقيق هذا الهدف، وأجرى اتصالات بفئات كثيرة في لبنان، من بينها قيادة حزب الكتائب التي اقترح عليها تنظيم انقلاب عسكري لإسقاط حكومة رياض الصلح، وقد أبدت هذه القيادة بدورها موافقتها(34).
 
3. تفيد الوثائق الإسرائيلية أن موضوع تنظيم انقلاب عسكري في لبنان ضد حكومة رياض الصلح طرحه طوفيه أرازي مرتين، على الأقل، على الرئيس السابق للبنان إميل إده، الذي كان يدعو إلى "لبنان الصغير" المتحالف مع إسرائيل، من دون جنوب لبنان وشماله. وفي هذا السياق ذكر إميل إده في الاجتماع الثاني الذي عقد بين طوفيه أرازي وإميل إده في بداية تموز/يوليو 1948، أن المعارضة اللبنانية ليست قوية بما فيه الكفاية لإسقاط الحكومة بانقلاب عسكري وقتئذ. ولكنه ذكر أمرا مهماً وخطيراً، وقال إنه في حالة قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أراض واسعة من جنوب لبنان حتى صور وصيدا فإن المعارضة يمكنها أن تنظم نفسها خلال شهر إلى شهرين وتستغل هذا الاحتلال للقيام بانقلاب عسكري وإسقاط حكومة رياض الصلح وتأليف حكومة جديدة. ويفيد تقرير أرازي عن هذا الاجتماع أن إميل إده حث إسرائيل على القيام بذلك، واقترح في هذا الاجتماع أيضاً أن تظهر إسرائيل قوتها وحزمها وأن تقوم بسلسلة من الخطوات منها قصف دمشق بالطائرات لتلقينها درسا، وبعد ذلك تقوم الطائرات الإسرائيلية بإسقاط آلاف المنشورات على بيروت وتهدد فيها بشكل واضح أنه إذا لم تقم الحكومة اللبنانية بتغيير سياستها تجاه إسرائيل فإن إسرائيل ستقصف بيروت. وبعد ذلك تباشر إسرائيل غزو لبنان ويحتل الجيش الإسرائيلي المنطقة حتى ما بعد الليطاني ليصل إلى صيدا(35).
 
الهوامش:

21- غمليئيل كوهن، "المستعربون الاوائل"، تل أبيب : وزارة الدفاع، 2000، ص 268. 
22- المصدر السابق نفسه، الفصل الرابع عشر.
23- المصدر السابق نفسه، ص 268.
24- المصدر السابق نفسه.
25- المصدر السابق نفسه.
26- المصدر السابق نفسه، ص 269.
27- المصدر السابق نفسه، ص 270 – 272
28- المصدر السابق نفسه.
29- المصدر السابق نفسه.
30- انظر حسان حلاق، موقف لبنان من القضية الفلسطينية :1918 – 1952، بيروت: مركز الأبحاث الفلسطيني، 1982، ص 240.
31- أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة أرازي من باريس في 6/2/1949.
32- Avi Shlaim, ‘Israeli Interference in Internal Arab World: The case of Lebanon’, in G. Luciani & G. Salame (eds.), The Politics of Arab Integration, London , 1988, p.236.
33- الأرشيف الصهيوني المركزي، ملف س 25/ 3269.
34- أرشيف الدولة، ملف حيتس 23/5563.
35- أرشيف الدولة، ملف حيتس 6/3766، رسالة إلى شمعوني في 13/7/1948. ومن الملاحظ ان إسرائيل قامت بتنفيذ الاقتراحات التي عرضها إميل اده على طوفيه أرازي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

اغتيال رياض الصلح؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: اغتيال رياض الصلح؟   اغتيال رياض الصلح؟ Emptyالسبت 18 نوفمبر 2017, 11:49 am

لماذا قرر بن غوريون اغتيال رياض الصلح؟(4/4)../ د. محمود محارب

اعتبر ديفيد بن غوريون أن وصول الجيش الإسرائيلي في"عملية حيرام" إلى الليطاني شكل نهاية ملائمة لعملية ناجحة. وكتب في كتابه "دولة إسرائيل المتجددة": " عبر لواء كرملي الحدود الشمالية، وسيطر على القرى الواقعة غرب طريق المنارة، وغالبيتها في دولة لبنان. وصل اللواء حتى وادي دوبا في الغرب ونهر الليطاني في الشمال. والعملية التي أطلق عليها اسم "حيرام" على اسم ملك صور، حليف وصديق الملك داود، انتهت "(36).

ويشير قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي في حرب 1948، موشيه كرميل، إلى عملية حيرام بالقول: "وجدنا فرصة لإدخال تعديلات جدية على الحدود بيننا وبين لبنان، في الجزء الشمالي من البلاد..."، فنهر " الليطاني تحدث إلينا دوما [أي جذبنا إليه وأغرانا بالوصول إليه دائما. / م. م.]"(37).

وأشارت الخطوات التي قامت بها إسرائيل في المنطقة اللبنانية المحتلة والتي شملت 15 قرية لبنانية، إلى أن إسرائيل تركت الباب مفتوحا لإمكانية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأرض اللبنانية تمهيدا لضمها. فقد عمل الجيش الإسرائيلي على تهجير الغالبية من السكان بواسطة ارتكابه مجزرة إعدام الأسرى المدنيين، وبواسطة التهجير المباشر وغير المباشر للسكان، حيث بقي في الـخمس عشرة قرية لبنانية المحتلة أقل من 3000 نسمة، بعد احتلالها، من بين أكثر من 15 ألف نسمة كانوا فيها قبل الاحتلال.

ويكشف يعقوب شمعوني الذي كان يشغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي كان يتولاه إلياهو ساسون، أنه، عشية عملية "حيرام"، جرت مشاورات بين الجيش الإسرائيلي وقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وخلال هذه المشاورات عرض الجيش الإسرائيلي سؤالا عن مصير السكان اللبنانيين في جنوب الليطاني. ويضيف شمعوني: "كان السؤال: هل نطردهم أم نبقيهم في أمكنتهم ونحاول أن نجعلهم متعاونين؟ هنا لم نعط تعليمات دقيقة ونهائية، ولكننا اتخذنا بصورة عامة موقفا وسطا: تشجيع أو ترتيب هرب أو مغادرة أكبر عدد من السكان في أثناء تقدم قواتنا... والحرص على أن يبقى في كل قرية على الأقل عدد من الناس يكون في إمكانهم الظهور كشخصيات وممثلين للقرية، ويطلبون حمايتنا ودخولنا..."(38).

تعاملت إسرائيل مع هذه المنطقة اللبنانية المحتلة، فور احتلالها، كأنها جزء من إسرائيل، حيث تدفق في فترة الاحتلال المئات من المدنيين الإسرائيليين إلى القرى اللبنانية للزيارة والتجارة. كذلك شغلت إسرائيل المئات من سكان هذه القرى اللبنانية المحتلة داخل إسرائيل في شق الطرق وجمع الزيتون... الخ.

تجاهل بن غوريون، في سياق سعيه لتوسيع حدود إسرائيل، ليس حدود قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 فقط، وإنما الحدود الدولية بين فلسطين والدول العربية أيضاً. كان العامل الحاسم الذي كان له التأثير القوي في بن غوريون بخصوص التوسع الإسرائيلي خارج ما خصصه لإسرائيل قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخارج حدود فلسطين الدولية، أي احتلال أراضي دول عربية علاوة على الأرض الفلسطينية، هو موقف الدول الكبرى وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. ففي 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، في مساء اليوم الذي انتهت فيه عملية "حيرام"، كتب بن غوريون في مذكراته: "في المساء تشاورنا [يغآل] يدين ويعقوب [دوري] وأنا. يغآل سأل: ماذا بعد؟ قلت له علينا الانتظار أياما لنرى ماذا سيكون الرد الذي يتبلور في باريس... في هذه الأثناء علينا إسقاط جيب الفلوجة من دون نقض خطير للهدنة... وإذا لم يحدث في الأيام القريبة أمر خطير وجدي في باريس علينا القيام بالخطوة القادمة، بعد أسبوع أو في نهاية هذا الاسبوع: مهاجمة المثلث وجنين وأم الفحم وطولكرم وبيت نبالا وطوباس..."(39).

كان بن غوريون في تلك الفترة في حالة من الجموح لتوسيع حدود إسرائيل. فقد ازدادت قوة جيشه عدة وعددا حتى أصبح تعداده 96,441 عسكري في كانون الأول/ديسمبر 1948، وازدادت ثقة جيشه بنفسه بعد الضربات والهزائم التي ألحقها بالجيوش العربية المفككة، والتي كان عددها المشارك في الحرب يقل كثيراً عن عدد الجيش الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه تفاقمت الخلافات والصراعات بين الدول العربية، وتعاظم التوتر والصراع الداخلي في كل دولة منها، وباتت تفصح علنا، عن إمكانية حدوث انقلابات عسكرية فيها. في هذه الأوضاع كان بن غوريون يتحسس ويتفحص ردات فعل الدول الكبرى في شأن جدية موقفها الكابح لاحتلال أراضي دول عربية، علاوة على الأراضي الفلسطينية المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، بحسب قرار التقسيم. كما لم تمنع الحدود الدولية بين فلسطين ولبنان جموح بن غوريون في التوسع في الأرض اللبنانية في عملية "حيرام"، لم توقف الحدود الدولية بين مصر وفلسطين شهوة التوسع لديه في الأراضي المصرية. ففي 28 كانون الأول/ديسمبر 1948 عبر الجيش الإسرائيلي الحدود الدولية بين فلسطين ومصر، في عملية "حوريف"، وتوغل في سيناء إلى أن وصل إلى مشارف العريش. وبعد الضغط الأنجلو ـ أميركي المكثف، وبعدما استعملت بريطانيا سلاحها الجوي، انسحب الجيش الإسرائيلي من سيناء إلى ما وراء الخطوط الدولية (40).

أدرك بن غوريون أن رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح كان المحرك الأساسي لتفعيل الضغط الدولي على إسرائيل في ما يتعلق بالمنطقة اللبنانية المحتلة، وفي ما يتعلق بلجم إسرائيل كي لا تقدم على احتلال المزيد من الأراضي اللبنانية. وكان بن غوريون على علم بنشاط رياض الصلح لدى الدول الكبرى من خلال التقارير التي كانت تصله، وخاصة تقارير إلياهو ساسون، بما في ذلك سعي رياض الصلح لتوقيع معاهدة مع بريطانيا. فقد علم إلياهو ساسون مبكرا في 11تشرين الأول/ نوفمبر 1948 من مصادر لبنانية في باريس أن رياض الصلح عرض موضوع احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية على بعثة بريطانيا إلى الأمم المتحدة في باريس. وبحسب المعلومات التي وصلت إلى إلياهو ساسون ونقلها إلى بن غوريون، فإن بريطانيا وعدت رياض الصلح بتقديم مساعدات عسكرية إلى لبنان إذا احتلت إسرائيل مناطق لبنانية جديدة. ففي مثل هذه الحال، وإذا طلبت الحكومة اللبنانية المساعدة من بريطانيا، ستظهر بعد مرور خمس ساعات على هذا الطلب، القوات البحرية البريطانية قبالة شواطئ بيروت وصيدا وصور، وستظهر في الوقت نفسه كذلك القوات الجوية البريطانية في مطارات لبنان (41).

لم يكن لوطنية رياض الصلح أو عدمها، ولا إمكانية استعداده أن يلعب دور "ملاك السلام" بين إسرائيل والدول العربية، وفق تقارير ساسون وأرازي المتفائلة بحذر من إمكانية قيامه بذلك؛ شأن في قرار بن غوريون اغتيال رياض الصلح. فالسلام في تلك الفترة كان آخر ما يفكر به بن غوريون (42). لقد كان شغل بن غوريون الشاغل في تلك الفترة هو إمكانات توسيع حدود إسرائيل وكيف يمكن إيجاد الأوضاع والفرص لتحقيق ذلك. ووفق المعطيات المتعلقة بالساحة اللبنانية والعربية والدولية، التي كانت أمام بن غوريون، شكل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في مرحلة تاريخية مهمة عائقا أمام سياسة بن غوريون في الاحتفاظ بالمنطقة اللبنانية المحتلة تمهيدا لضمها، وأمام إمكانية التوسع الإسرائيلي في المزيد من الأراضي اللبنانية.

عند بدء الجولة الثانية من المفاوضات بين رياض الصلح وأرازي في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1948 في باريس، والتي أصر فيها رياض الصلح وألح على مطلبه انسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية المحتلة، وكان مضمون هذه الاجتماعات يصل إلى بن غوريون من خلال برقيات طوفيه أرازي وإلياهو ساسون وتقاريرهما، اتخذ بن غوريون في الفترة ما بين 9ـ 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 قراره بقتل رياض الصلح، بعد أن أيقن، غداة الاجتماع الرابع لطوفيه أرازي ورياض الصلح في 08/12/1948، أن رياض الصلح ما زال متمسكا بشدة بمطلب انسحاب إسرائيل من الأرض اللبنانية المحتلة وهو يرفض الرشوة. ومن المرجح أن بن غوريون قرأ تقرير أرازي بعد 9/12/1948 حيث كان يعتقد، حتى ذلك التاريخ، هو وإلياهو ساسون ومن تابع هذا الموضوع من القادة الإسرائيليين، أن رياض الصلح قد قبل الرشوة التي عرضها عليه إلياهو ساسون في اجتماعهما الثاني، لأنه ظل ساكتا ولم يرفضها، كما ذكر ساسون في تقريره، وكما أخبره إلياهو ساسون عندما التقاه وقدم إليه تقريرا شاملا عن هذه الاتصالات بعد عودته من باريس إلى إسرائيل.

وفسر إلياهو ساسون ومن ثم بن غوريون أن السكوت علامة الرضى في هذه الحال. فقد كتب بن غوريون في مذكراته في 9/12/1948 : "[إلياهو] ساسون وصل [من باريس]. يوجد بحسب أقواله إمكانات للسلام. رياض الصلح على استعداد لأن يعمل لمصلحتنا. لا توجد للبنان مطالب وتطلعات إقليمية. عبء الحرب ثقيل عليهم، ولكنهم لا يريدون الخروج لوحدهم، كان يريد أن يخرجوا كلهم. لا توجد إمكانية لرياض الصلح للصعود؛ فقد وصل إلى المنصب الأعلى الممكن لمسلم في لبنان. في خارج لبنان لا أمل له، وطموحه الوحيد أن يكون مؤثرا في جامعة [الدول العربية] " (43). وعندما وصلت بعيد ذلك برقيات وتقارير طوفيه أرازي إلى بن غوريون، وفوجئ بإلحاح رياض الصلح وإصراره على مطلب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة كمقدمة وكشرط لأي علاقة له مع إسرائيل، قرر بن غوريون قتل رياض الصلح، لاعتقاده أنه يشكل العقبة الأساس أمام الاحتفاظ، ومن ثم ضم المنطقة التي كانت تحتلها إسرائيل.

لم يكن قرار الاغتيال السياسي لشخصية رفيعة لتحقيق هدف سياسي مهم، جديدا على بن غوريون. فقبل قراره اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح بعدة أسابيع، قامت إسرائيل في 17/9/ 1948 باغتيال الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، الذي عرض مشروعا، حمل اسمه، دعا فيه إلى إعادة تقسيم فلسطين بحيث يصبح النقب جزءا من الدولة العربية، ذلك المشروع الذي عارضه بن غوريون بشدة وعمل على إسقاطه. فبينما كان الكونت برنادوت متجها مع أربعة من مساعديه بحراسة ثلاث سيارات، من قصر المندوب السامي في القدس إلى مقابلة أحد المسؤولين الإسرائيليين، اعترضه أربعة مسلحين إسرائيليين ينتمون إلى منظمة "ليحي". وبعد أن أغلقوا الطريق أمامه بواسطة جيب، أطلق أحدهم، يهوشواع كوهن، (44) عليه عدة صليات نارية أردته قتيلا هو ومساعده الفرنسي. وأشارت معظم أصابع الاتهام ليس إلى أعضاء منظمة "ليحي" فحسب، وهي التي تبنت العملية تحت اسم "حازيت هموليدت" (جبهة الوطن)، وإنما إلى بن غوريون الذي حامت الشبهات القوية للغاية حول دوره في التغطية وحماية القتلة وكذلك في عملية اتخاذ قرار اغتيال برنادوت (45).

يبدو أن بن غوريون اعتقد وفق المعطيات التي كانت أمامه عن علاقات واتصالات واتفاقات إسرائيل السرية مع قوى لبنانية كان لها حضورها في الساحة اللبنانية، وإن لم تكن موحدة (لم يكشف النقاب عن الكثير من ملفاتها حتى الآن )، أن مجرد اغتيال رياض الصلح في تلك الفترة وفي الجو السياسي المشحون في لبنان، سيؤدي ليس فقط إلى التخلص من عقبة تقف أمام تحقيق سياسته تجاه المنطقة اللبنانية المحتلة، وإنما سيقود ايضا إلى احد الاحتمالات التالية:

أ ـ انقلاب عسكري يقوم به أنصار إسرائيل في لبنان. 
ب ـ صراع داخلي لبناني محدود.
ج ـ اندلاع حرب أهلية.
واعتقد بن غوريون أنه إذا تحقق أحد هذه الاحتمالات، فإن ذلك يفتح المجال واسعا أمام ضم إسرائيل المنطقة المحتلة من لبنان، وتوسيع حدود إسرائيل إلى حدود الليطاني في حالة تمخض هذا الصراع عن انتصار حلفاء إسرائيل في لبنان.

الخلاصة

لم يكن هدف إسرائيل من اجتماعاتها إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح وإلى النخب العربية الأخرى في تلك المرحلة تحقيق السلام. فالسلام كان آخر ما تفكر به إسرائيل. لقد كان هدفها من تلك الاجتماعات واللقاءات مع رياض الصلح ومع غيره من النخب العربية الأخرى، كما تظهر تقارير الإسرائيليين أنفسهم عن تلك الاجتماعات واللقاءات، الترويج للمواقف الإسرائيلية وللسياسة الإسرائيلية أيضا، وخاصة لسياسة "الأمر الواقع" الإسرائيلية، وجذب النخب العربية إلى المواقف الإسرائيلية، ثم إيجاد أرضية واحدة ومصالح مشتركة بين إسرائيل والنخب العربية ـ كأفراد وكشريحة اجتماعية ضيقة ـ تتناقض مع الحقوق العربية ومع حقوق الشعب العربي الفلسطيني؛ وفوق ذلك كله البحث عن متلقي رشى وعن عملاء.

وكما ظهر جليا في هذه الدراسة، رفض إلياهو ساسون وطوفيه أرازي طيلة الاجتماعات التي عقداها مع رياض الصلح، التطرق إلى أسس السلام التي طالبهما بها رياض الصلح. وعوضا عن ذلك، استعملا الحديث بشكل عام عن السلام كوسيلة لعرض الرشوة على رياض الصلح تحت غطاء الحديث عن قيامه بلعب دور"ملاك السلام"، وعندما رفض الصلح قبول الرشوة وأصرعلى مطالبته بانسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية التي كانت تحتلها إسرائيل، وألح وطالب بانسحاب إسرائيل من الأرض اللبنانية المحتلة كشرط لإبقائه الباب مفتوحا للعب دور "ملاك السلام"، قرر ديفيد بن غوريون قتله. فقد أدرك بن غوريون من التقارير التي كانت تصله عن نشاط رياض الصلح ومن إطلاعه على التناقضات والصراعات التي كانت محتدمة في لبنان حينئذ، ومن خلال تحالف إسرائيل مع قوى لها حضورها الحقيقي في لبنان، أن رئيس وزراء لبنان رياض الصلح كان العقبة الأساس، في تلك المرحلة، التي تقف أمام سياساته وطموحاته في لبنان، وفي مقدمتها سعيه لضم الأرض اللبنانية التي كانت تحتلها إسرائيل.

وطوال أكثر من شهرين حاولت إسرائيل وبذلت الجهد كله لقتل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، بيد أنها فشلت. ولنتخيل، ولو قليلا، لو أن إسرائيل نجحت في اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح من دون أن تترك آثاراً للجريمة، فهل كان يجرؤ أحد على مجرد التفكير بتوجيه التهمة لإسرائيل في ظل الصراع الداخلي اللبناني الذي كان محتدما بشدة حينئذ؟

لعل الدارس المتعمق في إستراتيجية إسرائيل تجاه لبنان لا يملك إلا أن يستخلص أن إسرائيل اعتبرت ولا زالت تعتبر أن لبنان ينبغي أن يكون تحت النفوذ الإسرائيلي المكثف. واتضح لإسرائيل منذ فشل اتفاقية 17 أيار/مايو 1983 وتصاعد قوة حزب الله، أن هناك قوتين أساسيتين تحولان دون تحقيق أهدافها في لبنان تتمثلان في حزب الله، والدور السوري في لبنان. والسؤال هو: هل كان اغتيال رفيق الحريري بعيدا عن محاولات إسرائيل بسط نفوذها على لبنان ؟ هذا هو السؤال.
---------------------------
الهوامش:


36. ديفيد بن غوريون، “دولة إسرائيل المتجددة”، تل أبيب : عام عوفيد، 1969، الجزء الأول، ص 306.
37. رؤوفين أرليخ، مصدر سبق ذكره، ص 215.
38. أرشيف الدولة، ملف حيتس 11/2570، رسالة يعقوب شمعوني إلى إلياهو ساسون في 12/11/1948.
39. ديفيد بن غوريون، "يوميات الحرب"، تل أبيب : عام عوفيد، الجزء الثالث، ص790. في استعماله كلمة باريس، يقصد بن غوريون إذا لم يحدث أي شيء من جانب الدول الكبرى التي كانت تشارك في اجتماعات الجمعية للأمم المتحدة في باريس.
40. رؤوفين ارليخ، مصدر سبق ذكره، ص 224.
41. أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة ساسون من باريس رقم 56، في 11/11/1948، ورسالة ساسون من باريس رقم57 في 12/11/1948.
42. للمزيد من التفصيلات حول موقف بن غوريون من السلام مع الدول العربية وسياسته التوسعية انظر الفصلين الأول والثاني من كتاب : Avi Shlaim, The Iron Wall: Israel and the Arab World, London: A Lane,1999.
43. ديفيد بن غوريون، يوميات الحرب، تل أبيب : عام عوفيد، الجزء الثالث، ص 870.
44. ولد يهوشواع كوهن في تل أبيب في العام 1922 وانضم في العام 1937 إلى "المنظمة العسكرية القومية" الصهيونية (اتسل). وفي العام 1940 انضم إلى المنظمة العسكرية الصهيونية "المقاتلون من اجل حرية إسرائيل" ("ليحي" المشهورة بعصابة شتيرن). كان من ابرز أعضاء منظمة "ليحي" في عمليات الاغتيال في الأربعينات. انخرط في صفوف الجيش الإسرائيلي في تموز/يوليو 1948 برتبة ضابط وقاد عملية اغتيال الكونت برنادوت. تصادق مع ديفيد بن غوريون عشية عملية الاغتيال وظل بعدها صديقا حميما له، وانتقل إلى السكن معه في كيبوتس سديه بوكير في النقب.
45. للمزيد من التفصيلات حول ملابسات اغتيال الكونت برنادوت انظر كتاب عبد الحفيظ محارب، "هاجاناه، اتسل، ليحي : العلاقات بين التنظيمات الصهيونية المسلحة"، بيروت : مركز الأبحاث الفلسطيني، 1981، ص 385 ـ 390.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
اغتيال رياض الصلح؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  من رياض الصلح إلى سعد الحريري إيران والدستور اللبناني
» الهدنة واحكام الصلح في الاسلام
» نص مشروع جديد "لقانون محاكم الصلح"
» لماذا يجب علينا أن نرفض الصلح والسلام مع اليهود؟
» في رياض الحكمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ :: خط الزمن-
انتقل الى: