ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: قصة من داخل سجون الاحتلال الصهيونى الأحد 26 نوفمبر 2017, 10:58 am | |
| قصة من داخل سجون الاحتلال الصهيونى - لحظة من فضلك!عزاء خلف القضبان بقلم الاسير/ أيمن ربحى الشرباتى
قصة ملحمة انسانية بطولية من داخل السجون يرويها لكم المواطن من داخل زنازين الاحتلال، -هل تريد ان تشرب فنجان من القهوة مع آبي الاسير ايمن الشرباتي داخل زنانته؟؟؟ -هل تريد ان تعلم كيف يعيش مروان البرغوثي ابو القسام و صالح المصري و ايمن الشرباتي في زنزانة ٢٨ داخل سجن هدريم؟؟؟؟ -هل تريد ان تعيش لحظة تفاصيل الحياة اليومية داخل سجن هدريم؟؟؟ -هل تريد ان تتبادل الحديث مع سمير القنطار وزكريا نجيب ابو عبدالله و الحاج بسام السعدي و حاتم الجمل و وائل النتشة؟؟؟ -هل تريد ان تعلم كيف تلقى آيمن الشرباتي خبر وفاة اخية دياب ابو خالد و ما هي الحالة التي يعيشها الاسير بعد ان يتلقي خبر حزين من العيار الثقيل و ما هي تفصيل هذه اللحظات داخل السجن؟؟؟؟
عنوان القصة: عزاء خلف القضبان
من غيوم الزمن المخيمة فوق رؤوس الايام تسرب ضوء المصباح إلى زنزانتي فتقهقر الظلام المستحكم في زواياها، فتحت عيوني بكسل فالشتاء حتى فراش السجين يحوله إلى مغناطيس دافئ ، حاولت الاحتيال على البرد فسرقت بعض الدقائق من محفظة الوقت لأشتري بها مزيداً من الدفء، بالخارج كان الريح منهمكاً بمناطحة نافذة الزنزانة. فقلت لنفسي فعلاً لا حدود لجنون الريح فهل يبحث عن مأوى في زنزانتي بالكاد تتسع لأنفاس قاطنيها. فأجبت متسائلاً: العجب ألا نتمنى نحن الأسرى الحرية حتى ولو كانت كفوضى الريح، قرع العدد باب الزنزانة عدوا وغادروا. فنفضت غبار الكسل عني وتوجهت إلى دورة لامياه ارتديت ملابس الرياضة، توضأت وصليت، أيقظت مروان البرغوثي وصالح المصري ليستعدوا للخروج إلى الفورة للرياضة، مثلما يحدث كل يوم. دخلت معهم في مساومات انقضت في السابعة والنصف موعد فتح الأبواب، كالعادة خرجت على مراحل كمراحل اتفاقية اوسلو على رأي عمال المردوان، فعند كل صباح لا ينسى أحدنا أن ينسى منشفته أو ساعته او أي شيء قابل للنسيان. الامر الذي كان يدخلنا في جدل لا يخلو من المشاكسة الظريفة مع العمال، وأحياناً تصل إلى المناكفة الساخنة مع السجانين، عند باب الساحة توقفت للتفتيش كانت الدهشة بادية على وجه السجان فتسائل بهذه اللهجة ما الذي يجبركم على الخروج إلى الرياضة والجو على هذا الحال؟ تطوع صالح المصري بالإجابة بطريقته الملتوية والتي تحولت إلى علاقة جودة غير شخصيته، قال له: يا أبو شادي إننا نخصب اليورانيوم لأغراض سلمية فنستمد منها الطاقة، لا تقلق فليس هناك داعي لإخبار الجهات المختصة فيمنعونا من الخروج لى الفورة. قال السجان أبو شادي وهو يهز رأسه علامة اليأس من صالح: لا عليك أيها المخادع ما دامت ماكنة التفتيش قد صممت ولم تحمر عيونها فسوف أصمت. كنا أنا وأبو القسام نقف وراء صالح والابتسامة المصطنعة تقطر من وجهينا، تحولت إلى اشمئزاز عندما اصبح ابو شادي وراء ظهرنا قال ابو القسام: إلى أي حد فقد هذا الرجل الاحساس فهو عبارة عن الة تدير الة. اجبته بسخرية: صدقني يا ابو القسام ان الواحد منا بحاجة على ممارسة التمارين حتى الوقت بدل الضائع للفورة لكي لا تتجمد الدماء في عروقه بسبب سيبيريا الروتين التي خلفتها برودة انفاس سجان ناطق بلغة الضاد. أما مجانين الرياضة فقد سبقونا إلى الفورة اشهرهم عبد الهادي غنيم "أبو ثائر" محكوم بالسجن سبعة وعشرون مؤبد، حتى ولو حصل على قرضه بربا من اعمار احفاده لما استطاع قضاء مدة محكوميته. ففي الانتفاضة الاولى تسبب بانحراف حافلة ركاب عن مسارها فهوى الى اعماق وادي يقع في الطريق بين تل ابيب والقدس، نجا من الموت بأعجوبة له ابن وحيد يبلغ من العمر سبعة عشر ربيعاً منذ اعتقال والده وأم ثائر تظلل ولدها كزيتونة مباركة حتى اصبح ثائر كسراج يضيء حياة والديه بالأمل المتوهج في عينيه رغم ظلام السجن الحالك الذي على مساحة سبعة عشر خريفاً من عمر والده الذي يمتلك قدرات غير محدودة على استفزازي كلما سعى الى ذلك. على يمينه في الطابور كان يركض ياسر داوود مسئول عن اشعال الحرائق في هشيم المناكفات دائماً، فقبل ثلاثة عشر عاما خرج بسيف ليغزوا احد الشوارع في القدس الغربية، طعن كل من وصل اليه حد سيفه، جرح عدد من المارة كان يهتف الله اكبر واقدساه، محكوم بالسجن ثمانين عاماً قضى ثلاث عشر عاما. كنا نرد على مشاكسته لنا بتشبيهه بأحد جنود صلاح الدين من حطين. لكن مع الاسف تاه في الطريق فوصل القدس متأخرا فلم يميز بين الصليب ونجمة داوود أما ثالث أضواء الفورة فهو محمد خان، لم يكن يركض معنا في الطابور كان يمارس الرياضة في زاوية الفورة الشهيرة باسمها الحركي قرنة شهوان، حيث يرفع الأثقال المائية والتي هي عبارة عن مجموعة من العبوات البلاستيكية المملوءة بالماء مربوطة ببعضها البعض بخيوط من القماش يصل بين المجموعتين بعي خشبية هي عصي القشاطات، لقب بسببها بالرياضي البرمائي. كان محكوم مدى الحياة أمضى منها خمسة عشر عاماً مصاب بقدمه اليمنى بعدة رصاصات أثناء اشتباكه مع الجيش يوم اعتقاله والمجروح بقلبه بقصة حب ومن حبر نزيفها الأحمر كان يكتب الخاطرة العاطفية والقصة القصيرة ويكتب الحجاب أيضاً، إذا أراد، فهو متعدد المواهب منها خياطاً محلياً يقصر للشباب البنطلونات ويمكن أن يقصر لك عمرك إذا رغب بالمعاندة، ولديه موهبة في تطريز الآيات القرآنية على المخمل، بعض أ‘ماله كانت تعرض في معارض لمنتجات الأسرى. ويمكن أن يقوم بتصليح الأدوات لكهربائية التي يستخدمها الأسرى وحتى بطاريات الساعة الفارغة يعيد شحنها. بعد تبادلنا التحيات الصباحية وانخراطي في الطابور، كنت قد ضغطت على زر المسجل وانطلقت فيروز تشدو بصوتها الملائكي في أذني شتي يا دنيا شتي في فضاء روحي حلقت الكلمات على أجنحة الألحان فغمر الدفء جوارحي. كان المطر يردد مع فيروز كأنه أحد أفراد فرقتها، يعزف على الفئة المائية فحبات المطر المتساقطة كانت تترك ورائها أنغاماً إيقاعية حين ترتطم بسطح المياه المتجمع على أرض الفورة. أما السماء فقد علقت على بابها المقابل للسجن قوس قزح والشمس بدت متكاسلة عن سحب ستائر الغيوم المثقلة بالمطر واكتفت بإرسال اشعتها خجولة فبدت كأنها تتثاءب. أما عبد الهادي غنيم "أبو ثائر" فلم يتأخر بافتتاح مهرجان هداريم الصباحي عندما اصطدمت يده بكتفي أبعدت السماعة عن أذني وقللت من اندفاعي في الركض حى اصبحنا متقاربين وسألته بترقب: خير اللهم اجعله خير شو في على هالصبح؟ سألني: يا مواطن ليش موش ماشي على القانون ومتجاوز حقوق الطابور؟ نظرت اليه بتجهم لكن قبل ان اتفوه بكلمة ادلى ياسر داوود بدلوه ذو الحبل الطويل متبرعاً بالإجابة وقال: يا ابو ثائر سامحك الله المواطن لا يمشي على القانون، يمشي على الرمالة؟ أغلق محمود خان امامي طريق الاجابة حيث قال: لكن الله يستر ما يصطدم ببيت عتابا فيسقط على وجهه. ضحك الجميع بمليء قلوبهم فنجحوا بإغضابي، كانت استراتيجيتي معهم مبينة على ان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، لكن على تكتيك فرق تسد، فأخذت محمد خان وعبد الهادي غنيم وأجبت ياسر بمرارة والله شكلك موسيقي لكن مشيتك نشاز، كان رحى التحالفات في الفورة يدور مع الطابور وخصوصاً حين ندنوا من قرنة شهوان فتأخذ طابعاً جديداً. تدخل دهان بصوت مرتفع قائلاً: يا شباب اسمحوا لي هناك نقطة نظام اذا كان رأي المواطن وهو بمكانة الرحباني في لجنة التحكيم في سوبر ستار وقد أقر بأن مواهب ياسر داوود متواضعة فلن نراه إذا في سجن عسقلان، أجبته ولكلمات تختلط بصوت ضحكتي المتشفية: اذا ما بتشوفوش في عسقلان بركي بتشوفه في المنام. قال ابو ثائر وهو يلوح بيده علامة السخرية، وعندها هات فسرها يا ابن سيرين ما هو في الواقع ابتحتاج الى قاموس علشان تستوعب كلام ياسر داوود، كان الضحك والمزاح يعلو وينخفض كأمواج البحر فيكتب على شواطئ الكفاح حكاية سجناء عقدوا العزم على مواجهة قساوة السجن برقة الابتسامة و كسر وحشة الحرمان من الاهل بمد جسور المحبة والأخوة بينهم، بعد ان اصبحوا يتحلون بخبرة وساعة من خيبات الامل من الحلول السياسية وعمليات تبادل الاسرى. القى كل من كان في الطابور كل ما بجعبته من تعليقات ساخرة فوق رمال هذا الصباح ونحن صاعدون صوب أعلى يومنا لنهيمن على خفاياه، عند الساعة التاسعة فتح باب الفورة فخرج اليها بعض الشباب وعاد البعض منها الى زنازينهم أما انا فقد اخذت بريك رياضي على رأي مذيعي الفائيات ورحت اتمشى على راحتي قبل الانتقال من الركض الى التمارين، لاحظت امراً غريباً اثار حفيظتي فقد تكتل البعض على شكل حلقات همس صمتت السنتهم كلما اقتربت منهم، فلم اجد تفسيراً للأمر زاد الامر غموضاً عند اقتراب عبد الناصر عيسى مني على غير عادته في تلك الاثناء وفتح معي حديث غريب مقطعه كلماته م بعثرة فقد سألني تارة عن حالي وتارة عن أخباري ثم قفز نحو الإشادة بي معللا إشادته بأنني رجل من الصابرين المحتسبين وامتلك تجربة كبيرة، اجبته وأنا اتفرس تعابير وجهه وحركة جسده محاولاً قراءتها بوضع النقاط على حروفها بارك الله فيك يا ابو حذيفة. لكن لماذا هذا وبهذا التوقيت الذات فأنت كل يوم تراني وليس هناك من جديد في أمري. حاولت ربط خيوط هذا الحديث بدوائر الهمس، أجابني عبد الناصر بتلكؤ لا داعي يا مواطن للقلق فقط اردت الاطمئنان عليك، تركني وذهب، وانشغلت بممارسة التمارين بعد عشر دقائق تفاجئت بأبا حذيفة أ،ه عاد وبصحته الأخ عمارالزين وطلب مني أن نتمشى سوياً عند اول الخطى فسحوا لي المجال أن اكون بينهم. سرت كمن يمشي وهو نائم وضع ابو حذيفة يده لى كتفي ونظر إلي بتأثر أم اعمار فقد ابتسم في وجهي ابتسامة بانت بصعوبة على وجهه وهو يهز رأسه كأنه يمهد طريق للحديث. قال أبو حذيفة بحذر وبتردد: اسمع يا مواطن لا أريدك أن تقلق او تذهب بعيداً بكلامي لكن هناك بعض الشباب سمعوا من احدى المحطات المحلية في مدينة الخليل ان اخوك ذياب ابو خالد قد اصيب بوعكة صحية ثم تداوى قليلاً ,أكمل الشديدة بعض الشيء لكن ان شاء الله سوف تكون الامور بخير، على الفور تسارعت نبضات قلبي واضطربت انفاسي فأخي ابو ذياب مريض وسبق ان اجريت له عملية قلب مفتوح، بعد أن اصيب بسكتة قلبية، ثار بركان مخاوفي وغطى دخانه مدى رؤيتي بلونه الرمادي وشعرت بأن غربانا سقطت على راسي وراحت تنعق، فهذه المقدمة هي توطئة للموت، وبمثل هذه الكلمات تشق الطريق لتمر منها الفاجعة فتتهيأ اجواء السجين لاستقبال أ؛زانه. فأنا بنفسي سبق ان شاركت بمثل هذه المراسم، مندفعاً بعواطف هذا الكابوس قلت دعك يا ابو حذيفة من المراوغة بالموت فهي اصعب من الموت نفسه، فأنني اذبح بسكين لم يمضى جيدا ورب الكعبة مات أخي تعثرت الكمات بفمه وهو يطلب مني ان لا اتسرع فالخبر ما زال أولي ونحن لم نتأكد بعد من الوفاة وطلب مني ان نجلس، جلب لي عمار كرسي وبدا يتجمع كل من كان في الفورة حولي بصمت حزين، عندها تبخرت شكوكي وترسخ يقيني بموت أخي، فقد ربطت سرعة استجاباتهم والالتفاف حولي وكذلك الهمس والوشوشة التي عمت الفورة. عندما فتحت الفورة الساعة التاسعة، اجتاحتني هستيريا الفاجعة فأخذت اضرب بيدي على وجهي واشد في شعري وأنا اهذي من حمى المصيبة مات أخي مات أخي، ولم يعد بين الاحياء يمشي مثلهم او يتحرك كما يتحركون، تلاشت الانفاس في صدره وصمت قلبه عن النبض يا الهي قبل دقائق كنا نضحك ونمزح الان نغرق بنواح وبكاء يا ناس يا عالم الله اكبر الموت كامن كأنه قشرة موز القاها قرد المصير في طريقنا بعد أن اكل اعمارنا لننزلق بها دون ان نراها، كان من يجلس على الكراسي بجواري يمسح بيديه على كتفي بدفء المواسي وتدفقت كلمات التعزية من الشفاه مشفوعة بنظرات حزينة وغطى الانفعال صفحات الوجوه التي التفت حولي. البعض طلب الدعاء له وآخر طلب أن اركز على قراءة القران والصلاة ترحماً على روحه. تدحرجت الدموع على وجهي تركتها بعفويتها تكتب ما يدور في وجداني فدموع من العواطف والعيون تسقيها. فأنا لا اعتبرها انتهاكاً لذكورية الشرق، قلت والكلمات تكاد تختنق في حنجرتي إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا اعتراض على حكم الله. لكن يا ناس الموت انتشر في السجن كطاعون كل اسبوع هناك بيت عزاء يفتح في الساحة ولم يمض على وفاة أمي ستة أشهر رحمها الله وتلك الجروح لم تلتئم بعد، وعدوني أن تأتي لزيارتي مستقلة سيارة الاسعاف بتنسيق مع الصليب الاحمر لأنها تعاني من الشلل النصفي فخرجت إلى زملائها فتفاجئت بأنهم قد جلبوا لي خبر موتها. أما في الزيارة التي مضت فقد جاء لزيارتي ابنه وليد وهو الوحيد الذي داوم على زيارتي من غير زوجتي وأولادي منذ خمس سنوات، طلبت مني يومها ان يبعث لي صوراً لوالده وهام هم قد جلبوا لي خبر موته، يا الله ما اقسى قلب الحياة ملهوفا تقرع بابها فيفتح لك القدر ليصفعك على وجهك بحذائه المهترئ. انتابني احساس بان السماء هوت على راسي وساوتني بالأرض واجتاحتني دوامة الاسى وازدحمت مخيلتي بصور محزنة لأخي ذياب ابو خالد لتذكرني به كيف كان يفرح ورنين ضحكته او عندما كان يغضب يمتلئ وجهه بتعابير الحزم والصرامة أو حينما يسافر وأودعه او حينما يعود يغمرنا بأحضانه. مسكين ايها السجن لا تملك إلا ذاكرتك لتتواصل بها مع العالم الخارجي فالزمان والمكان لديه توقف عن النمو، منذ ان وضعت الاغلال في يديه. خيم الصمت على المعزين ونظروا الي كأنهم يشاهدوني لأول مرة، توقفت عن الندب عن سؤال الاخ مهند جرادات عن موعد الجنازة. اجبته انني لا اعرف لكن هناك من كان يعرف اكثر مني، قال الاخ رافع خطيب وعيونه مصوبة نحوي اليوم بعد صلاة العصر. كان الاخ رافع اول من سمع الخبر من محطة الحرية في الخليل واحتار كيف يعلمني فأخبر ابو القسام وصالح فاتفقوا بدورهم على تأخير الموضوع على الصباح ليجدوا من يتقاسمون معه عبئ ابلاغي. بعض الاخوة ممن عرفوا ابو خالد رحمه الله عن قرب او عن بعد تبادلوا اطراف الحديث عن مآثره. ام الحاج بسام السعدي الذي كان يجلس بجواري وهو الذي اخبرني اول ما تعرفت عليه ان عائلتي آل الشرباتي ترجع بأصولها إلى عائلة السعدي، فخاطبني بصيغة يا بن عمي كم عمر ابو خالد رحمه الله ؟ اجبته وأنا مطأطئ الرأس: خمسين عاماً أقل اكثر قليلا، والله لا اعلم بدقة. امسك ابو عبد الله زكريا نجيب بطرف الحديث سألني عن عدد أولاده قلت وأنا انظر الى وجهه اربعة يا ابو عبد الله ولدان وبنتان، دعا الله ان يحفظهما طول العمر واستعان بالمثل الشعبي لمواساتي يا مواطن اللي خلف ما مات. عند سؤال عن الاولاد تأججت نار فاجعتي فأضاءت شعلتها كل الوجه القريبة منها من الاهل والأصدقاء فعكست الحزن الذي كسا تلك الوجوه. اما عن ماساتي فهو بطول تلك القضبان وبسمك تلك الجدران التي تمنعني بدورها من القاء النظرة الاخيرة على جثمانه، وحرمتني من تقديم وتلقي التعازي من الاهل فيبصق السجن كل محيط براكينه في أعماقي تهدأ وتثور دون علم احد كأنه مصاب بقرحة الحرية. احد الاخوة عمال المردوان طلب من الشرطة ان يفتحوا باب الفورة لكي اتمكن من الاستحمام فسجن هداريم مصمم على الطريقة الأمريكية حماماته خارج الزنازين ولم يتبقى كثيرا من الوقت حتى قدوم العدد وأنا لا استطيع البقاء دون استحمام وخصوصا بعد مزاولة الرياضة، شكرت جميع المعزين على صدق مشاعرهم وتمنيت ان نلتقي بالمناسبات السعيدة فقد كان تفاعلهم معي عميق بعمق الاحساس بوحدة الحال، اكده الاخ ابو جعفر امين الصانع وهو من وهو من الملتزمين بقراءة القرآن حين همس في اذني انه سوف يتم قراءة القرآن ويهبه الى روح أخي لم اجد وسيلة أعبر له عن امتناني إلا عناقي بحرارة. دخلت من الساحة وأنا اتخيل الشباب اشجار واحة خضراء حفيفها انفاسهم احتميت بها هروبا من قسوة الصحراء الاسمنت التي تلفني بعد الانتهاء من الاستحمام عدت الى زنزانتي، حاولت الانكفاء على ذاتي للاحتماء بدفء من برودة السجن والموت والطقس لكن الفاجعة لها ارتدادات واهتزازات تخرج عن السيطرة لتصل بك الى حد الهذيان فقد تخيلت ان السماء تشاطرني في الاحزان فأسطورة الطفولة تقول ان المطر دموع السماء.
سيطر على الزنزانة صمت حزين مزقه صوت مروان البرغوثي ابو القسام حين ترحم على روحه واتبعها بذكر مآثره فقد تعرف عليه منذ فترة من خلال العمل التنظيمي وعندما كان ابو القسام يزور الخليل كان ابو خالد رحمه الله يحرص على أن يكون باستقباله. اجبته بمرارة مقتضبة يا ابو القسام اصبح فعل ماضي الموت غريب كالبهلوان يخطف ارواح احبائنا ونحن نضحك وحين نصحوا على المآسي نصرخ ونبكي نركض ورائه لكنه يمضي ولا يكترث ونبقى ننظر اليهم بعيون كان وأخواتها، حاول صالح ان يسكن من احزاني قائلاً: كلنا يا مواطن في رحم الله احياء كنا ام اموات وكل نفس ذائقة الموت. على ايقاع تنهيدة خرجت من بئر احزاني العميقة قلت صدق الله العظيم ارحمنا احياء وأموات، عاد علي صالح لكن بسؤال اذا كنت اود تناول الطعام او الشراب او اذا كنت بحاجة الى أي شيء، شكرته واستلقيت على برشي وتركت الدماء تتدفق في عروقي وأنا اتنفس بعمق، اما ابو القسام فقد جلس على برشه بكتابة برقية تعزية باسم حركة فتح لتقرأ على الزنازين اما صالح فقد جلب لي برقية تعزية احضرها احد العمال (المردوان) ارسلها معه احد الاخوة لم يتمكن من الحضور الى الفورة لتقديم العزاء، لأنه كان غائب في العيادة. بعد ان قرأتها لم استطع الانفراد بنفسي فهناك اخوة وصلوا الى السجن من البوسطة كانوا في المحاكم او نقلوا الى السجن حديثا وفور سماعهم الخبر حضروا الى باب الزنزانة لتقديم العزاء اما سلامة علي شاويش الساحة فقد اخبرني انه اثناء زيارات الغرف سوف يأتي لزيارتي كل من الشيخ عبد الخالق النتشة والأخ وائل النتشة والأخ سمير قنطار، اجبته بترحاب وتهيأت لاستقبالهم، اعد صالح القهوة ورتب الزنزانة. عندما حضروا كان التأثر بادياً على الوجوه فالشيخ عبد الخالق "ابو جبير" يعرف ابو خالد معرفة جيدة اثناء عملهم معاً في مكتب القوى الوطنية والإسلامية في الخليل، قال أبو جبير رحمه الله ابو خالد كان حريصاً على وحدتنا الوطنية حرصاً لا يدنو منه شك، قلت يا شيخ هذا عزائي الاكبر انه يترك ورائه سيرة مشرفة. ماذا نفعل هذا قدر الله وما شاء فعل. تسائل سمير القنطار "كانت الوفاة سببها مرضه الأخير اجبته اعتقد ان مضاعفات العملية الجراحية وصلت الى حد السكتة القلبية آه يا ابو ماجد، كنيته كان مميزا بها اخي ابو خالد رحمه الله مميزا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، معطاء كالأرض التي احبها. اسال الله يا ابو ماجد ان يجمعك قريبا بأهلك وأحبائك في لبنان بعد ثلاثة عقود تقريباً من الفراق، قال: ان شاء الله وقد أومأ برأسه ويديه علامة على طول الانتظار ونفخ خان تبغه فبدا كقطار مل من السير على قضبان سكة السجن باحثاً عن لحظة الحرية. كان وائل النتشة ابو الامير جالس بجواري ذكرني بزيارتنا لبيتهم انا وأبو خالد بالأعياد والمناسبات وتحديداً ضحكته التي لا تنسى، رحمه الله. قلت ورأسي متكئاً على كف يدي كانت كجرس تصفع بفرحة قلب مقدم على الحياة بشغف وسأبقى اقرعه بحبل الحنين اليها مقدر و مكتوب. وما علينا إلا الصبر والاحتساب عند الله، لا اعرف كيف سيطر علي الاحساس بأن هؤلاء الاشخاص يقدمون لي العزاء بنكهة مميزة فهل يا ترى لأنهم يع رفو اخي ابو خالد، ام لأنني أكن لهم مودة خاصة فيترك كلاً منهم في نفسي دفء خاصاً أم لا هذا ولا ذلك، مرده إلى أن السجين في مثل هذه الظروف اقرب ما يكون الى الطفل الذي يحتاج الى من يداعب عواطفه بعبارات العزاء، او يطبطب له على ظهره او حتى يمسح له على رأسه أم أن كل هذه الاحتياجات الانسانية افترضت في وعاء الخوف فأقبلت احتسيها بظمأ كانت معرفتي كعائلة سمير قنطار وقد بدأت منذ ان كان مع أبي رحمه الله وأخي احمد قبل ان يطلق سراحهم، في صفقة تبادل الاسرى عام خمسة وثمانين، اما وائل النتشة ابو الامير فتربطني بهم علاقة مصاهرة فأخوه يكون زوج أختي واصلت عقارب الساعة الثانية عشر فروا صوت حمال المردوان انتهت زيارة الغرف. انتهت زيارة الغرف. فاستعد الزوار للمغادرة لكن وائل الشيخ اصر على دعوتي لتناول مأدبة الطعام عن روحه كما جرت العادة. حاولت الاعتذار مبرراً ذلك بحالتي النفسية لكنهم اصروا وعللوا اصرارهم بأن هذا الامر جزء من عاداتنا. قلت له نحن في سجن، ومعفيين من هذه القيود. قال الشيخ: السجن صورة مصغرة عن ذلك المجتمع وضغط على يدي أثناء السلام، قلت مسلماً حسناً حسناً كما ترون، واتفقنا على الموعد. مع انتهاء الحديث فتح الباب فذهب الشيخ عبد الخالق والأخ وائل وبقى ابو ماجد يتحدث معي من شباك باب الزنزانة حول موضوع الاتصال التلفوني مع الاهل فالسجين مسموح له الاتصال بالعالم الخارجي في حالتين فقط عند وفاة قريب او زواج قريب، بشرط ان يكون صلة القرابة من الدرجة الاولى والمدة عشر دقائق. قلت يا ابو ماجد كما كان يحب ان نناديه. فماجد اسم رفيق سلاحه الذي استشهد اثناء العملية العسكرية التي نفذتها مجموعتهم، ارجو ان تحاول كل ما باستطاعتك كي يسمحوا لي بالاتصال في ايام العزاء لان الاهل بالتأكيد مجتمعين هناك ، فاستغل ذلك التجمع لأتحدث معهم. فكثير منهم لم اسمع صوته منذ سنين قال اطمئن يا مواطن سوف اقوم بكل ما بوسعي لكنك تعرف تلكؤهم ومماطلتهم عندما يتعلق الامر بحقوقنا. كان على ممثل المعتقلين ند الادارة ان يسير على حبل مشدود من احدى طرفيه بحاجات يومية للأسرى تنموا في ظل الحاجة القصوى وهي الحاجة الى الحرية ومن طرفه الاخر تشده الادارة بسادية لتسقط ممثل المعتقل ومعه من يمثلهم في هاوية الذل والحرمان فيبقى يناور ويحاور ما استطاع الى ذلك سبيلا، فينقض ما يمكن إنقاذه قلت حسناً يا ابو ماجد انا مقدر صعوبات الوضع وكلي ثقة بك، قال انا قدمت الطلب وعندما يأتي ضابط الامن على الفور سوف اتي لإخبارك، شكرته وعدت الى برشي وأنا قابض على جمرة الحزن والحاجة للاتصال والتواصل في الخارج كانت الاجواء تزداد سوءاً والريح تولول وتزمجر وهو يحاول اقتلاع كل ما يقف امامه لكنه يضطر للانحناء امام جدران السجن. اما السماء فقد تحولت الى غربال لشتاء لا يتوقف عن المطر كلما هزه البرق يبدو الرعد باليد الاخرى ولسعات البرد تزداد حدة فذكرني ببرودة القبر ووحشة الظلام التي تسكنه وهي تنتظر، احذ ليدفن فيها بعيداً عن دفء فراشه وأحضان اسرته. فقبره قد حفر وهو ينتظر جثته بجشع وشراهة وعندما تخيلت ان القبور افواه الارض التي لا تتوقف عن التهام جثث البشر. حاول صالح وأبو القسام منعي من الانزلاق على ارض فاجعتي فهي لا زالت رطبة من رذاذ الأحزان اعد صالح الطعام والحوا علي كي أشاركهم كانت شهيتي مفقودة في زحمة المخاوف، حاولت الرفض فأصروا وقدم لي صالح كوب من عصير وتناولت بيضة مسلوقة، وشربت العصير، شعرت ان كل فعل اقوم به بعد الموت يدون في ذاكرتي على انه مفصل في تاريخي الشخصي. تماماً كما يرون تاريخ الانسانية قبل الميلاد وبعده، قبل الهجرة وبعدها، وهذا العصير وقبلهن الحمام كله ما بعد الموت، اكتفيت بما تناولت ولم اقوَ على تناول المزيد. شكرتهم وقلت لصالح فهو المسؤول عن شؤون البث والإرسال في زنزانة 28 ان يحاول التقاط بث محطة الحرية في الخليل فقد اخبرني رافع ان المحطة سوف تغطي الجنازة بموجه مفتوحة ورقمها كذى وكذى. حاول ان يلتقط موجتها اعرف ان الجو صعب لكن من الضروري ان نتواصل مع الاهل بمثل هذه الظروف، قال صالح لا تقلق يا مواطن وتوكل على الله. فور الانتهاء من تناول الطعام سوف أبدأ بالمحاولة، كان التقاط محطة من المحطات المحلية يشبه الصيد بصنارة لكن السمكة هنا تسبح في بحر من الهواء، صيدها يحتاج الى سلك نحاس طرفه مثبت بسماعة الراديو وطرفه الاخر مدلى من النافذة مربوط به قطعة معدنية صغيرة الحجم. كنا في بعض الأحيان نسمي السلك بسلك معاوية، لكن ادارة السجن لها ثعالبها كثيرا ما كانت تلك الثعالب تنقض على السلك فتقطعه ارباً مدفوعة بجوعها الامني. انشغل صالح بإعداد العدة ليخوض غمار لعبة الصياد وطريدته، بقي التلفاز معلقاً حفاظاً على مشاعر صاحب العزاء، كما جرت العادة عند السجناء في مثل هذه الظروف. لكن اصحاب العزاء كثيراً ما كانوا يتنازلون عن هذا الواجب بالتضامن فالتلفاز نافذة الأسير على العالم فكيف اذا كان يعيش معنا مروان البرغوثي "ابو القسام" الذي يتنفس الاخبار مع الهواء. دون مقدمات بادرت بفتح التلفاز على محطة الجزيرة، فتساءل ابو القسام مستغرباً بعد أن القى الجريدة العبرية من يده: يا رجل نحن في عزاء، لا وقت لتلفاز بمثل هذه الظروف. قلت: نعم نحن في عزاء لكن مسموح لنا ببعض الاستثناءات فنحن سجناء يا صديقي والحزن في القلب وليس في التلفاز. حاول إغلاقه فوقفت في طريقه لأحول بينه وبين إغلاقه طبطب على كتفي وقال كما تشاء. إنا لله وإنا اليه راجعون. خفض صوته ووضع السماعة على اذنيه واخذ يتابع الأخبار. أما صالح فبقي منهمكاً وينصب الكمين لمحطة الحرية، كانت حالته تتوافق مع المثل الشعبي الذي يقول: الصياد بتعلا والعصفور بيتقلا. فوجدت في جعبتي متسعاً من الوقت رحت أـخيل به معالم الطريق الذي سوف تسلكه الجنازة وصولاً إلى مثواه الأخير في مدفن العائلة الواقع بجوار مقابل سوق الخضار القديم في مدينة الخليل. وعلى الفور تسمرت ذاكرتي أمام شوفة بيت أختي أم مهند المطلة على مقبرتنا حيث كنا ومعنا أخي أبو خالد نجلس فيها أثناء زيارتنا لبيتها، فقد كانت تلك الشرفة بمثابة صالون الضيوف، من دردشات تلك الزيارات طغى على سطح ذاكرتي اتفاقنا على ان العمر من مسقط الرأس إلى مثوى الجسد في هذه الصناديق الحجرية هو عبارة عن ساعة رملية الايام حباتها. حاولت استدعاء وجوه الاقارب التي توارت بين الثرى، لم يبق من ملامحها إلا أسماء وأرقام تطل من شواهد تآكلت أطرافها وتعرت ألوانها بفعل الرياح والأمطار وهي تقف عارية في شوارع الموت. لم يهب لكسر عزلة تلك الأسماء إلا أعشاب نمت على هامش الصمت متسائلة يا ترى أصوات الفؤوس وهي تحفر القبور الجديدة وتقض مضاجع الاموات كما يقض مضاجع الاحياء بناء وهو يحضر لشجرة الحياة. مع كل هذا لكن والاهم قبر أخي اين يقع على يمين قبر أمي أم على يسار قبر أبي، أمام قبر جدتي أم خلف قبر جدي؟ توالى تحليق الاسئلة من رأسي إلى خليل الرحمن، كالطيور المهاجرة خفقان اجنحتها دفعني إلى فتح البوم الصور على مجموعة من الصور للبلدة القديمة من الخليل أهداني إياها حاتم الجمل أثناء لقاءنا في زيارات الأهل. التقطتها عدسة اخيه يسري الذي يعمل مصور في رويترز. كانت الصور غاية في الجمال في اطارها تحتضن تفاصيل التفاصيل مهنيتها نضجت في أحضان حباً فطرياً للمشهد أثارت اعجاب كل من شاهدها في السجن وتحديداً أبناء الخليل، الذين أقاموا على شرفها موائد ودعوا إلى إشباع جوعها فقفز الحنين من يديها وراح يسد رمقه دموع المشهد.
فالصور تحمل بين أضلعها حلم مكان وذاكرة زمان يغطي مسقط رؤوسهم. حدقت في فضاء الصور الملتقطة في مكان مرتفع يطل على البلدة القديمة وبمركزها سوق الخضار تقابله المقبرة التي تمددت على معظم أرض الوادي، مبقية مساحة بينها وبين باقي الأحياء، شق الشارع فيها طريقه التي فصلت المقبرة عن موطن الأحياء والأسواق الممتدة على طوله. كنت قد أثرت فضول أبو القسام عندما فتحت الألبوم، فرفع سماعة التلفاز عن أذنيه وترك برشه ليقف بجواري صامتاً وعيونه تبحث عن سر تصوفي في صفحات الألبوم. نظرت إلى وجهه كانت الحيرة بادية عليه، حاولت تبريرها بجواب استباقي أحاول الارتماء على صخر المدينة علي أجد لديها العزاء، قال وقد اومأ جيد علامة على الاستهجان. عجيب أنت يا رجل الناس في مثل هذه الظروف يقرأون القرآن يصلون أما ان يغرقوا بمشاهدة صور ليست لأبناء ولا حتى لأقارب، او أن لك طقوس خاصة تتبعها في مثل هذه المناسبة؟ فهل تتبع طائفة مختلفة؟ بصوت خافت مرتبك قلت يا صديقي أبو القسام كلنا أتباع الطائفة المنسية، في غابة القضبان الحديدية، لكن المشكلة التي تواجهها في داخلك مع الكلمات عجزها عن ترجمة ما يدور في عالمك الداخلي. فكيف اذا تشابك مع ما يدور في داخل هذه الصور التي تعج بالأسئلة ! رفعت الألبوم وطلبت منه أن يركز النظر بهذا الشارع ألا تلاحظ أن معضلة الحياة تتجول منه يمنة ويسرة في البيوت المقامة فوق قمم الجبال يقع مسقط رؤوس الناس في مدينة الخليل، ويبقى يتدحرج حتى يوارى الثرى في قعر المدينة. هز رأسه مروان البرغوثي وتنهد وبنبرة اليائس قال: يا عزيزي المواطن لقد غصت عميقاً في هذا الموضوع حاول الفلاسفة سبر أغوار هذه الأعماق فاكتشفوا أنها أ"ول من أعمارهم وأعرض من مخيلتهم، فاكتفوا برسم إشارات المرور على جانبي الطريق إلى أن ابتلعهم الموت. بسخرية حزينة قلت : وحركة السير متواصلة على هدي اشارات القبور، قبل أن يجيبني تأمل الأمر قليلاً وهو يتمشى كعلاقة اليومية بالمساحة الضيقة من أرض الزنزانة ويديه خلف ظهره يلوحان بمسبحته، قال حينما وقعت نظراته على وجهي متواصلة ، متواصلة رغم المنحدرات والمنعطفات تثبت في الحياة هو المتحرك، احسست أن إجابته عبارة عن برقية عزاء مكتوبة بحبر الفلسفة. حركت كلماته الحماسة في داخلي لعبور الطريق إلى نهايته فقلت قاصداً العودة إلى صوري: صدقت يا أبو القسام الحركة والطريق، قال نعم، نعم يا صديقي المواطن الحركة والطريق واستمر يذرع أرض الزنزانة بخطاه القصيرة. عدت إلى الصور لأتقصى خطى من عبروا هذه الطريق فلم اعثر على أثر خطى الفلاسفة فقط، بل عثرت ايضاً على خطى الأنبياء، فشارع الشهداء يفضي إلى الحرم الإبراهيمي الذي يأخذك إلى جذور المدينة الضاربة في أعماق التاريخ، تاريخها الذي رأت عيونه النور على أيدي سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو يبحث عن تربة تأوي بذوره الإلهية، لتحميها من زحف الظلام. وفعلاً بسطت الأرض ترابها لتحتضنها وفتح عفرون الحثى أ؛د فلاسفة العنب راعيه لاستقباله أهداه المغارة مدفناً لسلالته الطاهرة. فالتحمت الأرض بالسماء عندها غرست السماء بذور نبوتها في قلب الأرض، فتحول المدفن إلى بستان. ومن يومها والخليل يشق طريقه من رحم هذا العهد صوب الحضارة الحنفية وعناقيد التوحيد تظلل البشرية. شعرت أن المدينة أدخلتني في رئتيها كشهيق حين حاولت الخروج من أنفها كزفير بعدما طلب مني صالح بلهجة الظافر: امسك السماعة يا مواطن لقد التقطها التقطها ملهوفاً متعطشاً وضعت سماعة الراديو على أذني لكن سرعان ما أصبت بالإحباط. كان التشويش ينهش بصوت أيمن القواسمي حتى التهمه، غاضباً أعدت السماعة إلى صالح، قلت وقد ضربت الجدار بقبضة يدي رغم أن أيمن القواسمي حبال صوته طويلة لكنها لم تتمكن من تسلق جدران السجن وأنا في أمس الحاجة للتواصل معهم. انتقلت عدوى الإحباط إلى صالح، أخذ السماعة مني وهو يعض على شفتيه محاولاً شق الطريق أمام إصراره قال: لا تقلق يا مواطن سوف أحاول مرة أخرى، المشكلة في الطقس. قلت: يا رجل ما يقلقني هو أن الجنازة سوف تنطلق بعد صلاة العصر والآذان يقف على أهبة الاستعداد في حنجرة المؤذن، تبخر الإحباط من ملامحه عندما لمع الإصرار في عيونه، قال بعد أن تحول الإصرار إلى حافز إذا أسابق الوقت. وضع السماعة على أذنيه امسك سلكه وعاد يفتح بفنجان الهواء كمن يريد أن يرى البخت، أما أنا فقد بقيت جالساً على هامش صفحات ألبومي انتظر جنازة أخي ذياب .. أبو خالد كالضرير الذي انطفأ نظره على هذه الصور فأصبح ينظر بعيون المجاز إلى ذلك المكان متوسلاً العزاء عبر حقيقة البث، قادمة من محطة الحرية فينفخ السلك روح الصوت في جسد العودة فانكسر صمت القضبان وأزال شحوب الجدران التهبت شعلة الحزن في صدري حين انشغلت بمشاهدة التفاصيل التي يقع عليها بيت الشيطان حيث كانت عروبة المدينة تحتضر على سرير التهويد. فعبرت شوارع الصور كورقة عنب سقطت عند رأس كرم أصيب بسعال سببه رياح الخريف، فغدت أنفاسه من كثرة ما تدحرجت على هدر المدينة المثخنة بالأورام الاستيطانية في ظل وجهها القناع الذي تغطيه التجاعيد. فبركة السلطان ماتت عطشاً بعد أن طال وقوفها وحيدة تحت الشمس والجذور والمدرسة الإبراهيمية لم تعد تجبر ما تشربه بخف التدريس على أغصانها، ومقاعد الطلاب تحولت إلى هياكل خشبية بعدما أصبح الغبار يكسوها. وأشباح المعلمين تكتب ببقايا الطباشير: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاً، على جدران النسيان. وصدى نشيد المعلم يتردد في زوايا الملعب، أما مبنى سيدنا إبراهيم عليه السلام الواقع بين المدرسة والبركة، فقد بانت عليه الشيخوخة ونمت الأعشاب في قبته كالشهب، وجدارها الواقف على مفترق الطرق يتركز طوابير الفقراء وهم ينتظرون امتلاء أوانيهم بالشوربة وأنفاسهم الضجرة تختلط برائحة الشوربة فتؤجج جوعهم. والأسواق الفارغة تشتري الازدحام من معدة الماضي وبيوت العنكبوت اتخذت من سقف القناطر مسكناً لها، بينما فتحت أقفال الدكاكين بالصدأ ونوافذ البيوت المهجورة تنظر إلى المستقبل، بينما الأبواب تخبئ خلفها حكايات أجيال، افتموت بين جدرانها فخرج أبطالها إلى الحياة غير أدراج حجريه كأنها جسور ممدودة إلى الشوارع، فصعقتني أزقة الصور إلى قنطرة الحمام مسقط رأس عائلتنا آل الشرباتي، عندما سكنها جدنا الأول قادماً من الشام قبل مئات السنين. ومن يومها ونحن في فضائها نتشكل حتى أصبحنا فصلاً من فصول حكايتها. فقنطرة الحمام تحولت إلى رأس حربة في معركة التعريب والتهويد، فالذي يفصل بين بنادق المستوطنين المقيمين في سوق الخضار القديمة وسكان البيت جدار عادي يحميه من السقوط إرادة البقاء. فتذكرت رب تلك الأسرة زوج عمتي أبو نجيب رحمه الله وهو يقف على الجدار مرتدياً كوفيته ويصرخ في وجه المستوطنين محتجاً على استفزازاتهم لأهل بيته، حتى ذاع صيت صموده فتحولت كوفيته إلى شراع يحمل سفن الكفاح صوب شواطئ الحرية في رحلاته التي قطعها القدر. ترك كوفيته في عرض البحر سبيلاً ودليلاً للمبحرين ونزح إلى جزيرة الموت المطلة على بيته وبقية أفراد اسرته ومن تبقى من سكان البلدة القديمة مزروعين كنخل. اقتحم صوت الآذان علي خلوتي فهز صالح رأسه وتنهد بمرارة شعرت أنها امتدت على طول محاولته عند نهايتها سحب السلك ووضعه جانباً، تناول جريدة القدس وجعلها على شكل عصاة المكنسة، ربط السلك بها بخيط وأخرجها من الشباك وهو يتمتم فهمت من تمتمته ما يجيبها إلا جرايدها. لم أود أن أثقل كاهله لا بسؤال ولا بشكوى من مداهمة الوقت لنا فبقيت انتظر بصمت لكن على سطح صفيح ساخن فجأة نظري انحرف صوت مئذنة حي القزازين المطلة على بيتنا القديم حيث شهدت جدرانه ميلاد أخي ذياب أبو خالد. فبيتنا يفصل بينه وبين المسجد مقهى بدران الذي كان بمثابة مصفاة اجتماعية للمدينة، اما نوافذ البيت التي كان يحملها الجدار الغربي، فقد أطلت على جزيرة الموت حيث يسير جثمان أخي أبو خالد بخطى حزينة إلى مثواه الأخير. فيتمكن عندها أجمل سيره حياة حافلة بالكفاح والعطاء امتدت عبر خمسين عاماً في سفر هوان بدأ بميلاد بحي القزازين وانتهى بموت بجوار الكرنتينه، بحرارة سؤال الفاجعة حاولت إشعال النار في جليد الموت فقلت: يا ترى هل سوف تعثر أمي على الفرق بين بياض الكفن وبياض الكوفية أم سيختلط عليها الأمر وابتدي بإرضاعه وتترك حليبها يتدفق بعفوية عل الشاربين الكثيفين. مشتعلة فتمنع اصفرار الموت من الاقتراب من واجهة والأمل المشع من عيونه سوف يحافظ على قدرته باختراق الأحزان والأكفان. يا أمي يا كوكب الحنان المضيء يا سيدة الحياة والموت، هل أعددت له سريره الترابي ونقيته من الحصى وفرشتيه بشراشف الحنة وهيئتي وسائد العشب الأخضر اسرعي فهو على مرمى قبلة منك قبل أي شيء شقي كفنه عن فمه فصدره يعج بالضحك فأنا وأنت واثقين أن عمره لم يكفيه ليضحكها، فرنينها سوف يوقظ كل أقاربي من موتهم العميق، دثريه أنت وأبي بإيمانكم وحنانكم وها هي الأرض التي أحببت يا أخي ذياب "أبو خالد" تنتظر بلهفة العشاق لاحتضانك فقد كان عطائك لها كالملح وحبك الآن سوف يسموا من الغليان إلى ذوبان في ترابها، لا تخف من ظلمة القبر يا أبو خالد فعيون أمي شمعتان تنتظرك بهما على أعتابه. بعد أن انتهت من تنظيفه من الظلام رفعت مطرقة الظلام رفعت مطرقة الكلام عن صخرة الصمت الجاثمة على صدر القبور، حين سمعت صوت صالح يناديني بإلحاح امسك امسك يا مواطن وأخيراً التقطها واضحة مثل الزجاج، بتلهف وانفعال وضعت السماعة على أذني وفعلاً كان البث واضحاً قلت: ممتاز ممتاز، بارك الله فيك يا صالح. وأصغيت برهبة عميقة كانت التغطية مباشرة بصوت أيمن القواسمي "أبو جهاد" فهو زميل لنا في السجن وخارجه، جار وصديق كان الحزن يغلف صوته فقد كانت وفاة أبو خالد بمثابة صدمة للجميع استمر باستقبال الاتصالات التي انقسمت بين برقية تعزية من نقابة أو حزب وبين اتصال شخصي من صديق أو قريب، فصل بينهما موسيقى حزينة يسيطر عليها صوت الكمان وهي تتحرك ذهاباً وإياباً على الأوتار كأنها أمواج بحيرة يتيمة، تهرب إلى الشاطئ لترتمي بأحضان . اعتذر أيمن القواسمة "أبو جهاد" لأنه لم يعد يستطيع استقبال المكالمات العامة لأن مراسلنا الذي رافق الجنازة أخبرني أن المشيعين عند نهاية طريق الكرنتينه على بعد أمتار من المقبرة، حينما حدد أبو جهاد خط سير الجنازة شعرت أنني انضممت إليها بالصوت أما معي بالصورة فقد كان عبر طريقة برل التي يقرأ بها فاقدي البصر، عبرت الشارع المذكور بأصبعي مراعياً حركة المشيعين وهي تسير بخطى بطيئة يثقلها ، أخذ ذلك لاشعور يهزني إلى الأمام وإلى الخلف كأنه أرجوحة مرة تحملني إلى الخليل وتارة تحمل الخليل إلى زنزانتي لكن سرعان ما وقعت في المقبرة متأكداً أن احد من المشيعين لم يشعر بي حين قال أبو جهاد أن الجنازة دخلت إلى المقبرة قبل مواراة جثمانه الثرى، هناك برقية تعزية من عائلة الشرباتي وسوف يقرأها على مسامعنا ابن المرحوم خالد الملقب بأبو ذياب إلى عمه "ابو العلاء" المعتقل في سجن هداريم . اضطربت من وقع المفاجئة على مسامعي فتسارعت نبضات قلبي وهرولت أمامها أنفاس هائمة في صدري فأنا لم أسمع صوت ابن أخي خالد "أبو ذياب" منذ اعتقالي قبل ثماني سنوات وها أنا أسمع صوته وهو يدفن أباه من عطشي لسماع صوته ضغط بيدي على سماعات المذياع كأني أخاف أن يتسرب حرف كلامه خارج مسامعي أو تضيع أي كلمة صدى كانت نبرة الرجولة قد تملكت من صوته ولجة الحزن حملت الكلمات على أكتفها. حملت برقية التعازي من عائلة الشرباتي بشكل عام وخصوصاً من أبناء المرحوم نداء ونادية ووليد وخالد "أبو ذياب" قبل أن يلتهم الفراق صوته مدة إضافية من عمري وعمره شكر المحطة والمذيع وغاب في الزحام. عاد أبو جهاد يذكر المستمعين ببعض مآثر أخي ذياب "أبو خالد" رحمه الله لا أدري كيف تفتحت الأسماء في مخيلتي كالأزهار ففاح عبيرها فوق الموت والحياة فنادية ابنة أخي انقذت اسم امي من الموت حين حملته إلى الحياة وهكذا فعل ابنه خالد حين أصبح يسمى أبو ذياب، عندها اقتنعت بما لا يقبل مجالاً للشك أن الأسماء لها ذاكرة تحافظ على بقائها كينونة تشبه كينونة للمواسم تدور في شجرة الحياة. بينما أجسادنا التي يقطنها الموت تصبح جذوراً مجدولة على أكتاف الأرض وهي تحوم حول الشمس في رحلة البحث عن ثغرها. دوار اللهب وكأن الأرض فراشة الكون التي تعشق الضوء وأجنحتها مصبوغة بألوان أرواحنا فأجنحتها البرزخ الفاصل بين الخلق والقيامة. وحتى تعثر الأرض على ثغر الشمس لتقبلها فتتحول القبلة إلى قيامة والنشوة هي التي تتولى بعث أرواحنا إلى السمو الأبدي بجوار خالقها بعد أن تكون قد ارتدت أجساداً جديدة، فالحياة ثمرة حب بين الخالق والإبداع نبقى نراقب هذا الطوفان من نافذة الزمان. قبل أن ينهي أيمن القواسمة "أبو جهاد" كينونة خليل الوزير البث قال بعد الإنتهاء من مراسم الجنازة: تقبل التعازي في ديوان آل الشرباتي الكائن في وادي التفاح وشكر المشيعين المستمعين، وأنهى كلامه بالقول: والآن نستمع إلى آيات من الذكر الحكيم على روحه الطاهرة. قلت كما تقبلت في زنزانة آل الشرباتي رقم 28 والواقعة في سجن هداريم، ودعت صوري بإلقاء نظرة وداع على الشارع الواقع بين الحياة والموت وجانبيه يبدوان كامرأتين عملاقتين تنظران إلى بعضهم البعض. بصمت مملوء بالتحدي والعناد، شعرت أنني بحاجة إلى إغلاق ألبومي على صور الوجود، وفعلاً أغلقته وفتحت القرآن على صور خالق الوجود، لا تفكر بمعانيها فهي ظلال السماء على الأرض لأنها مأخوذة من مكان مرتفع فمنها يكون العزاء للأحرار السجناء. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قصة من داخل سجون الاحتلال الصهيونى الثلاثاء 23 يناير 2018, 1:52 am | |
| حكاية أسيرة موجوعة بنت المكبر موجوعة الله اكبر على من تكبر وتجبر مساء يوم الأربعاء 6 ديسمبر 2017 أعلن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية القدس عاصمة إسرائيل ووجه دعوته لوزارة الخارجية للبدء بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، وما هذه إلا إجراءات برتوكوليه دولية إعلامية ، أما على ارض الواقع فان الدور الذي تقوم به السفارة فى تل بيب هو نفس الدور الذي تقوم به القنصليات في القدس وما هى الا مسميات اختلفت في معانيها واتفقت في أدوارها ، وفي ذات الوقت تتبع إسرائيل كل الإجراءات والأساليب والوسائل لتهجير المقدسيين من المدينة المقدسة ، تارة تهدم بيوتهم بحجة أنها غير مرخصة ،وتارة يقوم جنود الاحتلال باعتقال الفتيات المقدسيات ، وتارة أخرى تقتل الفتيات الفلسطينيات على الحواجز ويبرر جيش الاحتلال جريمته بتلفيق التهم تحت ما يسمى محاولة عملية طعن جنود اسرائيلين ، ومرة أخرى بالاعتداء عليهن في باحات المسجد الأقصى من قبل جنود ومجندات الاحتلال ، أما ما حدث مع الأسيرة المقدسية الفلسطينية إسراء الجعابيص تختلف عن كل ما سبق ،قصة إسراء قصة تراجيدية مأساوية ، و لربما تمتد إلى رواية تتعدد أجزائها وفصولها ، وان كانت قد اكتملت أغراض القصة في حكايتها من ناحية اجتماعية وتاريخية ونفسية، وحسب البناء الفني للقصة فأحداثها واقعية 100 % ، أما عناصرها تمثلت في حب الأرض المقدسة وحق العيش فيها ، اسراء هي النجمة الأولى والأخيرة في القصة ،المكان بالقرب من حاجز الزعيم في القدس ،والتاريخ كان في يوم 11 اكتوبر 2015 ، حيث تبدأ الحكاية حين أرادت إسراء أن تنقل أغراضها من مدينة أريحا التي تقطن بها هى وزوجها وابنها الى القدس التي تعمل بها ،وللحصول على رقم هوية لابنها الوحيد معتصم ، إسراء مقدسية الأصل بنت جبل المكبر في القدس المحتلة ،وأثناء السير في مركبتها الخاصة التي تعطلت أكثر من مرة في الطريق إلى القدس وكان بداخلها تلفاز وأنبوبة غاز ومستلزمات أخرى خاصة بالبيت الجديد وخلال السير قدر الله لبالون الهواء الخاص بمركبتها أن ينفجر بالقرب من حاجز الزعيم ،حيث كان يبعد عن سيارتها 500 متر،مما أدى إلى إطلاق الجيش الاسرائيلى على مركبتها النار، مما أدى الى انفجارالاسطوانة التي كانت بداخلها ، وذلك تسبب في إصابة إسراء بحروق شديدة ،ورغم كل ما حدث لإسراء و كونها مقدسية انهالت عليها سيل من الاتهامات الباطلة من النيابة العسكرية الاسرائيلية ، حيث وجهت لها تهمة الشروع في القتل ،وتهمة التحريض على صفحات التواصل الاجتماعي بحجة أنها تمجد الشهداء الفلسطينيين،ومع أن ما حدث هو مجرد حادث عادي ولا يوجد لدى إسراء اى نية لتنفيذ عملية استشهادية او اى محاولة لقتل جنود صهاينة ، ودليل ذلك خروج رذاد ابيض فى محيط مركبتها وهو ناتج عن انفجار بالون الهواء،أيضا وقوع الحادث على بعد 500 متر من الحاجز الاسرائيلي فلو كان هناك اى نية لقتل اسرائيلين لما توفقت السيارة على مسافة بعيدة من الحاجز ، ولوانها تريد ان تنفذ عملية لما استقلت مركبة وهى بنت القدس ،إضافة إلى ذلك نقلها تلفاز ومستلزمات اخرى داخل سيارتها وليس اسطوانة غاز فقط كما ادعى الاحتلال ، ولربما تكون اجتازت اكثر من حاجز فى الطريق من اريحا الى القدس ،اذن لما ذا اتهم الصهاينة اسراء بالشروع بالقتل عند هذا الحاجز بالذات ؟؟؟العديد من الادلة التى تؤكد ما حدث مع اسراء حادث عادي ،اما إسراء فهى الضحية التى اسرتها الشبكة العنكبوتية الاسرائيلية ،التى حولت الحادث بدقائق الى عملية استشهادية ، وما ان فاقت اسراء وجدت نفسها أسيرة في مستشفى هداسا رهينة حروق شديدة وتشوهات تلاحقها للابد ، اضافة لذلك بتر اصابعها ،اليست هذه العقدة في حكاية اسراء اتهامات لا دخل لها بها ،حروق أكلت ونهشت جسدها ،اسيرة لا تعلم موعد تحريرها ، وتتوالى الأحداث وتتتجدد العقوبات التى فرضت عليها من قبل الاحتلال وبتوصية من الشاباك ، حيث حرمت من الزيارة ومنع ادخال الملابس والبطانيات لها وحرمت من الكنتين، وكل ذلك لان عمتها أطلقت زغرودة داخل المحكمة حيث انفعلت حين رات ابنة اخيها بتلك الصورة فاسراء الان ليست اسراء زغرودة الم ووجع وحرقة ولوعة ،ويستمر والوجع وتستمر معاناة إسراء داخل سجن هشارون فقط لانها مقدسية ، فقد قام الاحتلال بمنع ابنها من زيارتها بحجة عدم حصولة على لم شمل ولا يحمل هوية مقدسية ، وتمضى الايام الى ان تصدر المحكمة المركزية في القدس المحتلة على الأسيرة إسراء حكما بالسجن 11 احد عشر عاما ظلما وبهتانا ،السؤال الذى يطرح نفسه من اطلق النار على اسراء وتسبب فى حرق جسدها بالكامل ؟؟؟؟اليس هو من يستحق الادانة ويستحق المحاكمة على جريمته النكراء ؟؟؟اسراء التى تحولت الى بركان يغلى من العذاب النفسى والجسدي ،فوجهها المشوه واصابعها المبتورة ستلعن كل من يتقاعس عن انقاذها ، اسراء ذات الوجه الجميل والشخصية المحبوبة والمفعمة بالحيوية والأمل والتفاؤل التى طالما كانت خير رفيق للاطفال وخير جليس للمسنين ، اصبحت الان لا تستطيع أن تتناول الطعام ولا تستطيع ان تنام ،لا تستطيع ان تدافع عن نفسها ، لا تستطيع ان تحضن طفلها الوحيد ،والذي يعيش الان مع جدته وخالاته في القدس . حياتها اصبحت بلا طعم بلا لون بلا رائحة ، ظلم يكتسيها من كل الجوانب ،لا اطر حقوقية ولا صليب احمر يستطيع ان يغير جزء من تفاصيل حياتها القادمة فالحل الاول والاخير ان يطرح اسم اسراء على راس كشوفات الأسرى المنوي تحريرهم ضمن اى صفقة تبادل ما بين المقاومة والاحتلال ، الا يكفيكم انها اختصرت كل هذه التفاصيل التعيسة و الحزينة بكلمة واحدة ( موجوعة ) داخل قاعة المحكمة ، فالله معك يا ابنة جبل المكبر والله اكبر على كل من تكبر واصدر حكما بسجنك وتجبر . بقلم غادة عايش خضر فلسطين _ غزة |
|