يسرقون تراثنا وحكاياتنا
د. فايز رشيد
معروف خطر العدو الصهيوني على الفلسطينيين والعرب، الصهاينة لم يستولوا على أرضنا الفلسطينية والعربية الطاهرة فقط، إنما يريدون الاستيلاء على تاريخنا الفلسطيني العربي الكنعاني اليبوسي الأصيل، يريدون سرقة الزي الشعبي الفلسطيني، فهم ألبسوه لمضيفات شركة «إل عال».
روجوا في العالم من قبل أن الفول والحمص والزعتر «تراث يهودي إسرائيلي» لذلك فإن الخطر الصهيوني غير مُدرَك من قبل الكثيرين من الفلسطينيين والعرب على مختلف مناحي حياتنا، هؤلاء الذين يتوهمون بإمكانية قيام «سلام» مع إسرائيل. يحاولون بكل الوسائل اختلاق تاريخ قديم لهم، كما يحاولون عنوة إلصاق أنفسهم بتاريخ المنطقة. نقول تعليقا مثلما «رائحة البن جغرافيا»، فإن البنّ أيضا: جغرافيا فلسطينية بامتياز.. رائحة القهوة هي المميزة… في صباحات المدن والقرى الفلسطينية والعربية الربيعية الجميلة والدافئة. الجديد، أنه في الكتاب الصادر عام 2017 في رام الله بعنوان «حكايات الحجّة فِرسَة»- وهو كتاب دونت فيه الكاتبة عروبة ربيع عن جدتها خمسين حكاية تراثية فلسطينية، أشرف على إعدادها الباحث الفلسطيني نبيل علقم، الذي أورد (وفقا لكتاب منعم حداد بعنوان «الاستشراق والصهيونية والتراث الشعبي») إحصائية عما لجأ إليه العدو الصهيوني من تسجيل، لما يعتبره تراثاً إسرائيلياً، وأنه سجّل حتى عام 1986 ما عدده (18500) حكاية «تراثية إسرائيلية»، حدّاد صنّف منها (11944) حكاية تراثية عربية، – سجلها من يهود الدول العربية والإسلامية – ومن بينها (215) حكاية فلسطينية. هذا يثبت بما لا يقبل مجالاً للشك السرقة الإسرائيلية للتراث العربي، خاصة الفلسطيني، من أجل تزييف تراث للدولة الصهيونية، ومحاولة شطب التراث الفلسطيني.
شكّلت سرقة التراث الفلسطيني نهجاً استراتيجيا إسرائيليا قديما، حيث جرى تشكيل لجان إسرائيلية متخصصة للإشراف على هذه السرقات، كان ذلك في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. وحتى النباتات الفلسطينية والعربية، لم تسلم من القرصنة الصهيونية، حيث اختارت إسرائيل زهوراً برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة النباتات والورود، التي أقامتها الصين بمناسبة استضافتها للألعاب الأولمبية عام 2008. وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن زهرتي»قرن الغزال»و»شقائق النعمان»، وشجرة الزيتون، ثبّتت باسم الكيان الصهيوني في الحديقة الصينية. أما عن سرقة المأكولات الفلسطينية فحدث ولا حرج عن اللصوصية الإسرائيلية، التي وصلت إلى حد المشاركة في المهرجان السنوي «للمفتول» الذي انعقد في مدينة سان فيتو لوكار الإيطالية عام 2000، لتفوز بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول، وكذلك المشاركة في مسابقات عالمية أخرى للطهو بالأطباق الفلسطينية كـ»الفلافل» و»المسخّن» وبعض الأنواع الأخرى، وتسويقها معلبة أو تقديمها في المطاعم العالمية على أنها أكلات شعبية إسرائيلية. وبالافتراء نفسه تظهر الفرق «الفولكلورية الإسرائيلية» في الحفلات العالمية بالزي الشعبي الفلسطيني، وتؤدي رقصة الدبكة وتعزف «الشبابة والأرغول» وغيرها من الألحان الفلسطينية والعربية الأصيلة، والشهيرة جدا، ولكن بلكنة عبرية، مثل أغنية «الدلعونا». كما سعت إسرائيل إلى الاستحواذ على الأثواب المزركشة القديمة لأرشفتها في الموسوعات العالمية، لعرضها في المعارض على أنها «تراث إسرائيلي»، وما ساعد على ذلك سرقة دولة الكيان للملابس التراثية القديمة مع كثير من النحاسيات والصكوك المعدنية ومصنوعات الفخار وأدوات زجاجية تراثية ومنتجات فنية، ووضعتها في مختلف المتاحف الإسرائيلية لتنضم إلى ما يسمى «بالتراث الشعبي الإسرائيلي» لتعرض على أنها «آثار العبريين القدماء».
نعم، إن حربا صامتة يشنها الاحتلال في محاولاته الفاشلة لشطب الهوية الفلسطينية، وإحلال الهوية اليهودية الإسرائيلية مكانها، بالموازاة مع ما يجري على الأرض من تهويد واستيطان وتغيير لمعالمها. ويشير الدكتور إدريس جرادات، مدير مركز «سنابل للدراسات والتراث الشعبي الفلسطيني»، وأحد أبرز المهتمين بقضايا التراث والآثار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن محاولات طمس الهوية الفلسطينية تأخذ أشكالا عديدة، مستشهدا بعبارة للمستشرق فيليب حتي، التي يقول فيها إن «اليهود شعب همجي بلا حضارة، وكلما احتلوا منطقة سرقوا تراث أهلها ونسبوه إليهم»، ويؤكد على أن مصنوعات الفخار التي يعرضها الإسرائيليون في متاحفهم ومتاجرهم هي من إنتاج عربي وبأيد فلسطينية انتقلت إليهم من أجدادهم الكنعانيين.
كل ما يقوم به الإسرائيليون من سرقات لصوصية يهدف إلى استكمال عناصر ما يسعون لبنائه من «ثقافة يهودية/إسرائيلية واحدة»، وهي التي يفتقدها الكيان بعد سبعة عقود من إنشاء دولته، وسيظل يفتقدها مهما طال زمنه. الشارع الإسرائيلي يفتقد أدنى حدود «الوحدة الثقافية» بين مكوناته، وهي أحد الشروط اللازمة لانطباق كلمة المجتمع على فئة بشرية معينة. في عام 1948 جمع ديفيد بن غوريون كل استراتيجيي الحركة الصهيونية والكتّاب الذين كانوا بين المستوطنين المهاجرين اليهود الى فلسطين، وطلب منهم «صهر الثقافات المتعددة» للمهاجرين الجدد، وخلق «الثقافة اليهودية – الإسرائيلية الواحدة». ما الذي حصل بعدها؟ هل تولّدت الثقافة الواحدة لديهم؟ الجواب كلا، بل من المستحيل إيجاد هذه الثقافة، لأن كل ثقافة لها خصوصيتها المحدّدة لهويتها، وهي تنشأ وتتراكم بفعل عوامل مختلفة، ووفقاً لما تجتازه من مراحل زمنية وحتمية، ارتباط هذه الحقب بما مرّت وتمر به هذه الثقافة من ظروف، استعمارا، نهضة وغيرهما.
كاتب فلسطيني