الآلاف سيقاومون الاحتلال مثل منذر عميرة
غيثا منذر عميرة
ولدتُ في زمنٍ كان يعتقد فيه أبناء شعبنا أن الاحتلال الإسرائيلي سينتهى قريباً. بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، كان والدي واثقاً أنه لن يكون هناك أي احتلال لدى دخولي المدرسة. مرت سنوات طويلة منذ ذاك الوقت، وها أنا في الثالثة والعشرين، وقد تخرجت كمحامية عن حقوق الانسان، لكن والدي منذر عميرة موجود الآن في سجون الاحتلال.
يعمل والدي منسقاً للجان الشعبية، وشغل منصب الأمين العام السابق للاتحاد الفلسطيني للأخصائيين الاجتماعيين وعلماء النفس. تم اعتقاله من قبل جنود الاحتلال قبل أكثر من شهر في مدينة بيت لحم في تظاهرة شعبية ضد القرار الامريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، لا تزال محكمة الاحتلال العسكرية تحتجز والدي في السجن رغم أنها لم تتمكن من إثبات أية اتهامات ضده.
من الواضح أن إسرائيل لن تفصح عن الأسباب الحقيقية لاعتقاله، فهم يعلمون أن والدي بريء من اتهاماتهم الحاقدة والتي لا أساس لها من الصحة، ولكنهم يريدون إخضاعه وجميع زملائه وكسر إرادتهم وإرغامهم على القبول بالحرمان المنظم لحقوقنا.
لا تزال إسرائيل تواصل التحريض على كل فلسطيني يقاوم الاحتلال ويواجهه بأي طريقة أو شكل من الأشكال، حتى بالطرق السلمية واستخدام القانون الدولي، أو تعزيز حملة المقاطعة أو حتى التظاهر بالشوارع. وفي حالة والدي، فإن محكمة الاحتلال العسكرية تريد توجيه رسالة ترهيب إلى كل الذين يتحدون نظامها العنصري، بمن فيهم النشطاء السلميون الذين يتظاهرون من اجل الحرية والعـدالة.
لقد غضب القاضي العسكري عندما ذكر والدي أمامه «أنه بموجب القانون الدولي، فإن بيت لحم ليست خاضعة لاحتلالكم، ولن نحتاج إذنكم للتظاهر ضد قرار ترامب». أنا متأكدة أيضا أن هذا القاضي كان مستاء عندما قال له والدي «إن الاحتلال الإسرائيلي هو منبع الارهاب ومصدر التشجيع على العنف». وبعد جلسات استجواب طويلة مُنع والدي من النوم، على الرغم من أنهم يعلمون أنه اُعتقل وهو في حالة صحية متدهورة، عدا عن كونه مريضاً بارتفاع ضغط الدم، إلا أن والدي أحبط مساعي سجّانيه في النيل من معنوياته وإرادته.
لقد قام والدي بما يتوجب على أي فلسطيني القيام به ضد الظلم والاحتلال، وهو المقاومة. ولنعترف أن ثمن المخاطر من أجل الحرية والحياة كبير جداً، ولكن منذر عميرة كان ولا يزال مستعداً لدفع هذا الثمن، كما هو الحال مع المئات من منذر عميرة الذين لن تتمكن دولة الاحتلال ومجرموها من النيل من عزمهم وكسر شوكتهم.
أما والدتي فهي إمرأة قوية جداً، وقد ساعدتنا أنا وأشقائي الأربعة على أن لا نستسلم لليأس. الأصغر سناً، يُمنى (12 عاماً) ومحمد (8 أعوام)، يتوقان جداً إلى لحظة عناق والدهما مرة أخرى، وعلى الرغم من أنهما لم يفهما كيف للمشاركة في تظاهرة أن يكون سبباً في اعتقال والدهما، إلاّ أنهما يدركان أننا نعيش في ظل احتلال استبدادي.
يُمنى ومحمد ملتحقان بمدرسة في دير الساليسيان في كريمزان الواقع في وادٍ جميل حيث تقوم سلطات الاحتلال بتوسيع مستوطناتها وبناء جدار الضم والتوسع. قبل سنوات عدة، قرر قسٌّ فلسطيني التظاهر ضد الاستيطان بتنظيم قداس في الهواء الطلق في كل يوم جمعة. وهكذا انضممنا إلى القس للصلاة من أجل العدالة والسلام.
إن مثل هذه التجربة جعلتني أعجب بوالدي أكثر، فلم ينفك يعلمنا أن لكل شخص منا دوراً يقدمه في النضال ضد الاحتلال، حتى من خلال انضمامي كمسلمة إلى صلاة مسيحية، تماماً كما حصل في مظاهرات المسجد الأقصى في القدس في تموز / يوليو الماضي، عندما انضم المسيحيون إلى صـلاة المسـلمين.
وبينما تهدد الولايات المتحدة شعبنا بالعقوبات، وبينما تواصل أوروبا تدليل إسرائيل، يبقى المحتل واثقاً من أنه لن يدفع أي ثمن. وعلى الرغم من ذلك، فلن يتمكن الاحتلال من الحطّ من كرامتنا أو كسر إرادتنا.
وإنني على ثقة بأن هذه التجربة سوف تجعل والدي أقوى.
يعتقد الاحتلال الإسرائيلي أن والدي، الناشط السلمي، يشكل تهديداً على نظام الفصل العنصري لأنه يبثّ الأمل في مجتمعنا. ولذلك يتوجب علينا الاستمرار في تنظيم مجتمعاتنا والتظاهر بلا كلل أو ملل ضد سياسات الاحتلال وشن الحملات إلى أن تصبح فلسطين حرة.
عندما وُلدت كان الجميع يستعد لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، واليوم لا أعلم إذا كانت الحرية قريبة أم لا. ولكني حتماً تعلمت من والدي أننا نمتلك حق النضال من أجل حقوقنا وحريتنا. اعتبروا تلك شهادة ابنة فخورة بوالدها القابع في سجون الاحتلال لايمانه بأن فلسطين ستكون حرة.
اسمي غيثا عميرة، وقد دمرت العصابات الصهيونية قريتنا «ديرابان» خلال النكبة عام 1948، وتحولنا من مالكين للأرض إلى لاجئين في مخيم عايدة للاجئين في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية. على الرغم من الألم، سوف تواصل عائلتي وأبناء شعبي النضال ضد الطغيان والظلم والقهر، وسنحمي بصيص الأمل في نفوسنا حتى الخلاص من هذا الاحتلال إلى الأبد.
كاتبة فلسطينية