الإعلامي المصري طارق حسن: ما بعد عباس.. ما بعد نتنياهو
أمد/ القاهرة - كتب طارق حسن*: من ينتظرون دخول المسار الفلسطيني – الإسرائيلي إلى محطة مفاوضات تسوية شاملة، ربما يفاجؤون أنه بات إجباريا تغيير الطريق في اتجاه مغاير تماما، هو طريق ما بعد الرئيس محمود عباس في الجانب الفلسطيني، وما بعد بنيامين نتانياهو في الجانب الإسرائيلي.
ففي وقت واحد تقريبا صار الواقع الداخلي الإسرائيلي كما نظيره الفلسطيني، كل من جانبه، مشغول بالدرجة الأولى بسؤال: ما بعد نتانياهو وعباس، وليس بقضية التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية المفترضة أو الممكنة بين الجانبين.
في أوساط القيادة الفلسطينية صارت الاتهامات المسموعة للولايات المتحدة الأميركية لا تتعلق فقط بالانحياز السافر لإسرائيل بعد قرار اعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة إسرائيلية.
هناك أيضا من يتهم واشنطن بمحاولة البحث عن بديل للرئيس عباس وأن الأميركيين يحاولون فتح قنوات اتصال مع شخصيات فلسطينية لهذا الغرض، وأن الأخيرة تجد نفسها بدافع الحرج في وضع من يتهرب من مثل هذه المقابلات.
في الوقت نفسه تبدو أن مثل هذه الاتهامات لا تقف حائلا دون حديث يدور بصمت نسبي داخل حركة فتح، لكنه أصبح مسموعا من جانب قيادات من فصائل فلسطينية أخرى عما يسمونه "انتهاء الرئيس عباس سياسيا" وأن الوضع الفلسطيني برمته "صار يستعد لمرحلة ما بعد عباس".
على الجانب الإسرائيلي، يبدو واضحا أن الخناق بات يضيق حول نتانياهو بعد موافقة مساعد سابق له على الشهادة ضده في قضية فساد، وشهادة رئيسة المحكمة العليا ضده.
والأسبوع الماضي، أوصت شرطة الاحتلال الإسرائيلي بإدانة نتنياهو، بتهم تلقي الرشوة والخداع وخيانة الأمانة في ملفي فساد.
ومع اشتداد وضع من هذا النوع، ربما يقرر نتنياهو، تبكير الانتخابات الإسرائيلية، وكانت آخر انتخابات جرت في 2015، ومن المفترض أن تنتهي ولاية الكنيست الحالية نهاية 2019.
بروز القضية الداخلية، كما في حالة نتنياهو، لا يمثل أزمة للوضع الإسرائيلي، فقد سبق أن واجه حالات مماثلة آخرها مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء السابق، الذي يقضي حاليا سنوات بالسجن بسبب قضايا فساد أيضا.
وفِي كل الأحوال يجد الوضع الإسرائيلي تصريفا في استبدال رئيس حكومة بآخر عبر انتخابات.
إنما المشكلة الحقيقية مع بروز القضية الداخلية، تظل من نصيب الوضع الفلسطيني، الذي يعاني من فوضي عميقة في علاقاته الداخلية، ومحاولات للانقضاض على السلطة خاصة من جانب جماعة حماس، وبدرجه يخشى معها أن يكون سؤال: ما بعد أبو مازن، مقدمة أو مؤشرا لاندلاع أعمال فوضي داخلية، لا تقتصر علي المجال السياسي فقط، وقد تشمل نوعا من الصدامات الميدانية المسلحة.
الشاهد أن ما بعد نتنياهو يبدو معلوما بقدر أو بآخر، بينما ما بعد عباس يبدو مجهولا وباعثا لقدر كبير من الخوف علي المصير الفلسطيني ذاته.
وضع من هذا النوع، لم يكن قائما مع رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي ترك من خلفه كيانا فلسطينيا يحظى بالوحدة الجغرافية والتماسك الوطني والسياسي، وهو ما يبدو مفقودا بشدة الآن.
*اعلامي مصري