هل يتحمل الأردن مسؤولية «الضفة الغربية»؟… بين بومبيو «جاي» وتيلرسون «رايح» البحث مستمر عن «عاقل» في واشنطن
طاقم السفارة الأمريكية «لا يعرف» ما هي سياسة بلاده في سوريا
بسام البدارين
عمان- «القدس العربي»: شعرت العاصمة الأردنية عمان سياسياً بقدر من الاسترخاء وهي تنتظر اطلالة وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو لسببين : الأول هو عدم ورود اسم الأردن في الكلام الأمريكي عن قوات عربية قد تكلف بمهام القوات العسكرية في سوريا .
والسبب الثاني يتمثل في الزيادة التي تطوعت بها إدارة الرئيس دونالد ترامب على حجم المساعدات إلى الأردن بعد توقيع مذكرة السنوات الخمس.
في مقاربات غرفة القرار الأردنية المركزية أسوأ ما يمكن ان يحدث على الإطلاق هو التفكير بالضغط على الأردن لإرسال قوات عسكرية إلى العمق السوري.
وأسوأ ما يمكن ان يحدث في المقابل على المسار الفلسطيني الأردني هو انضمام وزير الخارجية الجديد رجل الاستخبارات مايك مومبيو إلى الخندق الذي يمثله مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون عندما يتعلق الأمر بتحميل الأردن مسؤولية «الضفة الغربية» ضمن مشروع السلام الأمريكي الجديد الغامض.
المسـاعدات الماليـة الأمريكيةـ بالرغم من انهـا غـير ملزمة بالنص ويمكن التراجع عنها في اي وقت امريكيا إلا أنها خففت من منسوب الإحباط عند النخبة الأردنية الخـبيرة التي لاتزال تؤمن بأن أسـوأ ما حصــل فعـلاً للمملـكة في عهد الرئيس ترامب ليـس فقط قراره الشـهير بشأن القدس والسفارة بل فقدان الأردن لسحره المألوف في التأثير على القرار الأمريكي بدلالة التصريح الشهير لنائب الـرئيس مايـك بـينس عـندما زار عمـان وأبلغ الإعلاميين بأنـه اتـفق مع الـقيادة الأردنـية على شـيء واحـد وهو عدم الاتفاق.
واضح ان المجسات الأردنية لا تعرف الكثير عن الوزير بومبيو اللاعب الجديد في قيادة دبلوماسية امريكية تم تدميرها منهجيا خصوصا وأن بومبيو يزور منطقة الشرق الأوسط بسرعة بعد حلف الناتو حتى قبل أن يلتقي طاقم وزارته .
تلك اشارة سلبية عميقة في ذهن خبراء الدبلوماسية الأمريكية من الأردنيين وغيرهم فعمان تستقبل جرعة «وعظيه» محتملة مع ضيفها الأمريكي البارز مساء أمس الأحد بالرغم من انها كعاصمة حليفة وصديقة تنضم إلى 20 عاصمة مماثلة لا يوجد سفير أمريكي فيها حتى الآن.
لاتزال العلاقات الأمريكية مع الأردن في ثوبها الرسمي على الأقل تقاد من قبل قائم بالأعمال في عمان وهو الدبلوماسي هنري ووستر ويبدو انه لا يتميز بالجرأة الكافية ويبلغ من تيسر من الأردنيين بان وظيفته تيسيريه وليست سياسية ويهتم بصورة خاصة بالتركيز على ان تنفيذ وعد ترامب بنقل السفارة في القدس لن يؤدي إلى احتقانات ومظاهرات في الشارع الأردني.
يبتسم الدبلوماسي الأمريكي نفسه عندما يسأله سفير لدولة غربية بوجود سياسيين أردنيين في احد الاجتماعات عن سياسة بلاده في سوريا بصورة محددة.. يبتسم ويشير إلى أنه لا أحد بما في ذلك طاقمه يعرف بصورة محددة ما هي سياسة بلاده في سوريا. تلك واقعة يتداولها المجتمع الدبلوماسي في الأردن في الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسة الأردنية بالمقارنة ما بين الخطاب الذي يمكن ان يستخدمها ضيفها بومبيو وبين الخطاب الذي سبق ان استخدم مع سلفه الوزير تيلرسون والموصوف بانه صديق حميم لبعض الأردنيين النافذين.
تيلرسون كان قد قضى وقتاً طويلاً في عمان قبل أسابيع قليلة فقط من طي صفحته وغيابه عن المشهد حاملاً معه عملياً كل الرهانات الأردنية الداخلية على حليف نافذ في البيت الأبيض قيل انه صديق وشريك للرئيس دونالد ترامب.
آخر القرارات التي وقعها تيلرسون وتهم الأردن هي وثيقة مذكرة سنوات المساعدات الخمس التي دفعت المؤسسة الأردنية لقدر من الاسترخاء.
وآخر مأدبة طعام سياسية أقامها قبل رحيله وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي الذي ضغط بشدة آنذاك لكي يحصل على هذا «البريستيج السياسي» قبل ان يتأمل الجميع خطوة مربكة اضافية فالوزير الجديد بومبيو رجل غامض والأهم أنه مجهول للأردنيين على المستوى السياسي والدبلوماسي طبعاً.
الأهم اليوم هو ان عمان مرتاحة لان بومبيو قرر عدم تجاهلها في اول زياراته للمنطقة فالرسائل التي تصل من جماعته بعد تعيينه كانت تلك التي تحاول اقناع الأردنيين الغاضبين بشأن ملف القدس بأن الرئيس ترامب قد يسجل للجانب العربي والفلسطيني نقطة اذا ما قرر عدم تلبية دعوة بنيامين نتنياهو للحضور شخصيا في الـ 15 من شهر أيار/مايو لرعاية حفل تدشين مقر السفارة الأمريكية وسط القدس الغربية وفي عمق المصالح الأردنية.
يتلمس الأردنيون هذه المرة مع بومبيو ليس مصالحهم المتضررة في كل الأحوال ولكن مستويات الخطر المحتملة للتساؤل عن ما اذا كان الضيف الأمريكي المصنف باعتباره مناصراً قوياً لليمين الإسرائيلي قد يأتي بخيارات انتحارية او غير منطقية او من ذلك الطراز الذي يكرس جهل الطاقم الحالي في البيت الأبيض مثل بولتون وكوشنير بواقع القضية الفلسطينية والمنطقة.
لدى عمان هموم كبيرة في المسألة الأمريكية ليس أهمها استعادة او محاولة استعادة ولو جزء بسيط من نفوذها الذي تحن اليه في الماضي في معادلة القرار الأمريكي.
وليس من بينها فقط السعي لإعادة تقديم الخبرة الأردنية في القضية الفلسطينية على طاولة التسوية المقبلة بل الأهم هم اتقاء شر تلك المبادرات التي يقترحها الأمريكيون اليوم او يخططون لها من ترامب إلى بولتون وكوشنير إلى بومبيو.
الأردن يريد تجنب المفاجآت والخيارات التي يصفها بأنها «إنتحارية» أكثر من تحقيق المصالح .
تلك معادلة في غاية التعقيد لأن الأمر في المسالة الفلسطينية مثلاً لم يعد يتعلق بدور لا خلاف عليه في الوصاية الهاشمية في ملف القدس ولا بمنح العرب والفلسطينيين اي مخرج استراتيجي على شكل بؤرة جغرافية لهم باسم القدس الشرقية. بل يتعلق جزئيا وبدقة في وجود أي عاقل في الأدارة الأمريكية يوافق على ان الرئيس ترامب منح اليمين الإسرائيلي القدس برمتها على طبق من ذهب ومجاناً.
وبدون الحصول من إسرائيل على أي تنازل حقيقي وجوهري يمكن ان يساعد فعلاً بتسوية قابلة للحياة بعدما اصبح مطلب العرب والفلسطينيين والأردنيين ليس دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة بقدر ما هو تسوية جدية تستطيع الصمود والوقوف على رجلين، الأمر الذي يشك الأردنيون وغيرهم في أنه قيد الاحتمال.