أيها المحتلون الأعزاء نعتذر إذا تضررتم!
صحف عبرية
يصعب حقا التفكير في هذا التصرف المرفوض والمجنون: زعيم الشعب الفلسطيني اضطر إلى الاعتذار امام الشعب اليهودي. المسلوب اضطر إلى الاعتذار من السارق. المجني عليه من الجاني. المقتول من القاتل. المحتل حساس جداً، يجب فقط الاهتمام بمشاعره. شعب لم يتوقف عن الاحتلال والتدمير والقتل، ولم يخطر بباله في أي يوم الاعتذار عن أي شيء من ذلك يجعل ضحيته تعتذر عن جملة بائسة واحدة قالها زعيمها. والباقي معروف مسبقا: الاعتذار «مرفوض». ماذا اعتقدتم، هل اعتقدتم أن الاعتذار سيقبل. لا يجب أن تكون من أتباع محمود عباس كي تفهم عمق اللامعقول. لا يجب أن تكون كارها لإسرائيل كي تفهم كامل الوقاحة.
توجد لإسرائيل بطاقة مدهشة في يدها، ورقة يانصيب القرن: رعب اللاسامية. قيمة بطاقة الحظ هذه ترتفع بسرعة مدهشة بالضبط كلما ابتعدنا عن الكارثة وعندما تختفي اللاسامية من دول كثيرة. إن سحب بطاقة الحظ تغطي على كل شيء. من يملكها يستطيع ليس فقط أن يفعل ما يخطر بباله، بل يمكنه ايضا أن يهين ويبتز. العالم اهتز من عباس مثلما لم يهتز من أي تحريض إسرائيلي ـ جوقة الاتحاد الاوروبي، مبعوث الأمم المتحدة وبالطبع سفير المستوطنين دافيد فريدمان الذي لم يندد بإسرائيل على أي شيء، فقط يندد بالفلسطينيين. حتى «نيويورك تايمز» استخدمت لغة مدهشة في حدتها: «الاقوال المقيتة لعباس يجب أن تكون كلماته الاخيرة كزعيم فلسطيني». يصعب التصديق أن الصحيفة التي صنفها اليمين الإسرائيلي على أنها كارهة لإسرائيل، بدون أي اساس بالطبع، كانت ستستخدم لغة مشابهة ضد رئيس حكومة إسرائيل، مثل اعتباره المسؤول عن قتل متظاهرين غير مسلحين.
اخلاق مزدوجة ايضا في إسرائيل: هي لم تهاجم في أي يوم اليمين اللاسامي في اوروبا مثلما هاجمت عباس، الذي هو بالتأكيد أقل لاسامية بكثير، هذا إذا كان، من هاينس كريستيان شتراخا أو فيكتور أوربن.
عباس قال جملة كان من الافضل عدم قولها. بعد يوم قام بالاعتذار، تأسف وتراجع عنها، أدان الكارثة واللاسامية وأكد التزامه بحل الدولتين. لم يكن ينقصه الكثير من أجل الركوع أمام حذاء إسرائيل ويطلب السماح لأنه يواصل العيش تحته. ولكن إسرائيل لن تسمح لأي اعتذار بوقف رقصها الفاسد على دمه. افيغدور ليبرمان سارع إلى تلطيخ فمه كالعادة: «منكر بائس للكارثة، الاعتذار مرفوض».
عباس منكر للكارثة أقل بكثير، إذا كان كذلك، من انكار إسرائيل للنكبة. ولكن إنكار النكبة مسموح. وعمليا هو واجب في إسرائيل، وانكار الكارثة ممنوع (وبحق). حقيقة أن الكارثة كانت أكثر رعبا من النكبة لا تُحل انكار كارثة الآخر التي لم تنته حتى الآن. سواء كانت هناك لاسامية أو لم تكن، فإن وضع كل يهودي في العالم أفضل وأكثر أمناً اليوم من وضع فلسطيني في المناطق أو عربي في إسرائيل. لا يوجد الآن تقريبا يهود محرومون من حقوقهم مثل الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، لا يوجد يهود مضطهدون مثل العرب في إسرائيل. وعندما في فرنسا يتم طعن يهودي فإن رئيس الجمهورية يأتي لزيارته. وعندما في إسرائيل طعن عربي رئيس الحكومة استمر في التحريض. وفي الوقت الذي يحرض فيه لا يقوم بالاعتذار في أي وقت. إسرائيل لم تعتذر في أي يوم عن النكبة، ولا عن التطهير العرقي ولا عن هدم مئات القرى وترحيل مئات آلاف الاشخاص من بلادهم. وهي لم تعتذر ايضا عن جرائم احتلال 1967 ولا عن سلب الاراضي وبناء المستوطنات، ولا عن الاعتقالات العبثية والقتل الجماعي وتدمير حياة شعب. لا يوجد الآن سياسي واحد في إسرائيل ينوي القيام بذلك كخطوة مطلوبة لمستقبل آخر. ولكن عباس يجب عليه الاعتذار، وإلا فإن ليبرمان و«نيويورك تايمز» سيطالبان برأسه. وفي الحقيقة هما سيقومان بذلك حتى بعد اعتذاره.
جدعون ليفي
هآرتس 6/5/2018