- محتجون أميركيون يطالبون بمعالجة جذور المشاكل وليس مظاهرها - (أرشيفية)
- محتجون أميركيون يطالبون بمعالجة جذور المشاكل وليس مظاهرها
التغلب على قصر النظر الديمقراطي
دامبيسا مايو*
تنطوي الفترات الانتخابية الأطول على مخاطر، حيث أنها يمكن أن تمكِّن قادة لا يتمتعون بالكفاءة ويثيرون المشاكل من البقاء في السلطة لفترة أطول. ولهذا السبب، يجب أن يتم السعي إلى التغيير بشكل يتزامن مع إجراء إصلاح آخر: تغيير متطلبات الأهلية لصناع السياسة المحتملين، مع النظر في تأمين وصول قادة يتمتعون بالخبرة -ليس فقط في الترشح للمناصب، وإنما في التعامل مع التحديات العالمية الحقيقية أيضا.
* * *
نيويورك – على الرغم من المؤشرات الإيجابية، فإن الاقتصاد العالمي ما يزال معرضا لمختلف أنواع الأخطار. ونظرا لأن كل هذه المخاطر تقريبا تنبع من تحديات هيكيلية، فإن التخفيف منها سيتطلب تفكيرا من القادة في المدى الطويل. ولكن، وللأسف، لا يوجد الكثير من ذلك هذه الأيام، وخاصة في ديمقراطيات العالم .
تكمن المشكلة في انعدام الربط بين الدورات السياسية والاقتصادية. وتستغرق الدورة الاقتصادية العادية من 5-7 سنوات. ولكن، وفقا لمعهد ماكنزي العالمي، فإن معدل فترة حكم القائد السياسي لدول مجموعة العشرين قد انخفض ليصل إلى مستوى أدنى قياسي هو 3.7 سنوات (مقارنة بفترة ست سنوات في العام 1946)، علما بأن التركيز على الفوز بالانتخابات القادمة، عادة ما يجعل السياسيين ينتهجون سياسات يفترض أن تأتي بفوائد قصيرة المدى، حتى لو كان ذلك على حساب النمو أو الاستقرار طويل المدى.
تتجسد هذه المقايضة في العجز المالي المتزايد. ففي الولايات المتحدة الأميركية، وطبقا لمكتب الموازنة التابع للكونغرس، فإن عجز الموازنة على الطريق ليتضاعف ثلاث مرات خلال الثلاثين سنة القادمة، مرتفعا من 2،9 % من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2017 إلى 9،8 % في العام 2047، وذلك بسبب تأثيرات التخفيضات الضريبية وغيرها من إجراءات خرق الميزانية التي تم تطبيقها من أجل كسب الناخبين (أو بنفس القدر من الأهمية: استرضاء المتبرعين). ولا شك في أن هذا يحد من قدرة الحكومة على تأسيس استثمارات طويلة المدى في مجالات مثل التعليم والبنية التحتية.
بالنظر إلى أن السياسيين عادة ما يُكافؤون من الناحية العملية على التفكير قصير النظر، فإن الديمقراطيات الغربية تجد نفسها وهي تعاني من أجل تأمين نمو مستقر طويل المدى بطريقة لا تعاني منها بلدان أخرى مثل الصين السلطوية. وهناك طريقتان على الأقل للتعامل مع هذه المشكلة في سياق ديمقراطي.
أولا ، يمكن أن يتم ربط الحكومات بشكل أكثر حزما بقرارات الحكومات التي سبقتها فيما يتعلق بالسياسات. وبهذه الطريقة، سوف يكون هناك وقت كاف من أجل أن تدخل التشريعات طويلة المدى والتي تمت مناقشتها وسنها حيز التنفيذ، ومن دون خطر أن تقوم بإلغائها، بكل بساطة، أي إدارة لاحقة.
يقدم الاتحاد الأوروبي مثالا حيا على الكيفية التي يمكن أن تعمل بها الالتزامات الملزمة طويلة المدى. وقد ألزمت معاهدة ماسترخت لسنة 1992 الحكومات الأوروبية بوضع سقف أعلى للدين العام ليصل إلى 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، وللعجز السنوي في الميزانية ليصل إلى 3 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومنذ ذلك الوقت، قامت الحكومات وبشكل تدريجي بجعل بلدانها تلتزم بهذا المقياس.
ولكن، وكما تظهر تجربة الاتحاد الأوروبي أيضا، فإن مثل هذه الالتزامات الملزمة لم يتم التعامل معها دائما على أنها منيعة، وخاصة خلال أوقات الضغوط والأزمات الاقتصادية. وقد اتضح في اعقاب الأزمة المالية لسنة 2008 أن بلدانا مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال قد أخلت بالتزاماتها بموجب ماسترخت.
مهما يكن من أمر، فإن عمل التزامات للحكومات تمتد لما هو أبعد من الدورات الانتخابية يمكن أن يضع الأجندات التشريعية ضمن منظور طويل المدى، مما يخفض من حجم تغير السياسات الحزبية، علما بأن مثل هذه المقاربة كانت ستكون مفيدة للتشريع الأهم بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة. والتحقق من أن قانون الرعاية بأسعار معقولة لفترة ثابتة على أقل تقدير عوضا عن تركه عرضة للإلغاء الفوري من قبل إدارة دونالد ترامب، كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير أساسي أكبر لنظام الرعاية الصحية الأميركي المعيب، بما في ذلك من خلال تحسينات نظام "أوباماكير نفسها.
من الطرق الأخرى لتشجيع التفكير طويل المدى بين صناع السياسات، تمديد فترة وجودهم في مناصبهم لتصبح ست سنوات –أي بطول الدورات الاقتصادية تقريبا. وعوضا عن التركيز طيلة فترات وجودهم في المنصب على الحملات من أجل إعادة الانتخاب، سيكون لدى صناع السياسات الوقت والمساحة السياسية للنظر في الأطياف المختلفة للتحديات الهيكلية المعقدة، وصياغة سياسات تعزز النمو الاقتصادي المحتمل.
في بعض البلدان، عادة ما يحكم القادة السياسيون لفترات أطول. ففي البرازيل، على سبيل المثال، يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الفيدراليين لمدة ثماني سنوات. وفي المكسيك والفلبين، تمتد كل فترة رئاسية لمدة ست سنوات. وعلى النقيض من ذلك، يواجه أعضاء مجلس النواب في الولايات المتحدة الأميركية انتخابات كل عامين، مما يجبر حتى الرئيس وأعضاء مجلس الشيوخ –الذين يقضون فترات تمتد لأربع وست سنوات على التوالي- على العمل إلى حد ما على أساس أفق يمتد لعامين.
بطبيعة الحال، تنطوي الفترات الانتخابية الأطول على مخاطر، حيث أنها يمكن أن تمكِّن قادة لا يتمتعون بالكفاءة ويثيرون المشاكل من البقاء في السلطة لفترة اطول. ولهذا السبب، يجب أن يتم السعي إلى التغيير بشكل يتزامن مع إجراء إصلاح آخر: تغيير متطلبات الأهلية لصناع السياسة المحتملين، مع النظر في تأمين وصول قادة يتمتعون بالخبرة -ليس فقط في الترشح للمناصب، وإنما في التعامل مع التحديات العالمية الحقيقية أيضا.
لاحظ فيليب كاولي من جامعة نوتنغهام في مقال له في العام 2012 أن قادة الأحزاب السياسية البريطانية الرئيسية في أواخر العام 2010 كان يتمتعون بخبرة أقل من أي قادة آخرين في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كما كشفت دراسة أجرتها مكتبة مجلس العموم البريطاني سنة 2012 أن عدد السياسيين الذين يعتبرون السياسة كمهنة لهم قد ازداد في البرلمان من سنة 1983 إلى سنة 2010 بنسبة تزيد عن أربعة أضعاف، مرتفعا من 20 إلى 90 عضوا.
تزامنت زيادة السياسيين الذين يعتبرون السياسة مهنة لهم مع مفارقة متزايدة تتعلق بفعالية السياسيين المنتخبين. وفي واقع الأمر، ووفقا لمسح المنتدى الاقتصادي الدولي، فإن المواطنين في الدول الديمقراطية يثقون بقادتهم أقل من مستوى الثقة التي يتمتع بها القادة في الأماكن الأخرى. كما وجد بحث "بيو" لسنة 2015 أن أكثر من 80 % من المواطنين الأميركيين لا يثقون بأن الحكومة الفيدرالية تعمل ما هو صحيح بشكل ثابت. وربما ساهمت مثل هذه الشكوك في انتصار القادم الجديد دونالد ترامب على هيلاري كلنتون في انتخابات الرئاسة الأميركية لسنة 2016.
على أي حال، لن تختفي المخاطر الاقتصادية الحالية. ويمكن التخفيف منها فقط بنوعية الإصلاحات التي يجب أن تشكل جزءا من أجندة تنتهج سياسات على المدى الطويل. وبالنسبة لصياغة مثل خذخ الأجندات، يبدو أن الديمقراطيات ستكون في وضع غير موات. لكن هذا ليس قدرا محتوما، ويمكن أن يتغير.
*خبيرة اقتصادية ومؤلفة، تعمل في مجالس إدارات عدد من الشركات العالمية. وهي مؤلفة "المساعدة الميتة"، "خذ كل شيء"، و"كيف ضاع الغرب"