دول فاضلة وأخرى شريرة وواحدة بينهما فاصلة ...
خاطرة مروان صباح / هو شعور مختلف عندما تستيقظ من النوم لكي تخبرك دولة جارة ، أنها قررت استنهاض دولتها على حساب دولتك ، هذا تماماً ما يحصل من الجارة الاثيوبية ، المدهش في حكاية اثيوبيا ، أن بعض المفكرين السطحيين في أوساط معامل التحليل ، ينظرون للمسألة حصر مياه النيل ، أنها مسألة خلافية وقابلة للمفاوضات ، في اعتقادي ، أن اثيوبيا تحولت إلى قنبلة مائية نووية في القرن الأفريقي ، لكن ، مهمة الباحث البحث عن خلفية البلد وما الدور الوظيفي المطلوب لكي يلعبه ، فاثيوبيا اليوم ، يعني الحبشة قديماً ، وكلمة الحبشة جاءت في التوارة ، أي عندما يعود المرء لأصل المعنى ، يجد أن معناها ، الاجناس المختلطة والمختلفة ، بالفعل ، اثيوبيا يوجد فيها لا يقل عن 80 عرق من الساميين والحاميين والكوشيين ، هناك 11 عرق تحديداً ، هم الأوسع والأكثر حضوراً ، لكن ، هل من جديد في كل هذا حقاً ، أين الجديد ، الجديد في اثيوبيا الحركة الراستفارية عام 1930 م ، التى قبلت بالإمبراطور هيلا سيلاسي ملك ملوك افريقيا سابقاً ، المسيح المخلص ، الذي ذُكرّ في الإنجيل ، وهذا الاعتراف لم يأتي صدفة ، بل ، عندما عاد الإمبراطور هيلا سيلاسي إلى حكم أثيوبيا بدعم بريطاني ، نعم كان قد اُسقط عن الحكم وشكل سلاسي فرار من البلد ، بدأت تتكشف الأمور شيئ فشيء ، لكن ما يهمنا من الفكرة التى تأسست عليها الراستفارية والهدف منها ، هي صحيح اختراع جامايكي بإمتياز ، لكنها ، عابرة القارات ، الذي يهمنا منها ، هو ، الإتفاق بين مدينة صهيون والاختلاف مع مدينة بابل ، بين المدينة الفاضلة ومدينة الشرور .
حددت اثيوبيا بوصلتها منذ 1930 ، وهذا التغير ، لم يقتصر على حال القرن الأفريقي فحسب ، بل الهند شهدت في عهد البريطانيين مجرى أخر من التغير ، حيث ذاع سيط ميرزا غلام احمد ، الذي أسس الطريقة الأحمدية وأطلق على نفسه بالمسيح والمهدي ، وقد قام البريطانيَّيْن بنقل مجموعات كبيرة من شيعة الهند إلى جنوب العراق واستوطنوهم فيه تدريجياً ، الذي جعل التقارب الشيعي الهندي مع الايراني ، هو الطاغي على الشيعي العراقي التقليدي ، وهذه مسألة أخرى معقدة ، تفكيكها تحتاج إلى مقال ثاني ، ما يعنينا من المسألة ، كيف تمكن البريطاني من توزيع الأدوار ، وما هو الفارق بين المدن الفاضلة والمدن الشريرة .
والحال أن العراق وسوريا تم إعادة تشكيل مصيرهما ، يضاف إليهما مصر ومحيطها ، بل يتوجب على المرء ، اعادة احتسابها كعنصر مرصود كلما اتخذ المشروع الاستعماري خطوة نوعية نحو تقرير مصير القرن الأفريقي ، وهنا قد يتفهم المرء ، للنابع الوطني الإثيوبي من أجل الإنماء وتطوير البنية التحتية للبلاد ، لكن لا يمكن فهم حصر ماء النيل ، لا يمكن اخراجها من أنها وظيفة إقليمية بتواطؤ دولي ، وهذا يفسر بدقة عاليه ، اختيار اثيوبيا من الدول منابع النيل كونها تحتوي على منبع بحيرة تانا منبع النيل الأزرق ، والمدهش هنا ، أن بعض العقول التى تفاوض ، تتناسى أو تجهل البريطاني جون سبيل الذي اعتمد على خرائط العربي الادريس 1160 م ، لاكتشاف منابع النيل ، كأن السيد سبيل كان يمارس هوايته من أجل إشباع رياضة ذهنية ، بل ، ما يغيب عن أوساط هذه العقول ، أن جون سبيل ليس سوى فرد مثل دولته التى بدورها تمثل الفكر الاستعماري للعالم ، وهذا البحث والاستكشاف يتيح لهذه العقول بالتفكير في كيفية تجفيف مصادر الحياة عن الدول المرصودة .
ايضاً ، قد يكون التناسي ليس الوحيد في توضيح الموضح ، بل قد يكون مغادرة الأقلام من دوائر القرار ، عامل مهم في مسألة التناسي ، فالاستعمار يخطّط لاحداث حربين في المنطقة ، واحدة نفطية وقد شهدت حروب متوالية بين المربع العربي والايراني وكلما هدأت بعض الشيء ، يتم استئنافها من جديد ، واخرى تُجهز على نار ماء النيل ، وهي حرب المياه في القرن الأفريقي ، وهنا يسعى في هذا الاشتباك الدموي ، تشجيع دول معينة على تبني مشروع الدول الفاضلة وتنميتها بين دول شريرة ، وهذا ينطبق تماماً ، على دولة مثل اثيوبيا بمحيط كارثي ، فإذا ما قارن المرء ، إثيوبيا بين أوغندا وتنزانيا وبرواندى ودول اخرى عربية ، يلاحظ كيف يعلو صوت النمو والسلام بين الأعراق المختلفة في دول ، يُزعم أنها فاضلة، يقابل كل هذا السلام ، الخشية ورهبة من دول شريرة .
اليوم في الشرق الأدني ، يوجد بلدان خاليان من الكوارث ، الأولى اسرائيل أرض تصنف بالدولة الفاضلة وإيران تصنف بالفاصلة ، مازالت تراوح ، لم يعلن عن تفضيلها حتى الآن ، رغم كل الأصوات التى تصدر من هناك وهنا ، فهي تقوم بوظيفة في بلاد الشام والعراق ، تماماً ، كما يراد للاثيوبي القيام به في المستقبل ، من المفترض أن تلعب اثيوبيا ذات الوظيفة التى تلعبها إيران ، وهذا يتطلب الوقوف والتأمل ، كيف يمكن افشال محاصرة مياه النيل ، هي مناسبة حاشدة ، رغم أنها ، كما تظهر على أنها مسألة إقليمية ، لكن ما يجري ليس سوى احتكاك كوني ، كما يلزم التنبيه ، فالتصدي للمشروع الاستعماري ، ليس وارد، ومن يظن من الشعوب العربية ، أن الأنظمة العربية على مستوى هذه التحديات ، يكون يمارس التغريد خارج هذا الكوكب ، لأن شروط المواجهة في الحد الأدنى ، تتطلب استنهاضات محررة من التباعية ، وأولها البنك الدولي ، فهناك فارق بين من يقوم بوظيفة ، وآخر ، صاحب مشروع .
في الختام ، لا مفر من أن يعيد المرء ، من القبر بول مارلي ، أحد ألمع المذهب الراستفاري ، صاحب الدور الكبير في انتشار الفكرة ، لديه أغنية تسمى المذنبون ، كأنه أدرك في أواخر حياته ، بأن المدن الفاضلة ليست في كوكب الأرض ، فغنى على إيقاع الظالم والمظلوم ، قال / أولئك الأسماك الكبيرة التى تحاول دائماً التهام الأسماك الصغيرة / سيفعلون أي شيء من أجل أمنية لهم / يُكمل مارلي محذراً، / لكن انتظر / وَيْل للظالمين سيأكلون خبز الندامة كل يوم وغداً / مذنبون مرتاحون الضمير . والسلام
كاتب عربي