اغتنام الأيام العشر في أحب الأعمال إلى الله جل جلاله
[الحمد للهِ مشرِّفِ الأيامِ والشهورِ بعضِها على بعض، ومصرِّف الأحكام بالإبرام والنقض، وموقِظِ القلوبِ الغافلةِ بالتذكيرِ والوعظ، الربِّ المالكِ الذي ليس لربوبيته تغيُّرٌ ولا إزالة، الإلهِ الحقِّ الذي ليست الإلهيةُ الحقُّ إلا له -سبحانه-، أحمَدُه سبحانه على ما أولاه من إحسانِه وإفضالِه، وأشكره على جزيلِ بِرِّه ونوالِه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وصفاتِ كماله، شهادةً أرجو بها النجاةَ من شدائدِ يوم الفزعِ وأهوالِه.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي أنعمَ اللهُ على جميع أهل الأرض ببعثه وإرساله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى جميع أصحابه وآله، وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحبُّ ويرضى، واعلموا أنكم في شهر كريم، وموسمٍ عظيم، لا سيَّما هذه -الأيام- العشرَ المباركات، فإنهن الأيامُ المعلومات، التي أقسم الله بها في محكم الآيات، فاغتنموها رحمكم الله بالمسارعةِ في الأعمال الصالحات، والإكثار من الحسنات، فإن الحسناتِ يذهبن السيئات.
عبادَ الله، هذه أيامُ مضاعفةِ الحسنات، هذه أيامُ إجابةِ الدعوات، هذه أيام الإفاضاتِ والنفحات، هذه أيامُ عتقِ الرقاب من الموبقات، وهذه مواسمُ الأرباحِ والمجاهداتِ عند ذوي الهمم ِالعاليات، فأكثروا فيها من التسبيح والتحميدِ والتهليل والتكبيرِ، والاستغفار والتوبة، والإقلاع من الذنوب والسيئات، ولا تذهبُ الأعمارُ منكم في الغَفَلات، والتمادي في الشهوات، فتندموا حين لا تنفع الندامات]. الخطب المنبرية للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص: 43، 44).
فقد قال سبحانه وتعالى عن الحجاج: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وهذه الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ")، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟!) قَالَ: ("وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِه، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"). (ت) (757)، (خ) (969)، (د) (2438)، (جة) (1727)، (حم) (1968).
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ")، قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟!) قَالَ: ("وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا مَنْ عَفَّرَ وَجَهَهُ فِي التُّرَابِ"). أخرجه البزار كما في كشف الأستار: (2/ 28، رقم: 1128)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1133)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1150).
فالأعمال الصالحات محبوباتٌ عند الرحمن سبحانه، لكن في هذه الأيام الله عزّ وجلّ أشدُّ حبًّا لها، الله يحب الأعمال الصالحة في كل وقت، لكن في مواسمَ معينةٍ يتضاعف ثواب هذه الأعمال أضعافاً كثيرة، والصحابة رضي الله تعالى عنهم عندهم ميزان، وهو ميزان الجهاد في سبيل الله، فهذه الأعمال في هذه الأيام أحبُّ إلى الله وأفضل من الجهاد، وما استثنى إلا الشهيد الذي خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء، بل عفَّر وجهه بالتراب، فالجهاد شيء، والشهادة ناتجة عن الجهاد، لذلك الأعمال الصالحة في هذه الأيام تفوق من جاهد في سبيل الله ورجع بنفسه، أو رجع بنفسه وماله، الأعمال الصالحات كثيرة، والحديث بَيَّنَ فضلَ العملِ الصالح في هذه الأيام، وأنه أفضل وأحب إلى الله ممن جاهد في سبيل الله ورجع بنفسه أو بغنيمة معها، غير أن الشهادة في سبيل الله تفوق العملَ الصالح حتى في هذه الأيام.
الحديث لم يخصَّ عملاً دون آخر، فمن الأعمال الصالحات الذكرُ والدعاء، والصلاةُ والتلاوة، والصيامُ والحج، والصدقاتُ، وصلة الأرحام، وتفقدُ الأرامل واليتامى، والفقراءِ والمساكين، والمحبةُ والمودةُ لجميع المسلمين، وحسنُ الظن بهم، وترك ُالمخاصمةِ والهجران، وتجنبُ الغيبة والنميمة والقطيعة، والتفريق ِبين الأمة والأحبة، والبعدُ عن الغمزِ واللمز، والشتمِ واللعنِ والطعن، واتهامِ الآخرين، فيصونُ جوارحَه عامَّةً، ولسانَه خاصَّةً عن كلّ ما يغضب الله سبحانه وتعالى عموما، وفي هذه الأيام خصوصاً.
فانظروا إلى صلة الأرحام والمحبةِ بين الناس كم لها من مكانة عند الله سبحانه وتعالى؟! عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم وَهو فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ!)؟ قَالَ: ("نَعَمْ!") قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ!) قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: ("إِيمَانٌ بِاللهِ")، قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ مَهْ؟) -يعني ما الأعمال أخرى يحبها الله؟- قَالَ: ("ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ")، قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللهِ؟) قَالَ: ("الْإِشْرَاكُ بِاللهِ")، قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ مَهْ؟) قَالَ: ("ثُمَّ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ")، قُلْتُ: (ثُمَّ مَهْ؟) -يعني دلني على أعمال صالحة يحبها الله غير هذه-، قَالَ: ("ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمَعْرُوفِ"). (يع) (6839)، صَحِيح الْجَامِع: (166)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2522).
وَإن كنت نريد أن تعرف مدى حبِّ الله لك، فانظر إلى مدى حبِّك لأخيك المسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللهِ، إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللهِ، أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ"). (طس) (2899)، (خد) (544)، (حب) (566)، صَحِيح الْجَامِع: (5594)، الصَّحِيحَة: (450).
أخي في دين الله! كن من أحبِّ عباد الله إلى الله، كيف ذلك؟ بين ذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه، فقد ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("أَحَبُّ الْعبادِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"). أخرجه (عبد الله في زوائد الزهد)، (طب) (10033)، (يع) (3315)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (172).
أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله، أحبهم لعيال نفسه؛ عيالِ الرجل الأهل والزوجة وما شابه ذلك، أو أنفعهم لعيال الله؛ الفقراء والمساكين والناس جميعاً، فلنستمع إلى الحديث الآخر، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟) فَقَالَ: ("أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا"). (طص) (861)، (كر) (18/ 1 /2)، الصَّحِيحَة: (906)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2623).
الأعمال القليلة الدائمة خير من الكثيرة المنقطعة، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: (أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟) قَالَ: («أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»)، وَقَالَ: («اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»). (خ) (6465).
إن تلاوة القرآن لها شأن عظيم عموماً، وفي هذه الأيام العشر خصوصاً، عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قال: (تَعَلَّقْتُ بِقَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، -يعني كان الرسول راكباً دابة فتعلق بقدمه- (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَقْرِئْنِي سُورَةَ هُودٍ وَسُورَةَ يُوسُفَ)، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ، وَلَا أَبْلَغَ عِنْدَهُ مِنْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»)، قَالَ يَزِيدُ: (لَمْ يَكُنْ أَبُو عِمْرَانَ يَدَعُهَا، وَكَانَ لَا يَزَالُ يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ»). (حم) (17418)، وفي رواية عند ابن حبان زاد: ("...، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَفُوتَكَ فِي صَلَاةٍ فَافْعَلْ"). (حب) (1842)، التعليق الرغيب (2/ 226).
الصلاة في هذه الأيام من الأعمال الصالحة، وهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ، قَالَ: (لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟) أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ)، فَقَالَ: (سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: ("عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً")، قَالَ مَعْدَانُ: (ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَان). (م) 225 - (488).
إن الخطواتِ لأجل سَدِّ الصفِّ في الصلاة من أحبِّ الأعمال إلى الله سبحانه، يعني لو وجدت فرجة في الصف المقدم فتقدمت خطوة أو خطوتين دون أن تفسد صلاتك هذا من أحب الأعمال إلى الله، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، أَوْ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ). (حم) (18726)، (د) (543)، (جة) (997)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
وفي رواية: (الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ). (س) (811)، (حم) (18663).
(وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا يَصِلُ بِهَا صَفًّا"). (د) (543)، (هق) (2118)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (507).
ومن أحب الأعمال إلى الله، الصلاة في وقتها، عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود، قَالَ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟) قَالَ: («الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»)، قَالَ: (ثُمَّ أَيٌّ؟) -أي في الدرجة يأتي بعدها؟- قَالَ: («ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ»)، قَالَ: (ثُمَّ أَيٌّ؟) قَالَ: («الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»)، قَالَ -ابن مسعود-: (حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي). (خ) (527).
ومن أحب الأعمال إلى الله ذكر الله، الذي لا يكلفك شيئًا؛ لا تعباً ولا مشقة، ذكر الله في السر والعلن حتى الموت، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟! قَالَ: ("أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"). (حب) (818)، الصحيحة (1836)، الكلم الطيب (25/3).
ومن الذكر المحبوب عند الله ما ثبت عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ"). (م) 12- (2137).
هذه الكلمات الأربع تبدأ بسبحان الله، أو تبدأ بلا إله إلا الله، أو كلمة الله أكبر، لا يضرك، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا شَيْءٌ أَكْثَرَ مَعَاذِيرَ مِنَ اللهِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنَ الْحَمْدِ"). (يع) (4256)، (هب) (4058)، (ت) (2012)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3011)، الصَّحِيحَة: (1795).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ؟") قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى الله)ِ، فَقَالَ: ("إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ"). (م) 85- (2731).
وبعض الناس قد يستثقل العبادة فلا يصلي من الليل، وقد يكون عاجزًا عن الصدقة والتطوع، وقد يكون عاجزًا عن أعمال من الصالحات كثيرة، لذلك جاء هذا الحديث الذي يبثُّ الأمل والرجاء في نفوس الناس؛ ليقبلوا على الله سبحانه وتعالى، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: ("مَنْ هَالَهُ") -من أرهقه أو أتعبه- ("اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَبَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَجَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُنْفَقَانِ فِي سَبِيلِ اللهِ عزَّ وجل"). (طب) (ج8 ص194 ح7795)، (الترغيب في فضائل الأعمال لابن شاهين) (158)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (1541).
سبحان الله وبحمده، تعادل مكابدة الليل، وتعادل الجود بالمال والعطاء، وتعادل قتال أعداء الله.
ذكر الله، أكثروا من ذكر الله عموما، وفي هذه الأيام خصوصاً، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ"). (حم) (6154)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (1248).
هذا الذكر المطلق في الأيام العشر، أما الذكر المقيد في أيام العشر والعيد فأفضل صِيغَةٍ للذكر المقيد فِي الْعِيد ويوم عرفة وأيام التشريق، ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ: ("لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فلَا شَيْءَ بَعْدَهُ"). (خ) (4114)، (م) 77 - (2724)، (حم) (8067).
كلمات لطيفة، ليتنا نكررها من يوم عرفة فجراً إلى ما قبل غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، اليوم الرابع من أيام العيد، (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فلَا شَيْءَ بَعْدَهُ).
والصيام يا عباد الله! من الأعمال الصالحة، وهو يأتي في الرتبة بعد الصلاة والتلاوة والذكر، لكن ثبت عن عَائِشَة رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ). (م) 9- (1176)، (ت) (756)، (د) (2439)، (جة) (1729)، (حم) (24147).
تقول: (ما رأيت رسول الله صائما في العشر قط)، هذا هو علمها رضي الله عنها، بينما روى غيرها من أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ). (س) (2372)، (2417)، (د) (2437)، (حم) (22334)، (هق) (8176).
فالصيام من الأعمال الصالحة، فمن قدر عليه في هذه الأيام، ولم يضعفه أن يصوم التسعة أيام، ولم يشغله عن الأعمال الصالحة الأخرى استُحِبَّ صيامه، فكيف يترك الصيام في هذه الأيام للقادر المستطيع، مع أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: ("خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ -أَوْ قَالَ: أَحَبُّ- إِلَى اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"). (حم) (8571).
بينما صيام يوم عرفة لا يماري فيه أحد، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: ("صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ..."). (م) 196- (1162)، (ت) (749)، (د) (2425)، (حم) (22674).
فاللهمَّ أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وطاعتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإذا دخلت العشر، والعشر قد تدخل ليلة الأحد القادم أو ليلة الاثنين، فعلى الإنسان الذي يريد أن يضحي؛ أن يمنع نفسه عن بعض الأعمال التي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تركها، ونهى أن يفعلها عبد الله المضحي، وهذا فيه شيء من التشبه بالحجاج وليس من كل ناحية، بل في ناحية واحدة، هو ألا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئا، فـعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله -تعالى- عنها أَنَّ النَّبِيَّ صل اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: ("إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا"). (م) 39- (1977)، (س) (4364)، (جة) (3149)، (حم) (26517).
وفي رواية: ("إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ"). (م) 41- (1977)، (ت) (1523)، (س) (4361).
("فَلَا يَأخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ"). (م) 42 - (1977)، (ت) (1523)، (س) (4361)، (د) (2791).
هذا هو المطلوب، المطلوب ممن أراد أن يضحي، لكن لا يشمل هذا الزوجةَ ولا الأولادَ ولا الآباء والأمهاتِ الذين هم تحت ولاية هذا المضحي.
إذن المضحِّي هو وحده فقط الذي يمتنع عن الأخذ من الشعر وتقليم الأظافر، ولا يدخل في هذا الجزار والوكيل الذي وكلته أن يذبح لك، لا يمنع هو ولو أراد أن يذبح لا يمنع من أن يأخذ من شعره وأظفاره، أنت الذي تمنع.
الوكيل يُمنع إذا كان هو أراد أن يضحي لنفسه، أَّما من أجل الذبح لك فلا، فهذا يشمل المضحي كما قال العلماء الذي دفع المال، ودفع ثمن الأضحية والتضحية، يمتنع عن ماذا؟ يمتنع تقليم أظافره بالمقص أو القصاصة، أو بالكسر؛ يكسر إظفره، أو بالقرض بأسنانه هذا كل منهي عنه، إلا إن كانت ضرورة لذلك، كذلك الشعر لا يأخذ منه لا بقص ولا حلق ولا نتف، ولا استخدام المعجون الذي يذيب الشعر، هذا كله ما ينبغي استخدامه حتى قال العلماء ولا الحرق.. هذا منهي عنه، الشعر يشمل شعر الجسم، وشعر الرأس أو الشوارب أو اللحية، أو الإبطين أو العانة، أو الشعر الذي على الصدر، أو الشعر الذي على الأرجل، منهي عنه كل من أراد أن يضحي؛ من رجل أو امرأة، ويبدأ من ثبوت هلال ذي الحجة، وينتهي بيوم العيد بعد أن يذبح أضحيته، أو يعلم أنها ذبحت، فيجوز له بعد ذلك أخذ ما شاء من شعره ومن أظفاره، لذلك أهيب بالجميع أن يبدؤوا من يوم غد التاسع والعشرين من ذي القعدة، يبدأ المضحي في أخذ ما شاء أخذه حتى لا يضطر بعد ذلك خلال العشرة أيام أن يزيلها، هذه هذا لمن أراد أن يضحي، ونسأل الله عز وجل أن ييسر الأمور لجميع عائلات المسلمين أن يضحوا هذا العام.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا رب العالمين.
اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئها يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].