حول دافيد بن غوريون واللغة العبرية
حسيب شحادة
تعلّم داڤيد يوسف بن غوريون (چْرين، ١٨٨٦-١٩٧٣) البولوني الأصل، أوّل رئيس حكومة ووزير دفاع في البلاد، العبرية من جدّه عندما كان ابن ثلاث سنوات كما يقول هو. هاجر إلى فلسطين عام ١٩٠٦ وعمل في أراضي يافا ثم انتقل بعد أربع سنوات إلى القدس ليعمل محررًا في جريدة ”أَحْدوت“ أي الوحدة.
اهتمّ بن غوريون باللغة العبرية أيضًا وعبّر عن رأيه وموقفه حيالها بشكل يعارض في أحيان كثيرة موقف اللغويين. كان مغرمًا بالعبرية منذ صباه واعتبرها عنصرًا جوهريًا في الحلم الصهيوني وفي إقامة الدولة. أسّس مع آخرين وهو ابن ١٥ سنة جمعية ”عِزرا“ عام ١٩٠٠ التي رمت إلى جعل العبرية لغة حيّة محكية. من الكلمات والمصطلحات التي أوجدها يمكن التنويه بما يلي: استيطان؛ عمل عبري، عام ١٩١١؛ جيش الشعب؛ تهويد الجليل والناصرة، في ٨ تشرين ثان ١٩٥٣؛ إنماء الصحراء، وعليه اجتمعنا، في وثيقة الاستقلال؛ وزارة الأمن؛ من هو اليهودي؛ مملكة إسرائيل الثالثة؛ حرب الكومميوت أي ١٩٤٨.
كتب الخِتيار بن غوريون الذي كان يقول ”مستقبلنا ليس بما يقوله الأغيار ولكن بما يفعله اليهود“ مقالاتٍ لنشر آرائه وأفكاره اللغوية، وأصدر تعليماتٍ من أجل تبنّيها. وفي العام ١٩٥٥ عندما كان وزيرًا للدفاع قرّر بأنّ من يمثّل جيش الدفاع الإسرائيلي في الخارج من رجال الجيش عليه أن يحمل اسمًا عبريا. وقبل ذلك، وبالتحديد في عام ١٩٤٨ أرسل رسالة إلى مكتب ”لجنة اللغة“، ١٨٨٩-١٩٥٣ (التي أصبحت لاحقا: مجمع اللغة العبرية) في شارع الملك جورج في القدس، يطلب فيها من أعضاء اللجنة العمل من أجل إيجاد ألفاظ ومصطلحات تعبّر عن الحياة الجديدة، القوانين، الشرطة، الممثّلين والموظّفين إلخ. وهنا في رسالته هذه لا يذكر اللفظتين العبريتين بمعنى ”سفراء، وزراء“ بل استخدم اللفظتين الأجنبيتين. وكان لبن غوريون دور هام في إقامة الأكاديمية للغة العبرية بدلا من لجنة اللغة.
عارض بن غوريون، على سبيل المثال، اللفظة الأجنبية ”أكاديميا“ ولذلك سُمّي القانون الخاصّ بأكاديميا اللغة العبرية باسم ”قانون المؤسّسة العليا للغة العبرية“ ومن المعروف أن اللفظة الأجنبية في اسم مجمع اللغة العبرية . أكاديميا، ما زالت حيّة تُرزق. كما قال إنّه يجب اختيار الحرف سين بدلًا من الزاي في كتابة كلمات دخيلة من اليونانية مثل ”موسيئون“ وليس ”موزيئون“ أي متحف، ”موسيقا“ وليس ”موزيقا“، إلا أنّ اقتراحه هذا لم يكلّل بالنجاح أيضا. وسرى هذا الاستعمال وفق توجيهاته لوزارة التربية والتعليم حتّى بعد رحيل بن غوريون. يذكر أن اللغوي يتسحاك أڤينيري (١٩٠٠-١٩٧٧ أنظر יד הלשון، يد اللسان/اللغة، مجموعة ضخمة من مقالاته الصحفية اللغوية في الصحيفتين، عل همشمار وداڤار؛ أطلق عليه حاييم نحمان بياليك الاسم ”وزير اللغة“) انتقد نهج بن غوريون.
السجال بين الاثنين، بن غوريون وأڤينيري، نُشر في صحيفة داڤار (مثلا ١٤ آب ١٩٥٣) في بداية خمسينات القرن الفائت وعصارة رأي بن غوريون أنّ الإكثار من هذه الكُليمة ”إت“ (الواردة عادة قبل المفعول به المعرّف وليس ”إت“ بمعنى ”مع“ أنظر مثلا سفر التكوين ٣٢: ١١) مملّ ويبشّع العبرية وحبّذا الإقلال منها. ورد ذلك في مقال له بعنوان ”بلا إت“. ويذكر أن لغةَ وثيقة الاستقلال التي نقّحها كثيرون تعكس شيئًا من أسلوب بن غوريون، على سبيل المثال في الجملة التالية: מדינת ישראל מוכנה לתרום חלקה במאמץ משותף לקידמת המזרח התיכון כולו أي: إنّ دولة إسرائيل مستعدّة أن تساهم في المجهود المشترك من أجل تقدّم الشرق الأوسط برمّته. وتستهلّ هذه الوثيقة بالكلمات ”في أرض إسرائيل قام الشعب اليهودي“ هكذا وقارن ما ورد في سفر الخروج ١: ٩. ويتّكىء بن غوريون بخصوص آستعمال أو حذف ”إت“ على ما ورد في الأصحاح التاسع والأربعين من سفر الخليقة/التكوين، فهناك لم ترد هذه الأداة في سبع حالات عند تسمية أبناء يعقوب ووردت في أربع حالات فقط. وأضاف بن غوريون وبحقّ أن هناك حالات توجب استخدام ”إت“ للتمييز بين الفاعل والمفعول به في مثل וַתִּתֶּן-לוֹ אֶת-בִּלְהָה שִׁפְחָתָהּ أي: فأعطت (راحيل) يعقوبَ جاريتها بِلْهة زوجةً (سفر التكوين ٣٠: ٤). هنالك من يدّعي أن بن غوريون تجنّب استعمال ”את“ بسبب اللغة الأولى التي نشأ عليها، الروسية حيث لا أثر لمثل هذه الأداة ولا وجود للتعريف.
ومن المعروف للكثيرين أن بن غوريون عارض استعمال الأداة ”إِت“ التي تأتي قبل المفعول به المعرّف إذ لا تضيف شيئًا على فهم الجملة وقلّما استعملها هو. عارضه في هذه الجزئية أيضا اللغوي يتسحاك أڤينيري قائلا إن هذه الأداة ضرورية للتوضيح والدقّة. وأضاف أڤينيري ”كلّ من يحذف ”إِت“ من الجملة عن سابق إصرار كأنّه يقلع سنًّا معافاة.
ومن الألفاظ التي أوجدها بن غوريون ولم تدخل الاستعمال ”הצללתי“ بمعنى ”سجّلت“ والمستعمل اليوم הקלטתי. وهو مخترع عبارة או’’ם שמום في ٢٩ آذار ١٩٥٥ خلال نقاش في الحكومة، والدلالة المقصودة استهتار بمنظمة الأمم المتحدة. وللمهتمّ بنشاط بن غوريون وكفاحه من أجل اللغة العبرية الاطلاع على كتابه ذي المجلدات الثلاثة حول ”يوميات الحرب“ أي حرب ١٩٤٨ بمساعدة الفهرس المثبت في المجلّد الثالث (דוד בן־גוריון: יומן המלחמה תש"ח–תש"ט. ערכו: גרשון ריבלין וד"ר אלחנן אורן. הוצאת החברה להפצת משנתו של דוד בן־גוריון וההוצאה לאור של משרד הביטחון, 1983.). آونتها لم تستعمل بعد اللفظة ” פרטי“ أي ”خاصّ، خصوصي“ كما أن بن غوريون لم يقبل لفظة טוראי بهذا المعنى. ومن المعروف أن بن غوريون نادى بضرورة تسمية الأماكن بأسماء عبرية قديمة إن أمكن وإلا فجديدة؛ هدفه المعلن كان غرس مسميات عبرية لطمس الأسماء العربية والقضاء عليها. وهو بنفسه اقترح تسمية ”وادي مصري“ بالاسم ”נחל המצרים“ إلا أنّه لم يترسّخ في اللغة والمستعمل هو ”נחל שלמה“. ويذكر بن غوريون أنّ وزارة العمل جنّدت مائتين وخمسين معلّمًا لتعليم الجنود اللغة العبرية، إذ كان هناك قرابة العشرين ألف جندي بحاجة لتعلم اللغة. أحبّ بن غوريون التناخ، أي أسفار العهد القديم، التوراك والأنبياء والكتابات، ٢٤ سفرًا، جدّا وفسّره بطريقته الخاصّة وأقام حلقة دراسية حول التناخ في بيت رئيس الحكومة، وهو القائل بأنّ البلاد لليهود نابعة من هذا الكتاب وليس من وعد بلفور. وقال بن غوريون ”قيام إسرائيل وحرب ١٩٤٨ أضاءا لي أسفار العهد القديم إضاءة جديدة وبنحو خاصّ قصص الآباء، الخروج من مصر، الاحتلال والاستيطان “. وفي مكان آخر يقول مضيفا ”بدون معرفة أسفار العهد القديم لا يمكن معرفة أنفسنا، أصلنا، روحنا، رسالتنا ومستقبلنا“. وكان بن غوريون مقتنعًا بأنّ لا مثيل لهذه الأسفار ثقافيًا لا لدى اليهود ولا لدى الآخرين.
وأخيرًا نذكر أنّ את تسرح وتمرح في العبرية المحكية لا سيّما في التركيب: יש לי את הכסף; יש לו אותו أي: عندي المال، عندي إيّاه بالعامّيّة.