......... تابع
فلسطين : مائة وأربعون عاماً من النكبات والمصائب المتواصلة ، والثورات المستمرة
إتفاقية سايكس ـــ پيكو :
لكي يتم تمهيد الطريق عملياً أمام عصابات المرتزقة الصهاينة المجرمين القادمين من شتى بقاع الأرض للإستيطان في أرض فلسطين العزيزة ، كان لابد للإستعمار الغربي ( التحدي الغربي الحديث ) ، أن يعم على تمزيق أواصر وحدة الأراضي العربية والإسلامية ، وتفكيك التواصل الجيوسياسي والديمغرافي بين شعوب المنطقة العربية والإسلامية ، وصناعة كيانات سياسية وجغرافية جديدة ، والقضاء على الخلافة الإسلامية ، وزرع بذور الفتن والخلافات الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية في المنطقة ، والعبث بخصوصيات وتقاليد وأعراف وروابط الشعوب ، ووضع القنابل الموقوقتة القابلة للإنفجارفي كل وقتٍ وحين في نطاق الحدود الجديدة التي عمل على صناعتها مشرط المستعمر الغربي ، فلم يراعِ خصوصيات الشعوب والقبائل والعشائر وصلات القفربى والنَسَب ، بل تم تقسيم القبيلة والعشيرة الواحدة بفعل التقسيم الجيوسياي والديمغرافي الجديد ، لتصبح القبيلة والعشيرة وأحياناً العائلة والأسرة الواحدة على أكثر من إقليم جغرافي وسياسي جديد ، وأوجد الإستعمار والتحدي الغربي البغيض كافة عوامل الفتن والتفكك والتمزق ، بل والتَّشظِّي في المنطقة العربية والإسلامية ىالمنكوبة ، والأمثلة كثيرة ، وليس المجال هنا لحصرها وتوضيحها ؛ إنَّما كان الهدف الرئيس تمزيق أواصر الأمة جغرافياً وديمغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ثم دينياً وثقافياً وفكرياً ، وذلك كخطوة رئيسة وأساسية نحو توفير كافة السبل لتمهيد الطريق أمام عصابات المستعمرين اليهود الصهاينة للتسلل نحو فلسطين ، وطرد اصحابها التاريخيين الشرعيين ، واحتلالها ، ثم إقامة دولة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ، ولأنَّ تفكيك الأمة العربية والإسلامية هو الخطوة الرئيسة نحو اقامة الكيان الصهيوني ، فإنَّ إقامة الكيان الصهيوني ، هو الخطوة التالية والهامة والإستراتجية في مخططات وأهداف التحدي الغربي الحديث ، لضمان استمرار تفكك وتمزق الأمة ، وعدم توحدها ، ومع أي تواصل جيوسياسي وديمغرافي فيما بينها .
ومن أجل تلك الأهداف والمخحططات الإستراتيجية الإستعمارية الخبيثة ، فقد تم توقيع هذه الإتفاقية عام 1916بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية من جل أجل اقتسام مناطق الدولة العثمانية ، وتم التوصل إليها بين شهري أبريل/ نيسان ، ومايو/ آيار 1916م ـــــــ 1334هـ على صورة تبادل وثاثق بين وزارات خارجية الدول الثلاث ، وتم الكشف عن الإتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا، مما أثار وأغضب الشعوب التي تمسها الإتفاقية ، وخصوصاً العرب والمسلمين ، وتم تقسيم مناطق الدولة العثمانية بموجب الاتفاق بحيث حصلت روسيا على القسطنطينية (إسطنبول) والسيطرة على ضفتى البوسفور ومساحات كبيرة في شرق الأناضول في المناطق المحاذية للحدود الروسية التركية، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق وتونس والجزائر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية وخصوصاً في أفريقيا ، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي وفلسطين والأردن ، والإتجاه شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي ( العربي ) ، والمنطقة الفرنسية ، كما تقرر أن تقع فلسطين والمنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية ، ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا ، على أن يكون لفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا بريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة، الذي كان وقع تحت سيطرتها .
وعد بلفور المشئوم : اتفقت كلاً من بريطانيا وفرنسا عام 1916 ـــــ بصفتهما القوَّتين الاستعماريتين الغربيتين الكبريتين ـــــ ، مع روسيا القيصرية ، على توقيع معاهدة سايكس / بيكو لتقاسم وتمزيق وتفتيت وتجزئة أملاك الرجل المريض ، أي الولايات والبلدان التابعة للدولة العثمانية ، وعلى رأسها البلاد العربية والإسلامية ، مما نتج عنها إحتلال بريطانيا لفلسطين ، تمهيداً لتسليمها للعصابات اليهودية الصهيونية الاجرامية ، لإقامة دولة الكيان الصهيوني مكانها ، وطرد وتهجير العرب الفلسطينيين من وطنهم التاريخي ...
ومن أجل تسهيل وتسريع وتيرة الهجرة الإستعمارية اليهودية إلى فلسطين ، وتوفير جميع أشكال الدعم الغربي للصهاينة لإغتصاب فلسطين فقد منح وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور( اليهودي ) في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني1917 وعده الملعون والمشئوم للحركة الصهيونية ، والذي أعلن فيه عن : ( إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ) .
وإثر هزيمة وتفكيك الإمبراطورية والخلافة العثمانية في العام 1918 ، ثم مصادقة عصبة الأمم في العام 1922 على فرض الإنتداب البريطاني على فلسطين ، كثَّفت الحركة الصهيونية جهودها وجرائمها الوحشية وإعتداءاتها ، من أجل إنشاء الكيان الصهيوني الإستعماري في فلسطين ، وجمعت لأجل ذلك الكثير من الأموال والأسلحة والمعدات والتجهيزات والذخائر اللازمة ، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين المستعمرين الصهاينة إلى فلسطين ، وتضاعفت الهجرة اليهودية عقب تولي أدولف هتلر حكم ألمانيا، وخصوصاً أنَّ الولايات الامريكية المتحدة منعت اليهود من الهجرة إليها.
ومع ارتفاع أعداد المهاجرين اليهود الصهاينة إلى فلسطين، ارتفع في المقابل مقدار وشكل ومستوى الغضب والغليان الفلسطيني والعربي والإسلامي من جريمة الهجرة اليهودية المنظمة.
مقاومة وثورات فلسطينية متواصلة منذ مطلع القرن العشرين:
منذ تأسست الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني الحديث في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بال بسويسرا عام 1887 ، والشعب الفلسطيني ومعه أشقاءه من مصر وبلاد الشام والعراق وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ، وهو في ثورةٍ ومقاومةٍ مستمرة ومتواصلة للتصدي للمشروع الصهيوني ، وللمخطط الغربي / الصليبي /اليهودي الصهيوني ، لاحتلال فلسطين ، ومنحها للعصابات اليهودية الصهيونية القادمة من خلف البحار والمحيطات ، لإقامة وطناً قومياً لهم فيها ، على أنقاض أصحابها الشرعيين التاريخيين ، الذين بذلوا ، ومازالوا يبذلون بحاراً من الدماء دفاعاً عنها وعن مقدساتها ، منذ الحملات الصليبية والإحتلال الصليبي لفلسطين وبيت المقدس ومساحات كبيرة من بلاد الشام ، وقد تزايدت وتضاعفت مقاومة وثورات الفلسطينيين والعرب والمسلمين دفاعاً عن بيت المقدس وفلسطين ، عقب بدء مؤامرة موجات الهجرة اليهودية الصهيونية السرية والعلنية إلى فلسطين الحبيبة ، منذ مطلع القرن الماضي ، وحتى هذا الساعة ، فالفلسطينييون وحدهم قدموا على مدار أكثر من مائة عام مالايقل عن مليون شهيد وجريح ، بينما قدمت الشقيقة الكبرى مصر منذ بدأ المخطط الصهيوني / الغربي لاحتلال فلسطين أكثر من مائة ألف شهيد ، وخاضت حروبها جميعاً ضد العدو الصهيوني ، إلى جانب الفلسطينيين ومن أجل فلسطين ، ومن أجل تحرير أرضها العزيزة شبه جزيرة سيناء ، التي احتلها العدوالصهيوني عام1967 ، إلى جانب أجزاء عزيزة من أراضي الأشقاء سوريا ولبنان والأردن ، الذين قدموا هم أيضاً مئات آلاف الشهداء والجرحى ، على طريق التصدي للكيان والمشروع الصهيوني ...
ومازال الشعب الفلسطيني ورغم مرور أكثر من 130 عام على تأسيس المشروع الصهيوني ، و70عام على تأسيس واقامة الكيان الصهيوني الاستعماري السرطاني ، يخوض الثورات تلو الثورات ، والانتفاضات والهبَّات تلو الهبَّات ، ومقاومة تتلوها مقاومة ، ونفذَّ عشرات آلاف العمليات الفدائية البطولية ، وهاهو يواصل تقديم التضحيات الجليلة ، ويستمر في مقاومته بلحمه الحي وعظامه ودماء أروع أبنائه ، من أجل التصدي المؤامرات والمخططات الشيطانية التي تسعى قوى تحالف الشر الكبرى في العالم / حاضنة وداعمة وراعية وحامية وحارسة الكيان الصهيوني الشيطاني المجرم ، من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، واذابة وطمس الهوية والكيانية والديمغرافيا والجغرافيا الفلسطينية ...
ويواصل الفلسطينييون الأبطال / جوهرة الشرق والعالم تقديم الشهداء والجرحى والأسرى أفواجاً أفواجأً ، دفاعاً عن أرضهم المقدسة ، ودفاعاً عن كيانهم الجيوسياسي /الحضاري وحقهم التاريخي والمشروع ، ودفاعأً عن وجودهم وبقائهم وهويتهم وتاريخهم وتضحياتهم المجيدة ووطنهم الغالي المبارك ، وأيضاً دفاعاً عن كرامة الأمة الإسلامية والعربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وقبلتها الأولى ومسرى نبيهم الأكرم ( صل الله عليه وآله وسلم ) ...
وهاهو العالم أجمع يرى على شاشات التلفاز كيف يخرج الفلسطينييون المدنيون السلميُّون العزَّل يتصدون لأعتى أسلحة الإجرام والشر والتوحش والدمار الأميركية / الصهيونية ، يدافعون عن حقهم في الحياة والبقاء والرباط فوق ترابهم الوطني الطاهر ، وبنفس الوقت يرى العالم ويشاهد عمليات الإعدام والقتل المنهجية ، التي ينفذها على الهواء مباشرةً ، جيش الاجرام والتوحش والإفساد الصهيوني ، الذي يزعم أنه أقوى جيش في الشرق الأوسط ، ضد الأطفال والنساء والرجال والفتيان والشيوخ والأطباء والمسعفين والمسعفات والصحافيين...
وقد فرض وسيفرض الشعب الفلسطيني بدماء أطهر وأروع وأعظم أبنائه وبناته وعذابات أسراه معادلة النصر ، الذي لابد وأن يتحقق ـــ إن شاء الله ــــ معادلة : الدم الذي هزم وسيهزم سيف البغي والعدوان والتوحش والإفساد والعلو اليهودي الصهيوني ... هذا الشعب العظيم الذي لم ، ولن يهُن في مواجهة المحتل الغاصب المجرم ، ومواجهة كافة مخططات الادارة الأميركية الصهيونية لتصفية قضيته العادلة ... ولابد ـــ بإذن الله تعالى ـــ من أن يكون النصر والفوز حليفه.
ولأنَّ المجال لايتسع هنا في سياق هذه الدراسة ، لسرد التفاصيل التاريخية عن الثورات والمقاومة المستمرة للشعب الفلسطيني في مواجهة التحدي الغربي الحديث (التحالف الغربي الصليبي / الصهيوني ) ، والتصدي المتواصل للمشروع والكيان الصهيوني ، فنحن على وعدٍ ـــــ بإذن الله ـــــ ، وفي سياق البدء بصياغة الرواية الفلسطينية / العربية / الإسلامية للصراع الفلسطيني والعربي والإسلامي / الصهيوني ، لأفراد دراسة تفصيلية تنشر لاحقاً عن مراحل النضال والمقاومة والثورة والكفاح الفلسطيني المتواصل ، والذي لن يتوقف ـــــ بمشيئة الله تعالى ــــ حتى تحرير آخر شبرٍ من أرض فلسطين الحبيبة ، وعودة آخر لاجئ فلسطيني إلى وطنه المبارك ، وتحرير آخر أسير من سجون العدو، الذي حتماً هو إلى زوال ، نعم الكيان الصهيوني ، هو ـــ بإذن الله ــــ إلى زوال ، وهذا ماوعدنا الله به ، وماوعدنا به القرآن الكريم، والنبي العظيم (صل الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا ما نفهمه ونعيه من دروس التاريخ ، والواقع ، فهذه الأرض المباركة كانت وستبقى لنا وحدنا... نعم وحدنا .. ( وما النصر إلا من عندالله ) .... وللحديث في هذا السياق بقية وتفصيل.
إقامة الكيان الصهيوني الاستعماري في فلسطين المحتلة :
إثر هزيمة وتفكك الخلافة العثمانية في العام 1918 ، ثم فرض الانتداب / الاحتلال الإنجليزي على فلسطين من قبل عصبة الأمم في العام 1922، كثَّفَت الحركة الصهيونية مدعومةً من الغرب الصليبي الجهود والمؤامرات ، من أجل إنشاء وتأسيس البنى التحتية للكيان الصهيوني، وشهدت حقبة العشرينات من القرن الماضي زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين المستعمرين اليهود الصهاينة ، ولاقوا مقاومة بطولية من الفلسطينيين، ومع ارتفاع أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين، إزداد مقدار الغضب الفلسطيني والعربي، وفي العام 1936 ثار الفلسطينيون، فاضطرت سلطات الاحتلال البريطاني في فلسطين للدعوة إلى إيقاف الهجرة اليهودية ، وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، سعت المراكز الاستعمارية لبناء معسكر لها في قلب الوطن العربي وتحديداً بعد التحول الحاصل لديها واستنتاجها ضرورة الانسحاب من الكثير من مستعمراتها في العالم تحت ضغوط تنامي الشعور القومي في المناطق المحتلة ، وكذلك ظهور الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية ، وكان من أبرز الداعين لقيام الكيان الصهيوني الرئيس الأميركي هاري ترومان ، وهو الذي ضغط على هيئة الأمم المتحدة لتعترف بدولة «إسرائيل» على تراب فلسطين قبل خروج بريطانيا .
وأعلنت قوات الاحتلال البريطاني نيتها الانسحاب من فلسطين المحتلة في العام 1947 ، وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني1947 أعلن مجلس الأمن الدولي عن تقسيم فلسطين دولتين، الأولى عربية والثانية يهودية وأعلن الاحتلال البريطاني نيته الإنسحاب من فلسطين في العام 1947 ، وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 ، أصدر مجلس الأمن الدولي ، قراره رقم (181) بتقسيم فلسطين لتصبح فلسطين دولتين، الأولى عربية والثانية يهودية، وخاض الفلسطينييون والجيوش العربية معارك بطولية ، ضد العدو الصهيوني ، ولكن للأسف انتهت هذه المعارك بهزيمة الفلسطينيين والجيوش العربية ، رغم التضحيات البطولية ، وتم إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني يوم 14 مايو/آيار 1948 ، وبعدما نجحت الحركة الصهيونية العالمية ، مدعومة من الغرب الصليبي الحاقد ، في إقامة الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر من أرض فلسطين العزيزة ، ضغط الرئيس الأمريكي هاري ترومان على هيئة الأمم المتحدة لتعترف بقيام دولة الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر المحتل من أرض فلسطين ، ثم عملت الحركة الصهيونية العالمية ومعها التحالف الغربي الصليبي الحديث الذي تقوده وتتزعمه الولايات المتحدة الأميركية ، على تقوية وتطوير الكيان الصهيوني ، ولأجل تحفيز الصهاينة اليهود من شتى أنحاء العالم على الهجرة الإستعمارية الإستيطانية إلى فلسطين المحتلة ، أعلن البرلمان "الكنيسيت " الصهيوني في العام 1950، أنَّه : ( يحق لكل يهودي غير موجود في إسرائيل أن يستوطن الوطن الجديد) ، وبالفعل تدفق المستعمرون اليهود الصهاينة من أوروبا ومن البلدان العربية والإسلامية وروسيا وشتى بلاد العالم.
واندلع القتال العنيف بين الفلسطينيين والعرب ، والعصابات اليهودية الصهيونية المدعومة من بريطانيا وأميركا والغرب ، وفي 14 مايو/ آيار 1948 أعلن قادة العدوالصهيوني قيام دولة «إسرائيل» ، وتم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني المحتل ومن ضمنه القدس الغربية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والبلدان العربية المجاورة ، وأصبح المحتلون الصهاينة غالبية مقارنة بالفلسطينيين ، وفي العام 1950 أعلن ( الكنيسيت ) البرلمان الصهيوني بالحق لكل يهودي غير موجود في الكيان الصهيوني أن يستوطن في فلسطين المحتلة ، وبهذا الإعلان تدفق مئات آلاف اليهود من أوروبا وروسيا والأميركتين والبلدان الإسلامية والعربية.
ومن بين الحركات اليهودية الصهيونية الأخرى ،التي عملت على تحريض اليهود بالتجمع والتوحد لاحتلال فلسطين :
1ـــــ حركة دافيد روبين ،وتلميذه سولومون مولوخ ( 1501ــــ 1532م ) ، وسعياً إلى تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين
2ــــ حركة منشة بن إسرائيل ( 1604 ــــــ 1657م ) ، وكانت يدعو إلى توطين اليهود في بريطانيا تمهيداً لتهجيرهم إلى فلسطين ، وتعتبر هذه الحركة هي النواة الأولى للصهيونية الحديثة التي وجدت لها أرضًا خصبة هي بريطانيا ، واستطاعت خلال ثلاثة قرون أن تُسخِّر جميع قوى البريطانيين من أجل تحقيق أهداف اليهود .
3ـــــ حركة شبتاي ليفي ( 1626 ــــــ 1676م ) ، وكانت من أشد الحركات الصهيونية عنفـًا وتعصبـًا ، وادعى مؤسسها أنَّه المسيح المنتظر ، وما لبثت هذه الحركة أن جاءت برد فعلٍ عكسي ، فجاء مندلسون ( 1720ـــــ 1786م ) ، يدعو اليهود ليتقبلوا العيش مع جيرانهم في البلاد التي يقيموا ويتواجدوا فيها ، ويكتفوا بالجانب الديني فقط .
4ـــــ حركة رجال المال اليهودي مثل مونتفيوري ، وروتشليد ، وعمل هذان اليهوديان الصهيونيان على تنمية أحلام اليهود الصهاينة وتقويَّتَها ، وقدما الأموال الطائلة لشراء الأراضي بالتزوير والنصب والإحتيال والتدليس في فلسطين ، بالتعاون مع المستعمرين البريطانيين وغيرهم من عملاء الاستعمار ، وبناء المستعمرات منذ أواسط القرن التاسع عشر ، وساعدهما على تحقيق أهدافهما في فلسطين أقطاب اليهود الإنجليز مثل دزرائيلي وهو يهودي صهيوني ، تظاهر باعتناق المسيحية ، وتمكن من الوصول إلى رئاسة الحكومة البريطانية في عهد الملكة فكتوريا عام 1875م ، وهو الذي سرق حصة مصر في أسهم قناة السويس ، بالاضافة إلى لورنس ، وليفانت .
5ــــ حركة صهيونية سرية ، قامت في روسيا في القرن التاسع عشر ، واستعانت بيهود أمريكا على شراء الأراضي في فلسطين ، وبناء المستعمرات عليها لترحيل بعض يهود روسيا إليها .
6 ــــــ الوكالة اليهودية : أسسها حاييم وايزمان عام 1923 ، وهي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية ، ومن مهامها جمع الإعانات المالية لدعم الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وفي يوم 14 مايو/ آيار1948 غيَّرت الوكالة اليهودية تحت قيادة ديڤيد بنجوريون ، اسمها لتصبح ( حكومة إسرائيل المؤقتة ) ، وبعد قيام الكيان الصهيوني أُنشِئَت هيئة جديدة باسم ( الوكالة اليهودية لإسرائيل للتنمية الاقتصادية واستيعاب المهاجرين ) ، وما زالت هذه الهيئة تزاول نشاطها. وتعتبر الحركة الصهيونية ، أنَّ الوكالة اليهودية هي القاعدة الأساسية لنشأة وتأسيس واقامة الكيان الصهيوني ، وسبب قوتها أمام الأحداث والتحديات التي تواجهها، هذا فضلاً عن الدور التي تلعبه هذه الوكالة في الانتخابات الأمريكية والكونغرس الأمريكي حيال الكيان الصهيوني ، ولها الفضل في توجيه السياسة الأمريكية لصالح العدو الصهيوني ، وتم إنشاء الوكالة اليهودية في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897م، وشمل صك الانتداب على فلسطين والذي أقرته عصبة الأمم تأسيس الوكالة اليهودية ، وأكد هذا الصك على أنه سوف يتم الاعتراف بهذه الوكالة حال ظهورها، إلا أنه أعترف في مادته الأولى بــــ : ( الصهيونية بوصفها هيئة مستقلة من الشعب اليهودي) ، وفي المادة الرابعة من صك الانتداب والاحتلال البريطاني ، دعت : ( حكومة فلسطين إلى الاعتراف بالوكالة اليهودية ، وأنَّ المنظمة الصهيونية هي نفسها الوكالة ، مادام أنَّ مصلحتهما مشتركة ) ، واعتبرتها نفس المادة : ( وكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين ، والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ، وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلد على أن تكون خاضعة دوماً لمراقبة الإدارة ، ويعترف الانتداب بالمنظمة الصهيونية وكالةً ملائمةً ، ما دامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض، ويترتب على المنظمة الصهيونية أن تتخذ ما يلزم من التدابير، بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي )...!!
وبهذا اعترفت الحكومة البريطانية بالوكالة اليهودية المُعيَّنَة أساساً من قبل المنظمة الصهيونية، وتعاملت معها على هذا الأساس، وكان وايزمان قد دعا لتشكيل الوكالة اليهودية ، حتى يكون باستطاعتها جمع المال لدعم النشاط الصهيوني ، وضم أكبر عدد ممكن من يهود العالم ، وعليه فقد طالبوا في مذكرتهم التي قدموها إلى مؤتمر الصلح عام 1919م ، بــــ : ( إنشاء مجلس يهودي ) ، تحوَّل اسمه إلى : ( الوكالة اليهودية ) ، كما جاء في صك الانتداب، وسعى وايزمان إلى توسيع الوكالة اليهودية، وبدأ اتصالاته مع شخصيات يهودية صهيونية ، ذات نفوذ مالي وسياسي كبير، أمثال لويس مارشال وفيلكس واربوغ في الولايات المتحدة، واللورد ميلتست في بريطانيا، وليون بلوم في فرنسا، وأوسكار فاسرمان في ألمانيا ، وغيرهم لتوسيع الوكالة ، وفي عام 1927م وافق المؤتمر الصهيوني السنوي على المقترحات الداعية إلى إقامة وتوسيع الوكالة اليهودية، وتم إصدار عدة توجيهات اعتبرت فيما بعد مهام الوكالة اليهودية ، وهي: تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وجعل الأراضي في فلسطين ممتلكات يهودية كاملة ، وتأسيس منشآت زراعية قائمة على الأيدي اليهودية العاملة ، ونشر اللغة والثقافة العبرية.
وأقر المؤتمر بأن "يكون رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، رئيساً للوكالة اليهودية أيضاً، وأن يمثل اليهود الذين أصبحوا داخل فلسطين، والعمال اليهود في كافة أماكن تواجدهم .
ودعى المؤتمر الصهيونيفي نفس العام إلى تشكيل ( لجنة الخبراء) لإعداد الدراسة خلال عامي 1927ـــــــ 1928م، وقدمت تقريرها في 18 يونيو / حزيران 1928م، وأهم ما جاء في هذا التقرير : تحديد عدد ونوعية المهاجرين إلى فلسطين، ليتماشى مع طاقة فلسطين الاقتصادية، وتفضيل هجرة أصحاب رؤوس الأموال اليهود ، وعدم تأسيس مستوطنات جديدة، والعمل على استكمال بناء المستوطنات القائمة بشكلٍ تامٍ وكامل ، ونقل ملكية الأراضي إلى المستوطنين أنفسهم.
وأقرَّ المؤتمر الصهيوني السادس عشر ، الذي عقدعام 1929 في زوريخ، توسيع الوكالة اليهودية ليشمل بالإضافة إلى الصهيونيين يهود غير صهيونيون ، بعد أن تم استكمال جميع الاستعدادات لإقامة هذه الوكالة، وتم في 14 أغسطس / آب 1929م عقد اتفاق بين اليهود الصهيونيين واليهود غير الصهيونيين من كافة أرجاء العالم بشأن دستور الوكالة، بمشاركة العديد من الشخصيات الصهيونية وغير الصهيونية، أمثال لويس مارشال، والعالماليهودي الأميركي ألبرت اينشتاين ، وهربرت صموئيل اليهودي البريطاني ، واللورد ميلتست وليون بلوم الفرنسي وغيرهم ، وجميعهم يهود.
وتتكون الوكالة اليهودية حسب نص دستورها من مجلس ولجنتين: ويتكون المجلس من 224 عضواً ويتم توزيعهم مناصفة بين اليهود الصهيونيين ، من بين أعضاء المنظمات والأحزاب الصهيونية المتعددة ، واليهود غير الصهيونيين ، حسب نفوذهم في البلاد التي يتواجدوا فيها، أوحسب توزيعهم الجغرافي فيها، وحصل يهود أمريكا على أكبر عدد من المقاعد المخصصة لليهود غير الصهيونيين ، ومنذ عام 1929م أصبحت الوكالة اليهودية الموسعة منفصلة من الناحية الشكلية عن المنظمة الصهيونية، فقد تم الاعتراف بها من قبل الحكومة البريطانية ، وذلك من خلال الرسالة التي بعثها سكرتير المنظمة الصهيونية إلى وزارة المستعمرات البريطانية في 16/9/1929م، والتي طالب فيها وبموجب المادة الرابعة من صك الانتداب بالاعتراف بالوكالة، وبالفعل ردت الوزارة باعترافٍ خطي بها ، وتعاظم نفوذ المنظمة الصهيونية على الوكالة اليهودية حتى وصل عدد أعضاء لجنتها التنفيذية عام 1933م، إلى عشرة أعضاء من الصهيونيين مقابل ثلاثة أعضاء من غير الصهيونيين ، وأخذت الوكالة اليهودية بتقوية مركزها من خلال علاقاتها مع المؤسسات الصهيونية الأخرى، وتوقف مجلسها عن الاجتماع من أجل اختيار أعضاء غير صهاينة في مؤسساتها منذ المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين عام 1946م، وسيطرت الوكالة على كافة جوانب النشاط الصهيوني في فلسطين ، بينما اتجهت المنظمة الصهيونية لللنشاط الصهيوني في الخارج، وأصبحت الوكالة اليهودية عملياً حكومة قائمة ، إلى جانب حكومة الانتداب والاحتلال البريطاني ، كما وضعتها لجنة بيل في تقريرها عام 1937م، وعمدت إلى إقامة العديد من الدوائر والأجهزة الإدارية التابعة لها، ولم تترك أي جانب من جوانب الحياة والحكم في فلسطين ، إلا وتدخلت به من خلال صلاحياتها التي منحها إياها صك الانتداب.
وأنشأت الوكالة اليهودية لدى تأسيسها مكتبها الرئيس في لندن، ليكون حلقة الاتصال مع الحكومة البريطانية، ومتابعة تنفيذ خططها وقراراتها الاستيطانية مباشرةً مع وزير المستعمرات البريطانية ، دون عرضها على المندوب السامي البريطاني ، ثم أنشأت عدة مكاتب لها في نيويورك وباريس وجنيف، وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح مكتب نيويورك الذي افتتحته الوكالة عام 1944م مكتبها الرئيس ، وفي عام 1949م، تغير اسم المكتب إلى (الوكالة اليهودية المتحدة) ، وتم تسجليه كشركة كاملة في دائرة العدل الأمريكية في نيويورك كوكالة أجنبية تعمل بالنيابة عن المنظمة الأم في فلسطين ، وبعد حرب يونيو/حزيران 1967 ، أسست الوكالة فرعاً لها للمساعدة في انشاء المستوطنات في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان .
ومنذ تأسيسها أقامت الوكالة اليهودية ، عدة دوائر في فلسطين ، وكانت فعلياً عبارة عن وزارات للحكم والدولة ، من أهمها : دائرة الشباب الرواد ، دائرة الهجرة ، دائرة التعليم والثقافة ، دائرة تعليم التوراة والثقافة اليهودية ، دائرة الاقتصاد ، دائرة الرعاية ، ودائرة توطين اليهود الألمان.
وتغطي الوكالة اليهودية نفقاتها من ميزانيتها السنوية ، من خلال الأموال التي كانت تجمعها من يهود العالم عن طريق الكيرن هايسود ، ومن يهود أمريكا عن طريق النداء اليهودي، ، هذا وكان يمثل دخل النداء اليهودي أكثر من 60% من الميزانية المعمول بها، ففي عام 1971م مثلاً قدَّم النداء اليهودي وحدة ثلاثة مليارات دولار للوكالة اليهودية ، وهذاأكثر من 63% من الميزانية ، وقدمت الولايات المتحدة بين عامي 1972 و 1982 ( 210 ملايين دولار) من أجل توطين اليهود السوفييت والأوروبيين الشرقيين ، ويمثل نحو 7% من الميزانية .
الخاتمة :
ليس من المستغرب أنَّ الكيان الصهيوني المتوحش الغاصب والمحتل لأرض فلسطين الطاهرة العزيزة ، والذي يواصل ليل نهار ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب المنهجية ضد الإنسان الفلسطيني ، وضد الشجر والحجر والأرض ، وضد الاقتصاد والثقافة والاعلام والديمغرافيا والتاريخ والحضارة وكافة أشكال وأسباب وظروف ومتعلقات حياة الضحايا المظلومين الفلسطينيين ، ويقدم نفسه أمام العالم الغربي وفي الإعلام والميديا على أنَّه ( الضحية !! ) ، وهذه السابقة الخطرة والصعبة تستدعي التأمل والتفكير والتوقف أمامها طويلاً ، خصوصاً أنّ العالم أجمع يشاهدويراقب ويدرك حجم انزياح الكيان الصهيوني المتوحش نحو المزيد من الإرهاب والتوحش التطرف الديني ، وهذا يهدد باستمرار الحرائق في المنطقة ، لأنَّ مايتم ترويجه على أنَّه الدين اليهودي يحمل قدراً كبيراً من الاستعلائية تجاه غيره ، وهو أيضاً دين مغلق ومنغلق ، وغير تبشيري ، والفلسطينييون هم من يدفع ثمن ذلك ، فالشعب الفلسطيني يدافع عن قيم وأعراف لم يقررها هو ، بل قررتها أوروباعقب الحرب العالمية ، وقد دفعت ثمن العنصرية القبيحة من خيرة ابنائها ، وإنَّ التضامن مع الشعب الفلسطيني يجب ألا يكون موسمياً ، بل دائماً ومستمراً وثابتاً ، لأنَّ التضامن العاطفي محدود بانتهاء الحدث وهو تضامن نزيف الدم ، ولكن لا أحد في العالم يتضامن مع نزيف الأرض اليومي ، والشعب الفلسطيني يدفع دماء أروع أبناءه من أجل الأرض والحق والوجود ، ومشكلتنا مع الكيان الصهيوني أنَّ لديه بوليصة تأمين دامة من الولايات المتحدة الأميركية ، وكارثة غزة تتمثل في تحكُّم الكيان الصهيوني بأدق تفاصيل حياة الفلسطينيين ، وتقييد حركتهم ، واعدام المتظاهرين السلميين الأبرياء برصاص متفجر ، والمثير والغريب أنَّ العدو والكيان الصهيوني الاجرامي يُقدِّم جيشه على أنه الأكثر أخلاقية في العالم ؟؟!!! ، بينما هو في الحقيقة الأكثر وحشيةً واجراماً وقذارةً وحقارةً ، دونما أي أعراف أو تقاليد أوأخلاق عسكرية ، فهوالذي دفن آلاف الأسرى المصريين والفلسطينيين والسوريين المدنيين والعكسريين وهم أحياء ÷ عقب هزيمة ونكبة يونيو / حزيران 1967 ، وهو الذي أعدم آلاف الفدائيين الأسرى الفلسطينيين والعرب في زنازين التعذيب وأقبية ومسالخ التحقيق في السجون الصهيونية النازية ، وهو الذي أعدم آلاف الجرحى الفلسطينيين أوتركهم ينزفون حتى الموت ، دون أن يسمح لفرق الإسعاف بانقاذ حياتهم ، وهو الذي يرتكب جرائم الحرب ضد الإنسانية في فلسطين المحتلة على مدار الساعة ، وهو أيضاً الذي قصف ودمَّرَّ بيوت ومساكن الفلسطينيين المدنيين الأبرياء العزَّل فوق رؤوسهم ، وقَتَلَ وأبادّ مئات العائلات والأسر الفلسطينية بشكلٍ كاملٍ ... إنه الجيش الأكثر قذارة وحقارة ونذالة وجبناً وسفالةً على مستوى العالم ، ولهذا يجب أن تنشط الألة الإعلامية الفلسطينية والعربية لفضح وتعرية الكيان الصهيوني وجيشه المتوحش المجرم ، وتعريته أمام الرأي العام العالمي ، وأمام المنظمات والهيئات الدولية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، فنحن أصحاب أعدل قضية على وجه الأرض ، والشعب الفلسطيني المستضعف ، هو الأكثر مظلوميةً على مستوى العالم .