الإجتهاد
الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة: (ج هـ د) بمعنى: بذل الجهد (بضم الجيم) في لغة أهل الحجاز و (بفتح الجيم) في لغة غيرهم : الوسع والطاقة .
وقيل المضموم الطاقة ، وبالفتح فقط : النهاية والغاية .
فالاجتهاد في اللغة: استفراغ الوسع في أي فعل كان، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة، وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل خردلة.
وأما في اصطلاح الأصوليين، فقد عبروا عنه بعبارات متفاوتة، لعل أقربها ما نقله الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" في تعريفه بقوله: "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط".[
وبعض الأصوليين لم يكتف بكلمة "بذل الوسع" وجعل بدلها كلمة "استفراغ الوسع" بل زاد الإمام الآمدي على ذلك فقال في تعريفه: "هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه" فجعل الإحساس بالعجز عن المزيد جزءا من الحد والتعريف، أما الإمام الغزالي فجعل ذلك جزءا من تعريف "الاجتهاد التام".
قال الشوكاني في شرح التعريف:
أ. فقولنا: بذل الوسع: يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع، أن يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.
ب. ويخرج بـ "الشرعي" اللغوي والعقلي والحسي، فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها "مجتهدا" اصطلاحا.
ج. وكذلك بذل الوسع في تحصيل الحكم العلمي "الاعتقادي" فإنه لا يسمى اجتهادا عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا عند المتكلمين.
ويخرج "بطريق الاستنباط" نيل الأحكام من النصوص ظاهرا، أو حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك ـ وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي ـ لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.
و قد زاد بعض الأصوليين في هذا الحد لفظ "الفقيه" فقال: بذل الفقيه الوسع..الخ
قال الشوكاني: ولا بد من ذلك، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهادا اصطلاحا. ومن لم يذكر هذا القيد فهو ملاحظ عنده، إذ لا يستطيع نيل الحكم بطريق الاستنباط إلا الفقيه، والمراد بالفقيه هنا: المتهيئ للفقه الممارس له، وعبروا عنه بقولهم: من أتقن مبادئ الفقه بحيث يقدر على استخراجه من القول إلى الفعل، وليس المراد: من يحفظ الفروع الفقهية فقط، على ما شاع الآن، لأن بذل وسعه ليس باجتهاد اصطلاحا.
حكم الاجتهاد التكليفي :
لخلاف بين العلماء في أن الاجتهاد أمر مشروع وتقتضيه طبيعة هذه الشريعة التي أراد الله تعالى لها أن تكون خاتمة الشرائع السماوية كلها .
إلا أن تكييفه الشرعي من الوجوب العيني ، أو الكفائي ، أو الندب ، أو الإباحة يختلف من شخص إلى شخص ومن حال إلى حال .
1 – الوجوب العيني :
ويكون فرض عين في أربع حالات :
أولا : على كل مسلم وجد في نفسه الأهلية لأداء الاجتهاد وسنأتي على شروطه .
ثانيا : ومنه اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به ، لأن المجتهد لايجوز له أن يقلد غيره ، لافى حق نفسه ولا في حق غيره .
ثالثا : اجتهاد المجتهد في حق غيره إذا خيف فوات الحادثة دون حكم شرعي ، فإن تضيق الوقت : تعين على الفور ، وإن اتسع فعلي التراخي .
رابعا : كما يتعين على مجتهد من مجتهدين توجه إليه صاحب النازلة بالاستفتاء، أو أحيلت إليه بصفته قاضيا .
(2) وهو فرض كفاية في حالتين :
أولا : على كل جماعة من المسلمين منفصلة عن غيرها، أو بعيدة عن جماعة فيها مجتهدون .
ثانيا : كما يفترض على الكفاية – أيضا- إذا كان في البلد في البلد أكثر من مجتهد ، وأمكن استفتاء كل واحد منهم .
(3) ويكون مندوبا في حالتين :
أولا : فيما يجتهد فيه المجتهد من غير النوازل – يسبق إلي معرفة حكمها قبل حدوثها .
ثانيا:في الجواب عن استفتاء في نوازل يتوقع نزولها ، ولم تنزل بعد .
( 4 ) ويكون محرما فيما ورد فيه نص ، أو وقع عليه إجماع فلا اجتهاد في ذلك
مراتب المجتهدين
1 - المجتهد الخاص :
الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام ، فيمكن أن يكون المجتهد مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره .
ويمكن له أن يكون مجتهدا في باب من أبواب الفقه : كالفرائض مثلا أو البيوع مقلدا في غيرها .
وهذا التجزؤ والانقسام إذا أريد به التجزؤ للعلم فقط فلا خوف فيه .
وكذلك إذا أريد به أن تتجزأ قدرة وملكة المجتهد في جانب دون آخر ولكن خلاف العلماء الذى طال فيه الأخذ والرد بينهم هو والله أعلم فيما إذا أراد المجتهد الخاص أن يحكم باجتهاده أو يفتى غيره فيه .
فهنا اختلف العلماء علي مذاهب في جواز تجزئة الاجتهاد :
أولا : ذهب جمهورهم : من السنة والمعتزلة والشيعة الامامية إلي جواز تجزئة الاجتهاد .
ثانيا : ذهب الأقلون من العلماء : إلي عدم جواز تجزئة الاجتهاد .
ثالثا: التفصيل : حيث جوز بعضهم جواز الاجتهاد الخاص بمسائل المواريث فقط ، دون غيرها .
قالوا : لأن الصلة بينهما وبين أبواب الفقه منقطعة ، فيمكن لإنسان أن يكون مجتهدا فيها دون غيرها إذا استوفى شروط الموضوع .
قال الشوكاني : " ... ولا فرق عند التحقيق "بين الصورتين في امتناع تجزؤ الاجتهاد، فإنهم قد اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بالدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى وعدم المانع، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق، وأما من ادعى الإحاطة بما يحتاج في باب دون باب، أو في مسألة دون مسألة، فلا يحصل له شيء من غلبة الظن بذلك؛ لأنه لا يزال يجوز للغير ما قد بلغ إليه علمه، فإن قال: قد غلب ظنه بذلك؛ فهو مجازف، وتتضح مجازفته بالبحث معه."
2 - المطلق المنتسب
المجتهد المطلق _ إذا لم يكن له منهاج للاستنباط خاص به ، والتزم بمنهاج مجتهد آخر – سمي مجتهدا منتسبا ، حتى إذا كان التزامه بمنهاج المجتهد الآخر علي سبيل الاتفاق و المصادفة ، أو أداءه إليه اجتهاده .
ووجه تسميته بالمنتسب ظاهر ، فهو منتسب إلي مجتهد آخر فى منهج الاستنباط الذى يمارس الاجتهاد وفقا له .
وقد ذكر النووي لهؤلاء أربعة أحوال :
أولا : أن لا يكون مقلدا للإمام – الذي ينتسب إليه ، ولا في المذهب ولا في الدليل ، لاتصافه بصفة المستقلة، ولكنه ينسب إليه لسلوكه طريقة في الاجتهاد .
ويمثل لهذا الصنف بكبار أصحاب الأئمة الأربعة :
أبى يعقوب البويطي وأبى إبراهيم المزني بالنسبة للإمام الشافعي .
وأبى يوسف القاضي ومحمد بن الحسن .
وابن الماجشون لمذهب الإمام مالك ومثل القاضي أبى يعلى وشيخ الإسلام ابن تيمية في مذهب الإمام أحمد .
وهؤلاء يشترط فيهم كل ما ذكرنا : من معرفة أدلة الأحكام الشرعية ، من الكتاب و السنة و الإجماع والقياس ، وما التحق بها علي سبيل التفصيل .
مع العلم بكل ما اشترط في كل دليل من تلك الأدلة ووجوه دلالتها ، وبكيفية اقتباس الأحكام منها ، وهذا يستفاد من أصول الفقه
كما يشترط أن يكون عارفا بعلوم القرآن والسنة والناسخ والمنسوخ ، والنحو واللغة والتصريف . واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشرط الأدلة و الاقتباس .
وأن يكون ذا دراية وارتياض في استعمال ذلك ، عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفا ريعه . وهذا النوع من العلماء هو الذى يسقط بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين . وإلا فالجميع آثمون حتي يوجد فيهم مثل هذا المجتهد المطلق المستقل . وانتساب هذا الصنف إلى أئمة المذاهب المتبوعة – من حيث الأصول – لا ينزع عنهم صفة الاستقلال.
ثانيا : أن يكون المجتهد المقيد ، أو المنتسب مقيدا في مذهب إمامه ، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل ، غير أنه لا يخرج عن أصول إمامه وقواعده .
وشرطه : أن يكون عالما بالفقه والأصول ، وأدلة الأحكام تفصيلا وأن يكون بصيرا بمسالك الأقيسة والمعانى ، تام الأرتياض في التخريج والاستنباط قادرا علي الحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله .
وهو من هذه الناحية تبرز فيه ظاهرة التقليد ، فهو يختلف عن المستقل المطلق بأنه يتسامح معه في الإخلال بمستوى العلم في بعض العلوم المشترطة كما أنه لا يبحث عن معارض في النصوص لأنه يفترض أن إمامه قد فعل ذلك .
ثم أنه ينزل ما نص عليه إمامه منزلة ما نص عليه الشارع من حيث القياس عليه ، والاستنباط منه .
ولذلك اتفق العلماء علي أن مثل هؤلاء لا يتأدى بهم فرض الكفاية في الاجتهاد . ويحتمل أن يتأدى بهم فرض الكفاية في الإفتاء .
ويمثل لهؤلاء " بأصحاب الوجوه " من علماء المذاهب الذين يخرجون المسائل التي لم تعرض للأئمة علي المسائل التي عرضت لهم ، ويذكرون لها أحكام طبقا لذلك ثم هم تارة يخرجون من نص معين لإمام ، وتارة لا يجد أحدهم النص فيخرج علي أصوله : بأن يجد دليلا علي شرط ما يحتج به إمامه فيفتى بموجبه .
فإن نص إمامه علي شيئ ، ونص في مسأل تشبهها علي خلافه ، فخرج من أحدهما إلي الأخري إلي الأخري سمى قولا مخرجا . وشرط هذا التخريج : أن لايوجد بين نصيه فرقا ، فإن وجده وجب تقريرهما علي ظاهرهما
ثالثهما : أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه ، لكنه فقيه النفس حافظ مذهب إمامه ، وعارف بأدلته قائم بتقريرها ، يصور ويحرر ويقرر ، ويمهد ويزيف ويرجح ، لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب ، أو الارتياض في الاستنباط أو القصور في معرفة الأصول أو نحوها من الأدوات عن السابقين .
قال النووي : وهذه صنعة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه التصانيف التي فيها معظم اشتغال الناس اليوم ، ولم يلحقوا الذين قبلهم فى التخريج .
ثم قال : وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه ، ويقيسون غير المنقول عليه ، غير مقتصرين علي القياس الجلي . ومنهم من جمعت فتاويه و لاتبلغ فى التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه .
رابعا : أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعفا في تقرير أدلته ، وتحرير أقيسته .
وهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه ، من نصوص أمامه ، وتفريع المجتهدين في مذهبه ، ومالا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه ، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز إلحاقه به و الفتوي به ، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب ، وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوي فيه .
ويشترط لهذا الصنف أن يكون فقيها ذا حظ وافر من الفقه .
3 - المجتهد المطلق المستقل
هو من استقل بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية ، من الكتاب و السنة والإجماع وأصول الفقه ، وما ألحق بها وما هو لازم لمعرفتها بغير تقليد وتقيد بمذهب من المذاهب .
والشروط المتقدمة هى الشروط الواجب توافرها فيه . ووجه تسميته بالمجتهد المطلق ظاهر فهو غير مقيد بمذهب من المذاهب، كما أن اجتهاده غير مقيد بباب من أبواب الفقه وكونه مستقلا نعنى به : أنه مستقل بمنهجه فى الاستنباط فلا يتقيد بأصول منهج سواه ومرتبة الاجتهاد المطلق المستقل يدخل فيها كل فقهاء الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب المتبوعة: الأربعة ومن في منزلتهم مثل الأئمة: زيد بن علي وجعفر الصادق والثوري و الأوزاعي والليث بن سعد، والطبري وداود بن علي وغيرهم.
وذلك مثل الأئمة الأربعة ونحوهم .
يقول العلامة الدهلوي :
" ...و المستقل يمتاز بثلاث خصال:
إحداهما: التصرف في الأصول التي عليها بناء مجتهداته.
الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة، والذي نرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك ثلثا علم الشافعي.
الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها، أخذا من تلك الأدلة. "
المجتهد فى مسألة
جوز البعض ذلك فقال ابن دقيق العيد: وهو المختار؛ لأنها قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية، حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمأخذ أمكن الاجتهاد.
قال الغزالي: والرافعي: يجوز أن يكون العالم منتصبا للاجتهاد في باب دون باب.
وذهب آخرون إلى المنع؛ لأن المسألة في نوع من الفقه، ربما كان أصلها في نوع آخر منه.
احتج الأولون: بأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لزم أن يكون المجتهد عالما بجميع المسائل، واللازم منتفٍ، فكثير من المجتهدين قد سئل فلم يجب، وكثير منهم سئل عن مسائل، فأجاب في البعض، وهم مجتهدون بلا خلاف.
ومن ذلك ما روي أن مالكا سئل عن أربعين مسألة، فأجاب في أربع منها، وقال في الباقي: لا أدري.
قال الزركشي:" وكلامهم يقتضي تخصيص الخلاف بما إذا عرف بابًا دون باب، أما مسألة دون مسألة فلا يتجزأ قطعًا، والظاهر جريان الخلاف في الصورتين، وبه صرح الأبياري . "
وقال المحقق ابن القيم في "إعلامه":
"الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو من باب من أبوابه، كمن استفرغ وسعه في نوع من العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب: فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه.
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها، وعدم تعلقها بها، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.
فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟
قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق".
كيفية ممارسة الإجتهاد
إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :
1. يعرضها على نصوص كتاب الله .
2. فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة.
3. فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4. فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5. فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6. فإن وجد مخصصا: حكم به .
7. وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة ) .
8. فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9. فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .
والقياس من وجهين :
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .
هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صل الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .
إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :
1. يعرضها على نصوص كتاب الله .
2. فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة.
3. فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4. فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5. فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6. فإن وجد مخصصا: حكم به .
7. وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة ) .
8. فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9. فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .
والقياس من وجهين :
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه .
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .
هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صل الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .
أهمية وجود المجتهد
هل يجوز خلو العصر عن المجتهدين أم لا؟
فذهب جمع إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد، قائم بحجج الله، يبين للناس ما نزل إليهم.
قال بعضهم: ولا بد أن يكون في كل قطر من يقوم به الكفاية؛ لأن الاجتهاد من فروض الكفايات.
قال ابن الصلاح: الذي رأيته في "كلام"* الأئمة يشعر بأنه لا يتأتى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد، قال: والظاهر أنه لا يتاتى في الفتوى.
وقال بعضهم: الاجتهاد في حق العلماء على ثلاثة أضرب: فرض عين، وفرض كفاية، وندب.
وهذا قول الحنابلة، وألف فيه الحافظ السيوطي رسالته: "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".
قال الشوكاني: ولا يخفاك أن القول بكون الاجتهاد فرضا يستلزم عدم خلو الزمان عن مجتهد، ويدل على ذلك ما صح عنه صل الله عليه وسلم من قوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة".
ولكن المخالفين خرجوا من هذا الإلزام بأن المجتهد في الفتوى على مذهب من المذاهب يتأدى به فرض الكفاية، كما ذكر ـ النووي ـ.
ولذا ذهب آخرون إلى جواز خلو العصر من مجتهد مطلق، وأيدوا ذلك بالواقع التاريخي في نظرهم، وعزاه الزركشي في "البحر" إلى الأكثرين!
وبه جزم الفخر الرازي في "المحصول". وقال الرافعي: "الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم".
قال الزركشي: ولعله أخذه من كلام الإمام الرازي أو من قول الغزالي في الوسيط: "قد خلا العصر من المجتهد المستقل".
قال الزركشي: "ونقل الاتفاق فيه عجيب، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة وساعدهم بعض أئمتنا".
والحق أن الفقيه فطن للقياس كالمجتهد في حق العامي لا الناقل فقط.
وقالت الحنابلة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت.
فقال الأستاذ: وتحت قول الفقهاء لا يخلى الله زمانا من قائم بالحجة أمر عظيم وكأن الله ألهمهم ذلك، ومعناه: أن الله تعالى لو أخلى زمانا من قائم بالحجة لزال التكليف.
وقال الزبيري: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان، ولكن ذلك قليل من كثير، فأما أن يكون غير موجود كما قال الخصم فليس بصواب، لأنه لو عدم الفقهاء، لم تقم الفرائض كلها. ولو عطلت الفرائض كلها لحلت الثلمة بذلك في الخلق كما جاء في الخبر "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار. انتهى الزركشي.
وقال ابن دقيق العيد: هذا هو المختار عندنا لكن إلى الحد الذي تنتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان، وقال في شرحه خطبة الإلمام: والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة، والأمة الشريفة لابد لها من سالك إلى الحق على واضح الحجة، إلى أن يأتي الله بأشراط الساعة الكبرى.
قال الزركشي:
ومراده بالأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها مثلا. وله وجه حسن وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية.
ثم قال الزركشي:
وأما قول الغزالي: "وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل" فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين فقيل: المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك، وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد، والقفال نفسه كان يقول للسائل: تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟ وقال هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين: لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه! فهذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد، وكذلك ابن دقيق العيد، كما نقله ابن الرفعة.
قال الزركشي:
والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة. وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب، فلا يجوز العمل بغيرها، انتهى من الزركشي ملخصا.
وقال صاحب فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: "ثم إنه قد استدل بما صرح به حجة الإسلام قدس سره والرافعي والقفال بأنه وقع في زماننا هذا الخلو، وفيه ما فيه، لأن وقوع الخلو ممنوع، وما ذكروه مجرد دعوى. والإمام حجة الإسلام ـ وإن كان من جملة الأولياء ـ لا يصلح حجة في الاجتهاديات، ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي، واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب. وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة، حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء الأربعة قال: وهذا كله من هوساتهم! لم يأتوا بدليل، ولا يعبأ بكلامهم، وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم "أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"! ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله.
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: "وما قاله الغزالي رحمه الله من أنه قد خلا العصر عن المجتهد قد سبقه إلى القول به القفال ولكنه ناقض ذلك فقال: إنه ليس بمقلد للشافعي وإنما وافق رأيه رأيه، كما نقل ذلك عن الزركشي".
وقال: قول هؤلاء القائلين بخلو العصر عن المجتهد مما يقضي منه العجب. فإنهم إن قالوا ذلك باعتبار المعاصرين لهم، فقد عاصر القفال والغزالي والرازي والرافعي من الأئمة القائمين بعلوم الاجتهاد على الوفاء والكمال جماعة منهم.
ومن كان له إلمام بعلم التاريخ والاطلاع على أحوال علماء الإسلام في كل عصر، لا يخفى عليه مثل هذا، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من جمع الله له من العلوم فوق ما اعتده أهل العلم في الاجتهاد.
وإن قالوا ذلك لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار أن الله عز وجل رفع ما تفضل به على من قبل هؤلاء من هذه الأمة، من كمال الفهم، وقوة الإدراك والاستعداد للمعارف فهذه دعوى من أبطل الباطلات، بل هي جهالة من الجهالات.
وإن كان ذلك باعتبار تيسر العلم لمن قبل هؤلاء المنكرين، وصعوبته عليهم، وعلى أهل عصورهم، فهذه أيضا دعوى باطلة. فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين تيسيرا لم يكن للسابقين، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت، وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره، والسنة المطهرة قد دونت، وتكلم الأئمة على التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد.
وقال الزركشي في البحر: ولم يختلف اثنان في أن ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد.
ثم قال الشوكاني: "وبالجملة فتطويل البحث في مثل هذا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أمره أوضح من كل واضح، وليس ما يقوله من كان من أسارى التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه من العلم ما يخرج به عن تقليد الرجال".
ثم قال: "ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل! ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده! ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة! ثم قال: فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة، وإنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة، كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء، فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصا بمن كانوا في العصور السابقة، ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم، ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله وسنة رسوله، فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة الزائفة؟ وهل النسخ إلا هذا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم" انتهى الشوكاني.
قال الإمام ابن القيم:
"وهو يرد على جماعة المتعصبين للتقليد في كتابه "إعلام الموقعين" في الوجه الحادي والثمانين من أوجه الرد على المقلدين: إن المقلدين حكموا على الله قدرا وشرعا بالحكم الباطل جهارا، مخالفا لما أخبر به رسوله صل الله عليه وسلم فأخلوا الأرض من القائمين لله بحجته وقالوا: لم يبق في الأرض عالم منذ الأعصار المتقدمة، فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة، وأبو يوسف، وزفر بن الهذيل، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وهذا قول كثر من الحنيفية، وقال بكر بن العلاء القشيري المالكي: ليس لأحد أن يختار بعد المائتين من الهجرة، وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي، واختلف المقلدون من أتباعه فيمن يؤخذ بقوله من المنتسبين إليه، ويكون له وجه يفتى، ويحكم به ممن ليس كذلك، وجعلوهم ثلاث مراتب: طائفة أصحاب وجوه كابن سريج والقفال وأبي حامد (أي الأسفراييني)، وطائفة أصحاب احتمالات، كأبي المعالي، وطائفة ليسوا أصحاب وجوه ولا احتمالات كأبي حامد (أي الغزالي) وغيره. "
..... يتبع