الإسراء والمعراج
قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال : ثم أسري برسول الله صل الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس من إيلياء ، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش ، وفي القبائل كلها .
قال ابن إسحاق : كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم ، عن عبدالله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة وغيرهم من أهل العلم ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به صل الله عليه وسلم ، وكان في مسراه ، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين ، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد .
رواية عبدالله بن مسعود عن الإسراء
فكان عبدالله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول :
أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم . ثم أُتي بثلاثة آنية ، إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء . قال : فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته ، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته . قال : فأخذت إناء اللبن ، فشربت منه ، فقال لي جبريل عليه السلام : هُديت وهديت أمتك يا محمد .
رواية الحسن عن مسراه صل الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : بينا أنا نائم في الحجر ، إذ جاءني جبريل ، فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست ولم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه ، فخرج بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض ، بين البغل والحمار ، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع يده في منتهى طرفه ، فحملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته .
رواية قتادة عن مسراه صل الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن قتادة أنه قال : حُدثت أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : لما دنوت منه لأركبه شَـمَس ، فوضع جبريل يده على مَعرفته ، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع ، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحيا حتى ارفضّ عرقا ، ثم قر حتى ركبته .
عودة إلى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى جبريل عليه السلام معه ، حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمَّهم رسول الله صل الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم أُتي بإناءين ، في أحدهما خمر ، وفي الآخر لبن .
قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن ، فشرب منه ، وترك إناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت للفطرة ، وهديت أمتك يا محمد ، وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس : هذا والله الإمْر البين ، والله إن العير لتطرد ، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهرا مقبلة ، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ، ويرجع إلى مكة ! قال : فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر ، فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال : فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا : بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يُعجبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه ، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم ؛ قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته - قال الحسن : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرُفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ، ويقول أبو بكر : صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، كلما وصف له منه شيئا ، قال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، حتى إذا انتهى ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي بكر : وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق .
قال الحسن : وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن ، ونخوفهم ، فما يزيد إلا طغيانا كبيرا ) .
فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صل الله عليه وسلم . وما دخل فيه من حديث قتادة .
رواية عائشة عن مسراه صل الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : حدثني بعض آل أبي بكر : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول : ما فُقد جسد رسول الله صل الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه .
رواية معاوية عن مسراه صل الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة .
جواز أن يكون الإسراء رؤيا
فلم يُنكر ذلك من قولهما ، لقول الحسن : إن هذه الآية نزلت في ذلك ، قول الله تبارك وتعالى : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ) ، ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه : ( يا بُنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك ) ثم مضى على ذلك . فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما .
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول : تنام عيناي وقلبي يقظان . والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه ، وعاين فيه ما عاين ، من أمر الله ، على أي حاليه كان : نائما ، أو يقظان ، كل ذلك حق وصدق .
وصفه صل الله عليه وسلم لإبراهيم وموسى وعيسى
قال ابن إسحاق : وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صل الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة ، فقال : أما إبراهيم ، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى ، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم ، فرجل أحمر ، بين القصير والطويل ، سبط الشعر ، كثير خِيلان الوجه ، كأنه خرج من ديماس ، تخال رأسه يقطر ماء ، وليس به ماء ، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي .
علي يصف الرسول صل الله عليه وسلم
قال ابن هشام : وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال : كان علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم يكن بالطويل الممغَّط ، ولا القصير المتردد . وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط ، كان جعدا رجلا ، ولم يكن بالمطهَّم ولا المكلثم ، وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش والكتد ، دقيق المسربة ، أجرد شَثْن الكفين والقدمين ، إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين ، أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله ، صل الله عليه وسلم .
رواية أم هانئ عن الإسراء
قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقول : ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صل الله عليه وسلم ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه ، قال : يا أم هانىء ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ، ثم قام ليخرج ، فأخذت بطرف ردائه ، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية ، فقلت له : يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ؛ قال : والله لأحدثنهموه .
قالت : فقلت لجارية لي حبشية : ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس ، وما يقولون له . فلما خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم ، فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال : آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة ، فندَّ لهم بعير ، فدللتهم عليه ، وأنا موجَّه إلى الشام .
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم ، يقدمها جمل أورق ، عليه غرارتان ، إحداهما سوداء ، والآخرى برقاء . قالت : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه ، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ، ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة ، فقالوا : صدق والله ، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر ، وندّ لنا بعير ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه ، حتى أخذناه .
قصة المعراج
الرسول صل الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى ( حديث الخدري عن المعراج )
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أُتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ، يقال له : باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له : إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال : يقول رسول الله صل الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث : وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي ، قال : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا محمد . قال : أوقد بعث ؟ قال : نعم . قال : فدعا لي بخير ، وقاله .
صفة مالك خازن النار
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صل الله عليه وسلم ، أنه قال : تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، إلا أنه لم يضحك ، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره ، فقلت لجبريل : يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ؟ قال : فقال لي جبريل : أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار .
من صفات جهنم أعاذنا الله منها
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : فقلت لجبريل ، وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ( مطاع ثم أمين ) : ألا تأمره أن يُريني النار ؟ فقال : بلى ، يا مالك ، أرِ محمدا النار . قال : فكشف عنها غطاءها ، فقال : ففارت وارتفعت ، حتى ظننت لتأخذن ما أرى . قال : فقلت لجبريل : يا جبريل ، مُرْه فليردها إلى مكانها . قال : فأمره ، فقال لها : اخبي ، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه . فما شبَّهت رجوعها إلا وقوع الظل . حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها .
عرض الأرواح على آدم عليه السلام ، ( و عود إلى حديث الخدري عن المعراج )
و قال أبو سعيد الخدري في حديثه : إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تُعرض عليه أرواح بني آدم ، فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيرا ويُسّر به ، ويقول : روح طيبة خرجت من جسد طيب ؛ ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه : أف ، ويعبس بوجهه ويقول : روح خبيثة خرجت من جسد خبيث . قال : قلت : من هذا جبريل ؟ قال : هذا أبوك آدم ، تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها . وقال : روح طيبة خرجت من جسد طيب . وإذا مرت به روح الكافر منهم أفَّف منها وكرهها ، وساءه ذلك ، وقال : روح خبيثة خرجت من جسد خبيث .
صفة أكلة أموال اليتامى ظلما
قال : ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما .
صفة أكلة الربا
قال : ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا .
صفة الزناة من بني آدم
قال : ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن .
من نسبت ابنا لزوجها من غيره
قال : ثم رأيت نساء معلقات بثديهنّ ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال : اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فأكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم .
صعوده صل الله عليه وسلم إلى السماوات الآخرة ، وما رأى منها
ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري ، قال : ثم أصعدني إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة : عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال : ثم أصعدني إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ؛ قال : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك يوسف ابن يعقوب . قال : ثم أصعدني إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ قال : هذا إدريس - قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ورفعناه مكانا عليا - قال : ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية ، عظيم العثنون ، لم أر كهلا أجمل منه ؛ قالت : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبَّب في قومه هارون بن عمران . قال : ثم أصعدني إلى السماء السادسة ، فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى ، كأنه من رجال شنوءة ؛ فقلت له : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران . ثم أصعدني إلى السماء السابعة ، فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة . لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ قال : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم . قال : ثم دخل بي الجنة ، فرأيت فيها جارية لعساء ، فسألتها : لمن أنت ؟ وقد أعجبتني حين رأيتها ؛ فقالت : لزيد بن حارثة ، فبشَّر بها رسول الله صل الله عليه وسلم زيد بن حارثة .
فرض الصلاة عليه صل الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صل الله عليه وسلم ، فيما بلغني : أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا يا جبريل ؟ فيقول : محمد ؛ فيقولون : أوقد بعث إليه ؟ فيقول : نعم ؛ فيقولون : حياه الله من أخ وصاحب ! حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم .
موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة
قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ؟ فقلت : خمسين صلاة كل يوم ؛ فقال : إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا . ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت إليه ، قال : فارجع فاسأل ربك ، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة . ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت : قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه ، فما أنا بفاعل .
فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن ، واحتسابا لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة .
المستهزئون بالرسول ، وكفاية الله أمرهم
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صل الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا ، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى و الاستهزاء . وكان عظماء المستهزئين ، كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، خمسة نفر من قومهم ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم .
أسماء المستهزئين بالرسول من بني أسد
من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب : الأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة ، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به ، فقال : اللهم أَعمِ بصره ، وأثكله ولده .
المستهزئون بالرسول من بني زهرة
ومن بني زهرة بن كلاب : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة .
المستهزئون بالرسول من بني مخزوم
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة : الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم .
المستهزئون بالرسول من بني سهم
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : العاص بن وائل بن هشام .
قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سُعيد بن سهم .
المستهزئون بالرسول من خزاعة
ومن بني خزاعة : الحارث بن الطُّلاطِلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن لؤي بن ملكان .
فلما تمادوا في الشر ، وأكثروا برسول الله صل الله عليه وسلم الاستهزاء ، أنزل الله تعالى عليه : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) .
ما فعل الله بالمستهزئين
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يطوفون بالبيت ، فقام وقام رسول الله صل الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي .
ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه ، فاستستقى بطنه فمات منه حبنا .
ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، كان أصابه قبل ذلك بسنين ، وهو يجر سبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش في رجله ذلك الخدش ، وليس بشيء ، فانتقض به فقتله .
ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شُبارقة ، فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته .
ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخض قيحا ، فقتله