... تابع
دلائل نبوته ومعجزاته صل الله عليه وسلم
الجزء الثانى
فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظَّن أو القطع عند المتبحرين، أنَّ يعلى بن مرة حدَّث بهذه القصة في الجملة، وقد تفرَّد بهذا كله الإمام أحمد دون أصحاب الكتب السِّتة، ولم يرو أحد منهم شيئاً سوى ابن ماجه فإنَّه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن يحيى بن سليم، عن خيثم، عن يونس بن خبَّاب، عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد.
وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في كتابه: (دلائل النبوة) وطرقه من وجوه كثيرة، ثمَّ أورد حديث عبد الله بن قرط اليمانيّ قال: جيء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ.
وقد قدَّمت الحديث في حجَّة الوداع.
قلت: قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشَّجرتين، وذكرنا آنفاً عن غير واحد من الصَّحابة نحواً من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا، فالله أعلم.
وسيأتي حديث الصَّبيّ الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى.
وقد روى الحافظ البيهقيّ عن أبي عبد الله الحاكم وغيره، عن أبي العبَّاس الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلاً بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر.
فقال لي: يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا، فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فأتى شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا جابر انطلق فقل لهذه الشَّجرة: يقول لك رسول الله: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما)) ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى قضى حاجته، ثمَّ رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا الطَّير تظلنا، وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشَّيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرَّحل فقال: ((إخسأ عدوَّ الله، أنا رسول الله)) وأعاد ذلك ثلاث مرات ثمَّ ناولها إيَّاه، فلمَّا رجعنا وكنَّا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصَّبيّ تحمله.
فقالت: يا رسول الله إقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحقّ إن عاد إليه بعد.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذوا أحدهما وردُّوا الآخر)). (ج/ص:6/156)
قال: ثمَّ سرنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيننا فجاء جمل نادّ فلمَّا كان بين السماطين خرَّ ساجداً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاس من صاحب هذا الجمل؟))
فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله.
قال: ((فما شأنه؟))
قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلمَّا كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تبيعونيه؟))
قالوا: يا رسول الله هو لك.
قال: ((فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله)).
قالوا: يا رسول الله نحن أحقّ أن نسجد لك من البهائم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو كان ذلك كان النِّساء لأزواجهن)).
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي الصفراء عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد.
ثمَّ قال البيهقيّ: وحدَّثنا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو بكر بن إسحاق، أنَّا الحسين بن علي بن زياد، ثنا أبو حمنة، ثنا أبو قرة عن زياد - هو ابن سعد - عن أبي الزبير أنَّه سمع يونس بن خبَّاب الكوفيّ يحدِّث أنَّه سمع أبا عبيدة يحدِّث: عن عبد الله بن مسعود، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد.
قال: فلم يجد شيئاً يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشَّجرتين، وقصَّة الجمل بنحو من حديث جابر.
قال البيهقيّ: وحديث جابر أصحّ.
قال: وهذه الرِّواية ينفرد بها زمعة بن صالح، عن زياد - أظنه ابن سعد - عن أبي الزُّبير.
قلت: وقد يكون هذا أيضاً محفوظاً ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرة بل يشهد لهما، ويكون هذا الحديث عند أبي الزُّبير محمد بن مسلم بن تدرس المكيّ، عن جابر، وعن يونس بن خبَّاب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، والله أعلم.
وروى البيهقيّ من حديث معاوية بن يحيى الصَّيرفيّ - وهو ضعيف - عن الزهريّ، عن خارجة بن زيد، عن أسامة بن زيد حديثاً طويلاً نحو سياق حديث يعلى بن مرة، وجابر بن عبد الله، وفيه قصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فقلت: كم للشَّاة من ذراع ؟
فقال: ((والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت)).
ثمَّ ذكر قصة النَّخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجماً خلف النَّخلات، وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده، وبالله المستعان. (ج/ص:6/157)
وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرَّازيّ عن شبيب بن شيبة، عن بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة قال: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرأينا عجباً، فذكر قصَّة الشَّجرتين واستتاره بهما عند الخلاء، وقصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع وقوله: ((بسم الله أنا رسول الله أخرج عدوَّ الله)) فعوفي، ثمَّ ذكر قصَّة البعيرين النَّادَّين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدَّم في البعير الواحد فلعلَّ هذه قصة أخرى، والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصَّة جمله الذي كان قد أعيي وذلك مرجعهم من تبوك، وتأخره في أخريات القوم فلحقه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فدعا له وضربه فسار سيراً لم يسر مثله حتى جعل يتقدَّم أمام النَّاس.
وذكرنا شراءه عليه السلام منه، وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرُّواة لا يضرّ أصل القصَّة كما بينَّاه.
وتقدَّم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع صوتاً بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ، وركب الفرسان نحو ذلك الصَّوت فوجدوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة، وكان قد ركبه عرياً لا شيء عليه وهو متقلد سيفاً فرجع وهو يقول: ((لن تراعوا، لن تراعوا، ما وجدنا من شيء، وإن وجدناه لبحراً)).
أي: لسابقاً وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك اللَّيلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار، وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.
حديث آخر غريب في قصة البعير:
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه (دلائل النُّبوة) - وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد -: أخبرني أبو علي الفوارسيّ، حدَّثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلان القواس، حدَّثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الرَّاسبيّ، حدَّثنا عبد الرَّحمن بن عليّ البصريّ، حدَّثنا سلامة بن سعيد بن زياد ابن أبي هند الرَّازيّ، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدِّه، حدَّثنا غنيم بن أوس - يعني: الرَّازيّ - قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فزعاً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أيُّها البعير اسكن فإن تك صادقاً فلك صدقك، وإن تك كاذباً فعليك كذبك، مع أنَّ الله تعالى قد أمَّن عائذنا، ولا يخاف لائذنا)).
قلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟
قال: ((هذا بعير همَّ أهله بنحره فهرب منهم، فاستغاث بنبيكم)).
فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون فلمَّا نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منَّا منذ ثلاثة أيَّام فلم نلقه إلا بين يديك.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يشكو مُرَّ الشِّكاية)).
فقالوا: يا رسول الله ما يقول ؟
قال: ((يقول: إنَّه رَبِيَ في إبلكم جواراً وكنتم تحملون عليه في الصَّيف إلى موضع الكلأ، فإذا كان الشِّتاء رحلتم إلى موضع الدفء)).
فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله.
فقال: ما جزاء العبد الصَّالح من مواليه ؟
قالوا: يا رسول الله فإنَّا لا نبيعه ولا ننحره.
قال: ((فقد استغاث فلم تغيثوه وأنا أولى بالرَّحمة منكم لأنَّ الله نزع الرَّحمة من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين)).
فاشتراه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمائة درهم ثمَّ قال: ((أيُّها البعير انطلق فأنت حرٌّ لوجه الله)).
فرغا على هامة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقال رسول الله: ((آمين)).
ثمَّ رغا الثَّانية.
فقال: ((آمين)).
ثمَّ رغا الثَّالثة.
فقال: ((آمين)).
ثمَّ رغا الرَّابعة، فبكى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟
قال: يقول: جزاك الله أيُّها النَّبيّ عن الإسلام والقرآن خيراً.
قلت: ((آمين)).
قال: سكَّن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكَّنت رعبيّ.
قلت: ((آمين)).
قال: حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي.
قلت: ((آمين)).
قال: لا جعل الله بأسها بينها.
فبكيت وقلت: ((هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة، وأخبرني جبريل عن الله أنَّ فناء أمتك بالسَّيف فجرى القلم بما هو كائن)). (ج/ص:6/158)
قلت: هذا الحديث غريب جداً لم أر أحداً من هؤلاء المصنفين في (الدَّلائل) أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضاً، والله أعلم.
حديث في سجود الغنم له صلَّى الله عليه وسلَّم:
قال أبو محمد عبد الله بن حامد أيضاً: قال يحيى بن صاعد: حدَّثنا محمد بن عوف الحمصيّ، حدَّثنا إبراهيم بن العلاء الزُّبيديّ، حدَّثنا عباد بن يوسف الكنديّ أبو عثمان، حدَّثنا أبو جعفر الرَّازيّ عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: دخل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حائطاً للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له.
فقال أبو بكر: يا رسول الله كنَّا نحن أحق بالسّجود لك من هذه الغنم.
فقال: ((إنَّه لا ينبغي أن يسجد أحد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).
غريب وفي إسناده من لا يُعرف.
قصَّة الذِّئب وشهادته بالرِّسالة:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد، ثنا القاسم بن الفضل الحدانيّ عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: عدا الذِّئب على شاة فأخذها، فطلبه الرَّاعي فانتزعها منه، فأقعى الذِّئب على ذنبه.
فقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟
فقال: يا عجبي ذئب يكلِّمني كلام الأنس !
فقال الذِّئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بيثرب يخبر النَّاس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الرَّاعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمَّ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنودي: الصَّلاة جامعة ثمَّ خرج فقال للرَّاعي: ((أخبرهم)) فأخبرهم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم السَّاعة حتى يكلِّم السِّباع الأنس، ويكلِّم الرَّجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده)).
وهذا إسناد على شرط الصَّحيح، وقد صححه البيهقيّ.
ولم يروه إلا التّرمذيّ من قوله: ((والذي نفسي بيده لا تقوم السَّاعة حتى يكلِّم السِّباع الأنس)) إلى آخره عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن القاسم بن الفضل.
ثمَّ قال: وهذا حديث حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث القاسم وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثَّقه يحيى وابن مهدي. (ج/ص:6/159)
طريق أخرى عن أبي سعيد الخدريّ:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو اليمان، أنَّا شعيب، حدَّثني عبد الله ابن أبي حسين، حدَّثني شهر أنَّ أبا سعيد الخدريّ حدَّثه عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا عليه ذئب فأخذ شاة من غنمه، فأدركه الأعرابي فاستنقذها منه وهجهجه فعانده الذِّئب يمشي، ثمَّ أقعى مشتذفراً بذنبه يخاطبه فقال: أخذت رزقاً رزقنيه الله.
قال: واعجباً من ذئب مستذفر بذنبه يخاطبني !
فقال: والله إن لتترك أعجب من ذلك.
قال: وما أعجب من ذلك ؟
قال: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في النَّخلتين بين الحرَّتين يحدِّث النَّاس عن أنباء ما قد سبق، وما يكون بعد ذلك.
قال: فنعق الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة، ثمَّ مشى إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى ضرب عليه بابه، فلمَّا صلَّى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أين الأعرابي صاحب الغنم؟))
فقام الأعرابي فقال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حدِّث النَّاس بما سمعت، وبما رأيت)).
فحدَّث الأعرابي النَّاس بما رأى من الذِّئب وما سمع منه.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك: ((صدق آيات تكون قبل السَّاعة، والذي نفسي بيده لا تقوم السَّاعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده)).
وهذا على شرط أهل السنن ولم يخرجوه.
وقد رواه البيهقيّ من حديث النفيلي قال: قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد فذكره.
ثمَّ رواه الحاكم وأبو سعيد بن عمرو عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن عبد الجيد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد فذكره.
ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الرَّحمن بن يزيد بن تميم عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي سعيد فذكره. (ج/ص:6/160)
حديث أبي هريرة في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزاق، أنَّا معمر عن أشعث بن عبد الملك، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الرَّاعي حتى انتزعها منه.
قال: فصعد الذِّئب على تل فأقعى فاستذفر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عزَّ وجل انتزعته مني.
فقال الرَّجل: لله إذا رأيت كاليوم ذئباً يتكلم.
فقال الذِّئب: أعجب من هذا رجل في النَّخلات بين الحرَّتين يخبركم بما مضى، وما هو كائن بعدكم.
وكان الرجل يهودياً، فجاء إلى النَّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسلم، وخبره فصدقه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قال رسول الله: ((إنها أمارة من أمارات بين يدي السَّاعة، قد أوشك الرَّجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدِّثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده)).
تفرَّد به أحمد، وهو على شرط السنن ولم يخرجوه، ولعلَّ شهر بن حوشب قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة أيضاً، والله أعلم.
حديث أنس في ذلك:
قال أبو نعيم في (دلائل النُّبوة): ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى بن منده، ثنا علي بن الحسن بن سالم، ثنا الحسين الرفا عن عبد الملك بن عمير، عن أنس.
ح، وحدَّثنا سليمان - هو الطَّبرانيّ -، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، ثنا هشام بن يونس اللُّؤلؤيّ، ثنا حسين بن سليمان الرفا عن عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تبوك فشردت عليَّ غنمي فجاء الذِّئب فأخذ منها شاة فاشتدَّ الرعاء خلفه.
فقال: طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني ؟
قال: فبهت القوم.
فقال: ما تعجبون من كلام الذِّئب، وقد نزل الوحي على محمد فمن مصدّق ومكذّب.
ثمَّ قال أبو نعيم: تفرَّد به حسين بن سليمان عن عبد الملك.
قلت: الحسين بن سليمان الرفا هذا يقال له: الطلخي كوفي، أورد له ابن عدي عن عبد الملك بن عمير أحاديث ثمَّ قال: لا يتابع عليها.
حديث ابن عمر في ذلك:
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو سعد المالينيّ، أنَّا أبو أحمد بن عدي، ثنا عبد الله ابن أبي داود السَّجستانيّ، ثنا يعقوب بن يوسف ابن أبي عيسى، ثنا جعفر بن حسن، أخبرني أبو حسن، ثنا عبد الرَّحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ جاء الذِّئب فأخذ شاة ووثب الرَّاعي حتى انتزعها من فيه.
فقال له الذِّئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ؟
فقال له الرَّاعي: العجب من ذئب يتكلم.
فقال الذِّئب: أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامي ذلك الرَّجل في النَّخل يخبر النَّاس بحديث الأوَّلين والآخرين أعجب من كلامي.
فانطلق الرَّاعي حتى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، وأسلم.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حدِّث به النَّاس)).
قال الحافظ ابن عدي: قال لنا أبو بكر ابن أبي داود: ولد هذا الرَّاعي يقال لهم: بنو مكلِّم الذِّئب، ولهم أموال ونعم وهم من خزاعة، واسم مكلِّم الذِّئب: أهبان قال: ومحمد بن أشعث الخزاعيّ من ولده. (ج/ص:6/161)
قال البيهقيّ: فدلَّ على اشتهار ذلك، وهذا مما يقوِّي الحديث.
وقد روى من حديث محمد بن إسماعيل البخاريّ في (التاريخ): حدَّثني أبو طلحة، حدَّثني سفيان بن حمزة الأسلميّ سمع عبد الله بن عامر الأسلميّ عن ربيعة بن أوس، عن أنس بن عمرو، عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي فكلَّمه الذِّئب وأسلم.
قال البخاري: إسناده ليس بالقوي.
ثمَّ روى البيهقيّ عن أبي عبد الرَّحمن السلميّ سمعت الحسين بن أحمد الرَّازيّ سمعت أبا سليمان المقري يقول: خرجت في بعض البلدان على حمار فجعل الحمار يحيد بي عن الطَّريق فضربت رأسه ضربات، فرفع رأسه إليَّ وقال: لي اضرب يا أبا سليمان فإنما على دماغك هو ذا يضرب.
قال: قلت له: كلَّمك كلاماً يفهم !
قال: كما تكلِّمني وأكلمك.
حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب:
وقد قال سعيد بن مسعود: ثنا حبان بن علي، ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأوس الحارثيّ، عن أبي هريرة قال: جاء الذِّئب فأقعى بين يدي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجعل يبصبص بذنبه.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذا وافد الذِّئاب، جاء ليسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئاً)).
قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجراً فرماه، فأدبر الذِّئب وله عواء.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الذِّئب وما الذِّئب)).
وقد رواه البيهقيّ عن الحاكم، عن أبي عبد الله الأصبهانيّ، عن محمد بن مسلمة، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل به.
ورواه الحافظ أبو بكر البزَّار عن محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل، عن مكحول، عن أبي هريرة فذكره.
وعن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأوبر، عن أبي هريرة قال: صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً صلاة الغداة ثمَّ قال: ((هذا الذِّئب وما الذِّئب جاءكم يسألكم أن تعطوه أو تشركوه في أموالكم)).
فرماه رجل بحجر فمرَّ، أو ولى وله عواء.
وقال محمد بن إسحاق عن الزّهريّ، عن حمزة ابن أبي أسيد قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع فإذا الذِّئب مفترشاً ذراعيه على الطَّريق فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذا جاء يستفرض فافرضوا له)).
قالوا: ترى رأيك يا رسول الله ؟
قال: ((من كل سائمةٍ شاة في كل عام)).
قالوا: كثير.
قال: فأشار إلى الذِّئب أن خالسهم، فانطلق الذِّئب، رواه البيهقيّ. (ج/ص:6/162)
وروى الواقديّ عن رجل سمَّاه، عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه.
فقال: ((هذا وافد السِّباع إليكم فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئاً لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه واحترزتم منه فما أخذ فهو رزقه)).
فقالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء.
فأومأ إليه بأصابعه الثَّلاث أن خالسهم قال: فولى وله عواء.
وقال أبو نعيم: ثنا سليمان بن أحمد، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، ثنا الأعمش عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أنَّ جهينة قال: أتت وفود الذِّئاب قريب من مائة ذئب حين صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأقعين.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذه وفود الذِّئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهنَّ من قوت طعامكم، وتأمنوا على ما سواه)) فشكوا إليه الحاجة.
قال: ((فأدبروهم)).
قال: فخرجن ولهنَّ عواء.
وقد تكلَّم القاضي عياض على حديث الذِّئب، فذكر عن أبي هريرة وأبي سعيد، وعن أهبان ابن أوس، وأنَّه كان يقال له: مكلِّم الذِّئب قال: وقد روى ابن وهب أنَّه جرى مثل هذا لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ صبياً فدخل الصَّبيّ الحرم، فانصرف الذِّئب، فعجبا من ذلك.
فقال الذِّئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنَّة، وتدعونه إلى النَّار.
فقال أبو سفيان: واللات والعزى لأن ذكرت هذا بمكة ليتركنها أهلوها.
قصة الوحش الذي كان في بيت النَّبيّ وكان يحترمه عليه السلام ويوقِّره ويجلّه:
قال الأعرابي أحمد: حدَّثنا أبو نعيم، ثنا يونس عن مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: كان لآل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحش فإذا خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحسَّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في البيت كراهية أن يؤذيه.
ورواه أحمد أيضاً عن وكيع وعن قطن كلاهما عن يونس - وهو ابن أبي إسحاق السبيعي - وهذا الإسناد على شرط الصَّحيح ولم يخرِّجوه، وهو حديث مشهور، والله أعلم.
قصة الأسد:
وقد ذكرنا في ترجمة سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثه حين انكسرت بهم السَّفينة فركب لوحاً منها حتى دخل جزيرة في البحر فوجد فيها الأسد فقال له: يا أبا الحارث إني سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال: فضرب منكبي وجعل يحاذيني حتى أقامني على الطَّريق، ثمَّ همهم ساعة، فرأيت أنَّه يودعني. (ج/ص:6/163)
وقال عبد الرَّزاق: ثنا معمر عن الحجبي، عن محمد بن المنكدر أنَّ سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخطأ الجيش بأرض الرُّوم، أو أسر في أرض الرُّوم فانطلق هارباً يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد.
فقال: يا أبا الحارث إني مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلَّما سمع صوته أهوى إليه، ثمَّ أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى أبلغه الجيش، ثمَّ رجع الأسد عنه.
رواه البيهقيّ.
حديث الغزالة:
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ رحمه الله في كتابه (دلائل النبوة): حدَّثنا سليمان بن أحمد إملاءً، ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفيّ عن صالح المريّ، عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك قال: مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط.
فقالت: يا رسول الله إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم.
فقال: ((أين صاحب هذه؟))
فقال القوم: نحن يا رسول الله.
قال: خلُّوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم.
فقالوا: من لنا بذلك ؟
قال: ((أنا)).
فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثمَّ رجعت إليهم فأوثقوها، فمرَّ بهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أين أصحاب هذه؟))
فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله.
فقال: ((تبيعونيها؟))
فقالوا: هي لك يا رسول الله.
فقال: ((خلُّوا عنها)).
فأطلقوها فذهبت.
وقال أبو نعيم: حدَّثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفيّ - من أصله - ثنا أحمد بن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة، ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد، ثنا حبان بن أغلب بن تميم، ثنا أبي عن هشام بن حبان، عن الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف: يا رسول الله، يا رسول الله.
قال: ((فالتفت فلم أر أحداً))
قال: ((فمشيت غير بعيد، فإذا الهاتف يا رسول الله، يا رسول الله، قال: ((التفت فلم أر أحداً)) وإذا الهاتف يهتف بي، فاتبعت الصَّوت وهجمت على ظبية مشدودة الوثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشَّمس.
فقالت الظَّبية: يا رسول الله إنَّ هذا الأعرابي صادني قبل ولي خشفان في هذا الجبل فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثمَّ أعود إلى وثاقي.
قال: ((وتفعلين؟))
قالت: عذَّبني الله عذاب العشار إن لم أفعل.
فأطلقها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت.
قال: فبينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوثقها إذا انتبه الأعرابي.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أصبتها قبيلاً فلك فيها من حاجة ؟
قال: قلت: ((نعم)).
قال: هي لك، فأطلَقَهَا فخرجت تعدو في الصَّحراء فرحاً وهي تضرب برجليها في الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله. (ج/ص:6/164)
قال أبو نعيم: وقد رواه آدم ابن أبي إياس فقال: حدَّثني حبي الصَّدوق نوح بن الهيثم عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به.
وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه (دلائل النبُّوة) من حديث إبراهيم بن مهدي عن ابن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن هشام بن حبان، عن الحسن بن ضبة ابن أبي سلمة به.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة، أنَّا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشَّيبانيّ، ثنا أحمد بن حازم ابن أبي عروة الغفاريّ، ثنا علي بن قادم، ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية، عن أبي سعيد قال: مرَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثمَّ أرجع فتربطني.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صيد قوم، وربيطة قوم)).
قال: فأخذ عليها فحلفت له.
قال: فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم، فوهبوها له فحلَّها.
ثمَّ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً أبداً)).
قال البيهقيّ: وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنَّا أبو علي حامد بن محمد الهرويّ، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو حفص عمر بن علي، ثنا يعلى بن إبراهيم الغزاليّ، ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير، عن يزيد بن أرقم قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض سكك المدينة.
قال: فمررنا بخباء أعرابي فإذا بظبية مشدودة إلى الخباء.
فقالت: يا رسول الله إنَّ هذا الأعرابي اصطادني، وإنَّ لي خشفين في البرية وقد تعقد اللَّبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح، ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البريَّة.
فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن تركتك ترجعين؟))
قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار.
قال: فأطلقها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلم تلبث أن جاءت تلمض فشدَّها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الخباء، وأقبل الأعرابي ومعه قربة.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتبيعنيها؟))
قال: هي لك يا رسول الله.
فأطلقها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البريَّة وهي تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ورواه أبو نعيم: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر، ثنا بشر بن موسى فذكره.
قلت: وفي بعضه نكارة والله أعلم.
وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللَّبن: حديث تلك الشَّاة التي جاءت وهي في البريَّة فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحسن بن سعيد مولى أبي بكر أن يحلبها فحلبها، وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ذهب بها الذي جاء بها)).
وهو مروي من طريقين عن صحابيين كما تقدم، والله أعلم. (ج/ص:6/165)
... يتبع