أما الجزء السادس المواد من (48 إلى 53)، فيتضمن كيفية الانضمام إلى العهد والتصديق عليه، وتنفيذه وسريانه.
من الملاحظ أن هذا العهد، وبعكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لم يتضمن بعض الحقوق التي ورد النص عليها في الإعلان كحق اللجوء لكل فرد إذا تعرض للاضطهاد أن يهرب إلى بلدٍ آخر. (م 14 إعلان) ، والحق في الملكية (م 17 إعلان) . ورغم ذلك فقد اشتمل على قائمة من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والتي جاءت أكثر دقة ووضوحاً، بل نص على حقوق جديدة لم يرد النص عليها في الإعلان وهي :
1. حق الشعوب في تقرير مصيرها، والتصرف بحرية في ثرواتها الطبيعية وهذا الحق أساساً ضد اغتصاب ثروات الدول الضعيفة وهذه المادة تمثل المُثل العليا ، لنصها على الكثير من حقوق الإنسان الذي لم ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (م 12).
2. تحريم حرمان الأقليات الإثنية، والدينية، واللغوية من حقوقها الواضحة كحق التمتع بثقافتها، والمجاهرة بدينها، وإقامة شعائرها، واستعمال لغتها بالاشتراك مع أبناء جماعتها الآخرين، (م 27).
3. عدم سجن أي إنسان عاجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي (م 11).
4. حق الأشخاص الذين يحرمون من حرياتهم بأن يعاملوا معاملة إنسانية وبما يتفق مع كرامتهم الإنسانية (م 10).
5. حق كل طفل في أن تكون له جنسية ،وحقه على أسرته والمجتمع والدول باتخاذ تدابير الحماية التي يتطلبها كونه قاصراً (م 24).
6. عدم جواز إبعاد الأجنبي إلا وفقاً للقانون (م 13).
7- إلزام الدول الأعضاء في العهد بأن تحظر قانوناً أية دعاية للحرب أو أية دعاية للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، أو تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف،
(م 20).
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن الحقوق الواردة في هذا العهد هي حقوق تقليدية قديمة، وهي حقوق سلبية يتطلب إعمالها أساساً عدم التدخل من قبل الدولة، ويمكن تطبيقها في الحال بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي أو المادي للدولة.
إضافةً الى ذلك يمكن الاشارة إلى بعض الملاحظات التي تؤخذ على هذه الاتفاقية
1. أشارت بعض النصوص بالقول يتمتع الإنسان بالحقوق والحريات المعترف بها، بينما نصوص أخرى أوردتها بالحقوق والحريات الأساسية. في حين لم يوضح ما هو الفرق بين الحقوق والحريات المعترف بها عن الحقوق والحريات الأساسية إن كان هناك فرقاً.
2. اعتبر ما ورد فيه من الحقوق والحريات الأساسية الحد الأدنى الذي يتمتع بها الإنسان . وهذا يعني أن للدول أن تمنح من الحقوق والحريات ما يزيد على ما ورد بالعهد، ولكن ليس لها التقليل منها.
3. أجازت هذه الاتفاقية للدول الأعضاء وبحجة الحالات الاستثنائية كحالات الطوارئ التي يعلن فيها بشكل رسمي إلى اتخاذ بعض الإجراءات وإن كانت تتعارض مع التزاماتها وفقاً للاتفاقية الدولية، وقامت بانتهاك حقوق الإنسان من خلالها.
4. رغم أن الاتفاقية حرمت الدول الأعضاء من المساس ببعض الحقوق واعتبرتها من الحقوق الجوهرية التي لا يبيح تعطيلها أو الخروج عليها، إلا أن ذلك لم يمنع أعضاء بعض الأنظمة التسلطية ولا سيما في دول العالم الثالث وتحت اعتبارات أمنية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعية لحرمان مواطنيها من التمتع بالحقوق وممارسة الحريات.
5. إن عدم وجود آلية لتنفيذ أحكام هذا الميثاق، وغياب العقوبات والطبيعة غير التنفيذية لأحكامها، وقابلية معظمها للتعليق أثناء حالة الطوارئ، أدت كلها إلى الحد من فعالية أحكام الميثاق على الرغم من أنه يشكل أداة قانونية ملزمة للدول الأطراف .
خلاصة القول أن الحقوق المدنية والسياسية التي نص عليها العهدان كانت كلاسيكية وقديمة، إلا أنها أصبحت تتمتع بخصائص وبطبيعة مختلفة عن تلك المستقرة في الكتابات التقليدية سواءً أكانت فلسفية أم قانونية، وهو تطور يتسق بالضرورة مع تطور المفاهيم الفلسفية والقانونية ومع التغيرات التي لحقت بالحياة الاجتماعية والإنسانية عموماً
ورغم أهمية هذه الحقوق وضرورتها والتي دفعت بالأمم المتحدة إلى عقد هاتين الاتفاقيتين بهدف وضع المبادئ المعلنة في وثيقة الإعلان العالمي موضع التطبيق العملي . إلا أن هذا الهدف لا زال يراوح مكانه، بل يمكن القول أن التطبيق العملي جاء متناقضاً مع ما ورد ، وبالأخص بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991، مما مكن الولايات المتحدة الأميركية الهيمنة على العالم، وقيامها بانتهاك مبادئ حقوق الإنسان في العديد من دول العالم وزجها لآلاف الأبرياء في السجون وقيامها بتعذيبهم بشكل وحشي يندى له الجبين الإنساني، وخاصةً في كلٍّ من أبو غريب في العراق وغوانتنامو في خليج كوبا
ثانياً: طبيعة الالتزامات القانونية الناتجة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
تعتبر الحقوق المدنية والسياسية حقوقاً سلبية يتطلب إعمالها أساساً امتناع الدول عن التدخل أو الاعتراض على تمتع الأفراد بها وممارستهم لها. لذا فإن الالتزامات الناشئة عن العهد هي التزامات بتحقيق غاية بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي أو المادي أو الاجتماعي للدولة
وهذا ما يبدو واضحاً للعيان في نص المادة (2 ف 2) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية".
ومن الواضح أن هذا النص بخلاف نص المادة (2 ف 1) من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، يرتب التزامات فورية على عاتق الدول الأطراف. وهي التزامات سلبية تتحقق باحترام الحقوق المحمية بموجب هذا العهد وبالامتناع عن التدخل في التمتع بها ، وذلك بتأمين احترام وكفالة هذه الحقوق في الحال من جانب الدول الأطراف ومن جانب الغير واتخاذ التدابير الضرورية لبلوغ هذه النتيجة سواءً بالامتناع عن التدخل أم بالقيام بعمل متى كان ذلك ضرورياً لبلوغها. ومن الواضح أنه لم يرد في العهد ما يفيد وجوب إعمال الحقوق المقررة فيه "خلال وقت معقول" كما ذهبت إلى ذلك بعض الدول
ولكن هذه الصورة لالتزام الدول الأطراف في هذا العهد ليست مطلقة. لذا لم يستبعد فكرة الالتزامات التدريجية أو البرنامجية نهائياً. فكما الخط الفاصل بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى ليس صارماً تماماً. فهناك أحكام مشتركة بينهما ومساحة تختلط بها هذه الحقوق، كذلك يكون الحال بين التطبيق الحالي أو الفوري للحقوق المدنية والسياسية والتطبيق التدريجي أو البرنامجي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإنها ليست أمراً صارماً ولا يتوجب أن ينظر إليها بمنظار جامد.
لا بد من الإشارة إلى أن هنالك حقوقا مدنية وسياسية من الصعب إعمالها في الحال بسب الوضع الاقتصادي للدولة، ومن أمثلة ذلك حق كل طفل في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر (م 24 ف أ)، ومعاملة السجناء معاملة تستهدف إصلاحهم وتأهيلهم (م 10 ف 3).
كما أنه في المقابل هناك العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن تطبيقها في الحال ولا تحتاج إلى الاعتماد على الوضع الاقتصادي للدولة، مثال ذلك الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها (م 8 ف 1/أ)، والحق في الإضراب (م 8 ف 1/د)، وحظر تشغيل الأطفال في أعمال مؤذية (م 10/ف 3)، واحترام حرية الآباء في اختيار مدارس لأبنائهم خلاف مدارس الدولة (م 13/ ف 3)، واحترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي والفكري (م 15/ ف 3)
ثالثاً: الإشراف والرقابة الدولية على تنفيذ العهد وتقييمه:
نصت المواد (28-45) من العهد على كيفية الإشراف والرقابة على تنفيذ العهد. فقد جاءت في نص المادة (28) من (الجزء الرابع) على إنشاء لجنة دولية تسمى بـ (لجنة حقوق الإنسان) مؤلفة من ثمانية عشر عضواً من مواطني الدول الأطراف في العهد
وتقوم هذه اللجنة بممارسة اختصاصاتها من تلقي تقارير الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ومناقشتها. وبحث شكاوي الدول الأطراف في الاتفاقية واتخاذ ما يلزم بخصوصها . وأخيراً النظر في شكاوي الأفراد الذين يدعون أن حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية قد انتهت وذلك عن طريق ثلاثة وسائل وهي ):
1. وسيلة رقابة الأجهزة الدولية:
وتتم هذه الرقابة عن طريق التقارير والقرارات التي تقدمها الأجهزة الدولية المتمثلة بـ(لجنة حقوق الإنسان، والأمانة العامة للأمم المتحدة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والوكالات المتخصصة والتقارير التي تقدمها الدول الأطراف في العهد ،كما نصت على ذلك المادة (40) من العهد بأنه على الدول الأطراف أن تتعهد بوضع تقارير عن الإجراءات التي اتخذتها لتأمين الحقوق المقررة في العهد وإلى أي مدى تتم تطبيق هذه الحقوق لديها، وأية بيانات عن التقدم الذي تم في مجال احترام حقوق الإنسان أو أية معلومات أخرى يمكن إدراجها في التقرير.
تقدم التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة والذي بدوره يحيلها إلى اللجنة (لجنة حقوق الإنسان) للوقوف على الصعوبات التي تؤثر في تطبيق العهد، إن وجدت. ويجب أن تقدم خلال سنة من تاريخ نفاذ العهد، وفي أي وقت تطلبها لجنة حقوق الإنسان. كما يجوز أن يحيل الأمين العام بعد تشاوره مع اللجنة إلى الوكالات المتخصصة نسخاً من أجزاء تلك التقارير التي تقع ضمن اختصاصها. وبعد دراسة هذه التقارير من قبل اللجنة تقوم بإحالة تقاريرها وما تراه مناسباً من التعليقات العامة إلى الدول الأطراف، كما ولها أن تحيل تلك التعليقات والتقارير إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولتلك الدول أن ترد إلى اللجنة بملاحظاتها على تلك التعليقات.
ان أسلوب التقارير المتبع في هذا النوع من الرقابة هو أسلوب فعّال لحماية حقوق الإنسان بشرط أن تلتزم الدول بها بصورة جدية ، وبالتالي لا تكون هناك حاجة إلى وسيلة أخرى لفرض هذا الاحترام والالتزام ، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك لأنه كما ذكرنا أن الدول الأطراف هي التي ترفع هذه التقارير إلى اللجنة المختصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية ما يعني أنها ستكون حرة في تنظيم التقارير بما يلائم مصالحها ، ويعكس انطباعاً جيداً عن التزامها باحترام حقوق الإنسان، إذ من غير المعقول أن تدرج الدولة في هذه التقارير أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان على أراضيه
أن تشكيل هذه اللجان التي تتولى تلقي التقارير من الدول الأطراف يكون من قبل خبراء هذه الدول الذين يمارسون مهامهم في هذه اللجان كأعضاء بصفتهم الشخصية وليس كمندوبين عن دولهم، ومن حيث المبدأ يشكل ذلك ضمانة لعدم خضوع هذه اللجان للضغوط السياسية للدول. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل أن هذه اللجان لا تتأثر بضغوط الدولة فعلاً؟ وهل أن هذه اللجان سوف لا تحابي دولة معينة وتستر على انتهاكها لحقوق الإنسان أو عدم الالتزام بما ورد في نصوص الاتفاقية الدولية؟ كما أن ولاء العضو في اللجنة هل سيكون للجنة أم للدولة التي ينتمي لها بالجنسية؟ كل تلك الأمور لها دور كبير في تقليل فاعلية هذه اللجان
كما أن هذه اللجان لا تصدر أي قرارات ضد الدولة غير الملتزمة باحترام حقوق الإنسان وإنما فقط تكتفي بإصدار مجموعة ملاحظات وتوصيات تُبلغ إلى الدولة وتضمنها تقريرها السنوي الذي يرفع إلى كل من الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي كما إن هذه التوصيات تعاني بدورها من غياب إجراءات المتابعة مما يضعف من فاعلية نظام الرقابة ما يعني خلو النظام الرقابي من أي جزاء في حالة انتهاك حقوق الإنسان سوى ضغوط الرأي العام العالمي المتمثل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية
2. وسيلة نظام التبليغات (الشكاوي)
تتم هذه الرقابة عن طريق تقديم الشكوى من دولة طرف في العهد ضد دولة أخرى طرفاً في العهد أيضاً ، لخرقها لبعض الأحكام الواردة في العهد إلى لجنة حقوق الإنسان. وذلك بعد فشلها في المحاولات التي قامت بها مع تلك الدولة.
وكما جاء في نص المادة (41) من العهد ، بأنه لا يمكن أن تقبل هذه الشكوى المقدمة من قبل دولة طرف في العهد ضد دولة أخرى طرف في العهد ، لعدم تقيدها بالالتزامات المنصوص عليها من قبل اللجنة (لجنة حقوق الإنسان) إلا إذا كانت هاتان الدولتان قد سبق أن أعلنتا قبولهما المسبق باختصاص اللجنة للنظر في هذا الادعاء ، مما يعني تعليق اختصاص اللجنة هنا على إرادة الدول
كما وضحت المادة (41) من العهد أنه يجوز للدولة المدعية ضد دولة أخرى طرفاً في العهد ، أن تقوم بلفت نظر الطرف الآخر غير الملتزم بتنفيذ نصوص الاتفاقية عن طريق تبليغ خطي، وعلى الدولة التي تتسلم التبليغ أن تقدم للدولة التي بعثت به تفسيراً أو بياناً خطياً خلال ثلاثة أشهر من تاريخ استلامها مبينة فيها الإجراءات التي اتخذتها بهذا الشأن. فإذا لم يتم تسوية الأمر بما يرضي الطرفين في خلال ستة شهور. كان لأي من الدولتين الحق في أن تحيل الأمر إلى لجنة حقوق الإنسان، وتبحث اللجنة في حقائق المسألة بعد أن تتأكد من استيفاء الحلول المحلية، ومن ثم تقدم مساعيها الحميدة بغرض الوصول إلى حل ودي على أساس احترام حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهد.
أما إذا لم تتوصل إلى حل، فإن تقريرها يقتصر على بيان موجز للوقائع ترفق به المذكرات الخطية وسجلاً بالمذكرات الشفوية المقدمة من الدول الأطراف ويبلغ التقرير إلى الدول المعنية. لذا فإن هذه اللجنة لا تعتبر هيئة قضائية أو سلطة عليا إذ تقتصر وظيفتها على التوسط دون الحكم
3. وسيلة نظام التظلمات الفردية:
على الرغم من أن الأفراد هم أساساً محلاً لهذه الاتفاقية لحماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية، إلا أنه لم يرد نص في الاتفاقية بخصوص شكاوى الأفراد ضد الانتهاكات التي تتعرض إليها حقوقهم وحرياتهم. وهذا ما دفع بالجمعية العامة إلى الموافقة على بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أقرت فيه الدول المصدقة عليه باختصاص لجنة حقوق الإنسان النظر في التظلمات الفردية المقدمة من قبل الأفراد ضحايا الأنظمة التي تنتهك حقوقهم ما يعني أن هذه الوسيلة تطبق فقط على الدول التي صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق، وبالتالي فإنه لا يقبل تظلمات الأفراد ضد دولهم أمام لجنة حقوق الإنسان المشكلة بموجب العهد، حتى إذا كانت حقوقهم منتهكة إلا إذا كانت الدولة قد قبلت بصلاحية اللجنة بمثل هذا الأمر وصدقت على البروتوكول الملحق بالعهد ، وهذا البرتوكول لا يصبح نافذاً إلا بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع وثائق التصديق من قبل عشر دول. على الأقل. وقد استوفى ذلك الشرط وأصبح نافذ المفعول. وبناءً عليه فقد لقيت لجنة حقوق الإنسان المشار إليها أعلاه العديد من تظلمات الأفراد ضد دولهم والادعاء بخرق نصوص العهد وانتهاك حقوقهم بعد أن استنفذوا كل الحلول المحلية المتاحة وفقاً للمادة (2) من البروتوكول.
ولعدم إساءة استعمال هذا الحق من قبل الأفراد فقد وضعت اللجنة بعض القواعد الإجرائية لتقديم التظلم ، ومن هذه الإجراءات عدم قبول التظلم إذا رأت فيه اللجنة إساءة استعمال الحق أو إنه لا يتماشى مع نصوص العهد وفقاً للمادة (3) من البروتوكول. وتقوم اللجنة بإبلاغ التظلم إلى الدولة المتظلم منها والتي عليها أن تجيب خلال شهرين عن طريق تقديم بيانات كتابية توضح فيها الأمر وعلى اللجنة أن تعقد اجتماعات مغلقة أثناء بحث التظلم وتبعث بوجهات نظرها إلى الدولة المتظلم منها وإلى الشخص المعني وفقاً للمادة (5) من البروتوكول.
وعلى لجنة حقوق الإنسان أن تقدم تقريراً سنوياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تضمنه نشاطاتها بموجب هذا البروتوكول وكيفية معالجتها وتصرفاتها بشأن تظلمات الأفراد الذين يدعون بأنهم ضحايا انتهاك الدول لحقوقهم وذلك عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي
وهكذا نرى وفي ضوء صكوك حقوق الإنسان المعتمدة دولياً، وفي الأوضاع الاعتيادية، لا تتجاوز آليات التطبيق الدولي لحقوق الإنسان وحمايتها المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها عن تقديم التقارير وفحصها وإبداء الملاحظات عليها، وتقديم الشكاوى من دولة ضد دولة، والتوفيق، وتقديم الشكاوى من الفرد ضد دولته، وعرض النزاع على محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية
إضافةً إلى ما ذكرناه من أسباب ضعف هذه الوسائل والتي حدّت من فاعلية الرقابة الدولية على تطبيق الاتفاقية. فهناك أسباب أخرى تظهر لنا من خلال التمعن في بعض نصوص هذه الاتفاقية،مثال ما جاء في نص المادة (2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من التزام الدول الأطراف بأن تكفل لكل شخص خاضع لولايتها حق اللجوء إلى القضاء الوطني أو إلى جهة إدارية أو أي جهة أخرى حسب تشريع الدولة. وذلك لإنصافه من أي اعتداء على الحقوق والحريات المقررة له في القانون أو الاتفاقية المعنية سواءً كان الاعتداء صادرا من أشخاص عاديين أم أشخاص يعملون بصفة رسمية. ما يعني إعطاء الحق لجهات غير قضائية (إدارية أو سياسية) النظر في الطعون التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة داخل الدولة أي إعطاء هذا الاختصاص لجهات سياسية والتي هي جهات لا يتوافر فيها الاستقلال والموضوعية وعدم التحيّز وبهذا يكون (الخصم والحكم معاً) ذلك لكونها الجهة التي ينسب إليها عادةً الإخلال بحقوق الإنسان وانتهاكها ، وخير ما يوضح ذلك ويعطي دلالته هو فشل المقترحات المقدمة بإدراج نص يتحدث عن محكمة (وطنية مستقلة) في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يتولى اختصاص النظر في انتهاكات حقوق الإنسان
ومما يقلل من دور وفعالية الاتفاقيات الدولية في حماية حقوق الإنسان بدرجة كبيرة (التحفظات التي تبديها الدول الموقعة عليها وقد أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المدنية والسياسية إلى تأثير التحفظات على الاتفاقية في التعليق العام لها. وإن تزايد عدد هذه التحفظات قد يؤدي إلى إضعاف تنفيذ العهد تنفيذاً فعالا
إن الإشكالية لا تنشأ من خلال الجانب الكمي أو العددي بل تنشأ مما قد تحدثه تلك التحفظات من آثار (فهي قد تعمل على تقطيع أوصال المعاهدة بصورة كبيرة مما يؤدي بالنتيجة إلى إفراغ الحماية الدولية لحقوق الإنسان من مضمونها)
ومن الملاحظ هنا أنه إلى جانب تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الطابع العالمي العام والتي تناولت في مضمونها تنظيم قضايا حقوق الإنسان بصيغةٍ عامة، كان للأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة مباشرةً أو من خلال بعض الأجهزة الفرعية التابعة لها دور بارز في إيجاد تنظيم قانوني لمسائل ذات صلة بحقوق الإنسان.
ولضيق المجال لا يسعنا التطرق إلى هذه الاتفاقيات بالتفصيل، وسوف نكتفي بذكر عناوين أهم هذه الاتفاقيات:
أ. اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس الصادرة في 9/12/1948 والسارية المفعول بتاريخ 12/1/1951.
ب. اتفاقية منع الإتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الصادرة في 5/12/1949 والسارية المفعول بتاريخ 25/7/1951.
ج. اتفاقية أوضاع اللاجئين الصادرة في 28/7/1951 والسارية المفعول بتاريخ 22/4/1954.
د. اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة الصادرة بتاريخ 25/12/1952 والسارية المفعول بتاريخ 7/7/1954.
ه. البروتوكول المعدل لاتفاقية منع الاستعباد المبرم في 23/10/1953 والساري المفعول في 30/4/1957.
و. الاتفاقية الخاصة بأوضاع عديمي الجنسية الصادرة في 28/9/1954 والسارية المفعول بتاريخ 6/6/1960.
ز. اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة الصادرة في 29/1/1957 والسارية المفعول بتاريخ 11/8/1958.
ح. اتفاقية تحريم عمل السخرة الصادرة في 25/6/1957 والسارية المفعول بتاريخ 17/1/1959.
ط. اتفاقية إزالة التفرقة في ميدان الاستخدام والمهنة الصادرة في 25/6/1958 والسارية المفعول بتاريخ 15/6/1960.
ي. اتفاقية مناهضة العنصرية في ميدان التعليم الصادرة في 14/12/1960 والسارية المفعول بتاريخ 22/5/1962.
ك. الاتفاقية الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز العنصري الصادرة في 21/12/1965 والسارية المفعول بتاريخ 4/1/1969.
ل. الاتفاقية المتعلقة بمندوبي العمال الصادرة بتاريخ 23/6/1971 والسارية المفعول بتاريخ 30/6/1973.
م. الاتفاقية الدولية لإزالة ومعاقبة جريمة الفصل العنصري الصادرة بتاريخ 30/11/1973 والسارية المفعول بتاريخ 18/7/1976.
ن. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من الجمعية العامة في 18/12/1979 والنافذة المفعول في 3/9/1981.
س. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية المعتمدة من الجمعية العامة في 10/12/1984 والنافذة في 26/6/1987.
ع. اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الجمعية العامة في 20/11/1989 والنافذة المفعول في 2/9/1990.
ف. البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد من الجمعية العامة بتاريخ 6/10/1999.
ص. البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل حول إشراك الأطفال بالنزاعات المسلحة المعتمد من الجمعية العامة بتاريخ 25/5/2000.
ق. البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال واستغلال دعارة الأطفال والصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 25/5/2000.
اخيرا ومن خلال عرضنا لأهم تفاصيل وجزئيات هذه الشرعة الدولية ومن اطلاعنا على الجهود الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان ، يتبين لنا بأن حقوق الإنسان لها شأن هام في العلاقات الدولة باعتبارها عاملاً هاماً في الاستقرار والذي بسببه عمل المجتمع الدولي على تخصيص حقوق الإنسان بإعلان عالمي ، ومن ثم تفعيل مبادئه ونقله إلى الواقع العملي من خلال إصدار العهدين الدوليين، ولكن الواقع العملي يجعلنا نقف عند بعض المسائل والموضوعات التي تستوجب التأني والتأمل وأبرزها:
- إن التحفظات والاستثناءات التي أبدتها الدول الأطراف في العهدين وما نتج عنها من آثار سلبية لجهة إضعاف تنفيذ العهد تنفيذاً فعالاً ، دفعت بالمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا عام 1993 إلى التشديد على جميع الدول التجنب قدر الإمكان اللجوء إلى إبداء التحفظات
- هنالك عدد غير قليل من الدول التي تخشى أن تعلن مسؤوليتها عن انتهاكات الحقوق المقررة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لذا فإنها لحد الآن لم تقم بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الأول للعهد (كما هو حال معظم الدول العربية).
- أظهرت الممارسات الفعلية للمحاكم الدولية على تمسك الدول في أغلب الحالات والنزاعات المعروضة أمام هذه المحاكم بالمبادئ والأحكام الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إضافةً إلى أن أغلب القضاة في معظم دول العالم يطبقون الحقوق المعلنة في الشرعة الدولية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال تطبيق التشريعات الوطنية المتضمنة للحقوق المقررة دولياً بمقتضى الشرعة الدولية(
- لقد أجاز العهدين الدوليين على عقد العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعزز مبادئ حقوق الإنسان في الموضوعات التي تناولها العهد وبناءً على ذلك عقدت العديد من الاتفاقيات الدولية في ظل الأمم المتحدة تناولت الموضوعات التي تناولها العهد ، ومنها منع التمييز العنصري بمختلف أشكاله ومعاقبة جرائم الحرب ، ومكافحة التعذيب الجسدي ، وإلغاء عقوبة الإعدام،( ، وحماية الطفولة والمرأة ، وحماية اللاجئين وعديمي الجنسية( . إضافةً إلى الاتفاقيات الإقليمية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1950، واتفاقية الدول الأميركية لحقوق الإنسان لعام 1961، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 والميثاق العربي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1994)، حيث أن جميعها أشارت في المقدمة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما جاءت بنودها على نحو يعزز ويؤكد المبادئ والأحكام التي وردت في الإعلان أو في العهدين أو حتى في القانون الدولي لحقوق الإنسان على وجه العموم. كما أكدت هذه الصكوك على تكامل هذه الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة. فحماية الحقوق المدنية والسياسية ترتبط بالضرورة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحقوق الإنسان. فالتمتع الفعال والكامل بأي جانب من هذه الجوانب من الحقوق يتطلب التمتع بجانبه الآخر