[rtl]
[/rtl]
[rtl]
هذه الأفعى كيف تسللت؟”“: مقال المفكر المصري الراحل الكبير زكي نجيب محمود الذي فضح فيها ادعاءات الصهاينة وأثبت أن العنصرية علة كامنة عندهم وأكد أن لحظة واحدة من لحظات “العزيمة العربية” كافية لتقويض بنيانهم فوق رؤوسهم
“هذه الأفعى كيف تسللت “مقال من أخطر مقالات المفكر المصري الكبير الراحل د.زكي نجيب محمود، تم إعادة نشره في كتابه “ثقافتنا في مواجهة العصر” الصادر عن دار الشروق في تسعينيات القرن الفائت.
ولأن المعركة بيننا وبين عدونا الصهيوني معركة صفرية لا تزال على أشدها، فإننا نعرض في السطور التالية مقال الراحل المصري العظيم.
يستهل د.زكي نجيب محمود مقاله الخطير قائلا: “هل أنسى تلك الساعة الباكرة من ذلك الصباح الصيفي الجميل، ذات يوم من شهر يونيو سنة 1931،عندما نزلنا-شقيقي وأنا- في محطة اللد بفلسطين الحبيبة، نستبدل فيها قطارا بقطار،قاصدين إلى القدس لنراها لأول مرة؟
هل أنسى تلك الساعة الباكرة من ذلك الصباح الصيفي الجميل، ولم تكن الشمس قد ظهرت بعد في الأفق، إلا طلائع من نورها سبقت لتنشر في الفضاء ضوءا رماديا هو أحب أضواء السماء إلى نفسي،وكان الهواء رطبا ينعش الوجوه بلمسته الرقيقة، ولم يكن على رصيف المحطة أحد في انتظار القطار-سوانا- إلا رجل يرتدي سروالا قصيرا يبلغ إلى ما فوق ركبتيه،وقميصا فيه جيبان على الصدر منتفخان،كان معنا حقيبة، وضعناها على أرض الرصيف، ولم يكن مع الرجل شيء، أخذنا نحن نذرع الرصيف بخطوة وئيدة، جيئة وذهابا، وأخذ الرجل يذرعه في اتجاه مضاد لاتجاهنا، فكنا نلتقي معه عند نقطة يختلف وضعها كل مرة،لاختلاف السرعتين، نحن في ذهابنا وهو في جيئته، فننظر إليه بأعين مرتابة، وينظر إلينا بعين تحملق في شر وسوء، حتى وقف ذات مرة عند حقيبتنا فوقفنا،وبادرناه بتحية الصباح بالانجليزية، إذ حسبناه من القوم، لأن سمته من سمتهم،فأجاب التحية في عبوس يشيع القشعريرة في البدن، وبدأت بسؤاله:
بريطاني أنت، أليس كذلك؟
فأجاب : لا
فسألته: وماذا تكون قوميتك اذن؟
فأجاب: يهودي، فقلت في دهشة السذاجة البريئة:
إنني لم أسألك ما عقيدتك في الدين، بل سألتك ما قوميتك؟
وهنا قال: نعم يهوديتي هي قوميتي..تبادلت مع شقيقي نظرات التعجب، وصمتنا وصمت، وجاء القطار، فاتخذنا منه مكاننا إلى القدس″.
“ولم نكد نخلو إلى أنفسنا في القطار، حتى تبادلنا السؤال والجواب فيما رمى إليه الرجل بقوله ان يهوديته هي قوميته، ولكن هل كان في علمنا عندئذ ما يلقي لنا الضوء؟”.
وتابع د.زكي قائلا: “لا هكذا بذرت البذرة الأولى في رأس الصهيوني، فلكي نزداد فهما للرواية بكل فصولها، فلنفهم الصهيونية على أنها حركة استعمارية نشأت مع جميع الحركات الاستعمارية الأوروبية في وقت واحد،وإن اختلفت الدوافع والأهداف، فإذا كان المستعمرون الآخرون يريدون ثراء وتجارة وتسلطا، فالصهيوني في استعماره يريد وطنا يحوله فيما بعد إلى دولة، ولاحظ أنني أقول “يحوله فيما بعد” لأنه بادئ ذي بدء لم يجرؤ أن ينطق ولو مرة واحدة على الملأ بأنه يريد فلسطين العربية ليجعل منها “دولة “يهودية، لأنه خشي المقاومة، فاكتفى في البادية بقوله إنه يريد فلسطين العربية “وطنا له”،فها هنا تقل المقاومة، لأن الوطن الواحد قد يسعه ويسع الأكثرية العربية، كما يكون البلد الواحد في سائر أقطار الأرض “وطنا” للاقليةو الأكثرية على السواء،أما إذا أعلنت أقلية ما في أرض ما بأنها تريد أن تجعل من نفسها دولة ،فعندئذ تكون المقاومة،وأدرك المستعمر الصهيوني ذلك،فلم يعلن نيته عن الدولة ،واكتفى برغبته في “وطن””.
الأفعى
وتابع د.زكي نجيب محمود: “الصهيونية حركة استعمارية، فيها مقومات الحركات الاستعمارية التي أنبتتها، ثم زادت عليها أنها تخفت في جبن، وخبثت في نذالة، فهي الأفعى تسللت مقنعة بعنصر ودين، ولو كان العنصر والدين قوام الصهيونية-مجردا من الاستعمارية- لاتخذت الصورة نفسها التي تتخذها مشكلات العنصرية والأقليات الدينية وهي على وجه الأرض كثيرة.
ثم لم تترك الصهيونية صلتها بالاستعمار على هذه الصورة المجردة، فربطتها بمستعمر معين في ظروف معينة، هو المستعمر الذي ربط أواصر استعماره بأرض فلسطين، وأعني بريطانيا.
وهاهنا لمحت الأفعى فريستها على مبعدة فزحفت زحفا كان أوله وئيدا وكان آخره افتراسا، فلماذا لا تتعاقد الصهيونية مع بريطانيا كنا يتحالف شيطان مع زميله الشيطان على شر يدبرانه؟”.
العنصرية
يقول د.زكي:
“أما العنصرية فهي علة كامنةفي صلب الصهيونية، لأنها هي الدعامة التي على أساسها زعمت أن لها كيانا ائما بذاته، فإذا كانت الجماعات في مختلف جهات الأرض يربط أفرادها لغة أو حضارة أو تاريخ أو وحدة اقتصادية أو وحدة ثقافية أو غير ذلك من العوامل التي تربط الأفراد في جماعة، فإن إسرائيل وحدها دون خلق الله جميعا هي التي لا يرتبط أفرادها بشيء من ذلك،وإنما تتخذ رباطها من عنصريتها”.
ويرى د. زكي نجيب محمود أن من مبادئ الصهاينة مبدأ التوسع على حساب الآخرين، بتخطيط مدبر في الخفاء، مشيرا إلى أنهم كما اخذوا يدبرون سطوهم على فلسطين العربية خطوة فخطوة، حتى أصبح الوهم حقيقة في أعينهم، مضوا في تدبيرهم للتوسع في أرض جيرانهم، ومبدؤهم هنا هو كمبدأهم في أي ميدان آخر، أي أنهم يخططون في ظلمة الليل، وينكرون ويكذبون إذا ما كان ضوء الصباح ويظلون كذلك إلى أن يظنوا أن الغدر قد تكاملت لهم أسبابه، فعندئذ يفاجئون ويباغتون.
وتساءل قائلا: أما إلى أي حد يريدون أن يتسع ملكهم على الأرض؟
وأجاب بأن ذلك بحسب الظروف،حتى لقد يلجأون إلى التوراة يستخرجون منها أحيانا ما ينبغي لهم أن يجدوا ملكهم إليه، لكن عبارة
“من النيل إلى الفرات “
كثيرا ما ترد في غضون أحلامهم.
واختتم د. زكي نجيب محمود مقاله قائلا: “وما دروا أن لحظة واحدة من لحظات العزيمة العربية، قد تقوض بنيانهم فوق رؤوسهم إن لم يكن اليوم، ففي الغد القريب”.
[/rtl]