مركز أبحاث الأمن القوميّ: سياسة الضبابيّة التي تركتها إسرائيل ستدفع محور المُقاومة للردّ وتزيد احتمالات الحرب الشامِلة التي ستكون حرب 73 مقارنةً معها نُزهةً
على الرغم من انشغال قادتها وأركانها في الانتخابات العامّة، التي ستجري في التاسع من نيسان (أبريل) القادم، إلّا أنّ التوتّر على الحدود الشماليّة، وتحديًا مع محور المُقاومة والمُمانعة المُكوّن من إيران، سوريّة وحزب الله، ما زال يتصدّر الأجندة في كيان الاحتلال، حيثُ تنتشِر التقارير الصحافيّة والدراسات الإستراتيجيّة التي تُحذّر من تدحرج التوتّر إلى حربٍ شاملةٍ في المنطقة، تكون حرب 1973 بمثابة نزهةٍ مُقارنةً مع ما اصطُلِح على تسميتها بـ”حرب الشمال الأولى”.
وفي هذا السياق، أصدر مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابِع لجامعة تل أبيب، والذي يرأسه الجنرال في الاحتياط، عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة سابقًا، أصدر دراسةً جديدةً حول الموضوع، شدّدّ فيها على أنّ الدولة العبريّة أعلنت مؤخرًا أنّها ستُواصِل سياستها الهجوميّة على الأراضي السوريّة وستُكثِف الهجمات إذا لزم الأمر من أجل منع التمركز الإيرانيّ المُعادي في سوريّة، وإحباط عمليّات نقل الأسلحة الإستراتيجيّة من إيران إلى حزب الله.
ورأت الدراسة أنّ هذا الإعلان الإسرائيليّ يهدف إلى التوضيح بأنّ وجود إيران ونشاطها في سوريّة هما خط أحمر لا تنوي إسرائيل الانسحاب منه، وذلك على الرغم من القيود التي تفرضها روسيا على إسرائيل وعملية انسحاب الجيش الأمريكيّ من بلاد الشّام، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ التصريحات العلنيّة هي العكس تمامًا لسياسة الضبابيّة التي تآكلت على مدار العامين الماضيين.
وأوضحت الدراسة الإسرائيليّة الإستراتيجيّة أنّ الصعوبة الكامِنة في مثل هذه السياسة تتمثل في أنّها قد تُسهِم في خفض عتبة ردّ العدوّ، وتُلزِم إسرائيل بالاستمرار في تكرار الهجمات، حتى من أجل الحفاظ على مصداقية الردع وإظهار حرية العمل الإسرائيليّة، وبالتالي، جزمت الدراسة، فإنّ احتمال التصعيد إلى حربٍ واسعةٍ سيزيد، وبالإضافة إلى ذلك، أكّدت على أنّ مثل هذه التصريحات قد تُثير مُعارضةً في الساحة الدوليّة، والتي من شأنها سدّ الطريق أمام إسرائيل للمُناورة.
لذلك، شدّدّت الدراسة، يبدو أنّ أوجه القصور في مثل هذه السياسة التصريحية تفوق مزاياها، مُشيرةً في الوقت ذاته إلى أنّ منع التهديد الإيرانيّ لإسرائيل من سوريّة يُبرّر اتخاذ المخاطر، ولكن في سياق إدارة المخاطر، ومن الأفضل أنْ تحتفظ إسرائيل بمظهرٍ إعلانيٍّ مُنخفضٍ، مُضيفةً أنّ تسوية الهجمات التي لها تأثير ماديّ على تحقيق أهدافها الإستراتيجيّة، وفقًا لاعتبارات المخاطر والمزايا، والامتناع عن شنّ هجماتٍ تهدف إلى إظهار حريّة العمل الإسرائيليّة، على حدّ تعبير الدراسة الإسرائيليّة.
وأوضحت الدراسة أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والقائد العّام السابِق لجيش الاحتلال، الجنرال احتياط غادي آيزنكوط، هما اللذان قاما بكسر قواعد اللعبة فيما يتعلّق بسياسة إسرائيل الضبابيّة، خلال مُقابلاتٍ أدليا بها في الفترة الأخيرة، كما أنّه، أضافت وخلال زيارته لفرنسا، قال الرئيس ريوفين ريفلين لمضيفيه إنّ إسرائيل تعمل في سوريّة ضدّ ترسيخ إيران ونقل المعركة ضدّ حزب الله في لبنان هو جزء من حقّ الكيان في الدفاع عن النفس. ولفتت الدراسة إلى أنّ نقل رسالة إلى لبنان، عبر فرنسا، تفيد بأنّ إسرائيل ترى أنّ مشروع صواريخ حزب الله الدقيقة في لبنان يُشكّل تهديدًا خطيرًا لأمنها، وأنها ستعمل على إزالته إذا رأت ذلك مناسبًا، طبقًا لما ورد بالدراسة.
أمّا عن أسباب توقيت الإعلانات، فرأت الدراسة أنّها نابعة من حاجة إسرائيل للتوضيح لجميع اللاعبين في الساحة أنّها قد زادت من خطوطها الحمراء في سوريّة، ومن الواضح، تابعت، أنّ التصريحات تهدف إلى زيادة الصراع بين سوريّة وروسيا وإيران، حتى تغادر إيران سوريّة لأنّه طالما أنّ هذا البلد العربيّ يُشكّل أرض معركةٍ بين إيران وإسرائيل، فإنّ النظام السوري في خطر، واستدركت قائلةً إنّ التصريحات الإسرائيليّة أثارت ردود فعلٍ حادّةٍ في إيران، والتي شملت تهديدات، بما في ذلك التهديد باستخدام الصواريخ الدقيقة.
ورأت الدراسة أيضًا أنّ الأحداث الأخيرة والتصريحات الإيرانيّة الداعية إلى تدمير إسرائيل تؤكّد بوضوحٍ مدى خطورة التهديد الإيرانيّ لإسرائيل والحاجة إلى إحباطها، في مجموعة متنوعة من الوسائل والمجالات. ومع ذلك، يبدو أنّ التصريحات الإسرائيليّة ليست فعالّةَ وقد تزيد من مخاطر التصعيد وتضيق نطاق المناورة الإسرائيليّة في المنطقة السوريّة، حيثُ ينظر الجانب الآخر إلى تصريحات إسرائيل بأنّها إذلال، وبالتالي قد تزيد الضغط على قادتها للردّ.
كما قالت إنّ التصريحات الإسرائيليّة ستزيد من معارضة روسيا للإجراءات الإسرائيليّة في سوريّة وتزيد من تقليص نطاق العمل الذي يتّم فيه التفاهم بين البلدين، مُشدّدّةً على أنّ الصراع بين إسرائيل وإيران متعدد الأوجه ويبدو بعيدًا عن النهاية ، لذا يُنظر إلى النجاح العام على أنه مبكر جدًا، خاصةً وأنّ إيران لا تزال تحتفظ بوجودٍ عسكريٍّ في سوريّة، وتعمل أيضًا على تحسين قدراتها على العمل من لبنان والعراق.
واختتمت أنّ التهديد الذي تُشكلّه الحشود العسكريّة الإيرانيّة في سوريّة لإسرائيل يُبرر سياسة الردع والمخاطرة، ولكن في إطار إدارة المخاطر، يجب على إسرائيل الحفاظ على صورةٍ تعريفيّةٍ مُنخفضةٍ، وأنْ تكون أكثر انتقائيةً في مهاجمة الأهداف