( لجنة التحقيق الأنكلو – أمريكية)
كان صدور كتاب ماكدونالد* الأبيض في 17/5/1939 مؤشراً على استنفاد الصهيونية للدور البريطاني في خدمة أهدافها في فلسطين. وكان واضحاً أن كتاب الأبيض. رغم ما قوبل به من رفض عربي، لا يماشي الأهداف الصهيونية، وخاصة لتحديده الهجرة اليهودية إلى فلسطين خلال السنوات الخمس التي تلي سنة إصداره بخمسة وسبعين ألف نسمة فقط، ووضعه قيوداً على عمليات انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود.
وكان هذا الكتاب الأبيض محاولة واضحة من بريطانيا لامتصاص النقمة العربية التي تفاقمت بعد فشل مؤتمر لندن* لحل القضية الفلسطينية (7/2 -17/3/1939)، لكنه لم يحل دون أن تحقق الصهيونية أهدافها. فقد أدى نشوب الحرب العالمية الثانية وتسلم تشرشل المعروف بميوله الصهيونية لمقاليد الحكم في بريطانيا (أيار 1940)، وخمود الثورة الفلسطينية بعد أن استنزفت قوتها وتعرض قادتها للتصفية والملاحقة، ولجوء الصهيونية إلى العنف في مواجهة الانتداب البريطاني وقيام منظمات الهاغاناه* والتشيرن* والإرغون تسفاي لئومي* الصهيونية بسلسلة من أعمال العنف ضد الحكومة البريطانية وسلطات الانتداب، أدى ذلك كله إلى تمكين الصهيونية من مواصلة تحقيق أهدافها في فلسطين.
ولم يحل الكتاب الأبيض لعام 1939 دون أن تستمر بريطانيا في تقديم العون والتسهيلات اللازمة لليهود في فلسطين. وكان في مقدمة ذلك تأليف اللواء اليهودي*عام 1944 واستمرار تدفق الهجرة الصهيونية إلى فلسطين*.
ولم يحل الكتاب الأبيض لعام 1939 دون أن تستمر بريطانيا في تقديم العون والتسهيلات اللازمة لليهود في فلسطين. وكان في مقدمة ذلك تأليف اللواء اليهودي* عام 1944 واستمرار تدفق الهجرة الصهيونية إلى فلسطين*.
وخلال الفترة الممتدة من صدور الكتاب الأبيض وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة الأمريكية منها قوية ظافرة أخذت الحركة الصهيونية تراهن على الحصان الأمريكي إحساساً منها بداية نهاية الدور البريطاني في خدمة الحركة الصهيونية. وقد ركزت الحركة الصهيونية نشاطاتها لكسب الولايات المتحدة لتكون بديلاً عن بريطانيا في خدمة الأهداف الصهيونية مستثمرة المطامع الأمريكية في المنطقة العربية مستغلة في الوقت نفسه حاجة بريطانيا إلى المساعدات الأمريكية بعد أن خرجت من الحرب مهيضة الجناح مدمرة الاقتصاد.
وكان مؤتمر بلتمور في نيويورك (رَ: برنامج بلتمور 1942) البدابة العلنية للتحرك الصهيوني باتجاه الولايات المتحدة بعد محاولات مستمرة تمكنت خلالها الحركة الصهيونية من التغلغل في مراكز القوى في الإدارة الأمريكية (رَ: الولايات المتحدة الأمريكية) وقد استمر هذا التحرك في التنامي على مختلف الصعد حتى وصل إلى قمة إنجازاته بتولي الرئيس ترومان الحكم في الولايات المتحدة عام 1945.
ظهرت أول استجابة أمريكية رسمية وعلنية كاملة للضغوط الصهيونية في 31/8/1945 حين طلب ترومان من رئيس وزراء بريطانيا كليمنت اتلي السماح بإدخال مائة ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين. وقد استغلت بريطانيا هذا الطلب، رغم معارضتها الظاهرة للتدخل الأمريكي فيما اعتبرته من شؤونها الخاصة، فسعت للحصول على المساعدات الأمريكية. ووجدت في الوقت نفسه أن هذا التدخل الأمريكي سيتيح لها التخلص من الانتداب الذي حققت هي والصهيونية الغرض منه فاقترحت على لسان وزير خارجيتها بيفن (14/11/1945) إرسال لجنة تحقيق إنكليزية – أمريكية مشتركة تكون الرئاسة فيها دورية لبحث مسألة يهود أوروبا، والقيام باستعراض آخر لمشكلة فلسطين. وحدد بيان بيفن عمل اللجنة على النحو التالي:
1) فحص الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، وتأثيرها على الهجرة والاستيطان اليهوديين.
2) فحص حالة اليهود في الأقطار الأوروبية حيث كانوا ضحية للاضطهاد النازي والفدائي، والتدابير التي اتخذت أو المنوي اتخاذها لإنقاذهم، وتقدير عدد الذين يودون منهم الهجرة إلى فلسطين أو غيرها من الأقطار.
3) سماع آراء الشهود من ممثلي العرب واليهود بشأن مشكلات فلسطين وعلاقاتها بأحوال اليهود، وتقديم التوصيات لحكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لمعالجة هذه المشكلات.
بدأت اللجنة عملها في 4/1/1946 في واشنطن وسط جو من الضغوط الصهيونية المحمومة. وعقدت عدة جلسات لم تسمع فيها كلمة واحدة تمثل وجهة النظر العربية. ثم اتجهت اللجنة إلى لندن حيث بدأت عقد جلساتها في 25 كانون الثاني وسط جو مماثل من التطرف الصهيوني. وفي 4/2/1946 انقسمت اللجنة إلى عدة لجان لزيارة مختلف الدول الأوروبية بحجة الاطلاع على أوضاع اللاجئين اليهود في كل من ألمانيا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وإيطاليا واليونان. واستمرت هذه الجولات حتى 28 شباط حين اتجهت اللجنة إلى القاهرة واستمعت إلى وجهة نظر جامعة الدول العربية بلسان أمينها العام عبد الرحمن عزام. ثم توجهت اللجنة إلى فلسطين ولبنان وسورية والمملكة العربية السعودية والعراق وشرق الأردن.
وفي فلسطين اجتمعت اللجنة العربية العليا لفلسطين* التي أدلت بشهادتها وقدمت تقريراً ضافياً يشرح مراحل القضية الفلسطينية ومطالب الشعب العربي الفلسطيني، في حين قاطع اللجنة حزب الكتلة الوطنية* وعصبة التحرر الوطني* وبعض الشخصيات الفلسطينية.
غادرت اللجنة فلسطين في 28/3/1946 متوجهة إلى سويسرا حيث عكفت على كتابة تقريرها الذي أصدرته في 20/4/1946.
جعلت اللجنة تقريرها في مقدمة وعشر توصيات وبعض الملاحق. وجاءت كل توصية مشفوعة بتعليق. وفيما يلي موجز لأهم هذه التوصيات.
1) المعضلة الأوروبية: لا يمكن الاعتماد على فلسطين وحدها في حل مشكلة اللاجئين اليهود، ويبدو أن الأكثرية الساحقة منهم ستبقى في أوروبا. ولذا فإن اللجنة توصي كلاً من بريطانيا وأمريكا بالسعي لإيجاد مساكن جديدة لليهود، والسعي لضمان أحكام ميثاق الأمم المتحدة.
2) هجرة اليهود إلى فلسطين: دعت اللجنة إلى إصدار إجازة سريعة تتيح لليهود الهجرة إلى فلسطين. وقدرت العدد المطلوب السماح له بمائة ألف مهاجر (وهو الرقم الذي كان يطالب به ترومان).
3) لا دولة عربية ولا دولة يهودية: رفضت اللجنة فكرة أن تكون فلسطين دولة يهودية أو دولة عربية، وقالت أن الشكل النهائي للحكم يجب أن يضمن مصالح الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية.
4) الانتداب ووصاية الأمم المتحدة: استمرار الانتداب البريطاني إلى أن يتم الاتفاق على تنفيذ وصاية الأمم المتحدة.
5) سياسة الهجرة المستقلة: مطالبة سلطات الانتداب بتسهيل الهجرة اليهودية، مع عدم الإضرار بحقوق الطوائف الأخرى.
6) سياسة الأراضي: طالبت اللجنة بإلغاء القوانين المتعلقة بانتقال ملكية الأراضي الصادرة عام 1940 (رَ: انتقال الملكية، نظام 1940) وذلك يعني إلغاء القيود التي وضعها الكتاب الأبيض على عمليات بيع الأراضي.
أما التوصيات الأخرى فهي تتعلق بالتطور الاقتصادي والتعليم والحاجة إلى استتباب السلم في فلسطين.
سارع الرئيس الأمريكي ترومان إلى الترحيب بالتقرير بعد نشره، وألف لجنة وزارية ذات سلطات واسعة لتنفيذ توصيات اللجنة، ولا سيما التوصية المتعلقة بتهجير مائة ألف يهودي حالاً. أما رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي فقد دعا إلى الأخذ بالتقرير كله لا ببعضه. وأعلنت الحكومة البريطانية عن رغبتها في التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة أعباء القضية الفلسطينية.
استقبلت الحركة الصهيونية التقرير بالترحاب، وطالبت بسرعة تنفيذ ما يتعلق بالهجرة وحرية انتقال ملكية الأراضي.
أما العرب فقد كان وقع التقرير عليهم صاعقاً وعنيفاً، فأعلنت فلسطين الإضراب العام يوم 3/5/1946، وعقدت اللجنة العربية العليا جلسة في 1/5/1946 قررت فيها رفض التقرير، وأرسلت المذكرات وبرقيات الاحتجاج، وعم السخط أنحاء البلاد العربية كلها. وقامت المظاهرات في كل من سورية ولبنان ومصر وشرق الأردن. وعقد في مصر مؤتمر أنشاص* لملوك ورؤساء الدول العربية، وعقدت جامعة الدول العربية مؤتمراً على مستوى رؤساء الوزارات وزراء الخارجية في بلودان* 8/6/1946، واتخذ الكثير من القرارات العلنية والسرية.
لكن ذلك كله لم يحل دون تنفيذ توصيات اللجنة واستمرار التنسيق البريطاني – الأمريكي في التآمر على الشعب الفلسطيني، ذلك التآمر الذي تبلور لاحقاً في مشروع موريسون* ثم في قرار التقسيم*.
المراجع:
– عبد الوهاب الكيالي: الموجز في تاريخ فلسطين الحديث، بيروت 1981.
– محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، صيدا، بيروت، 1960.
– الأمانة العامة لجامعة الدول العربية: الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين 1946 – 1951 – القاهرة.
– أميل توما: ستون عاماً على الحركة القومية العربية الفلسطينية، بيروت 1978.
– فلاح خالد علي: فلسطين والانتداب البريطاني 1939 – 1948، بيروت 1980.
– هنري كتن: فلسطين في ضوء الحق والعدل، بيروت 1970.