الديك الإسرائيلي في ليل العرب
لماذا ذهب ممثلو بعض الأنظمة العربية إلى مؤتمر وارسو؟
هل ذهبوا من أجل تأكيد المؤكد معلنين أن العالم العربي فقد وزنه السياسي، وصار مجرد تابع هامشي لا قدرة له على الفعل؟
يبدو أن ممثلي الأنظمة العربية ذهبوا إلى وارسو من أجل تحقيق هدف واحد. والحق يُقال، فإنهم نجحوا في العاصمة البولندية بشكل مُذهل يستحقون عليه التهنئة.
العرب الذين ذهبوا إلى وارسو بأمر أمريكي، امتلكوا أجندتهم الخاصة بهم والمختلفة عن الأجندة الأمريكية. الأمريكيون كانوا يريدون مشهدية كبرى في قلب أوروبا تتحدى روسيا من جهة، وموقفاً يضغط على حلفائهم الأوروبيين التقليديين في مسألة الاتفاق النووي مع إيران. أراد الأمريكيون من هذا الحشد الدولي إظهار قدرتهم على بناء تحالف دولي يدعم موقفهم من العقوبات. غير أن الديبلوماسية الأمريكية أصيبت بالفشل. الموقف الأوروبي الرافض لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني لم يتزحزح، وبدا وزير الخارجية الأمريكية وكأنه يقود سفينة مثقوبة، لا قدرة لها على فرض أمر واقع دولي جديد.
في الماضي القريب، نجح جورج بوش الأب في بناء تحالف دولي ضد العراق بعد غزو الكويت، يومها استوحى إمبراطور العالم نموذج القيصر الروماني، و«رسم خطاً على الرمال»، بعدما كرسته نهاية الحرب الباردة زعيماً على العالم.
لكن هذا الخط تبدد مع الزمن، وقام جورج بوش الابن بمحوه في جريمة غزو العراق واحتلاله، وبدأت أوهام القوة الأمريكية الآحادية تتبدد، إلى أن وصلت إلى انحطاطها الترامبي الراهن.
مؤتمر وارسو فشل بمقاييس صانعيه، فالإجماع الغربي لم يتحقق، وقيادة أمريكا «للعالم الحر» مصابة بالعطب.
ومع ذلك حقق النظام العربي، أو ما تبقى منه، هدفه من المشاركة في الهمروجة الدولية.
والسؤال هو عن الهدف العربي؟
ما قام نتنياهو بتسريبه كشف الهدفين العربي والإسرائيلي من المشاركة في المؤتمر. عرب النفط والاستبداد كانوا يريدون شيئاً واحداً، هو الإعلان عن تحالفهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. أما نتنياهو وبطانته فكانوا لا يريدون سوى صورة زعيم الليكود محاطاً بالوزراء العرب.
نتنياهو أراد أن يتديّك على العرب، وكان له ما أراد. والعرب أرادوا أن يعلنوا أنهم صاروا حلفاء إسرائيل، وأن قضية فلسطين لم تعد تعني لهم شيئاً، ونجحوا في إعلان موقفهم بشكل لا لبس فيه.
كشف المشروع الاستراتيجي الأمريكي عن قصوره وضيق أفقه الاستراتيجي وعزلته الدولية، لكن العرب والإسرائيليين نجحوا في تأسيس مشهدية جديدة في المنطقة ما كان لها أن تجرؤ على الإعلان عن نفسها لولا هذا الانحطاط المريب الذي صنعه صراع سني- شيعي، لا هدف له سوى استنزاف ما تبقى من الثروات العربية التي صارت بدداً.
جاء مشهد وارسو معبراً عن بؤس عربي صنعته أنظمة هذا الزمن المنقلب، وهو بؤس بلا حدود، لأنه رهان الخاسرين. فإسرائيل لا تريد، وإذا أرادت فإنها لا تستطيع حماية حلفائها، هذا إذا افترضنا أنها تعتبرهم حلفاء. فتحالف الإسرائيليين مع بعض العرب يحجب حقيقة أن إسرائيل لا تقيم أي وزن لحلفائها العرب. وهذه حكاية طويلة بدأت في حرب النكبة عام 1948، عندما احتلت إسرائيل اللد والرملة وحاولت اقتحام اللطرون والقدس القديمة، في تجاوز فاضح لاتفاقها مع أمير شرق الأردن، وصولاً إلى المصير البائس لجيش لحد، وإلى الخزي الذي تعرض له عملاؤها الفلسطينيون الذين غادروا الضفة وغزة بعد اتفاق أوسلو.
أنظمة الاستبداد والنفط تقول إن إسرائيل ستحميها من إيران، والحقيقة هي أن خوف هذه الأنظمة الكبير ليس من إيران بل من شعوبها، وفي هذا الإطار فإن إسرائيل أو الولايات المتحدة لا تستطيعان منفردتين أو مجتمعتين القيام بهذه المهمة.
ومع ذلك فهم يراهنون على إسرائيل، ليشيروا إلى الحقيقة التي لا تقال، وهي أن وجود إسرائيل وجبروتها ليس إلا نتاج سياسات الأنظمة العربية منذ ما قبل عام 1948 وحتى اليوم.
ما لم تقله الثقافة العربية، حياء أو خوفاً على ثوب التضامن العربي الممزق والمرقّع بالوهم، هو أن العرب، أي الأنظمة الاستبدادية العربية، كانت شريكاً أساسياً في صناعة الدولة الصهيونية. فمن دون التواطؤ العربي ابتداء بشحن اليهود العرب إلى إسرائيل بعيد إنشاء الدولة العبرية، وصولاً إلى الحرب المخزية عام 1967، إلى آخره… ما كان لإسرائيل أن تكون كما هي الآن، قوة عظمى إقليمية يفترسها وهم مسياني مجنون.
لم يفعل قادة العرب سوى أنهم كشفوا ما حاولوا ستره طويلاً بالكلام الكاذب، وقالوا ما كان يجب أن يقال من زمان.
لا جديد سوى الافتخار بالعار والمهانة.
أما الجديد الإسرائيلي فكان مجرد صورة تغذي غرور رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتقدمه وهو يتديّك على العرب، وتساعده في حملته الانتخابية كي يحظى بولاية خامسة، ويصير ملك إسرائيل الجديد.
نتنياهو صاحب قانون القومية، ومهندس الأبرتهايد الإسرائيلي، العنصري الذي يكره العرب ويحتقرهم، يجد اليوم عربه الذين يتسابقون على نيل رضاه، ويلعبون دور الكومبارس في فيلمه الانتخابي.
لكن ديك مزبلة وارسو لم يستطع أن يكبح المهرّج في داخله، فقام بتسريب فيديو وزير الخارجية الإماراتي الذي «يتفهم» الضربات الإسرائيلية في سوريا، كما قام مساعدوه بفضح زيارة الوزير العُماني السرية، وانتهى به المطاف إلى خلق مشكلة مع الحكومة البولندية حول دور الشعب البولندي في الهولوكوست.
بدا ملك إسرائيل أشبه بديك لا يعرف متى يصيح، ديك انتفخ بوهم العلاقة مع عرب النفط، فتديّك وصاح في ليل العرب، الذي لن يكون له فجر على أيدي هذه الطينة من حلفاء إسرائيل.