معركة موهاكس (الأولى) 1526 م
---------------------------------------------------------
رغم تلقي العثمانيين هزيمة ساحقة أمام التحالف الأوربي بنفس المكان في معركة موهاكس الثانية 1687م ؛ التي مثلت انتهاء موجة الزحف العثماني نحو أوربا ، و بداية التقهقر والضعف والإنحلال لدولتهم ؛ إلا أن أوربا لم تنس أبدا ما جرى في المعركة الأولى 1526م.
وإن السبب الحقيقي لحرص أوربا على تشويه صورة سليمان القانوني ، هو ما تلقته جيوش أوربا مجتمعة من هزيمة ساحقة تشبه الإبادة في ساعات قليلة في أول ساعات القتال يوم معركة موهاكس فلم تكن معركة، بل كانت مذبحة ﻻ يمكن أن تنساها أوروبا.. ومايزال المجريون خاصة يقتلهم الغيظ كلما تذكروها و هذا سر أحقادهم و عنصريتهم العدوانية تجاه المهاجرين السوريين أو كل من ينتمي إلى من هزموهم من بعيد أو قريب .
معركة موهاكس وقعت سنة (932هـ/1526م) بين الدولة العثمانية بقيادة سليمان القانوني, وبين مملكة المجر بقيادة فيلاد يسلاف الثاني جاجليو وكانت المجر هي حامية الصليبية في أوروبا وقتها, وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا ؛ مما أدَّى إلى ضم أراضي المجر إلى الدولة العثمانية.
كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على نقض أي تعهدات كانت قد أُعطيت من قِبل أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حدِّ قتل مبعوث السلطان سليمان إليه، وكان المبعوث يُطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر, ولهذا ردَّ سليمان بغزوة كبيرة ضد المجر.
سار السلطان سليمان من إستانبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ بلجراد، ثم تمكَّن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر؛ بفضل الجسور الكبيرة التي تمَّ تشييدها.
وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة(*الدانوب) وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست،...
وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38 ألفًا من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، بعد أن أقامت المجر تحالفًا مكونا من إحدى وعشرين دولة، يعني قارة_أوروبا كلها، إلا بعض ولايات فرنسا والبرتغال. و كان يقود هذه الجموع الجرارة الملك "فيلاد يسلاف الثاني جاجليو".
كانت مشكلة سليمان التكتيكية هي كثرة فرسان الرومان والمجر المقنعين بالحديد ، فتلك الفرسان لا سبيل لإصابتهم بالسهام أو الرصاص أو المبارزة، لتدريعهم الكامل، فماذا يفعل؟!
في صباح يوم اللقاء (21 ذي القعدة 932هـ/29 أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسيَّة بليغة، وحثَّهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة، وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله صل الله عليه وسلم تنظر إليكم". فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثُّرًا مما قاله السلطان.
وقد وضع سليمان و مستشاروه لذلك خطة عسكرية تقضي
بوضع تشكيل جيشه بطريقة 3 صفوف بينهم مسافتين كبيرتين ..
ووضع قواته الانكشارية في المقدمة وهم الصفوة..
ثم الفرسان الخفيفة في الصف الثاني، معهم المتطوعة والمشاة.. و بقي هو والمدفعية في الصف الأخير.
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني،فأمر سليمان قوات الانكشارية بالثبات والصمود ساعة فقط، ثم الفرار.
وأمر الصف الثاني الفرسان الخفيفة والمشاة بفتح الخطوط والفرار من على الأجناب، وليس للخلف.
وبالفعل صمدت قوات الانكشارية الأبطال، وأبادت قوات المشاة الأوروبية كاملة في هجومين متتاليين، بقوات بلغت عشرين ألف صليبي في الهجمة الوحدة.
وانقضَّت القوةالضاربة للأوربيين وهي قوات الفرسان المقنعة بالكامل، ومعها 60 ألفاً آخرين من الفرسان الخفيفة.
وحانت لحظة الفرار وفتح الخطوط وانسحبت الانكشارية للأجناب وتبعتها المشاة
أصبح قلب الجيش العثماني مفتوحا تماما فانحدرت قوات أوروبا بقوة 100 ألف فارس مرة واحدة نحو قلب القوات العثمانية ! فأصبحوا وجها لوجه أمام المدافع العثمانية مباشرة على حين غِرة، والتى فتحت نيرانها المحمومة وقنابلها عليهم من كل ناحية، ولساعة كاملة انتهى الجيش الأوروبى وأصبح من التاريخ.. !!!
وحاولت القوات الأوروبية فى الصفوف الخلفية الهرب لنهر الدانوب فغرقوا وداسوا بعضهم البعض، فغرق الآلاف منهم تزاحما، واراد الجيش الأوروبى الاستسلام فكان قرار سليمان الذي لن تنساه أوروبا: لا_أسرى..
وبالفعل اضطر البقية أن يقاتلوا قتال اليائس. وانتهت المعركة بمقتل فيلاد يسلاف والأساقفة السبعة الذين يمثلون المسيحية، ومبعوث البابا، وجميع القادة الكبار، وسبعون ألف فارس.. ورغم هذا، تم أسر 25 ألفاً آخرين كانوا جرحى .
في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.
كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة، وفي وقت قليلٍ لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة.
وبعد اللقاء بيومين في (23 ذي القعدة 932هـ/31 أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.
ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الدانوب الغربي، حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 ذي الحجة 932هـ/10 سبتمبر 1526م)، وشاء الله أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.
مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا يُنَظِّم شئونها، وعَيَّن "جان زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر، التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده، بعد أن دخلت المجر في سلطان الدولة العثمانية.
هذه المعركة أغرب معركة في التاريخ من حيث سرعة الحسم، وما زالت تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة البعض من المؤرخين الأوربيين.
#متفرقات_جواهر-----------------------------------------------------------------
* انظر كتاب (أيام لا تنسى.. صفحات مهمة من التاريخ الإسلامي) تأليف تامر بدر، تقديم: الدكتور راغب السرجاني، دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م.
*وانظر سقوط الإمبراطورية المجرية
"The Battle of Mohacs: The Fall of the Hungarian Empire", by Richard H. Berg,