منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 10:33 am

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟


لسنا مختلفين عن الآخرين الذين يدرسون تواريخهم:

كثيراً ما نسمع في بلادنا اعتراضات على البحث التاريخي والمناقشة في الماضي: ماذا نستفيد من النقاش عن أحوال العثمانيين؟ وماذا يفيدنا تبرئة السلطان عبد الحميد ؟ وما هي فائدة البحث في اتفاقية فيصل-وايزمان؟ وماذا يعني لنا الموقف من محمد علي باشا؟ لنتطلع إلى المستقبل، الغرب يصنع طائرات ويصل إلى الفضاء ونحن مشغولون بما فات.
لو كان هذا الكلام صحيحاً علمياً لوجدنا أكثر الدول تقدماً تلغي أقسام التاريخ من جامعاتها، ويتوقف فيها اهتمام الأكاديميين في النواحي التاريخية، كما يتوقف تأليف الكتب التاريخية لتتجه كل الجهود نحو التقدم في العلوم البحتة ولا تنصرف الاهتمامات نحو ما يسبب تراجع الأمم.
ولكننا نجد أن كل ذلك لم يحدث، وأكثر الدول تقدماً تقنياً، وهي الولايات المتحدة، تولي الاهتمامات التاريخية التفاتاً عظيماً، بل نجدها لافتقادها البعد الزمني في تاريخها القصير، تحاول نحت تاريخ بأي شكل من الأشكال يصل حد الهوس بتفاصيل غريبة: أين الورقة التي كتب عليها أبراهام لنكولن خطابه؟ وما هي النكت التي كان يتداولها؟ ومن هم أبناء جيفرسون غير الشرعيين؟ وأين قضى تقاعده؟ وما هي آخر الأبحاث والحفريات في عظام المشاركين في معركة أو ضحايا مجزرة؟ وكيف تطورت أطلال معركة ما منذ وقوعها قبل 150 عاماً؟ وهكذا.
لم يقل أحد إن هذه الاهتمامات تصرف عن التقدم وتؤخر الأمة، لأنه من الطبيعي أن تكون اهتمامات الناس موزعة حتى في أي مشروع نهضوي فلا يقتصر الاهتمام والتوظيف على مصنع الطائرات وحده لتترك بقية مرافق الحياة فارغة، ومع وفرة الدراسات التي ترصد التراجع الأمريكي، لم نجد واحدة منها أشارت ولو من بعيد إلى أن الاهتمام بالتاريخ من أسباب هذا التراجع، فيبدو أن للأمريكيين رأياً غير رأي جهابذتنا الذين يحاولون تقليدهم ويرون أن البحث التاريخي يسبب تخلفنا.
وأرجو ألا تكون الاعتراضات على الاهتمام بالتاريخ دليل كسل فكري يعفي صاحبه من القراءة في التاريخ ومن صناعة الطائرة أيضاً كما يبدو ذلك جلياً من حالة المعترضين والكسل العلمي الذي يغرقون فيه، ولا شك أن من كان آباؤه أبطالاً فعرف حقيقتهم وافتخر بهم وتعلم من دروسهم ليس كمن يظنهم لصوصاً فتثبط عزيمته ويحاول الالتصاق بأي عدو غريب ينبهر به فيتبعه لحتفه، أو من لا يعرف عن آبائه شيئاً فيعيش تائهاً مسلوباً بين الأمم يسهل على أي عابر سبيل أن ينال إعجابه وما في جيبه أيضاً (!)
 

أهمية قراءة التاريخ العثماني ودراسته:

ومن فوائد قراءة التاريخ العثماني على وجه الخصوص إعطاء إجابات عن الأسئلة المحورية التالية في أهدافنا المستقبلية، وذلك لكون الصيغة العثمانية هي التي دخلت بالأمة الإسلامية إلى العصر الحديث وواجهت المشاكل التي مازلنا نعاني منها إلى اليوم ولكن إجاباتها كانت أكثر تماسكاً مما قدمه عصر التجزئة:
1- ما هي أهمية الوحدة الإسلامية لمختلف أقطار وشعوب الأمة؟ وما هي مزايا هذه الوحدة حتى مع ضعفها على حالة التجزئة بأبهى صورها؟
2- ماذا كانت أهداف الغرب من علاقاته مع الدولة العثمانية وهجومه المستمر عليها؟ هل كان يريد نشر الحضارة والتمدن في أقطارها أم مجرد القيام باستغلالها؟ وماذا يترتب على هذه النظرة لعلاقاتنا المستقبلية مع الغرب؟
3- ما هي نتائج التغريب الذي دعا إليه المبهورون بالغرب؟وهل هناك أمل يرجى من الاستمرار في هذا السبيل؟
4- من هو المتسبب في هدم الخلافة الإسلامية وماذا كان الهدف من ذلك؟ ومن هي الجهات التي استمرت تحارب وحدة أمتنا؟ وهل تغير موقفها؟ وهل يمكن لمن هدم صرح الأمة يوماً أن يؤمل منه إقامته مرة ثانية أو أن يسمح بذلك ؟
5- كيف أمكن للخلافة الإسلامية عندما واجهت الهجمة الغربية التصدي لها وما هي الأسس التي بنت عليها مشروعها؟
6- كيف عالجت الخلافة الإسلامية المشاكل المزمنة التي ابتلينا بعدها بها: مثل التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعسكرية والانقسامات السياسية والمذهبية والطائفية والقومية والوطنية والدينية واشتعال النعرات والحروب البينية وفقدان التكامل الاقتصادي وهدر الثروات والإمكانات والسباق لنيل رضا الأعداء والانخراط في مشاريعهم المدمرة والإنفاق عليها من ثروات الأمة والاستهلاك الترفي المفرط؟
7- ما هي الأخطاء التي وقع فيها العثمانيون وما هي أسباب ذلك وكيف يمكننا تلافيها مستقبلاً؟
8- ما هو حساب الجرد النهائي لحالة الوحدة؟ هل طغت السلبيات أو الإيجابيات؟
9- من هم المستفيدون من الوحدة ومن هم المتضررون وما نسبة كل فئة منهما؟ وهل يجوز التضحية بمصالح فئة لصالح أخرى؟ ومتى يكون ذلك؟ وما هي الصيغة الأكثر توفيقاً بين الجميع؟
10- ما هو موقع التنوع الحضاري لأمتنا في صيغة الوحدة وكيف أمكن لأمة مازال الغرب يعيرها بهوياتها المتعددة من الاجتماع قروناً طويلة في صيغة وحدة تكاملية؟ وكيف نستفيد من هذا الماضي الثري لمستقبل أفضل؟
11- ما هي العوامل التي أدت إلى التجزئة السياسية والنعرات الانقسامية وما هو دور الخارج في إثارتها؟ وكيف يمكن كف أيديه مستقبلاً؟
12- كيف يمكن لصاحب مشروع النهوض أن يضم من حوله إلى مشروعه دون استثارة حفيظتهم ودون إعطائهم ذرائع للجوء للحماية الغربية الكفيلة بتدمير المشروع من أساسه وفي مهده قبل أن يقف على رجليه متحدياً؟ ومن هم الذين يمكن التفاهم معهم ومن هم الذين يجب الحذر منهم؟ وكيف يمكن التعامل مع الخونة وأصحاب النفوس المتعلقة بالغرب والذين سيحيطون بأي تجربة واعدة لدفنها حية؟
13- كيف جنت النزعات الاستقلالية عن الكيان الجامع على أمتنا بل على أصحابها أنفسهم؟ وهل من الحكمة الاستمرار في الاحتفاء بهذه الاستقالات التي ثبت زيفها في مواجهة الغرب الطامع؟
14- ما هو الفرق بين الاستعمار الغربي وحكم الدولة العثمانية ؟ وهل يجوز إطلاق الصفة الاستعمارية على دولة كانت هي التي صدت الاستعمار زمناً طويلاً وكان رعاياها على اختلاف قومياتهم يحتمون بها من العدوان؟
15- ما هو الفرق بين حكم المسلمين وحكم الغربيين للأمم الأخرى؟ وكيف تعامل كل منهم مع المختلفين عنه؟ وأين ارتكبت الجرائم الكبرى في العالم؟
16- ما هي الآثار التي ترتبت على انضمامنا إلى “المجتمع الدولي” منذ زمن الدولة العثمانية؟ وهل من الحكمة الاستمرار في اللهاث خلف قراراته التي مازالت تجني علينا ؟ وكيف يمكننا تحييد هذه الأضرار في مواجهة الغرب التي يتلفع بقناع “الإرادة الدولية” ويسوق العالم بعصاه كما يشاء لتحقيق مصالحه ؟
17- ما هي آثار دخول الأغراب في خلافات أمتنا الداخلية؟ وهل كان حضورهم إيجابياً أم أنه فاقم هذه الخلافات بقناع “الأمم المتحدة” لتحقيق مصالح لا علاقة لأمتنا بها؟
18- ماهي أهمية الاكتفاء الذاتي في استقلالية القرار السياسي؟ وكيف كان التكامل الاقتصادي دعماً لقوة الجميع في مواجهة الطامعين؟ وكيف أصبح الاعتماد على الاستيراد الغذائي في بلداننا الزراعية التقليدية نتيجة الاندماج في السوق الغربي سبباً في التبعية؟
19- كيف تفرض الوحدة الكبرى منطق العظمة على ساستها فلا يقبلون بالتبعية حتى لو حدثتهم أنفسهم بذلك؟ وكيف تفرض التجزئة منطق الصَغار على ساستها بسبب قلة إمكانات كياناتهم فيضطرون للتبعية للكبار حتى لو أرادوا الاستقلال؟ (مثل منطق القوة الذي يفرض على المصارع القوي عدم الخضوع ومنطق الحاجة الذي يفرض نفسه على الطفل الصغير، القوي لا يقبل بالدنية والضعيف لا يقدر إلا على التبعية).
20- ما هو وزننا في الساحة الدولية في حال الوحدة التي نظنها إلغاء لخصوصياتنا؟ وما هو وزننا في حالة التجزئة التي توهمنا بالاستقلال ؟
هذا ما خطر في البال من نقاط يمكن للتاريخ العثماني توضيح الإجابات عنها ولا بد أن يجد المتعمقون غيرها وغيرها، فكيف بعد ذلك ندعي أن قراءة التاريخ ترف فكري كحكايات الأطفال قبل المنام؟
 

من شروط صحة الاعتبار بالتاريخ:

نقرأ التاريخ لنطلع على تياراته العامة وتوجهاته الرئيسة ولا نغرق في لحظات البؤس العابرة أو الأفراح الموهومة، إذ أن هناك من يستخدم التاريخ ليستدل على غاية سياسية خاصة فيأتي بحدث ما من الماضي ليقول إن هذه الجهة صديقة على الدوام أو عدو منذ الأزل، ويقتنع السامعون ويهزون رءوسهم قبولاً بهذه الحكمة المستقاة من أعماق الزمن، فمثلاً عندما يتحدث داعية سياسي عن المجزرة الأرمنية وكونها دليلاً على وحشية العثمانيين وتخلف الخلافة واستحالة التعايش في ظل المسلمين، يغرق السامع في تفاصيل الحدث ويخرج مقتنعاً بهذه النتيجة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ماذا تبقى بعد ذبح مليون ونصف المليون أرمني من إمكانات المصالحة؟
يأتي هنا دور قارئ التاريخ العام ليبين الحقائق الأوسع من قراءة التوجهات التاريخية العامة:

  • أن الأرمن عاشوا مئات السنين مع المسلمين وقروناً طويلة مع العثمانيين في انسجام تام جعل العثماني المهيمن، وليس المواطن الأرمني الذي ربما وصفت شهادته بالمداراة، يطلق عليهم صفات الإخلاص والصدق، فما الذي طرأ بعد هذه القرون الطويلة ليؤدي إلى سفك هذه الدماء العزيزة؟

  • في الأحداث التي سفك فيها الدم الأرمني سفكت فيها دماء مسلمة أغزر من الدماء الأرمنية، مما يلقي بظلال من الشك على الصورة الشائعة عن حمل أرمني وذئب عثماني، فمن هو الذي سفك دماء المسلمين الغزيرة وماذا كان موقف العثمانيين من ذلك؟

  • لم يكن التدخل الغربي مخفياً ، ولكن العجيب أن الغرب الذي أثار الأرمن وتاجر بقضيتهم إلى درجة تجهيز خرائط الدولة الأرمنية الموعودة، عاد وتخلى عنهم في اللحظة الأخيرة إرضاء لمصالحه الدنيئة.

  • في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن “إبادة الأرمن” ، كانت الأمة الأرمنية آمنة في بقية الدولة العثمانية بعيداً عن جبهات المواجهة مع روسيا، وحتى الذين رُحلوا وتعرضوا للحوادث المؤلمة وصل كثير منهم إلى الأمان في أقطار عثمانية أخرى كبلاد الشام، فالحديث إذن عن إبادة يكون غير دقيق مقارنة بالمفهوم الذي تعرضت له شعوب أخرى لم يتبق منها إلا الفتات كالهنود الحمر في أمريكا وسكان أستراليا.

  • الغرب الذي سفح دموعه بكاء على الأرمن قتل من شعوب أخرى ملايين عديدة على شكل إبادات جماعية وتصفيات عرقية (في الأمريكتين وأستراليا والهند الصينية وإفريقيا وشمالها والبلقان والقوقاز) وكانت الإبادة نموذجاً متكرراً في تاريخه وليست حادثة معزولة، وهو ما يهدد مصداقيته في البكاء على الأرمن.


خلاصة الحديث أن الاستشهاد بالماضي يجب أن يكون شاملاً وليس مبنياً على الحوادث المعزولة، وعندما نريد الخروج باستنتاج عام لا يكفي أن نقول: فلان فعل كذا ، للاستدلال على نتيجة عامة، لأن الصورة الأوسع قد تحتوي على تفاصيل أخرى تقلل من أثر العمل السلبي أو الإيجابي المستشهد به وربما قلبت الاستنتاج رأساً على عقب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 11:16 am

الخلافة صعود فهبوط فزوال؟


لعل ما نكتبه اليوم يأتي بعد القراءة المستمرة والتحليل فنحن لدنيا عاملان الوقت والمعلومة التي تتوافر عبر الكتب وأثير الإنترنت والذي لم يكن متاحاً وقتها فدائماً الحُكم على الأحداث أسهل من القدرة على اتخاذ القرار أثناء الحدث ذاته.
نعم سقطت الخلافة العثمانية، وبسقوطها سقط ذلك الميثاق الغليظ الذي يلتف حوله جميع المسلمين والرابط المميز الذي يجعلك تتذكر دائمًا بأن هناك مسلم لك أخر على هذه الأرض في مكان بعيد يستحق دعمك، رابط يجعل مسلم يحترق غمًّا وكمدًا يجلس في أقصي الأرض من أجل مسلم في أدني الأرض يُعذب أو يتم اضطهاده.
فالخلافة هي نظام للحكم بين المسلمين كالشيوعية والرأسمالية والجماهيرية-التي اخترعها القذافي وحاولوا الترويج لها حتى مقتله-. وهي-أي الخلافة-تقوم على استخلاف قائد مسلم ليحكم بين المسلمين بالشريعة الإسلامية في دولة تشمل كل المسلمين عامة في شتي بقاع الأرض.

هل الخلافة إلى زوال؟

دعونا نتخيل بأن شخصين X وY يسكنون بإحدى شوارع القاهرة أو دمشق أو القدس أو إسطنبول أو الهند عام 1900 ميلاديًا فإذا بـ X يخبر محمود بأن الخلافة ستزول ويأتي زمان على المسلمين لا يتخيلون أصلا ً وجود الخلافة كفكرة والحديث عنها سيكون من درب الماضي ومظهر من مظاهر التخلف. هلا تتوقع رد؟
نعم سيرد Y بأن هذا مستحيل فالخلافة لا تنتهي أبدًا، فزوال الخلافة في ذلك الوقت أمر لا يتقبله العقل ولا تستوعبه النفس، فمنذ وفاة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم كانت هناك الخلافة الراشدة تبعتها الخلافة الأموية فالخلافة العباسية حتى بتطور وتقدم الأندلس الرهيب على المستوى العلمي والعسكري لم تعلن الخلافة الأموية بالأندلس حتى لا تختلط الأمور على المسلمين إلا بشروط وقواعد صارمة نتيجة لتغير الأحداث وتطورها واتساع رقعة بلاد المسلمين.

بين الخلافة الأموية والفاطمية

فإن الإمارة الأموية السنية في الأندلس لم تخرج من التقليد حتى قامت الدولة الفاطمية الشيعية في المغرب التي أسقطت دول الخوارج ودولة الأدارسة ودولة الأغالبة وهي دولة نشأت من 184 حتى 296هـ، فأصبحت هذه الخلافة وجهاً لوجه مع الإمارة الأموية في الأندلس لا يفصلهما إلا المضيق ودخلت هاتان الدولتان في صراعات مريرة من أشهر مظاهرها إعلان الخلافة الأندلسية عام 316هـ من قبل الأمير عبد الرحمن الناصر، الذي لقب من هذا العام ولقب الذين جاء من بعده وإلى عام 422هـ بلقب الخليفة الأندلسي، وبذلك كسرت قاعدة وحدة الخلافة الإسلامية وأصبحت للخلافة ثلاثة نظم وهي الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأندلسية.
وبرر الفقهاء تعدد الخلفاء إذا كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك واعترفوا بشرعية خليفتين للمسلمين في آن واحد بشرط أن يكون بينهما مسافة كبيرة ومسافة شاسعة لمنع الاصطدام والفتن بين المسلمين.
كما أن ضعف الخلافة العباسية في المشرق أيام الخليفة المقتدر كان سبباً ومبرراً لذلك فخوف المسلمين من زوال الخلافة، أو ظهور خلافة شيعية حينها كان يستدعى ظهور خلافة قوية أخرى، ولنعلم أن كل خلافة تمتد عبر فترة زمنية يتخللها ضعف وقوة، وقوة وضعف.

انتقال بين الضعف والقوة

ولكن على مرِّ القرون والأزمنة فإن ضعف الخلافة يكون مقروناً بظهور خلافة قوية تتسلم خلافة المسلمين من الخلافة الأضعف لتتنقل في كل مرة عاصمة الخلافة تباعاً ويكون الانتقال إما بحرب بين الخلافتين الضعيفة والقوية كما حدث بسقوط الخلافة الأموية على أيدي قوات أبو مسلم الخرساني وظهور الخلافة العباسية القوية.
أو بانهيار الخلافة عن طريق عدو خارجي كالتتار والذين دمروا عاصمة الخلافة العباسية بغداد وانتقال الخلافة إلى القاهرة صحيح الانتقال كان سياسياً فطالما رفض الخلفاء العباسيين شرعية وجود المماليك وإعطاء الشرعية لشجرة الدر أو المماليك فالشرعية كانت تقتضي وقتها أن يقر الخليفة شرعية الحاكم في شتي ولايات المسلمين الخاضعة للخلافة.

من العباسية إلى العثمانية

واستمرت الخلافة العباسية في القاهرة حتى الفتح العثماني لمصر سنة 923 هـ، فنقل العثمانيون آخر الخلفاء المتوكل على الله الثالث إلي إسطنبول وانتهى أمر الخلافة العباسية القاهرية وبذلك تم الإعلان عن أخر خلافة وهي الخلافة العثمانية الرشيدة المجيدة التي لا ينكر فضلها إلى المسلمين إلا جاحد. أخطأت وأصابت وجاهدت وصانت أمر المسلمين قرابة 400 عام.
ثم سقطت الخلافة العثمانية 1924 للأبد حيث تم إلغاء الخلافة وهو أمر حديث على المسلمين فلم يتم إلغاء خلافة من قبل فسقطت دون أن تظهر خلافة أخرى أو يتسلم الخلافة العثمانية خلافة أخرى.

ولكن هنا السؤال:

اقتباس :
 هل لم تأتي الفرصة للخلافة العثمانية أن تقوم بنقل الخلافة إلي دولة مسلمة أخري قوية ؟! هل لم تظهر دولة مسلمة قوية في مراحل ضعف الخلافة العثمانية تُنقل إليها الخلافة ؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 11:19 am

معضلة البديل الإسلامي وبداية اعتماد الأمة عليه


في زمن سابق، كانت الأمة الإسلامية تقدم الجديد ليقلدها فيه العالم، و الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين أصبح معظم المسلمين-حسبما يبدو-يتبرؤون من الإسلام بطريقة أو بأخرى فيأتي العالم ويأخذ منه ما يريد ويقدمه للمسلمين الذين يتسارعون لأخذه والتفاخر بذلك. ومواكبة للعصر-كما كان ليصفها أحد ال «حداثيين» المسلمين-كان لزامًا على الأمة الإسلامية إن هي أرادت أن تتقدم أن تأخذ من الغرب ما يقدمه؛ فإن وجدته يصادم شيئًا من ما هو متعارف عليه من الإسلام، صار من الضروري خلق البديل الإسلامي له، فأين المشكل؟

البديل الإسلامي

الفكرة الأساسية التي سأحاول تبسيطها هي أن «البديل الإسلامي» لا يعني بالضرورة محاولة تقديم نسخة إسلامية مما قد تنتجه الحضارات الأخرى، ولا يجب أن يكون هو أساس تحرك الأمة في سعيها للتحرر من أغلالها، بل الصواب هو أن تؤسس لنفسها أساسًا تصوريًا ورؤية واضحة لعقيدتها ثم تنطلق من ذلك نحو إنشاء نموذجها الخاص من الأفكار عوضًا عن نسخ الحضارات المختلفة و صبغ ما تقدمه بصبغة إسلامية.

الحضارة الغربية المثال الأوحد للنجاح!

الأمة الإسلامية الآن-أو بشكل أكثر تحديدًا-القائمون على تحديد مسارها، اختاروا أن يؤسسوا تحركهم على أساس أن الحضارة الغربية هي المثال الوحيد الأوحد للنجاح وأن علينا إن نحن أردنا اللحاق بها، أن نتشبه بها لأقصى درجة ممكنة، دون أن نضطر أن نعترف أننا ربما نصادم الإسلام في أسسه وفروعه، فكان الحل هو استخدام مفهوم «البديل الإسلامي»، فتم تسويقه و تقديمه للعامة من أهل الداخل أو أهل الخارج.

تبني البديل الإسلامي

يقوم البديل الإسلامي على تحديد ما يعتبر سببًا من أسباب نجاح الحضارة الغربية وإن كان مخالفًا أو مصادمًا للإسلام، ثم محاولة إيجاد طريقة لتقديمه للمسلمين وإقناعهم به حتى لا ينتفضوا ضده. و لإنجاح ذلك كان لازمًا التخلص من التصور الإسلامي للحياة و تغييره بالبديل الإسلامي للتصور الغربي للحياة، فكانت البداية من هنا. فأصبح تصور الإسلام للإنسان كخليفة عليه واجب الخلافة و إعمار الأرض تصورًا مرتبطًا بالكتب أكثر منه بساحة الفكر و التحقيق. وتمت الاستعاضة عنه بالنظرة الغربية القائمة على جعل الإنسان محور الكون ومقرره والمستهدف حسن حياته و عيشته، فغاب مفهوم الخلافة لصالح مفهوم «الإنسان الإله» لكن بنكهة إسلامية.
فنجد من يستدل من الإسلام على أهمية الحياة البشرية دون ربطها بالمطلوب منها، وآخر يدافع عن الديمقراطية بآيات وأحاديث مقتطعة من سياقها ووظيفتها، حتى تقررت وانغرست تلك القاعدة الأساسية للتعامل مع الحياة و هي:
استخدام الإسلام لتأكيد الرغبات التي توافق الحضارة الغربية عوضًا عن محاولة طرح تصور كامل من الإسلام ذاته دون محاولة نسخ التصور الغربي.

أسلمة الأشياء

هذا الفعل-أي الانفلات من تقييد المسلمين بالتصور الإسلامي للحياة-جعل منهم من يخرج بما يظهر حقًا حجم المصيبة التي بلغناها، فنجد منتجات من قبيل: خمر إسلامي، أغاني إسلامية، ملابس سباحة إسلامية، لباس ذكوري إسلامي، حجاب إسلامي مواكب للموضة، موضة إسلامية، مسابقات جمال للمسلمات، برامج مواهب للمسلمين، وغيرها الكثير الكثير. و تطور الأمر إلى تقديم أشخاص مسلمين ليكونوا بدائل لآخرين غربيين، فنجد بدائل للممثلين و المغنين بصفة خاصة، أي كل ما لا فائدة منه تم العمل على خلق بديل إسلامي مقبول له، فمن له حساسية من الحضارة الغربية يمكنه الاكتفاء بالبديل الإسلامي الذي لا يعدوا أن يكون أشد فتكًا بالأمة الإسلامية من مثيله الغربي.
ومؤخرا ظهر قبول العالم-بشكل طفيف-بهذا البديل الإسلامي؛ مثلًا في الألعاب الأولمبية حيث نجد متسابقات يلبسن ما يغطي جسدهن كله وإن لم يستوف شروط الحجاب الشرعي، فهللت الأصوات مرحبةً بالأمر غير متسائلة ليس عن شرعية اللباس ذاته بل عن شرعية المشاركة أصلًا في حدث لا يعود بالنفع و الخير على الهدف المنتظر من المسلمين تحقيقه ألا و هو عمارة الأرض. فحتى الأسئلة التي من الواجب طرحها أصبحت منزوعة عن التصور الأصلي، فما عدنا نسأل عن الأساس بل صار السؤال عن الفروع التي بدأنا بسببها نغير الأساس كله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 11:20 am

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Image-1



هل التجزئة أفضل من الحكم العثماني؟


منطق وداوها بالتي كانت هي الداء : هل التجزئة هي الحل؟

يقول الدكتور مصطفى محمد قاسم في مقدمته لترجمة كتاب “القسطنطينية: المدينة التي اشتهاها العالم”:”ولا شك أن الامبراطورية (العثمانية) لكونها الدولة الإسلامية الأكبر في زمنها ولضمها أجزاء كبيرة من هذا العالم، قد دافعت عن هذا العالم الإسلامي ضد التوسع الغربي الإسباني في شمال أفريقيا، والبرتغالي في البحر الأحمر والخليج العربي، ومنعت بالتأكيد طامعين آخرين من المنبع، أي منعتهم من تحويل طموحاتهم التوسعية إلى محاولات.
“لكن في المقابل، ومن منظور التأمل المتأخر للأحداث، نجد أن الدولة العثمانية قد أضرت بالشعوب العربية، إذ أثبت التاريخ الحديث أن التجزؤ السياسي للإخوة في الدين والتنافس، حتى التقاتل بينهم، كان الميزة التي أدت إلى غلبة الدول الأوروبية في السباق العسكري والحضاري على الدولة الإسلامية الواحدة، فعلى خلاف رؤية الكثير من العرب المعاصرين، كان التجزؤ السياسي أنفع من الوحدة لقوة المجموع، فقد كانت الدول والكيانات السياسية في المنطقة العربية قبل العثمانيين قوية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية مادامت كثيرة ومتعددة، وحتى متنافسة فيما بينها. ولم تقصر هذه الدول-من قبل أن يظهر العثمانيون إلى الوجود-في الدفاع عن المنطقة منذ الحملات الصليبية وانتهاء بتصدي الدولة المملوكية المصرية للبرتغاليين في البحر الأحمر. لكن بعد أن توحدت هذه الكيانات جميعها في دولة واحدة مع الغزو العثماني للمنطقة العربية، دخلت المنطقة، ومعها الإمبراطورية العثمانية نفسها، في حالة من الجمود والتدهور، لم تفق منها إلا بعد قرون على أصوات مدافع نابليون وهي تدك طوابي الاسكندرية.
“يتمثل أحد الأدلة القوية على نظرية “التجزؤ السياسي والتنافس العسكري الداعم لقوة المجموع وغلبته” في حالة أوروبا على امتداد العصرين الحديث المبكر والحديث، حيث أدى التجزؤ السياسي لأوروبا ووجود عدد من الدول المتنافسة لا تخضع لهيمنة مركز واحد، إلى الإفساح في المجال للتنافس بين الدول على السيادة العسكرية والاقتصادية والثقافية، مما أدى إلى غلبتها مجتمعة أمام العدو الإسلامي الواحد الذي بقوته يقوى العالم الإسلامي وبضعفه يتدهور هذا العالم ويغلب عليه أعداؤه. ففي مقابل “نظام الدول” الأوروبي الذي ضمن أن تظل الدول الأوروبية تنافسية عسكرياً، ضمن التوحد الإسلامي تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية الركود والجمود والتخلف على المدى الطويل” [1].
ثم يدخل حديث الدكتور في اتهام العثمانيين بتهميش وعزل العرب وتحويل حواضرهم المزدهرة إلى متخلفة والإثراء على حساب الفقراء والمعدمين في الدولة لصالح الإنفاق على مباهج العاصمة وغير ذلك من مفردات تردد الأحكام الاستشراقية القديمة التي تجاوزها المستشرقون أنفسهم وبينوا حقائق جديدة بنى عليها التأريخ المعاصر أحكاماً مغايرة ولكننا للأسف مازلنا متمسكين بالأحكام البائدة التي تخلى عنها أصحابها ونلوم حظنا العثماني حتى بعد انسحاب العثمانيين من بلادنا منذ قرن صعدت فيه دول من الصفر وهبطت أخرى من عليائها ونحن مشغولون بملامة الماضي وفي نفس الوقت تبرير الحاضر رغم أن جريمته بحقنا أكثر كثيراً من مسئولية العثمانيين التي انتهت منذ مدة طويلة بزوال حكمهم.
 

إن الحديث عن فضائل للتجزئة بهذا الحماس يتجاوز كثيراً من الحقائق التي يجب التنويه بها، وحسب علمي فإن هذا الحماس غير مسبوق حتى لدى أشد المنتفعين من حالة التجزئة ولهذا فهو نقلة فكرية خطيرة لا بد من مناقشتها:


  • 1- الدعوة للتجزئة ليست متناقضة مع آراء مثقفين في حقبة تاريخية محددة وحسب بل مع بديهيات الفطرة وحقائق الطبيعة والتاريخ وما يبدو من مزايا للتجزئة في أوروبا مصدره ما آلت إليه من وحدة في كيانات كبرى ودول عظمى فيما بعد وليس من كونها تجزئة في حد ذاتها، ويجب ألا تقتصر رؤيتنا على شق مبتور من المشهد التاريخي ومآلاته.



  • 2- أداء التجزئة في أوروبا يختلف كلياً عن أداء تجزئتنا إذ لم يكن في أوروبا عامل خارجي يوجه مسار الأحداث لصالحه وضد مصالح الأوروبيين، بل لقد وجدنا الشعور الأوروبي العام يتغلب على ضرورات السياسة الآنية كما حدث في الخيانات الفرنسية المتعاقبة لتحالفاتها مع الدولة العثمانية ضد الحلف الكاثوليكي وفي فشل الدولة العثمانية بشكل عام في شق الصف الأوروبي شقاً فاعلاً بسياسة منح الامتيازات الأجنبية التي ارتدت عليها في زمن ضعفها.



  • 3- لو كانت التجزئة هي الأفضل لما رأينا اتجاه التاريخ نحو تجارب الوحدة في أوروبا ، ألمانيا كانت 300 إمارة وإيطاليا كذلك كانت مفتتة ومبعثرة فضلاً عن الإمارات الإقطاعية التي سادت أوروبا قبل الدول القومية، فلو كان الانقسام هو الفضيلة المفيدة لما توحدت دول أوروبا هذه ولظلت تتنافس لأجل صالح المجموع.



  • 4- لا يمكننا أن نطلق على دول أوروبا القومية الكبرى أنها شكل من أشكال التجزئة في قارة أوروبا إلا لو عددنا أن هناك تجزئة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي في أيامه مثلاً وأن سباق التقدم بينهما كان خيراً من اتحادهما المتخيل وغير الواقعي : ذلك أننا يجب أن ننشد الوحدة حيث يمكن وجودها وحيث تحققت فعلاً ودول أوروبا الامبراطورية لم تكن تجزئة بأي شكل من الأشكال بل تنافس بين دول عظمى وصلت مداها في الإمكانات الوحدوية ولا يمكن أن نشبه حالة أوروبا بتجزئة بلادنا لنقول إنها نعمة، ولا يمكننا القول إن أوروبا حققت النصر مجتمعة بانقساماتها السياسية فهذا إرداف خلفي وتشبيه على الناس يشبه القول إن اتحاد الحلفاء في وجه النازية كان خيراً من وحدتهم في دولة واحدة، هذا غرق في خيال غير واقعي وفرض للمستحيلات إذ لا يمكن أن نفترض وحدة بين أجسام مختلفة كمن يستدل على مساوئ الوحدة بالتصاق التوائم وعلى ميزة الشرذمة والانقسام بمشهد فصل التوأمين الملتصقين اللذين يجب فصلهما ويمكنهما الاتحاد بعد ذلك كجسدين منفصلين في وجه المخاطر، وبهذا يكون “الانقسام” الذي هو فصلهما خيراً من “الوحدة” في التصاقهما، مع أنه لا دلالة أصلاً في هذا الموقف التلبيسي الذي يتعامل مع الأجساد المتباينة وليس مع جسد واحد كأمتنا ويحاول إقناعنا بميزة تقطيع أوصال الواحد المترابطة بتشبيهه تشبيهاً يتجاوز حقيقته، فحقيقة أوروبا أنها أجساد كبرى ومنفصلة، أما نحن فجسد واحد تم تقطيعه قطعاً صغيرة ميتة، وإنجازات التحالفات العسكرية التي كانت بين دول أوروبا لا يمكن أن تكون شاهداً على مزايا التجزئة السياسية لأنه لا ينطبق وصف التجزئة أصلاً على كيانات حضارية كبرى مختلفة ومكتفية بذواتها ويمكنها أن تعيش بل تسود بسبب إمكاناتها الذاتية والمسروقة الضخمة، وهذا ليس حال بلادنا التي كانت تعيش موحدة ولكن ليس بينها الآن أي وجه من وجوه الاتفاق فهي لا تدخل أصلاً في تحالفات لأجل مصالحها المستقلة كدول الغرب الكبرى ولا يمكنها أصلاً أن تعيش مستقلة بكفاية حاجاتها أو الدفاع عن أنفسها أو إطعام مواطنيها من كدها بسبب الهدر الشديد لإمكاناتها الضخمة التي يتحكم فيها غيرها كما أثبت الواقع، وإنجازات التحالف بين دول أوروبا دليل على فعالية حشد الإمكانات التي توفرها الوحدة، وهي في حالات التحالف بين دول أوروبا في حروبها الكبرى وحدة مؤقتة في وجه أزمات طارئة لا يمكن حتى للكيانات الكبرى التغلب عليها كما لا يمكن لجهد فردي أن يقاوم جيشاً مهما بلغ الفرد من القوة، ولكن بعد الأزمة الطارئة لا يمكن لوحدتها الاستمرار فيذهب كل إلى شئون معيشته الخاصة، ولا يمكننا القول في تأييد حالة الوحدة إن “خلط” هؤلاء الأفراد في عملاق واحد أفضل لهم، هذا فكر خيالي، ولكن دحض ذلك الخيال لا يكون بالدعوة إلى تقسيم الجسد الواحد إلى أعضاء مقطعة حتى لو كان لا يتمكن من أداء وظائف العيش إلا بصفته وحدة واحدة كبلادنا، فلا يمكننا أن نجعل من استحالة خلط الأجساد المتباينة القائمة بذواتها والمكتفية بأنفسها والمتميزة عن بعضها البعض دليلاً على ميزة تقطيع الجسد الواحد الذي لا يمكن لأعضائه الحياة بالانفصال عن بعضها البعض.



  • 5- ولا يمكن لهزيمة العثمانيين بعد قرون الانتصارات أن تكون شاهداً على عيوب الوحدة لأن مصير بلادنا لو لم يظهروا على المسرح من الأصل كان أشد ظلمة، ويكفي أن نتدبر في مصير البلاد التي هيمن عليها الأوروبيون لاسيما الإسبان في ذلك الزمن  لنرى ما الذي كان ينتظرنا لو لم يظهر العثمانيون، ولدينا أمثلة دموية معبرة من الأندلس والقارة الأمريكية (لاسيما المكسيك وبيرو) والفلبين، ولا يمكن بعد ذلك أن ندعي أن طروء المرض على العملاق الذي حمانا زمناً طويلاً يمكن أن يكون دليلاً على ميزة تقطيع أوصاله منذ البداية لتكون فيما بعد “سليمة” ببعدها عن مصدر المرض لاسيما أن هذه الأعضاء التي انفصلت فعلاً بعد ذلك في زمن المرض وفرحت باستقلالها كان مصيرها أشد ظلمة من الجسد المريض نفسه، وكان الاستقلال المزعوم هو بوابة وقوعها في براثن الاحتلال (دراسة: دور النزعات الاستقلالية والتغريبية في إفشال مشاريعنا النهضوية)، فالوحدة قد تمرض ولكن الانقسام هو المرض نفسه.



  • 6- كما أن اتخاذ التاريخ العثماني دليلاً على سلبيات الوحدة لا يعطينا الصورة التاريخية الكاملة، فيجب ألا ننسى أن العالم الإسلامي زمن العثمانيين كان منقسماً إلى عدة دول منها الكبرى ومنها الصغرى، وكان الانقسام العثماني-الصفوي، والهندي-الصفوي من عوامل الضعف وليس من عوامل المنافسة الإيجابية التي يتحدث عنها سرد الدكتور، كما أن وجود دول صغرى في المشهد لم يكن لصالح التنافس الإيجابي لمصلحة المجموع كما يأمل المقال، أي أن التاريخ الإسلامي زمن العثمانيين يؤكد على سلبية التجزئة لا على إيجابياتها وفي نفس الوقت على الإيجابيات التي جناها الموحدون في كيانات كبرى لا يمكن أن نغفل إنجازاتها الضخمة (دراسة: إنجازات الدولة العثمانية بصفتها آخر نسخ الخلافة الإسلامية)، والملخص أن الإيجابيات أتت من التكتل وتجميع الجهود أما السلبيات فقد أتت من الانقسامات والصراعات ولا مانع من أن نشهد المشهدين في نفس المسرح التاريخي.

  • 7- لماذا كانت القوة في الجانب الأوروبي مع الدول الأكبر حجماً والتي بنت امبراطوريات واسعة وآخرها الولايات المتحدة الأكبر ممن سبقها فهل يمكن القول إن انقسام مساحتها إلى خمسين ولاية مستقلة ومتنافسة أفضل لها جميعاً من الاتحاد الحالي الذي ثبت بحرب أهلية طاحنة خسرت فيه البلاد أكثر مما خسرت في مجموع حروبها الدولية بما فيها الحربين الكبريين؟



  • 8- الادعاء بأن الوضع الذي سبق العثمانيين أفضل منهم ليس له دليل يسنده، الدول الزنكية والأيوبية والمملوكية كانت تيارات وحدوية ثارت على التجزئة التي سبقتها وكانت سبباً في هزيمة بلادنا أمام الغزوة الفرنجية والمغولية، ولم يكبح سقوط الأندلس إلا خروجها المؤقت من الشرذمة السياسية إلى وحدة المرابطين ثم الموحدين، وكانت الوحدة اللاحقة أفضل دائماً من الانقسام السابق، ولم تسقط التجزئة أمام العثمانيين إلا بعدما استنفدت قواها وكان يجب أن يخلفها من يحيي قوتها في مواجهة التحديات التي واجهت الأمة، فالبرتغال هزمت المماليك ودقت نواقيس الخطر في البحر الأحمر والخليج، وشمال إفريقيا تهاوى أمام الإسبان ولم يكن من الممكن استخراج أي ميزة من هذا الوضع المشرذم، والسؤال هو ماذا كانت نتيجة استمرار التجزئة والضعف لو لم يظهر العثمانيون؟ وأين نذهب بحكم التاريخ كون ظهور العثمانيين في مشهد الأحداث أعطى العالم الإسلامي حيوية إلى الأمام وإلا لكان تهاوى أمام الزحف الاستعماري؟ والنتيجة أن الوحدة كانت دائماً أفضل مما سبقها من تجزئة وهذا هو توجه التاريخ الأوروبي نفسه، والفرق بيننا وبين أوروبا دخول العامل الخارجي الذي حرف مسيرة التاريخ المجزأ ونزوعه إلى الوحدة نحو مصالح خارجية.



  • 9- التركيز على الضعف الطارئ بعد قرون القوة وجعله هو المصير الثابت بعيد المدى خلل في الرؤية التاريخية وغرق في لحظة استثنائية وتضخيم لها بصورة تدفعنا للتساؤل بتعجب: هل كان ينبغي للدولة العثمانية في زمن قوتها وهي قادرة على صد العدوان الأوروبي عن البلاد العربية، التخلف عن أداء هذا الواجب تجنباً لما يمكن أن تصاب به من ضعف فيما بعد يضر بمن تحاول إنقاذهم اليوم؟ وهل أصيبت بالضعف فور دخولها البلاد العربية أم أن الأمر كان تدريجياً وامتدت قوتها قروناً قامت أثناءها بصد فاعل للطامعين كما يعترف الدكتور قاسم نفسه؟ وهل الجرد النهائي لحسابات المكسب والخسارة يوضح أن الضعف كان هو الغالب في الفترة الزمنية التي حكم فيها العثمانيون أم أن العكس هو الصحيح وأن القوة هي التي غلبت وأن فترة الضعف لم تسد إلا في القرن الأخير من بين ستة قرون ومع ذلك لم يكن هذا الضعف مستسلماً كما دلت على ذلك معارك الصمود والانتصارات ومشاريع البناء والإنشاءات حتى اللحظة الأخيرة من العمر العثماني؟ وبأي منطق نرفض ثماراً حاضرة ومطلوبة بشدة خشية عطبها في المستقبل؟ وهل هذا الرفض سيحمينا من نوائب الدهر لو كنا فرادى؟ وهل هناك مستند تاريخي لهذا الزعم أم أن الحوادث تنفيه وتؤكد أن الفرادى تعرضوا للأذى الاستعماري أكثر من الموحدين حتى مع ضعفهم؟ وما دامت حالة التجزئة هي “الأفضل” في نظر طرح الدكتور فما باله ينتقد الضعف العثماني الذي انتهى بالهزيمة أمام الاستعمار ومن ثم حلول التجزئة مكان الوحدة؟ وما بال هذه الحالة لم تنقذنا من الضعف الذي تسببت لنا به الدولة العثمانية في نظره مع أن هذه التجزئة سادت بلادنا منذ خروج العثمانيين قبل قرن من الزمن؟



  • 10- تهم الضعف والركود والجهل لا يليق تعميمها على قرون دولة عظمى شغلت العالم وقد تم الرد على ذلك وعلى تهمة تهميش العرب في دراسة سابقة وضحت المكانة الحقيقية للعرب وأن المدن العربية كالقاهرة وحلب كانت هي المدن الأبرز في الدولة العثمانية وكانت تتمتع بازدهار واضح بعيداً عن تهم الترييف (من الريف) والاستغلال والركود والجمود والتدهور وكانت تلي العاصمة اسطنبول مباشرة والتي لم تكن بدورها مدينة تركية بل مدينة بيزنطية مفتوحة ضمت شتاتاً من التعددية العالمية (دراسة: مدى مسئولية تاريخنا العثماني الحديث عن تخلفنا العربي المعاصر).



  • 11- ها قد عشنا زمن التجزئة بموارد ضخمة لا تتوفر في أي بقعة أخرى من العالم، فما الذي حصدناه غير الهزيمة والتبعية والضعف والجهل والمرض والركود والنزاعات والاحتلال وتبديد الثروات ، فأين هي وعود الازدهار من التنافس بل من الاقتتال بين الإخوة؟ وما هي الآفاق المتوقعة مع استمرار الشرذمة؟



  • 12- عجزت دولة التجزئة في أبهى حالاتها عن مجرد إحياء ما حققته دولة الوحدة لصالح المجموع في أسوأ حالاتها (المشاريع الحيوية كسكك الحديد العملاقة والاكتفاء الغذائي الذاتي والمجال التجاري المفتوح وبعض الانتصارات العسكرية والصمود في وجه الأعداء كما تم شرحه في دراسة سابقة: سياسات آخر أيام الخلافة، قضايانا بين الوحدة والتجزئة).


 

الهامش

[1] –فيليب مانسيل، القسطنطينية: المدينة التي اشتهاها العالم 1453-1924 (الجزء الأول)، سلسلة عالم المعرفة (426)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يوليو (تموز/ جويلية) 2015، ص 15-16.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 11:22 am

تبعات الانفصال العربي عن الخلافة العثمانية



  • الفرق بين انقسامات الأمس الإسلامي وانقسامات اليوم الاستعمارية


إن تشبيه الانقسامات السياسية في تاريخ الإسلام بالتجزئة الاستعمارية فيه كثير من التجني وعدم الموضوعية الذي تكشفه حقيقة أن المسلم أينما ذهب في تلك العصور داخل دار الإسلام لم يكن يعد أجنبياً، كما كانت الخلافة هي المركز الذي يجمع المسلمين حتى في عصور الضعف وكثرة السلاطين، وعن الفترة التي أعقبت سقوط بغداد على أيدي المغول سنة 656 / 1258 م يقول المستشرق برنارد لويس: ” رغم زوال الخلافة وتجزئة عالم الإسلام إلى عدد كبير من الكيانات السياسية المستقلة المنفصلة والمتحاربة في كثير من الأحيان، فقد بقي الشعور بالهوية والتماسك، وبأن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، قوياً وفعالاً، ورغم أن هذا الشعور كان أضعف من أن يحفظ الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، فقد كان قوياً إلى الحد الذي يكفي لكي يحول لمدة طويلة جداً دون ظهور كيانات سياسية دائمة ومستقرة”[1]، وزيادة على كون تعدد الحكام لم يؤد إلى انقسام دار الإسلام، فقد أدى الشعور بالوحدة إلى الميل دائماً نحو التوحد بعد الانقسام، وفي ذلك يقول إيفانوف : ” لكن وجود عدد كبير نسبياً من الحكام المسلمين الأقوياء المستقلين الذين أضفوا على أنفسهم ألقاب الإمامة والخلافة، لم يعن قط غياب وحدة الأمة الإسلامية عن عقول المسلمين، فبغض النظر عن الحدود السياسية، كانت دار الإسلام تعد أيضاً موحدة على الدوام…فكان لا بد من أن يكون لهذه الأمة الإسلامية الموحدة قائد ومرشد واحد يعد فوق كل الحكام المسلمين وأكثرهم نفوذاً”[2]، وكان ظهور العثمانيين في الشرق في بداية القرن السادس عشر بعد تجارب المماليك والأيوبيين هو الذي حل اختبار القوة الذي طرحته التحديات آنذاك على الأمة الإسلامية.
ولما جاء العثمانيون أصبح خلفاؤهم يتولون “المسئولية العليا للسلطة الزمنية للمسلمين إلى حدود بعيدة كالسنغال وسومطرة”[3] كما يقول المؤرخ نيكولاس دومانيس، وذلك رغم أن الحدود العثمانية السياسية لم تصل إلى هذه البلاد البعيدة، ويؤكد المؤرخ يلماز أوزتونا ذلك بالقول إن النفوذ العثماني وصل إندونيسيا وإفريقيا الوسطى وأوروبا الوسطى، و”كان البادشاه في الربع الثالث من القرن 19 يصادق على حكم سلطان بورنو في نيجيريا، وسلطان دارفور في السودان على حدود تشاد، وعلى كثير أمثالهم. تقلد أمين باشا الولاية في أوغندا التي كانت تسمى إيالة خط الاستواء مدة 16 سنة (7/5/ 1876- 23/10/1892)”[4].
ولكن لما حل بنا الاستعمار الغربي وضع أسواراً عالية بين أجزاء أمتنا وفصل بينها بفواصل عديدة، فتعذر التنقل والتكامل ونشأت هويات فرعية متناقضة ومتعادية ترى مصالحها على حساب مصالح إخوتها وأمتها وكان ذلك في حد ذاته إضراراً بمصالحها لكون العصي تأبى إذا اجتمعن تكسراً وإذا تفرقت تكسرت آحاداً، ورأينا تطبيق ذلك في كل المجالات: السياسية حيث تفرقت الأصوات وهانت في المجتمع الدولي فضاعت الحقوق وبيعت الشعوب، والاقتصادية حيث استنكفت ثروات البعض الثري عن البعض الفقير وفضلت الاستغلال الغربي على الاستثمار الشرقي، والاجتماعية حيث فضل المحتاج خبرة الأجنبي الاستغلالية على مساعدة الأخ التضامنية، وربما فضل الحريص منهم جداً على دمائه الزرقاء من الاختلاط بدماء أخيه أن يستعين بغريب يستغله على الاستعانة بخبرة أخيه التي أنفق هو على تعليمها وتنشئتها وتدريبها في أرضه ثم صار يراها “أجنبية” ويفضل إبعادها من دولته بدل الاستعانة بثمار جهده هو فيها، مفضلاً عليها الغرباء الطامعين فجلب على نفسه عداوة الجميع، ونشبت حروب طاحنة في الصراع على خطوط الحدود الوهمية المضحكة في مرجعيتها أحياناً، وهي خطوط رسمها الاستعمار وكان الفوز بتعديلها بما يسمح به الإبهام الواسع الذي تركها المستعمِرون عليه يعني الكثير بالنسبة لهذه الدويلات، فربما أضافت أمتار هنا أو هناك ثروة لا تقدر بثمن من الموارد أو المواقع أو الأراضي أو المنافذ، وربما كان الأمر مجرد قهر وإثبات وجود أمام الأخ والجار بدعم مباشر من مركز استعماري أو قوة كبرى، المهم أن هذه الحدود التي نشأت الهويات الحديثة حولها جلبت في كثير من الأحيان الضرر على أصحابها ذاتهم وليس على جيرانهم وإخوتهم وأمتهم فحسب، ومن أمثلة ذلك:

  • فلسطين 


لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ %D8%B3%D8%B3-300x270
كانت فلسطين في ظل آخر أيام الخلافة العثمانية مقسمة بين سنجق القدس وولاية بيروت، وكانت هناك روابط ربطت الفلسطينيين وأعطتهم شخصية متميزة إلا أن ذلك كان في إطار الاندماج في بقية العرب فلم يكن شعب فلسطين يعد نفسه منفصلاً عنهم بالإضافة إلى انتمائه السياسي لعاصمة الخلافة[5]، وكان ابتداع الخريطة الفلسطينية الحالية وخلق الهوية الفلسطينية المستقلة عن جوارها السوري من مستلزمات منح هذه الأرض للوطن القومي اليهودي الذي فصّلت بريطانيا بالاتفاق مع فرنسا هذه الخريطة وفق مصالحه كما أملتها مصالحها الإمبراطورية يومئذ، وأثبتت الأيام أن هذه الخريطة ما رسمت إلا لتسلم للصهاينة وتصبح كياناً صهيونياً استعمارياً ولم يستفد أهلها من هويتهم المستقلة سوى أنها أصبحت مبرراً لحصر القضية داخل حدودهم ولتخلي إخوانهم عنها بصفتها صراعاً بين الفلسطينيين وحدهم والإسرائيليين ولا شأن لمن هم خارج هذه الحدود الفلسطينية بهذا الصراع، وجل ما يتفضل به بقية العرب والمسلمين-الذين استبعدوا رسمياً من المواجهة بحكم هوياتهم الإقليمية المغايرة-هو القبول بما يقبل به الفلسطينيون الذين أصبح لهم كيان خاص، ولكنه ضعيف أيضاً لا يقدر وحده على مواجهة الدعم الغربي الشامل والعلني للصهاينة في الوقت الذي يُنكر فيه على الفلسطيني تلقي بندقية من أخيه، وأصبح القبول بما يقبل به الفلسطيني مبرراً تحت شعارات عدم التدخل في الشئون الداخلية والقرار الوطني المستقل، ولكن هذا القبول ترجم عملياً بالقبول فقط باستسلام الفلسطينيين للصهاينة إذ عندما يقومون بالمقاومة والمواجهة لا يُقبل منهم ذلك ويتم التآمر عليهم ومشاركة الصهاينة في حربهم والعدوان على بلادهم، ويُدفعون إلى عملية السلام الفاشلة دفعاً ويُتركون فرادى لمصيرهم لو أصروا على القتال، وبهذا تحولت الهوية المستقلة المصابة بالعجز البنيوي إلى تبرير للاستسلام وضياع حقنا في فلسطين بل ومشاركة الأعداء في الحرب ضدها.
لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ %D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-1-241x300
وقد ظهرت أعراض الأضرار الاستعمارية على أهل فلسطين منذ بداية نشوء كيانهم الذي فَصَلهم الاستعمار به عن جوارهم ورسم له حدوداً فاصلة بينهم وبين إخوتهم، فبعد انسحاب العثمانيين من بلاد الشام عقب الحرب الكبرى الأولى، ومع أن الانتداب ادعى الوصاية على الشعوب لتهيئتها لحكم أنفسها، فقد أحجمت سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين عن إقامة حياة ديمقراطية فيها خوفاً من أن تعرقل سياسة الوطن القومي الذي يرفضه شعب فلسطين، وكانت تتحايل على ثورات شعب فلسطين ومطالبه بتقديم عروض بإقامة مجالس مقيدة بصك الانتداب وسلطة المندوب السامي وإرادة ملك بريطانيا، وتحاول فرض المساواة في الأصوات بين الأغلبية العربية والأقلية اليهودية، وكان الشعب يرفض هذه العروض الالتفافية لأن من شأنها تكريس ما يرفضه ويصر على طلب حكومة مسئولة أمام مجلس نيابي وفق النسبة العددية وهو ما يمكن أن يعصف بمشروع الوطن القومي إذا مثل السكان وإرادتهم تمثيلاً حقيقياً حين كان العرب ما يزالون أغلبية ساحقة في وطنهم، ومن الطريف في هذا المقام أن بريطانيا الديمقراطية أنكرت التمثيل على شعب فلسطين في حين تمتع الفلسطينيون بهذا الحق في ظل “الاستبداد العثماني” فكان لهم نواب في مجلس المبعوثان في الآستانة [6] ، وهو ما طرحوه بوضوح أمام لجنة شو البريطانية التي بحثت أسباب اضطرابات سنة 1929 التي ذكرت أهل فلسطين بمقارنة عثمانية أخرى عندما كانت مقدساتهم تحظى بالحرمة ولا يجرؤ اليهود على انتهاكها كما فعلوا في حادث البراق في تلك السنة [7] ، ثم استمرت المقارنات فأفادت اللجنة التنفيذية العربية في ردها على الكتاب الأبيض سنة 1930 أن البلاد المقدسة لم تكن تعرف الاضطرابات قبل الاحتلال البريطاني [8] ، كما ذكرت مذكرة اللجنة العربية العليا للجنة بيل سنة 1936 أن العرب كانوا يمثلون قطاعاً هاماً في الدولة العثمانية وقارنت بين وضعهم الممتاز فيها ووضعهم المتردد تحت حكم الانتداب البريطاني [9]، وشارك المسيحيون أيضا في هذه المقارنة فقرروا أمام اللجنة المذكورة أنهم كانوا يتمتعون بامتيازات تحت حكم العثمانيين فألغتها حكومة الانتداب وأنهم كانوا ممثلين في المحاكم والمجالس البلدية والإدارية فتضاءل عددهم وأصبحوا على وشك الإقصاء النهائي [10]، وغير ذلك أيضاً من المقارنات الحزينة عن التطور نحو الأسوأ وقد اعترفت اللجنة في تقريرها أن العداء بين العرب واليهود لم يبدأ إلا مع الانتداب وأن العرب عاشوا في فلسطين عصوراً طويلة مجردين من كراهية اليهود [11].
ومن الغريب أن الحكم البريطاني عندما دمر النموذج العثماني في التعايش الذي استمر قروناً، لم يبن محله النموذج العلماني السائد في دول الغرب، بل أحل محله النموذج الطائفي الذي مارسه في بقية المستعمرات كالهند والعراق ومصر وبقية إفريقيا بالإضافة إلى ما طبقته فرنسا في مستعمراتها كسوريا ولبنان، مما نتج عنه في فلسطين تهميش الأقلية المسيحية التي كانت مندمجة بشدة في عملية بناء مجتمع مدني تعددي حديث شاركت قياداته المسيحية بقوة في مقاومة المشروع الصهيوني مما جعلها تربك وتهدد القيادة البريطانية التي رأت فيها عدواً للوجود الاستعماري فسعت للفصل بين المسلمين والمسيحيين على أسس سياسية وقانونية ونجحت في دق إسفين بينهم وغرس العداء على طريقة القرون الوسطى بين المسلمين واليهود في نظام كان الهدف منه هو تحقيق المصالح الاستعمارية المباشرة في إفساح مكان في حكم البلاد للمستوطنين الصهاينة مع تثبيط النشاط القومي العلماني التعددي في الطبقة الوسطى مما كرس الطائفية السياسية ومنع العمل المسيحي وهمش المسيحيين بجعلهم مجرد أقلية دينية سعت فيما بعد لخيارات مُرة زادت من عزلتها وأدت في النهاية إلى خيار الهجرة من فلسطين واختفاء المسيحيين من واجهة الأحداث سنة 1948 بعدما بدأت مكانتهم مركزية في بداية الحكم البريطاني سنة 1917[12]، وبهذا لم يصنع الغرب في بلادنا نموذجاً على شاكلته التي يراها صواباً، وفضل إلقاء قمامته الطائفية لتحكم بيننا، ويلاحظ الدكتور وليد الخالدي أنه في أثناء كابوس الحكم البريطاني الطويل (1917-1947) “عطل البلد الديمقراطي الرئيسي في الغرب(أي بريطانيا)، الديمقراطية في فلسطين، من أجل أن يسهل، بقوة الحراب، وضع الأساس للقوة الصهيونية في البلد في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتنامية”[13].
ولكل هذا لم يكن من الغريب أن يقوم أهل فلسطين منذ البداية ممثلين باللجنة التنفيذية العربية ورئيسها موسى كاظم باشا الحسيني، بتبليغ وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل لدى زيارته لفلسطين سنة 1921 بإحساسهم بالفروق الكبيرة التي طرأت على حياتهم , وتحسرهم “على زوال أيام العثمانيين حين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم عن طريق برلمان، مضيفين أن المسئول التركي الوحيد بين ظهرانيهم كان الوالي أو المتصرف الذي كان له مجلسه الاستشاري المنتخب من أهالي البلد لمساعدته، وتابعوا، مقارنين ذلك بحالتهم الراهنة: لقد تغير كل هذا الآن، فليس لنا صوت ولا رأي في حكومة البلد، وليس لنا برلمان تمثيلي، والسكرتير القانوني ومعه عدد قليل برئاسته هما مصدر قوانيننا ونظامنا القانوني، والتفت أعضاء اللجنة أيضاً إلى أنه على الرغم من أن صك الانتداب كان “طافحاً” بالتأكيدات أن”حقوقهم المدنية والدينية ستُراعى”، فإن ذلك ، في رأيهم، لا يمنحهم شيئاً جديداً، وأضافوا أن الأتراك لم يحدث أن تدخلوا يوماً في الممارسات الدينية للطوائف الأخرى، بل إنهم لم يألوا جهداً في حماية ممارسة هذه الأديان….وعلاوة على ذلك، كان جميع القضاة في المحاكم ، وكذلك أعضاء الهيئة القضائية تحت حكم الأتراك من أهل البلد، وكان يمكن لأي مواطن أن يبلغ أسمى مركز قانوني”، فرد تشرتشل على كل حجج العرب رداً مخيباً للآمال إن لم يكن مهيناً بصورة سافرة ، إذ أنه بلغ الزعماء العرب بصراحة جافية أن سياسة بريطانيا لن تتغير، وليس من سلطته تغييرها، وحتى لو كان ذلك في قدرته، فهو ليس راغباً في ذلك”[14].
وقد أدرك أهل فلسطين أن التحدي الذي يواجهونه أكبر من إمكاناتهم وحدهم فظلوا مصرين على الوحدة مع سوريا الكبرى وعلى كون فلسطين ليست سوى سوريا الجنوبية، إلى أن تقاسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام وأصبحت المطالبة بالوحدة متعذرة حتى لو كان ذلك تحت انتداب واحد[15]، ومنهم من طالب بعودة الأتراك على شكل انتداب أو بالاستعانة بالجيش التركي المنتصر[16]وذلك قبل الانقلاب الكمالي على الخلافة الإسلامية، ومنهم من تطلع إلى عون الحركة الوهابية في الجزيرة العربية[17]، المهم أنهم أدركوا آنذاك جناية التجزئة وهويتها الانفصالية على قدرتهم على مواجهة التحديات الدولية وحدهم.
الهوامش
[1] -شاخت وبوزورث، تراث الإسلام/القسم الأول، سلسلة عالم المعرفة (Cool، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 1978، ترجمة:الدكتور محمد زهير السمهوري، ص 252 (الفصل الرابع: برنارد لويس، السياسة والحرب).
[2] -نيقولاي إيفانوف، الفتح العثماني للأقطار العربية1516-1574، دار الفارابي، بيروت، 2004، ترجمة: يوسف عطا الله، ص 52.
[3] -Robert Aldrich (ed), The Age of Empires, Thames & Hudson, London, 2007, p. 26.
[4] -يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، مؤسسة فيصل للتمويل، استانبول، 1990، ترجمة: عدنان محمود سلمان، ج2 ص 761 و 873.
[5] -ديفيد جيلمور، المطرودون:محنة فلسطين، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1993 ، ص 41.
[6] -دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف بمصر، 1973، ج 1 ص 556.
[7] -نفس المرجع ، ج 1 ص 551.
[8] -نفس المرجع ، ج 1 ص 573.
[9] -نفس المرجع ، ج 1 ص 613.
[10] -نفس المرجع ، ج 1 ص 614.
[11] -نفس المرجع ، ج 1 ص 647.
[12] -Laura Robson, Colonialism and Christianity in Mandate Palestine, University of Texas Press, Austin, 2012, pp. 158-161.
[13] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية والنادي الثقافي العربي، بيروت، 2009، ص 264.
[14] -سحر الهنيدي، التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي:فترة هربرت صامويل 1920-1925، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003 ، ص160-161.
[15] -نفس المرجع ، ص 150-151.
[16] -نفس المرجع ، ص 213 و 227.
[17] -نفس المرجع ، ص 227-228 و299.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 11:24 am

تبعات الانفصال عن الخلافة العثمانية؛ كيف أضرت هويات التجزئة بأصحابها؟


الكويت

بذل الإنجليز جهوداً كبيرة في الدفاع عن استقلال الكويت وإنشاء هوية خاصة بها بعيداً عن الدولة العثمانية وذلك ليمنعوا وصول سكة حديد بغداد إليها لأنها كانت ستهدد الهيمنة البريطانية على الخليج الذي يصلها بمستعمرتها الأثيرة في الهند، مع أن هذه السكة كانت ستحوّل الكويت إلى محطة نهائية لطريق تجاري عالمي يقطعه قطار الشرق السريع من برلين مروراً بعواصم أوروبا ثم اسطنبول فبغداد فالكويت مما كان سيمنح ميناء الكويت أهمية اقتصادية وتجارية كبيرة قبل ظهور النفط بعشرات السنين، فلا يصبح اقتصادها بعد ذلك معتمداً اعتماداً حصرياً على منتج واحد هو النفط، وقد قام الوفد الألماني الذي زار الكويت سنة 1900 لمسح المنطقة وتحديد المحطة النهائية لسكة الحديد بإغراء الشيخ مبارك لكسب تأييده للمشروع، فأخطرته البعثة “بأنها ستدفع له ثمناً باهظاً للأراضي التي ستشتريها أو تستأجرها، مؤكدة له أن الكويت ستصبح من المراكز التجارية المرموقة، وأنها قد تصبح”بومباي أخرى”، وأن إيراد الشيخ الخاص سوف يزداد، وسوف ترتفع قيمة الأرض في الكويت، وسوف تكون هناك فرص عمل متوافرة للجميع، وأن الملاحة سوف تزدهر لأن الناقلات البحرية الضخمة سوف تبحر إلى ميناء الكويت لتفريغ حمولاتها حتى تنقل بالقطار”[45].
وما يؤكد تلك الآمال ما جاء في تقرير مؤسسة ماكينزي الاستشارية لسنة 2008 عن الإصلاح الاقتصادي في الكويت:”التجارة من العراق وإليه عبر الكويت تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار (سنوياً بحلول سنة 2020)، وحتى يكون ذلك لا بد من السكك الحديدية”، هذا ما ستصنعه سكة محدودة،مع العلم أن مجمل التجارة الكويتية بلغت حتى ذلك العام 70 مليار دولار (سنوياً)[46]، فما هي القيمة التي كانت التجارة الكويتية ستصل إليها لو أن الكويت أصبحت محطة نهائية لطريق عالمي كسكة تمتد عبر القارات من برلين إلى بغداد منذ مائة عام؟ وهو أمر تحاول العودة إليه اليوم ولو بصورة جزئية بواسطة حلم المركز المالي ومشاريع السكك الحديدية الإقليمية التي مازالت في عالم التخطيط، ولو تحقق منها شيء يوماً ما فإنه سيكون بالتأكيد دون ذلك الفردوس المفقود بدرجات عديدة، ومازالت بعض الأصوات الانعزالية المحتفية جداً بالاستقلاليات الوهمية تحذر من إحياء مشروع سكة حديد بغداد ولو كان مصغراً خوفاً على صيانة هوية التجزئة[47]التي تتضرر من المشاريع الكبرى.
كان الشيخ مباركاً في ذلك الوقت مقيداً بالمعاهدة التي عقدها سنة 1899 مع بريطانيا وتعهد فيها بعدم منح أو تأجير أي قطعة أرض من بلاده دون موافقة الحكومة البريطانية، وكانت هذه الحكومة تعارض وصول السكة إلى ساحل الخليج، ولذلك كان رده على البعثة الألمانية هو عدم الاعتراف بالسيادة العثمانية على الكويت، ولكونه عربياً فإنه كبقية العرب يرفض “أن يجد الأجانب لأنفسهم موقع قدم في الأراضي العربية، وأن شيوخ العرب الآخرين لن يوافقوا على التنازل عن أماكن الكلأ لخط سكة حديد أجنبي”، وقال: “نحن بدو بسطاء، لا نزرع ولا نقيم البساتين، وليس لدينا أي مداخيل، فما لزوم هذا الخط الحديدي لنا وسط الصحراء؟”[48]، ومن الصعب تفهم كيف دعمت بريطانيا “المتحضرة” هذا التقويم المبسط لأهمية سكة عملاقة لولا تعمدها منع إفادة المنطقة، خدمة لمصالحها الذاتية التي تتعارض مع مصالح أمتنا، وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي:”ولا شك في أن الشيخ مبارك كان في هذا الموقف معتمداً على تأييد بريطانيا الحاسم له، فالتزم التزاماً دقيقاً بأحكام اتفاقيته المانعة مع بريطانيا، وكان قد تلقى تحذيراً من قائد السفينة البريطانية “ميلبوميني” بألا يتخذ أي إجراءات في شأن مطالب البعثة الألمانية قبل موافقة حكومة الهند عليها”، وأطلع السفير البريطاني في اسطنبول الحكومة العثمانية على نصوص اتفاقية 1899 وأبلغ السفير الألماني بأن”شيخ الكويت ليس حراً في أن يبيع لشركة سكة حديد الأناضول أو يؤجر لها أي جزء من أرض الكويت دون موافقة الحكومة البريطانية”، وفي 28 مايو/ أيار/ ماي 1901 اتصل الشيخ بالمقيم البريطاني في الخليج يرجوه أن تسارع بريطانيا بإعلان الحماية الدائمة والسافرة على الكويت، وهو ما رفضته الحكومة البريطانية حتى لا تجر المشاكل الدولية مع العثمانيين وغيرهم[49]، ولكنها قامت بعدة إجراءات لدعم نفوذها في الكويت مما شجع الشيخ مباركاً على مزيد من الاستقلال عن الدولة العثمانية، ويعلق الدكتور الشناوي على ذلك بالقول إنه”من الصعب القول بأن الشيخ مبارك كان يدفعه شعور قومي بالاستقلال، لأنه حين جاهر برفضه السيادة العثمانية على الكويت، ارتمى في أحضان بريطانيا وعقد معها الاتفاقية المانعة سنة 1899…ثم طالب مبارك إعلان الحماية البريطانية السافرة والدائمة على الكويت، ولم يشعر بشيء من المعاناة النفسية”[50].
فكان ذلك الاستقلال المحتفى به والهوية الجزئية التي أفشلت تحقيق مشروع سكة بغداد قبل قرن، بحجة الحفاظ على أعشاب مراعي الماشية من “إفساد” القطار، من مستلزمات المصالح الغربية التي فضلت تخلف الكويت آنذاك على حساب المصالح الحقيقية للسكان المحليين، وإن صورت السياسة عكس ذلك، فمصلحة بريطانيا في تعطيل الخط كانت واضحة وهي التي أملت عليها السياسة التي اتبعتها، إذ كانت تخشى وصول ألمانيا إلى الخليج، بوابة الهند والعراق البحرية، وحصولها بعد ذلك على قاعدة بحرية، مما يقضي على سيطرة بريطانيا المتفردة على الخليج واهتزاز نفوذها السياسي والتجاري في الهند وتضاؤل نفوذها في العراق وتهديد مركزها في قناة السويس التي ستقل أهميتها ويُسلب منها نقل المسافرين والبريد والبضائع الخفيفة فيقل دخل بريطانيا من أرباح أسهمها في القناة، وسيطر على أذهان ساسة بريطانيا واقتصادييها الاعتقاد بأن ألمانيا ستمد خط ملاحة من الكويت إلى بومباي لتحتكر التجارة والشحن ونقل المسافرين من الهند إلى الكويت ثم إلى المشرق العربي وأوروبا بالسكة الحديدية[51]، أما مصلحة الكويت فلم تتضح من تعطيل وصول الخط إليها إلا إذا كان كلأ المراعي يعد مصلحة حقيقية في نهوض الأمم، ومما سبق نرى أنه حتى الكيانات الصغيرة التي نعمت بالثروات الضخمة كان خيار التجزئة ضاراً بشعوبها وكان من الممكن أن تنعم بخير أكثر ازدهاراً ضمن خيار الوحدة الشاملة، ولكننا ادخرنا هذا الازدهار للمحتل الغربي فكان تقدم بريطانيا معتمداً على تخلف بلادنا مهما خدع ترف المظاهر الاستهلاكية المفرطة أعين النظار.
 

العراق

يخبرنا التاريخ وفقاً لضرورة الطبيعة والجغرافيا أن منطقة الخليج كانت هي الممر البحري لبلاد ما بين النهرين، وفي العصر الإسلامي حين كانت بلاد المسلمين غير مقسمة بالحواجز العالية كانت سواحل الخليج العربية والفارسية هي الوسيط الذي يحصل العراق من خلاله على حاجاته المعيشية من بضائع شرق آسيا وشرق إفريقيا وكانت التجارة نشطة رغم الاختلافات المذهبية التي ولدت انقسامات سياسية والتي عصفت بالمنطقة وأدت إلى الانشقاق بين الخلافة العباسية في العراق والقرامطة في ساحل الخليج والإباضية في عُمان، ومع ذلك لم يكف الخليج عن كونه ممر الطرق التجارية من وإلى العراق[52].
وفي العهد العثماني كان الساحل العربي للخليج ضمن دولة واحدة تلم معظم العالم العربي ومنه العراق، وسواء ارتبط الساحل إدارياً بالعراق أم كان ولاية إحسائية منفصلة فقد كانت الدولة واحدة لا تؤثر في تواصلها التصنيفات الإدارية كما لا تؤثر هذه التقسيمات على تواصل المحافظات المختلفة داخل الدولة الواحدة، وفي التقسيمات الإدارية العثمانية الأخيرة كان هذا الساحل العربي كله إلى عُمان تابعاً لولاية البصرة، وكان الخليج نفسه يُسمى خليج البصرة.
ولكن عندما حلت التجزئة التي افتعلها الاستعمار الغربي بالمنطقة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب الكبرى الأولى، اختلقت بريطانيا الكيان العراقي بما يفصله عن منافذه البحرية الخليجية التي حرص الإنجليز على السيطرة عليها وعدم السماح لأي جهة حتى لو كانت من عملائها بالسيطرة على ثرواتها ومواقعها الحساسة، وكانت عملية فرض الهيمنة البريطانية على الكويت في سبيل المصالح الاستعمارية هي قطع الشريان الأخير الذي يمكن أن يعيش الكيان العراقي منه لو استمرت العلاقة التكافلية بين الطرفين وفقاً للخريطة العثمانية الأخيرة قبل سقوط الخلافة الإسلامية، وليس وفقاً لتبعية أي طرف لآخر حسب التصنيفات القُطرية.
ولكن المخطط البريطاني جعل من بلد كبير نسبيا كالعراق بلا سواحل بحرية مكافئة لحجمه، في الوقت الذي جعل الكويت الصغيرة كلها ساحلاً على البحر، وهو ما بذر بذور الخلاف والحسد والبغضاء والخوف بين الطرفين، وهو تناقض لم يكن له وجود فيما سبق عندما كان ساحل الخليج الغربي مفتوحاً لأبناء الدولة العثمانية كلها، وأصبح القبول بالهوية العراقية المستحدثة القائمة على الخريطة البريطانية التي تجوف العراق من منطقة الساحل، قبولاً بخنق هذا الكيان نفسه ومن يعيش عليه، فكانت هوية التجزئة بذلك هي الهوية الضارة بأهل هذا الإقليم، ومن هنا كانت المحاولات المستمرة التي قام بها طيف الأنظمة العراقية المختلفة للخروج من هذا القمقم الذي حشر الاستعمار العراق فيه، ويؤخذ على هذه المحاولات أنها انطلقت من نفس الهوية القُطرية العراقية التي فرضتها التجزئة الاستعمارية، لأن الهدف منها كان متواضعاً وهو تعديل حدود القطر العراقي فقط ولم تكن انطلاقات من هوية جامعة غير مرتبطة بأي قطر من أقطار التجزئة، ولم يقصد منها تكوين نواة الوحدة الشاملة التي تحطم جميع الأسوار الاستعمارية وتلغي جميع أكشاك الحراسة التي أقامها الاحتلال الغربي، ومن هنا لم تتخذ أبعاداً جماهيرية كاسحة ضد الهيمنة الغربية ونواطيرها، وهي محاولات كلفت بدورها هذا البلد المنكوب أنهاراً من الدماء وجبالاً من الخسائر تعلق جميعها برقبة الخطيئة الأصلية وهي التجزئة وهويتها الانفصالية.
وقد وافقت الكويت في السابق على حلحلة الحبل المربوط حول عنق العراق وذلك بتأجيره جزيرة وربة المهجورة والشاطئ البري المقابل لها إلا أنها تراجعت بضغوط بريطانية[53]، تماماً كما خنق الأمريكيون والإنجليز مبادرة الأمير سلطان بن عبد العزيز الداعية إلى منح العراق منفذاً على البحر وفقاً لكرم الأخوة العربية وذلك بعد اندلاع أزمة الخليج سنة 1990 [54]، وهو ما كان سيوفر كثيراً جداً من الخسائر على جميع الأطراف العربية مما يجعل المراقب يلاحظ بلا شك دور الغرب الواضح في التلاعب بمصائر بلدان المنطقة خارج حدود مصالح أهلها، ويرى الدكتور مؤيد الونداني أن هذه القضية “ستستمر في المستقبل مادام العراق محروماً من الشاطئ البحري الذي تمتع به عبر تاريخه الطويل”[55].
 

الهوامش

[45] -سعاد محمد الصباح، مبارك الصباح: مؤسس دولة الكويت الحديثة، دار سعاد الصباح، الكويت، 2007، ص 296.
[46] -صحيفة الوطن الكويتية، 17/2/2008، ص 26
[47] -صحيفة الوطن الكويتية، 17/12/2008، ص 7.
[48] -سعاد محمد الصباح، ص 297-298.
[49] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلة المصرية، القاهرة، 1997، ج 3 ص 1388 و1400-1402.
[50] -نفس المرجع، ج 3 ص 1406-1409.
[51] -نفس المرجع، ج 3 ص 1360 و 1382-1384.
[52] -د. حسين علي المسري، تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين العراق والخليج العربي 749-1258 م، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1982 ، ص 203-346.
[53] -مؤيد الونداني، الاتحاد العربي في الوثائق البريطانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2013 ، ص 125 و 678-682.
[54] – http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-22-29/29936-في-ذكرى-ضياع-فرصة-مصالحة-ذهبية-إلى-متى-سنصغي-إلى-الأجنبي؟.html
[55] -مؤيد الونداني، ص 65.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 12:21 pm

[rtl]تبعات الانفصال العربي عن الخلافة العثمانية_الجزء الثاني[/rtl]

[rtl]

كيف أضرت هويات التجزئة بأصحابها؟
(مصر وشمال إفريقيا)

●مصر

[/rtl]
وكانت الرغبة في بسط الحماية الفرنسية على مصر هي السر في تشجيع الفرنسيين ولاة مصر على التحرر من السلطة العثمانية[18]، كما دعمت بريطانيا الميول الاستقلالية لورثة محمد علي ابتداء من عباس باشا الذي ساندته ضد تطبيق القوانين العثمانية في مصر[19]بعد أن استفادت من المركزية العثمانية نفسها في تحطيم تجربة جده النهضوية التي استفادت منها بدورها مع بقية أوروبا في “زعزعة أركان الدولة العثمانية وفي رفع مستوى تدخلها المباشر في شئون السلطان العثماني”[20]
ومن العجيب أن عباس باشا “كان يحتقر جهاراً الثقافة الغربية ويمقت الأوروبيين، إلا أن هذا لم يعفه عن الخضوع إلى التعليمات الواردة من إنكلترا”[21]، التي مهدت الطريق بكل ذلك لاحتلال مصر عسكرياً مستفيدة بصورة خاصة من النزعة الاستقلالية عند الخديو إسماعيل فيما بعد عباس بالإضافة إلى نزعته التغريبية التي نفرته من العثمانيين وقربته من أوروبا وجعلته يقوم بـ”إصلاحات” تغريبية أوقعته في فخ الاستعباد المالي الأوروبي قبل الاحتلال.
الفخ الذي سهل الاحتلال
وكان استقلال مصر عن دولة الخلافة والذي احتفى به الخديو بتأييد من أوروبا هو الذي جعلها تواجه الأطماع الأوروبية وحيدة ومن ثم تقع في فخ الاحتلال وهو مصير تجنبته الدولة العثمانية بسبب وزنها الدولي حتى بعد إفلاسها المالي ووقوعها تحت نفس الظرف الاقتصادي الذي وقعت فيه مصر، وبعد وقوع الاحتلال حوّل مصر إلى زراعة المحصول الواحد (القطن) لتلبية الحاجات الصناعية البريطانية بدل زراعة القوت التي كانت تكفي المصريين ذاتياً، وكان هذا الإجراء البريطاني تمهيداً “لجملة المشكلات التي كانت مصر ستبتلى بها في القرن العشرين”[22]وفقاً للمؤرخ الاقتصادي إريك وولف.
ولما تأزمت العلاقات العثمانية البريطانية بسبب رغبة الاحتلال في ضم سيناء إلى مصر والرغبة العثمانية المناقضة وقف شعب مصر خلف تيار الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل باشا إلى جانب الموقف العثماني[23]، وفضل أن تخرج سيناء من الحدود المصرية وهي حرة على أن تدخل في دائرة الاحتلال البريطاني مع مصر المبتلاة بالإنجليز.
وهو موقف منسجم مع الهوية الإسلامية الجامعة التي كان المصريون يفكرون بها ولا يفرقون بين أقطار الإسلام ويرغبون في النأي عن هيمنة الاحتلال ويفضلون الأخ المسلم على المحتل الأجنبي، وهذا ما دعا أنصار الوطنية المعاصرة لاستنكاره بحجة الانتصار للهوية المصرية، ولو كانت خدعة بريطانية للهيمنة على سيناء.
فتصوير المشكلة بأنها تناقض بين مصالح عثمانية ومصرية واستبعاد البعد الاحتلالي البريطاني منها، كما حلا للتغريب رؤية المشهد[24]، قصور واضح في فهم الواقع يؤدي إلى الاصطفاف البائس مع المحتل وتخيل وجود جبهة مصرية-بريطانية موحدة، وتصوير المحتل بصورة المدافع عمن يحتل هو أرضهم ويسبب المشكلة الرئيسة لهم[25]، كما يؤدي إلى:
1_ القبول بتسليم البلاد إلى المحتلين وتصور الخطر آتياً من الأشقاء
 وهذا ما حدث عندما قام الألماني بول فريدمان بمحاولة استيطان يهودي في شمال غرب الجزيرة العربية وهي منطقة كانت تحت السيادة المصرية (1891-1892) فلجأ عربان المنطقة إلى الحكومة المصرية لتساعدهم على التخلص من هؤلاء الغرباء المزعجين ولكنهم رجعوا دون أن يستمع إليهم أحد من رجال الحكومة فلجئوا إلى الدولة العثمانية حيث أصدر والي الحجاز أمره لأحد الضباط بمعالجة الوضع واحتلال قلعة المويلح في تلك المنطقة، ويعلق الدكتور صبري أحمد العدل على المشهد بقوله:
“ولكن الغريب في الأمر أن ممثلي الإدارة المصرية في سيناء، لم يثرهم تواجد فريدمان، وإنما اختراق والي الحجاز الأراضي المصرية حيث أرسل سعد أفندي رفعت، قومندان القلاع الحجازية برسالة إلى سردارية الجيش المصري يوضح بها الكيفية التي حضر بها محافظ الوجه بقصد الاستيلاء على قلعتي المويلح وضبا التابعتين للحكومة المصرية، ومحاولته منع هذا الاستيلاء، ومنع انتهاك السيادة المصرية”، ثم تخلت بريطانيا عن دعم مشروع فريدمان “لتجنب الاصطدام مع الدولة العثمانية”[26]، وبهذا يتضح عوار المنطق المتستر بالمصالح الوطنية الضيقة ولو كانت بالاتفاق مع المحتلين ضد مصالح الأمة الكلية التي هي الوحيدة الكفيلة بحراسة الجميع.
2_ نظرة غير تاريخية تسقط الحاضر الوطني التغريبي على الماضي
حين كان الشعور إسلامياً ومن ثم كان المسلم يفضل أن يكون وطنه تحت سلطة خليفة المسلمين على أن يكون تحت احتلال الأجنبي، وإن موقف الدولة العثمانية من مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء يؤكد أن همها لم يكن اقتطاع الأراضي المصرية بل استبعاد أخطار التدخلات الأجنبية، ولهذا احتمت الحكومة المصرية بالموقف العثماني عندما رفضت مشروع هرتزل للاستيطان اليهودي[27].
ولما قامت الحرب الكبرى الأولى سنة 1914 قامت بريطانيا بإعلان الحماية على مصر رسمياً وقطعت علاقاتها الاسمية حتى ذلك الوقت بالدولة العثمانية وسخرت جميع الإمكانات المصرية وأنهكتها مادياً ومعنوياً في سبيل الحرب[28]التي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل، ومن ذلك أنها خلعت الخديو عباس حلمي الذي شاكس المحتلين ونصبت عمه حسين كامل سلطاناً على مصر ليناوئ ويقارع بهذا اللقب منصب السلطنة العثمانية التي كانت في حرب مع الحلفاء، وقد عبر المصريون عن رفضهم لوضع السلطان الألعوبة، الذي يستمد سلطته من الإنجليز بعدما كان الخديو يستمدها من الخليفة[29]، بمحاولة اغتياله مرتين بالإضافة إلى محاولة اغتيال رئيس وزرائه وأحد وزرائه أيضاً [30]، كما أطلقوا على كثير من مواليد سنوات الحرب أسماء الزعماء الأتراك أنور وجمال وطلعت (وكان من هؤلاء المواليد رئيسا مصر فيما بعد وشقيق أحدهما)، ومن الطريف أن منصب السلطان المصري هذا الذي أعلنه الإنجليز منحوه صلاحيات أقل من صلاحيات منصب الخديو[31]، رغم التفخيم اللفظي، وهي سمة لازمت دول الاستقلال والتجزئة التي أصبحت ألقاب حكامها ألقاب مملكة في غير موضعها كالقط يحكي انتفاخاً صولة الأسد، كما يقول الشاعر ابن عمار الأندلسي، وقد رفض ابن السلطان حسين أن يخلف والده بعد وفاته[32].
وخلاصة الأمر أن ترفيع مصر إلى مقام السلطنة كان غطاء لاحتلالها وتسخيرها لحاجات بريطانيا الحربية، ولهذا وجدنا شعب مصر للمرة الثانية لا تبهره الإجراءات البريطانية ولا تؤدي إلى انخداعه بالمكانة الوهمية التي أسبغها الاحتلال عليها باسم الوطنية، وذلك لكونها مضادة لهويته الإسلامية الجامعة التي تتضمن مصالحه الحقيقية في الوحدة والاستقلال عن الاستعمار، وفضل الوقوف إلى جانب الخلافة العثمانية على تأييد سلطنة مصرية خاضعة للاحتلال، ولما انتهت الحاجة منها ألغيت هذه السلطنة في نفس العام الذي ألغيت فيه السلطنة العثمانية (1922) لتقوم بدلاً منها المملكة المصرية غطاء لشكل جديد من الهيمنة البريطانية تحت عنوان مزيف هو الاستقلال المتحفظ عليه والذي جعل مصر مرة أخرى في الحرب الكبرى الثانية تسخّر كل طاقاتها لأجل المجهود الحربي البريطاني[33]، وبهذا كانت المصالح الاستعمارية وراء تكوين الكيان المصري المستقل عن محيطه الإسلامي، وقد أضر هذا الإجراء بأهل مصر ذاتها من عدة جوانب ووضع مواردها في خدمة الأجانب، ومن صور هذا الاستغلال المادي أنه بمجرد أن اندلعت الحرب (الكبرى الأولى) وقع الجزء الأكبر من عبء دعم مصر للبريطانيين على الطبقة العاملة،
صودرت المحاصيل لدعم المجهود الحربي،
وجُند الفلاحون في فرق عمل تزود الجبهة الغربية بالدعم اللوجستي،
وأدى التضخم ونقص البضائع إلى انخفاض مستوى معيشة جميع فئات الشعب، وصار كثير من المصريين في حالة عوز”[34]، ويجب أن نتذكر أن هذه الحرب كانت حرب بريطانيا التي أعلنت أنها تتحمل أعباءها على عاتقها ولا تسعى لالتماس معونة مصر[35]، ولم تكن لمصر بها أي مصلحة بل لقد أُجبر المصريون على قتال إخوتهم المسلمين، كما سيق أبناء المستعمرات البعيدة لسفك دمائهم في سبيل الأمجاد الاستعمارية.
[size][rtl]

●تونس

[/rtl][/size]
وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تدعم التغريب المركزي في الدولة العثمانية، شجعت كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الباي التونسي مادياً لدفعه بعيداً عن المركز العثماني[36]، ودافعت فرنسا عن فكرة استقلال تونس عن الدولة ممهدة الطريق لاحتلالها العسكري بعد إصلاحات تغريبية قام بها الباي بتشجيع أوروبي مهد الطريق للاستعباد المالي الذي استدعى الاحتلال الفرنسي[37]، وسنجد الدفاع عن النزعات الاستقلالية عن الجسم الأكبر نموذجاً متكرراً في السياسة الاستعمارية يخفي وراءه رغبة جامحة في السيطرة على الأقاليم التي تستقل عن هذا الكيان الواسع.
اتخذ حسين باي الثاني علماً مميزاً عن العلم العثماني (1827) ليؤكد استقلاله عن الدولة العثمانية فكانت النتيجة أن استفرد الفرنسيون بتونس واحتلوها وأضافوا علم فرنسا إلى علمها طيلة مدة الاحتلال (1881-1956)، وكان كل ما وقع على تونس من أضرار الحماية الفرنسية نتيجة هذا الميل الاستقلالي.
[size][rtl]

●مفارقة التبعية والاستقلال في ولايات شمال إفريقيا العثمانية

[/rtl][/size]
في ظل (التبعية الرسمية) للخلافة العثمانية
تمتعت ولايات شمال إفريقيا (باستقلال فعلي) وقوة إلى درجة فرض أمرها على الغرب الذي كان يدفع لها الأتاوة صاغراً، وكان يوسط السلطان العثماني لتهدئة ولاياته التي لا تلتزم أحياناً بتعليماته.
أما في ظل (الاستقلال الرسمي)
الذي أنتج كثيراً من الفخامة اللفظية والهويات المعتزة في غير موضعها فقد فرض الغرب على جميع دول التجزئة (التبعية الفعلية) له في جميع شئون الحياة.
النتيجة: أن التبعية الرسمية لدولة الوحدة الكبرى أفضل من الاستقلال الرسمي والهويات المتكاثرة كالفطر لدول التجزئة المجهرية.
 
●الهوامش
[18] -تيودور رتشتين، تاريخ المسألة المصرية 1875-1910، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1950، ترجمة:عبد الحميد العبادي ومحمد بدران، ص6.
[19] -الدكتور محمد أنيس، الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914)، مكتبة الأنجلة المصرية، القاهرة، 1993، ص225.
[20] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان ورام الله، 2007، ص34.
[21] -لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص171.
[22] -إريك وولف، أوروبا ومن لا تاريخ لهم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2004، ترجمة: فاضل جتكر، ص 406.
[23] -رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، تحرير: عبادة كحيلة، ص 215.
[24] -ألفت احمد الخشاب، تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره على الأمن القومي المصري 1892-1988، دار الشروق، القاهرة، 2008، ص169-170.
[25] -د. صبري أحمد العدل، سيناء في التاريخ الحديث (1869-1917)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2004، ص164.
[26] -نفس المرجع، ص180-182.
[27] -نفس المرجع، ص192.
[28] -لوتسكي، ص407-410.
[29] -يوجين روجان، العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2011، ترجمة: محمد إبراهيم الجندي، ص 210.
[30] -لوتسكي، ص 411.
[31] -دكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد، البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 1994، ص152.
[32] -أحمد شفيق باشا، حوليات مصر السياسية-التمهيد (1)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2012، ص 148.
-رءوف عباس، ص 105.
[33] -رءوف عباس، ص 232 و 246.
[34] -يوجين روجان، ص 210.
[35] -لوتسكي، ص 407.
[36] -سعد محيو، مأزق الحداثة العربية من احتلال مصر إلى احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010، ص77.
-هاري ماجدوف، الإمبريالية من عصر الاستعمار إلى اليوم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981، ص65.
[37] -لوتسكي،ص203-204.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟   لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟ Emptyالخميس 21 مارس 2019, 12:22 pm

[rtl]تبعات الانفصال العربي عن الخلافة العثمانية- الجزء الثالث[/rtl]



[rtl]

كيف أضرت هويات التجزئة بأصحابها؟

[/rtl]


  • لبنان


رعت أوروبا في زمن ضعف الدولة العثمانية إقامة إقليم خاص بجبل لبنان في أعقاب المذابح التي تعرض لها المسيحيون على أيدي الدروز في سنة 1860، ولكن الحل الأوروبي لم يكن حلاً، وفي ذلك يقول المؤرخ يوجين روجان في كتابه العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر:
“كانت الحدود الجغرافية لإقليم جبل لبنان المتمتع بالحكم الذاتي هي بعض أكبر عيوبه، فمساحة الإقليم صغيرة للغاية وأرضه مجدبة…واضطر كثير من اللبنانيين أثناء السنوات الأخيرة من الحكم العثماني إلى الرحيل عن وطنهم بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل، فبين عامي 1900 و 1914 رحل ما يقدر بنحو 100 ألف لبناني، أي نحو ربع إجمالي عدد السكان، عن جبل لبنان…”، وبهذا كانت الخطوة الأولى في تكوين الكيان اللبناني على يد الاستعمار ضد مصلحة أهل لبنان، فتطلع مجلس إدارة الإقليم الذي يعين أعضاؤه من الطوائف المتنوعة حسب أحجامها إلى فرنسا التي طالما كانت راعياً ونصيراً لهم للحصول على بلد أكبر، وعلاوة على ذلك فازت فرنسا بدعم وولاء طائفة المسيحيين الموارنة..(و) لعل لبنان، مع انتهاء الحرب العالمية الأولى كان البلد الوحيد في العالم الذي يضم جمهوراً كبيراً من المؤيدين النشطين الذين يمارسون الضغوط للفوز بانتداب فرنسي على بلدهم.
ولعلم شعب لبنان بأن فرنسا أيدت تكبير حجم الإقليم منذ إنشائه في ستينيات القرن التاسع عشر ذهب الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في باريس لعرض قضيته (1919) مدعواً من الحكومة الفرنسية على عكس ما حدث مع دول عربية مزعجة أخرى مثل مصر وسوريا زُجرت أو استُبعدت لأن تطلعاتها القومية تعارضت مع الطموحات الإمبريالية السائدة في المؤتمر”، وكان الوفد اللبناني يسعى للحصول على المساعدة الفرنسية لتحقيق هدف الاستقلال بالنمو الاقتصادي والتنظيم السياسي “إلا أن الفرنسيين بدوا غير مستعدين لسماع إلا ما يريدون سماعه، وكانوا سعداء باستغلال الوفد اللبناني لإضفاء الشرعية على ادعاء حقهم في السيطرة على لبنان”[38].
كان هناك معارضة لفصل لبنان عن الشام بين كثير من المغتربين اللبنانيين في المهجر حتى مع طلبهم الانتداب الفرنسي على مجمل بلاد الشام، وكان هناك اتجاه ثالث في السياسة اللبنانية، بعد اتجاه الانفصال اللبناني واتجاه الوحدة الشامية المطالبين بالمساعدة الفرنسية، و ذلك الاتجاه الثالث يتسم بمعاداة فرنسا “لم تكن لدى المسلمين السنة والمسيحيين الأرثوذكس اليونانيين في المدن الساحلية مثل طرابلس وبيروت وصيدا وصور أي رغبة في الانفصال عن التيار الرئيس للمجتمع السياسي السوري”، ورغم اعتراض مجلس إدارة الإقليم المؤيد لفرنسا على فكرة الوحدة السورية وطلبه استقلال لبنان والمعونة الفرنسية، فقد ازداد قلق القادة السياسيين من نوايا فرنسا، إذ توقعوا منها “أن تتصرف بدافع من الإيثار لا بدافع الحرص على مصالحها الإمبريالية”، ومع شروعها في فرض الانتداب على لبنان “بدأ السياسيون في جبل لبنان التشكك في الحكمة من التماس مساعدة فرنسا في بناء الدولة” ودعوا إلى الاتفاق مع سوريا نحو تفاهم مشترك فألقى الفرنسيون القبض على أعضاء المجلس الإداري اللبناني الذين استعدوا لعرض قضيتهم على مؤتمر الصلح(1920) واتهموهم “بالخيانة” لكونهم أرادوا الانضمام إلى سوريا وحلوا المجلس وقدموا أعضاءه للمحاكمة العسكرية، مما تسبب في “تنفير بعض أقوى مناصري فرنسا في لبنان…كان الفرنسيون يقوضون على نحو خطير قاعدة الولاء لهم في لبنان بأفعالهم الاستبدادية”[39].
ومع تكوين لبنان الكبير في 1920 في ظل المساعدة الفرنسية بدا أنه”كلما زادت مساعدات الفرنسيين تضاءل الاستقلال الذي تمتع به لبنان” وحل محل المجلس الإداري لجنة برئاسة فرنسي يتبع المندوب السامي الجنرال غورو ، وفرضت فرنسا تكوين دولة مسيحية وزعت مناصبها وفق التقسيم الطائفي ، وتقلصت نسبة المسيحيين في الكيان الجديد بعد إلحاق المدن الساحلية والأقاليم الشرقية ومُنحوا تمثيلاً لا يتناسب مع عددهم، وأعلن الفرنسيون عن انتخابات من جانب واحد أثارت حفيظة السياسيين وشعر بالغضب حتى أكثر اللبنانيين تأييداً لفرنسا، ولم يتقبل الفرنسيون أي تحد لمؤسساتهم “وأكدت الانتخابات نوايا فرنسا الرامية إلى حكم لبنان كمستعمرة لا مساعدتها على نيل الاستقلال، وأقنعت تلك الإجراءات بعض أقوى مؤيدي فرنسا بالانضمام إلى الصفوف المتزايدة للقوميين اللبنانيين الذين يناضلون ضد الحكم الفرنسي”[40].
وبعدما أعلن الفرنسيون عن إنهاء الانتداب استعد السياسيون اللبنانيون للاستقلال بالتوقيع على الميثاق الوطني (1943) “ووفق بنود هذا الميثاق يكون رئيس لبنان من الآن فصاعداً مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً، أما المناصب الوزارية الهامة الأخرى فإنها توزع بين الدروز والمسيحيين الأرثوذكس وغيرها من الطوائف الدينية…(وقد) بدا أن الميثاق الوطني حل التوترات التي نشبت بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وجعل لكل منها نصيباً في المؤسسات السياسية لبلدهم، غير أن الميثاق وطد نفس مبدأ “الطائفية” الذي أقامه الفرنسيون، …وقوض السياسة اللبنانية، ومنع البلاد من تحقيق تكامل حقيقي أصيل، وبهذا ترك الفرنسيون إرثاً من الانقسام ظل باقياً وقتاً طويلاً بعد رحيلهم عن لبنان”[41]، وبهذا كان الاستقلال اللبناني تكريساً للمشروع الفرنسي الذي أضر باللبنانيين ولكن هذه المرة ليس بأيدي الفرنسيين بل بأيدي “الوطنيين”، وكان هذا الحل الطائفي هو الباب الذي دخلت منه الكوارث على لبنان فيما بعد.
[rtl]

الخلاصة اللبنانية:

[/rtl]

1-أدى تكوين متصرفية جبل لبنان في ستينيات القرن التاسع عشر بدعوى حماية المسيحيين إلى رحيل كثير من سكان الجبل عنه وغربتهم في أقطار الأرض البعيدة بسبب قلة إمكاناته الاقتصادية وهو عيب لم يعالجه تكوين لبنان الكبير، الذي كان هدفاً لتلافي العجز الاقتصادي للمتصرفية[42]، ويعيش اليوم ثلث أهله فقط (4 ملايين) داخله أما الثلثان (8 ملايين) فهم مغتربون عنه[43]إما بسبب وضعه الاقتصادي المتردي أو بسبب الحروب الطاحنة والسببان متصلان بنيوياً بتكوينه الاستعماري الضعيف بصفته السلبية المزدوجة: دولة تجزئة وكياناً طائفياً>
2-أدى تكوين دولة لبنان الكبير بعد الحرب الكبرى الأولى إلى الاحتلال الفرنسي الذي نفّر أنصار ومحبي فرنسا منها 3-أدى الاستقلال بعد الحرب الكبرى الثانية إلى أن يتبنى الساسة اللبنانيون نفس الحل الاستعماري الطائفي الذي كان اللبنانيون يحاربونه فيما سبق، فأصبح “شرعياً” بعد زوال الاحتلال ودون الحاجة لقواته البغيضة، وليس خافياً أنه سبب كل الكوارث التي حلت بالبلد منذ ذلك الحين وأبرزها الحرب الأهلية منذ سنة 1975 والتي أتت على الأخضر واليابس.
4-قامت فرنسا العلمانية التي ترفض التصنيفات الدينية بإلقاء قمامتها الطائفية على بلادنا وقطعت الطريق على تكوين كيان حديث في لبنان على الطريقة الغربية[44]، مما يؤكد أن الغرب يعاملنا بغير ما يرتضيه لنفسه-5-لم تؤد المراهنة على “المساعدة” الغربية إلا إلى تدهور أحوال المراهنين واستخدامهم بأيدي المستعمرين والتلاعب بهم وفق المصالح الاستعمارية.
 
الهوامش
[38] -يوجين روجان، العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2011، ترجمة: محمد إبراهيم الجندي، ص 271-273.
[39] -نفس المرجع، ص 273-277.
[40] -نفس المرجع، ص 278-280.
[41] -نفس المرجع، ص 311.
[42] – Engin Akarli, The Long Peace: Ottoman Lebanon, 1861-1920, University of Oklahoma Press, Berkeley, 1993, p. 184.
[43] -موسوعة ويكيبيديا العربية : لبنان (15/1/2015)
[44] -Engin Akarli, p. 192.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
لماذا نقرأ التاريخ العثماني؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا نقرأ التاريخ الأوروبي؟
» لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة؟
»  كيف نقرأ "الجهاد" في المصادر الإسلامية؟
» الرق والجزية والغنائم.. كيف نقرأ تاريخنا؟
» خطابات حفظها التاريخ وخطابات صنعت التاريخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: