منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Empty
مُساهمةموضوع: التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي    التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Emptyالإثنين 01 أبريل 2019, 5:27 pm

مترجم تقرير راند: التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي



عند تناولنا بالمناقشة السياسات الواجب اتّباعها إِزاء النّظام العالمي المُتهالك، وَجَبَ علينا الوقوف على معنى الاصطلاح أولًا قبل أي شيء. فلفظة النظام تتعدّد معانيها في سياق السياسة الدوليّة.
وللنُظمِ عامّة  أشكالٌ عِدّة [i]؛ ولكن نظرًا للأهداف المرجوّة من وراء البحث، يقصر باحثو راند حديثهم على تصورٍ واحدٍ للنظام ألا وهو: مجموع المعايير، والقوانين، والمؤسسات التي تُنظّم العلاقات بين اللاعبين الأساسيين من الدُولِ الفاعلة على الساحة الدوليّة.

تعريف النظام:

النّظام: هو بناء هيكليّ مُستقر من العلاقات بين الدول، والتي تتضمّن ترابطًا بين بعض أجزاء هذه الدول، بما فيها الأحداث العرضيّة الحاصلة على ساحة كلّ دولة، وتأثيرها على ما يحوطها من دولٍ أخرى (كالثورات والأزمات الاقتصاديّة مثلًا)، أيضًا دوائر صناعة القرار من منظمات سياسيّة عالميّة وأنظمة حاكمة.
اقتباس :
إذًا فالعلامة الفارقة التي يتميّز بها النظام كشكل هي استمراريته، واتّساق بنائه ووحدته الأمر الذي يُفرّقه عن الفوضى والعلاقات العشوائيّة.

يُعرِّفُ عالم السياسة والمُنَظِّرُ جون إيكنبرى النظام-العالمي-بكونه: «مجموعة ترتيبات حكوميّة مُتفقٌ عليها بين الدول، مُتضمّنةً القوانين الرئيسيّة، والمبادئ المعمول بها، والمؤسسات المُشرفة على تحقيق الترتيبات سالفة الذِكر، وفق ما يتراءى صحيحًا لمصالح الدول وأجنداتها السياسيّة المُختلفة».

التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي

إنّ التصورات النظريّة البارعة لاصطلاحي: مؤسسات، وأنظمة حاكمة؛ قد تتشابه بنيويًا مع اصطلاح “النظام” إلا أنّها لا ترادفه؛ فالنّظام بوسعه أن يرتكز على تحالفات معقودة، مؤسسات عاملة (على الصعيدين الحكومي، والخاصّ بشكل رسمي، كمؤسسة البنك الدولي أو بشكل غير رسمي، كالجمعيات الأهليّة ومُنظمات المجتمع المدني) وقوانين مُعتمدة، ومُتطلبات دولية (مُحدّدة بعدد من الوسائل كالمعاهدات مثلًا)، وقواعد (إما موضوعة أو طارئة أحيانًا تفرضها ظروف وأزمات)، يُشار إليها قاطبة في هذا البحث تحت بند «آليات النظام العالميّ». وانطلاقًا من هذه القاعدة أيضًا يُصبح بمقدورنا التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي.

  • النظام الدولي



يقتصر فقط على الأنماط المُتّبعة قانونيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا بين الفاعلين الدوليين من شركات، ومؤسسات، وحكومات وأفراد عند التّعرض لمشكلة تَمسّ إقليمًا أو قارّةً، ويتخطاها النظام العالميّ إلى آفاق أرحب وأشمل ليتضمّن النيوليبراليّة كنظريّة حاكمة للسياسة الدوليّة، والعلاقات الدوليّة العالميّة، والاقتصاد العالميّ، الذي يُهيمن عليهم جميعًا قطبٌ واحد أو أكثر يفرض أفكاره وتوجهاته على حلفائه، والنّظام العالمي يمتدُّ عبر تاريخ الإنسانية بخطوط عريضة ثابتة، ويضمّ نظامًا دوليًا مُتبعًا، تتغيّر قواعده وتتبدّل وفق الاتّفاق بين الدول، أو بين النظام العالمي وبين السياق الأممي الشامل الذي تمارس فيه مُختلف الدول وظائفها.
والنظام الدولي يعكس كافة أشكال المُعاملات بين الدول اقتصاديًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وبيئيًا ..إلخ من أنماط العلاقات التشاركيّة الموجودة بين الدول.
فالنظريّة السياسيّة للعلاقات الدوليّة التي وضعتها مدرسة “الواقعيّة الجديدة”، أو ما يُشار إليها بــ “الواقعية الهيكليّة”، تذهب إلى اعتماد علامتين رئيسيتين للنظام الدوليّ:

  • الأولى تتعلّق بطبيعته العشوائيّة، وتوزيع موازين القوى فيه، أو ما يُعرف بالقُطبيّة.
  • والثانية هي الروابط التي يتمّ بمُقتضاها تحديد نطاقات سلوكيّات وأفعال الدّول وترسيم المساحات التي ستتولى تلك الدول العمل من خلالها.


وبالرغم من غرسها لسلوكيّات الدول، غير أنّ العوامل المُشار إليها سلفًا، تُعدّ عوامل عامّة، وعلامات طارئة للنظام الدوليّ لا ترقى للنموذج الهيكلي للنظام العالمي.
يذهب بعض المُحلّلون أبعد من ذلك، ليُفرّقوا بين النظام الدولي، والمُجتمع الدولي، فيعرّفوا الأخير بكونه «التأثير الذي تمارسه المعايير الليبراليّة على السياسة الدوليّة»، الأمر الذي يتمّ غالبًا من خلال النشاطات والفاعليات المُترابطة للجمعيات الأهليّة حول العالم.
تؤكّد المدرسة الانجليزية للعلاقات الدوليّة، بدورها على وجود تصور خاص بــ “مجتمع دولي”، يتكوّن إثر تجمّع عدد من الدّول يُوفّق فيما بينها وِحدة مصالحها، واتّفاق قِيَمِها، فتشرع تلك الدول من فورها لربط أنماط العلاقة بينها بأطُر مؤسسيّة وقوانين تُنظم تلك العلاقة؛ لضمان تحقيق مصالح الدول خاصّة، والمصلحة العامة التي بات هذا التّجمع يُعبر عنها.
إنّ تصور المجتمع الدولي يسبق في وجوده وماهيته مُصطلح النظام العالمي، وبالتأكيد فإنّه من الصعب الإقرار بوجود مُجتمع مع إغفال وجود نظام يقوم عليه، ويُرتّب مصالحه لذا فإنّ الارتباط بين المفهومين “المجتمع والنظام” جليٌ واضح.

  • النظام العالمي



أمّا عن اصطلاح “النظام العالمي”، فإنّه بوجهٍ عام يتخطّى الأُطر الواقعيّة، ليُشير إلى ترتيبات مُنظمة عُقدت داخل النظام الدولي؛ فالنّظام العالمي يفترض نسبة من التكوين النظامي أو البناء الهيكلي، الراسخة دعائمه عن طريق آليات نظاميّة تلعب دورًا في تحديد العلاقات، وضبط السلوكيات بين أعضاء هذا النظام.
حتى وإن أضحت هذه الأنماط مُتّسقة هيكليًا، إلا أنّها طارئة الحدوث بلا تدبيرٍ ولا تخطيط، تحدث بشكل عام إثر التفاعلات بين الدول واتّصالها ببعضها، أو بنتائج محسوبة جرّاء اعتماد نهج للتّعامل مع حادثة ما (كالأنماط التي تبغي دولةٌ فرضها فتخطط للحرب مع دولة أخرى).
وإنّ وجود النظام العالمي لا يفترض بالضرورة وجود نيّة مُسبقة، ولا تمازج بين الدول، لكنّه يفترض بالحتميّة وجود أنماط مُحدّدة للعلاقات بين الدول (أيًا كانت هذه العلاقات سواء أكانت توافقيّة أم كانت فوقية تفرض بمُقتضاها دولة رأي رجالاتها ورؤيتهم على أخرى).
اقتباس :
ومتى أضحى النّظام العالميّ واقعًا، فإنّه لا يمارس تأثيرًا فاصلًا ولا حتى مُهيمنًا على منافع الدول وسلوكياتها.

إرساءً لمفهوم تعدديّة العوامل المؤثرة على أفعال الدول؛ فمع عوامل التاريخ، العِرق [ii]، والثقافة وأخيرًا الصفات الشخصيّة للقادة والسّادة  تأتي كعوامل-وبينها النظام-مُشَكِّلة لشخصية الدولة، وعلامات مُحددة لمنافع أبنائها، واهتماماتهم فيما يُعرَض لهم من مشكلات ومُستجدات إقليميًا ودوليًا، وفي هذا إيضاحٌ كافي لأهميّة النظم في المجتمعات والنظام العالمي ككلّ وهو موضوع المناقشة والطرح.
فمن الوفاق الأوروبى (كاتّفاق 1904 بين إنجلترا وفرنسا مثلًا) مرورًا بــ “عُصبة الأمم” وانتهاءً بالنّظام الليبرالي لما بعد الحرب، إتّخذ “النظام” أشكالًا مُتباينة في المُمارسة مُختلفة في النواتج والآثار.
فالنّظام في إطار العلاقات الدوليّة، يُمكن أن يُفهم كمُدخلات في طاقتها التأثير على تصرفات الدول وأفعالها أو كنواتج لعلاقات مُستمرّة في أطر ثابتة بين مجموعة من الدول، وذلك على النقيض من العُنف المُوجّه، أو حالة الحرب المُعلنة بين الدول.
إنّ النظام كمُدخلة، يتمثّل في كونه بُنيانًا أو إطارًا شُيّدَ لهدفٍ مُحدّد، وأثرٍ مرجو كوضع واعتماد القواعد والمعايير التي تدخل ضمن اتّفاقيّة الحدّ من الرؤوس النوويّة، وأسلحة الدّمار الشامل مثلًا، وهذا البنيان أثّر على أفعال الدول وسلوكيّاتها بشكل كُلّي، واعتمادًا على هذه القاعدة، تُعدّ آليّات النظام بمثابة أدوات لبناء الدولة.
لكنّ النظام من الشائع أن يُنظر إليه أيضًا كناتج أو كهدف في حد ذاته، كونه الطريق الأمثل لاستخدام آليات النّظام بشكل أكثر تنظيمًا في النّظام الدولي.
 



الهوامش

[i] إيكنبرى يُعرِّف ثلاثة أشكال للنظام: الأول هو النظام الناجم عن توازن القوى بين الدول، الثاني هو نظام يفرضه المُهيمن، والأخير هو النظام التوافقي بين الدول، وهذا بالضبط ما يُشبه مفهوم النظام الجمعي مُتعدّد الجوانب، الذي تحكم بمقتضاه مجموعة من الدول باتّخاذ موقف عالمي تجاه قضية بعينها.
[ii] (ثقافة العرق وطبائع أهله، وهي سماتٌ لا تتبدّل واستنتج جوستاف لوبون في كتابه السنن النفسيّة لتطوّر الأمم، أنّ صفات الأعراق والشعوب تُحدد سلوكيّات وأهداف أبناء العرق الواحد، وتُفسّر ردود أفعالهم، وإليها يُعزَى تفسير أسلوب حياتهم في المقام الأول، بينما ذهب شارل دومونتسكيو في كتابه روح القوانين، إلى كون طبائع الأعراق والشعوب تُحدد أنسب حياة سياسيّة، وأدقّ نظام لَزِمَ أن يسوس أمور الناس)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي    التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Emptyالإثنين 01 أبريل 2019, 5:30 pm

كولونيا ديجنيداد… قصة مستعمرة تفضح لنا حقيقة المنظمات الدولية



يعيش الشرق الأوسط-وبخاصةً الدول العربية-حقبة هي الأسوأ في تاريخه الحديث، إذْ تسلّط الحكّام وعمالة القضاء للسلطة، وتأييد من يفترض بهم أن يكونوا رجالًا للدين الحكّام، وصبّوا غضبهم على الشعوب، وغابت منافذ التغيير، وحلّت حالةٌ من الضعف والركود الاقتصادي والأزمات المالية الطاحنة. وفي ظل هذه الحالة يطمح العديد إلى صناعة التغيير دون ضريبةٍ أو تضحيات، فنظّموا جهودهم لمناشدة المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية، ظانين أنّ تلك هي سبيل الخلاص.
والمُطالِع للتاريخ قديمه وحديثه يوقن أنْ تلك هي سبيل المهزومين فاقدي الإدارة، وأنّ هذه السبيل ما هي إلا إحدى حلقات تفريغ شحنات الغضب، فلا تنصر ضعيفًا، ولا تُغيّر حال مُضطهد، ولكن يأبى المتعلّقون بأستار هذا النظام إلا الدوران في حلقاته اللانهائية، فتفنى طاقاتهم في هذه الطواحين الهوائية دونما نتيجةٍ تُذكر. ولنا في كولونيا ديجنيداد وشبيهاتها خير عِبرة.
أنهى بول شيفر -الزعيم ذو الكاريزما والعضو النازي، والمُسعِف السابق في جيش هتلر- الحربَ العالمية الثانية بدرجة عرّيف، كما اشتُهِر بكونه واعظًا إنجيليًا. سافر شيفر من ألمانيا إلى تشيلي في عام 1961م هربًا من المحاكمة بتهمة سوء معاملة الأطفال، والاعتداء جنسيًا عليهم في دور الأيتام الذي كان يُديره؛ فتبعه العديد من محبيه-بمن فيهم أطفال بدون والديهم -وأقام شيفر بلدةً لأتباعه الألمان في منطقة نائية شمال سانتياغو أُطلق عليها اسم كولونيا ديجنيداد أو مستعمرة الكرامة.

ما هي كولونيا ديجنيداد


 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي 800px-Escuela_Villa_Baviera
قرية نموذجية أُطلق عليها كولونيا ديجنيداد أو ما يُترجم إلى “مستعمرة الكرامة”، ولكن هيهات أن تحظى بأي قدر من الكرامة في أرجاء المستعمرة. فهناك على سفوح جبال الأنديز في وسط تشيلي، أٌقيمت كولونيا ديجنيداد ، حيث تعرض المنشقون السياسيون للتعذيب بلا رحمة، وحُفِرت المقابر الجماعية لدفن من قُتِلوا هناك، كما تعرّض الأطفال للإيذاء الجنسي.
مستعمرة تابعة لطائفة دينية أسسها بول شيفر المسعف النازي، عام 1961م. فقد كانت المستعمرة موطنًا لنحو ثلاثمائة من السكان الألمان والتشيليين الذين تم فصلهم إلى معسكرين: واحدٍ للنساء وآخرٍ للرجال، لا يلتقون أبدًا إلا في العرض المختلط، أو بعض الظروف الخاصة التي يُعلنها شيفر.
وكانت هناك مجموعة من الأطفال قَدِموا مع آبائهم، ففُصِلوا عن آبائهم وتابعهم شيفر نفسه، وبعد كشف حقيقة المستعمرة عُرف كيف ازداد عدد هؤلاء الأطفال، وفيما كان يتم استخدامهم. ولم يُسمح للرجال ولا النساء ولا حتى الأطفال بمغادرة المستعمرة أبدًا. واضطُّر الكبار والأطفال-على حد سواء-للعمل في الحقول من شروق الشمس إلى غروبها في ظروف غير آدمية، فالضرب المبرِح والتعذيب بسبب العصيان كانا أبرز ملامح التعامل في المستعمرة.
فالمستعمرة محاطة بأبراج المراقبة والسياج المكهربة بمعزلٍ عن بقية تشيلي. أُوكِلت مهمة الحراسة فيها لعدد من الحرّاس المسلحين وكلاب الحراسة، يمنعون أي محاولة للهرب، وبعد القبض على مَن حاول الهرب، يُرسل إلى تشيفر-والذي كان يُصوِّر نفسه برسول الله القائم بأعماله على الأرض-فيزعم تشيفر بأنه يُطهِّر الهارب المقبوض عليه من ذنوبه عن طريق الضرب المُبرح حتى يخرج منه الشيطان!
وما إن حدث الانقلاب العسكري في تشيلي بزعامة بينوشيه إلا وأصبحت هذه المستعمرة هي موطن أسرار الانقلاب. وتعذيب المنشقين السياسيين والمعارضة وإجراء التجارب على من فَقد منهم عقله نتيجة التعذيب.

ما يحدث داخل المُستعمرة


 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Colonia_Dignidad
كانت المستعمرة من الخارج عبارةً عن مجتمعٍ زراعيٍ مستدام، قائمٍ على تصدير الفواكه وبعض المنتجات اليدوية والأطعمة، كما يُوفّر فرصة عمل للسكان المحليين بدلًا من البطالة. انضم المُزارعون والأفراد الذي يسكنون على مقربة من المستعمرة، ظانين أنهم سيُقيمون في مكان أفضل، يعملون فيه ويتكسبون من خلاله قوت يومهم، ويعيشون فيه كمسيحيين جيدين من وجهة نظرهم.
ولكن لم يعثروا هناك إلا على العبودية والقبضة الحديدية والمعاناة. فقد كان المجتمع الزراعي أقرب إلى دور عبادةٍ إنجيلي تُخيّم عليه السِّرية، حيث تعرّض أفراده للإساءة الوحشية ومُنعوا من المغادرة. فلم يسمع بهم أحد ولا بمعاناتهم إلا بعدما هرب اثنان من أفراد المستعمرة موثِّقين ما حدث ببعض الصور الفوتوغرافية.
فرض تشيفر نظامًا شموليًا ذا قبضةٍ حديدية، عانى المستعمرون فيه من أيام العمل الشاقة التي استمرت 16 ساعة، وعقوباتٍ صارمة ومراقبة لا ترحم. وقال المستعمرون السابقون إن الناس تعرضوا للضرب والعلاج بالكهرباء والتخدير. كما تم حظر التلفزيون والهواتف والتقاويم، لكن المجتمع المغلق كان يحتوي على مدرسة، ومستشفى مجاني، ومهبطان للطائرات، ومطعم، وحتى محطة كهرباء.
كما تم حظر الزواج في كولونيا ديجنيداد ما لم يوافق عليه شيفر شخصيًا، بينما كانت هناك العديد من حالات الاغتصاب سواء للنساء أو الرجال أو حتى الأطفال. ولم يكن يُسمح للأزواج الذي قدموا إلى المستعمرة بالسكن في مكان واحد، وكانت الوشاية بكل فرد عُرف عنه نيته للزواج قائمة على قدم وساق.
فيما أُعطيت المخدرات يوميًا لأفراد المستعمرة، كشكل من أشكال التخدير، لتسهيل السيطرة عليهم. ثم كانت هناك عمليات الاختطاف. فخلال سنوات انقلاب بينوشيه، أفادت وثائق عُثر عليها فيما بعد على فهرس بأسماء 39 ألف شخص. وفي عام 1977، أفادت منظمة العفو الدولية أن العديد منهم قد تم نقلهم إلى كولونيا ديجنيداد. التي كانت بمثابة مركز خاص للتعذيب للدكتاتورية العسكرية.
فكشف المحققون ما أسموه “مخبئًا للأسلحة العسكرية”، بما في ذلك أكثر من 100 بندقية، و 90 بندقية رشاشة، وآلاف القنابل اليدوية، وحتى عددٍ لا بأس به من صواريخ أرض-جو. كما كانت المستعمرة بمثابة ملاذٍ آمن للهاربين النازيين-مثل والتر راوف صاحب فكرة غرف الغاز والذي اخترع غرف الغاز المتنقلة-الذين سُمح لهم بالاختباء هناك مقابل الإشراف على أشكالٍ معقدة من التعذيب.
وبعد توثيق ما حدث داخل كولونيا ديجنيداد من قِبل اثنين من الهاربين من المستعمرة وتناول العديد من وسائل الإعلام للقضية، لم يتدخل أحد لنجدة هؤلاء المُستعبدين المختفين قسريًا كفئران التجارب لبينوشيه وديكتاتوريته، وظلّ بينوشيه في الحكم تسانده شيكاغو وصبيان جامعة شيكاغو لتطبيق نظريتهم للعلاج بالصدمة، فكان لا بد للتجربة أن تتم. فلم تُحرّك المنظمات الحقوقية ساكنًا ولم تلتفت إلى معاناة المستعمرة ولا معاناة الشعب التشيلي ولا إلى معارضيهم الذين تمسكوا بأستار نظام دولي لا يفعل إلى ما فيه مصلحة محركيه.

قصة تشيلي بينوشيه وعلاقته بالمستعمرة


 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Pinochet-012-1024x512
بدأت القصة من جامعة شيكاغو، بنظرية جديدة أطلقها فريدمان حول العلاج بالصدمة، والتي وصفتها ناعومي كلاين بمذهب رأسمالية الكوارث القائم على استغلال كارثة ما، سواءً كانت انقلابًا، أم هجومًا إرهابيا، أم انهيارًا للسوق، أم حربًا، أم تسونامي، أم إعصارًا من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية.
كانت تشيلي هي موطن التجربة الأولى، حيث رتَّبت الولايات المتحدة لانقلاب عسكري دموي في تشيلي يُمثِّل الصدمة التي سيتبعها تطبيق سياسات السوق الحر. كان القائد العسكري بينوشيه على أتمّ الاستعداد لتنفيذ التجربة وتلقي الأوامر. فقام بانقلابه العسكري على الرئيس المنتخب “سلفادور آلندي”، والذي تبعه بحالة اعتقالات تعسفية وقتل وتعذيب لمعارضيه مؤيدي النظام القديم.

ظهرت كولونيا ديجنيداد كصفقة رابحة لكلا الطرفين، فبينوشيه يحتاج هذا المجتمع المُغلق لتعذيب واختطاف وإخفاء معارضيه، أما تشيفر فكانت الصفقة تعني له حرية الاستيراد والتصدير دون دفع الضرائب. كما دعمت سلطة الانقلاب المستعمرة بعدد من المزارعين المحليين، بالإضافة إلى مدرسة ومستشفى على أحدث طراز بُنيت داخل أسوار المستعمرة. وفي محاولة للحصول على دعم السكان المحليين ومساعدتهم في حراسة المستعمرة ضد المتسللين قدمت المستشفى العلاج لأطفال المزارعين.
ولكن مع زيادة القمع والاختطاف والصدمات، وفي عام 1986م استعاد الشعب التيشيلي بعض وعيه وبدأ في محاولةٍ لإزاحة بينوشيه عن الحكم. فبدت أمريكا قلقة للغاية من هذه اليقظة، مخافة أن تتحول إلى حرب أهلية مفتوحة تُطيح ببينوشيه ولا تستطيع بعدها إحكام سيطرتها من جديد. فاتجهت الحكومة الأمريكية إلى تقديم اللجوء السياسي إلى الديكتاتور. إذْ أوضحت الوثائق التي تم اكتشافها مؤخرًا في أرشيفات الولايات المتحدة أن بعثة برئاسة الجنرال الأمريكي جون جالفين توجهت إلى تشيلي في عام 1986م لتقييم احتجاجات الشوارع المتزايدة وجهود حرب العصابات للإيقاع بنظام بينوشيه.
وعندما فهمت الولايات المتحدة عمق المعارضة وشغفها بالتغيير، أجبرت المخاوف أمريكا على البحث عن بدائل. بما في ذلك رحيلًا مشرفًا لبينوشيه، مع إعطائه حق اللجوء السياسي، ليُستقبل كضيفٍ للولايات المتحدة.
بعد سقوط بينوشيه في أواخر التسعينات، بدأ التشيليون يكشفون قصص تجاربهم في المستعمرة. وقال الضباط في وكالة الاستخبارات الوطنية DINA إن مدارج الطائرات استخدمت لشحن الأسلحة إلى شيفر ونقل المنشقين السياسيين المناهضين لبينوشيه.

أين مُدّعوا حقوق الإنسان والهيئات الأمنية؟


 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي 20160920_160920a-003_rdax_775x440
بدأت التسريبات حول ما يحدث في المستعمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ونشرت الصحافة عنها بكثافة، بيد أنّ الأطراف المعنية بالحلّ غطَّت في نومٍ عميق إلى أن افتُضح أمرها عام 2005م عندما قرر مجموعة من الضحايا إقامة دعاوى قضائية ضد تشيلي وألمانيا والمسئولين الذي تقاعسوا وغضوا الطرف عن المستعمرة.
ففي عام 1978م وعندما ذاع صيت المستعمرة أمر مانويل كونتريراس رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية في تشيلي بنبش القبور والتخلص من بقايا الجثث في البحر، على أمل القضاء على أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت داخل المستعمرة إثر الأوامر التي وصلته من بينوشيه تحت كود “La Operación Retiro de Televisores” أي عملية سحب / إزالة التلفزيونات.
وفي عام 2011م ظهر رجل يدعى شيفر هاب، وهو طبيب حُكِم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات-فقط-لدوره في الاعتداءات التي حدثت تحت إدارة بينوشيه. ولم يكتفي بهذا بل تمكن هوب-والبالغ 67 عامًا-من الهرب من تشيلي إلى ألمانيا قبل صدور الحكم النهائي. إذْ لا يستطيع الضحايا التشيليين إعادته، فالدستور الألماني يحظر تسليم المواطنين الألمان. وبعد عودة هوب إلى ألمانيا، لُوحِق هوب وزوجته من قِبل جيرانه الذي تعرفوا على ماضيه؛ فما كان من السلطات المحلية الألمانية إلا أن نقلته لمنزل جديد لحمايته.
وفي مارس 2005م وبعد عقد ونصف، تم القبض على بول شيفر-زعيم الطائفة النازي-وتسليمه إلى تشيلي، حيث تم سجنه في العام التالي، فهل كانت السلطات والمنظمات الأمنية والحقوقية عاجزة لعقد ونصف عن القبض على مجرم مثل بول؟
فيما أخبر شتاينماير-أحد الناجين من المستعمرة-أن الدبلوماسيين الألمان لعقود غضوا الطرف عن المأساة الإنسانية التي تحدث أمامهم في تشيلي، مضيفًا أن موظفي السفارة في تشيلي يجب أن يكونوا قادرين على رؤية ما يجري في مستعمرة كولونيا ديجنيداد. فخلال الفترة من الستينات إلى الثمانينات، بدا الدبلوماسيون الألمان وكأنهم في عالم آخر، ولم يفعلوا سوى القليل لحماية مواطنيهم داخل هذا المُعتقل.
وقال فولفجانج كنيز: “عندما غادرت المستعمرة، كنت حَذِرًا من وزارة الخارجية الألمانية”. مضيفًا أن نظام بول شيفر ينطوي على أشخاص استفادوا من كولونيا ديجنيداد فكانوا يسيرون جنبًا إلى جنب مع جهاز القمع سيء السمعة.
لذا تستهدف الدعوى القضائية التي أقامها الضحايا الذين نجوا من المستعمرة أيضًا الدولة الألمانية التي لم تهب لنجدة مواطنيها. وأقر وزير الخارجية الألماني أن حكومة بلاده في ذلك الزمن لم تتعامل مع هذه القضية كما يجب. وقال “على مدى سنوات طويلة، بين الستينات والثمانينات، غض الدبلوماسيون الألمان الطرف عما كان يجري في ذلك المكان ولم يقوموا بواجب حماية مواطنيهم في المستعمرة”.
كما انتقد الرئيس الألماني يواخيم جاوك صمت بلاده المستمر منذ فترة طويلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مستوطنة أسسها مواطن ألماني في تشيلي واستخدِمت كمركزٍ للتعذيب. وقال يواخيم “الدول الديمقراطية تخطئ أيضًا، وأحيانًا تحتاج إلى اللوم”.
ولكن يبدو أنّ هذا اللوم هو كلمات لتهدئة الوضع العام فقط، فالهاربين من المحاكمة يتمتعون بحياتهم في ألمانيا تحت حماية الحكومة دون مساس بهم، كما ترفض ألمانيا تسليمهم لتشيلي.

هل هذه هي الواقعة الوحيدة أم هذا هو الأصل؟


 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي C685137c81cb91f5274fe37be73b087d_XL
لم تكن يومًا المنظمات الدولية وبخاصة الأمنية منها، ذات قوة في مجال وقف الاعتداءات أو ردّ المظالم لأصحابها. والنماذج والأدلة على ذلك لا تُحصى. لذا سنمر سريعًا على بعض مسارح الجرائم التي ما زالت تنزف دماء ضحاياها، بينما قتلتهم أحياء يتنعمون دون مساءلة.

مصر


عانت مصر منذ إنشاء ديكتاتوريتها العسكرية ووصولهم إلى الحكم من قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات، فمن عبد الناصر إلى السادات وصولا إلى مبارك، كانت أروقة الأجهزة الشرطية أو ما عُرِف لاحقًا بجهاز أمن الدولة منطقة منزوعة الكرامة والحقوق، آخر ما تقدمه المنظمات الحقوقية لقاطنيها، تقريرًا يصف بعض ما يحدث داخل أروقة عرف التعذيب وانتزاع الاعترافات، ويتستر على الكثير.
والآن ومنذ خمس سنوات لم يعد الأمر مجرد اعتقالات تعسفية أو تعذيب فقط، بل ابتدأ الانقلاب تثبيت دولته على بحور من الدماء في مذبحة هي الأسوأ في تاريخ مصر الحديث. ومع هذا فالقتلة ما زالوا في السلطة والضحايا بين القبور والاختفاء القصري ومراكز العلاج التي يذهبون إليها خلسة مخافة اعتقالهم.


سوريا


سلخانة التعذيب التي لا تجف دماؤها، فماذا قدمت المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية للسوريين، وما الذي ناله قتلتهم؟ حتى بعد مخالفة بشار ومن ورائه روسيا وإيران لكافة معاهداتهم ومعاييرهم للقانون الدولي؟

السعودية


السعودية وقد فتحت أبواب سجونها على مصراعيها حتى أشار حساب “معتقلي الرأي” المعني بشؤون المعتقلين في المملكة، في تغريدة له عبر “تويتر” بارتفاع عدد معتقلي الرأي في السعودية إلى 2613 معتقلًا. ولا جديد سوى بعض الإدانات.

العراق وأفغانستان


وهذا لن نشير فيه إلى مصادر عربية علّنا نُتهم بالانحياز، بل سنذكر ما استقرّت عليه التقارير الغربية، فلقد ذكرت دراسة قامت بها جمعية ”أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية = Physicians for Social Responsiplity PRS” أن المملكة المتحدة شاركت في مقتل 6-8 مليون نسمة في العراق وأفغانستان. أما تقرير تشيلكوت والصادر في 2016م أن الحرب على العراق فشلت في تحقيق أهدافها حيث أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن موجودة أصلًا ليتم انتزاعها.
وبحسب ميثاق هيئة الأمم المتحدة يُعد هذا الاعتداء البريطاني الأمريكي غزوًا للعراق واحتلالًا مباشرًا دون شرعية قانونية. وهي ذات التهمة التي أُسنِدت إلى العراق عند غزو الكويت والتي بمقتضاها عُوقب العراق وفرض حصارًا اقتصاديًا عليه راح ضحيته حوالي مليون ونصف طفل.
ولم تكن هذه الأحداث على كثرتها هي الوحيدة في تاريخ المنظمات الدولية، فهناك الجزائر وتشيلي وفيتنام والبرازيل والصومال بل وأفريقيا بشكل عام، واليمن وفلسطين على رأس القائمة.

رسالة إلى اللاهثين خلف المنظمات الحقوقية


بعدما سردناه من حقائق حول حقيقة المنظمات الدولية لا تتعدى كونها حلقات لتفريغ الغضب لا تستطيع اتخاذ قرار إلا إن كان في صالح الفيتو، فرغم المعاناة التي عاشها ضحايا كولونيا ديجنيداد كان من السخرية أن تحولت المستعمرة إلى مزار ومنتجع سياحي، ليصبح اسمها فيلا بافيرا. حيث العديد من الزوار الرائعين يتجولون داخل المزارات السياحية والمطاعم والمتاحف وينفقون الكثير من المال، متناسين تاريخ المستعمرة الذي جمع بين الاستعباد، والتعذيب، والعبودية النازية، وكل أشكال التعدي السافر وامتهان الكرامة. فالسائحون يتمتعون بالمناظر البرية التيشيلية الخلابة ويُدِرُّون الأموال.
لكن الماضي دائمًا ما يترصد في الجوار. فخلف ملعب الأطفال لا يزال الكثير من البنية التحتية للمستعمرة القديمة. حيث المخبز وحظيرة الألبان وورشة الأثاث والمباني المتنوعة التي يمكن العثور عليها حول المنتجع السياحي، حيث أُجبر الأعضاء على كسب قوتهم من تلك الأعمال بينما يحتجزهم زعيمهم.
وقالت مارغريتا روميرو، رئيسة جمعية الذاكرة وحقوق الإنسان:
اقتباس :
ليس من الممكن أن يكون المكان الذي تنتهك فيه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان: مثل التعذيب والقتل والاختفاء، وجهة سياحية. تخيل فندقًا بني في معسكر اعتقال في أوروبا؛ لن يُسمح به مطلقًا
والعجيب أن فيلا بافيرا تُدار الآن من قِبل آنا شنيلنكامب، ابنة أحد رجال بول شيفر، يُدعى كورت شنيلينكامب، الذي توفي عام 2017م بعد قضاء عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بسبب تمكينه شيفر من إساءة معاملة المُحتجزين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي    التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Emptyالإثنين 01 أبريل 2019, 5:35 pm

الولايات المتحدة والنظام الدولي



تهيمن أمريكا على النظام العالمي، منذ عقود طويلة، ولا شك أن هذه الهيمنة كلفت الشعوب المسلمة الثمن الباهظ، سواء من خلال ما تكبدته من حروب وصراع وأزمات أو لما تملكه من أهمية وثروات، تجعل منها دائما في مرمى أهداف الأمريكان.
ثم هذا النظام الظالم، قد قام على أعقاب الحرب العالمية الثانية ليعطي الحق للأقوى في فرض نفسه على الجميع وفرض سياساته –وإن كانت جائرة ومستبدة- بما يوائم مصالحه الخاصة، وبعد أن تمكنت أمريكا من إزاحة القطب الثاني المنافس لها “الاتحاد السوفيتي”، تفردت بقيادة هذا العالم، فزادها ذلك كبرا وغرورا بل وجشعا، خاصة وأن حجم الرَدة العالمية التي ترفض الهيمنة الأمريكية كانت دون المستوى أو ربما لم تتحقق أبدا.
وحين نتأمل عبارة فرانكلين روزفلت عقب ضرب الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور في ديسمبر 1941 حيث قال : “في هذه المرة سنكسب الحرب وسنكسب السلام الذي يتلوها”. نجد أن معنى السلام بحسب مفهوم روزفلت يعني أن تقود أمريكا العالم من خلال نظام عالمي جديد، تضمن من خلاله الاستقرار  على يدها، والذي بدوره لا يخرج عن معنى الهيمنة الأمريكية.
وفعلا بعد هذه الحقبة ظهر النظام الدولي الجديد المعتمد على ثلاثة عناصر: القواعد التي تنظم العلاقات الدولية، والدول والمنظمات، والتفاعلات بين أجزاء النظام الدولي، فحين تولى تيودور روزفلت رئاسة أمريكا أشار إلى “الزيادة في درجة الاعتماد المتبادل والتعقيد في العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية”. بحيث أصبح من الصعب على أية دولة أن تعيش بمعزل عن غيرها من الدول.
روزفلت هو نفسه الذي دعا إلى الإعداد لنظام ما بعد الحرب وكان مشروعه هو إنشاء الأمم المتحدة للقوى الكبرى وظهرحق الفيتو الذي يجعل قرار بعض الدول فوق قرار جميع الدول الأعضاء وإن اتفقوا بالغالبية،فكانت هذه الدول صاحبة الفيتو كالبوليس أو بشكل أدق كالبلطجي الدولي، واستمر هذا حال العالمبعد الحرب الباردة ولكن في رئاسة جورج بوش ظهر نمط جديد من النظام، يطالب بالتدخل الدولي في الأزمات الدولية، كما فعل بوش في حرب الكويت وأفغانستان وكما فعل بيل كلنتون في حرب الصومال، حيث توقفت أمريكا عن التدخل بمفردها في الصراعات وبدل ذلك عمدت إلى تجيش حلفائها لإقحامها في هذه الصراعات،  وبدأت الأمم المتحدة  أيضا تنفذ أجندات أمريكا ، وبدأنا نشاهد ما يسمى قوات حفظ السلام والتوجهات نحو العولمة. وبدأ عصر جديد من التلبيس والتمويه والخداع والتحايل والاستعمار المقنن لم تعرفه الأرض من قبل.
ولا شك أن اعتماد أمريكا  على مؤسسات ومنظمات مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والتحالف العسكري، سمح بتوحيد مصالح ومصير الدول الغربية وامتصاص خلافاتها، وعلى الأقل كسب أوروبا في صف أمريكا. في حين ساعدت هذه المؤسسات والمنظمات في بسط الهيمنة الأمريكية على بقية الدول بحسب طبقتها. ولهذا نجد بعض البحوث والدراسات تتحدث عن هيمنة غربية ليس أمريكية فقط، لأنهم يرون النفوذ  الأمريكي لم يكن بدون كسب أمريكا للنفوذ الغربي فتشكلت بذلك وبدافع المصالح المشتركة والسياسات المتفقة، كتلة المعسكر الغربي.
[rtl]

الشرعية الدولية

[/rtl]
ولعل الطامة الكبرى في هذا النظام، هو تلك “الشرعية الدولية” التي فرضها الأمريكان والأمم المتحدة، وفرضت على العالم الإسلامي فرضا كأنها تشريع إلاهي، وهكذا أصبحت هذه الشرعية الدولية والتي هي تنفيذ لميثاق الأمم المتحدة أعلى مراتب المعاهدات الدولية وأعظم قواعد القانون الدولي ونجد المادة 103 لهذا الميثاق تنص على أنه إذاتعارضتالالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة، وفقا لأحكام هذا الميثاق، مع أي التزام دولي يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق، فهي شرعية لا تعترف بتشريع آخر غير هذا التشريع البشري الناقص وإن كانت شريعة الإسلام الإلهية.
[rtl]

الطبقية في النظام الدولي

[/rtl]
 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي 1-42381
NEW YORK, NY – AUGUST 30: A United Nations (UN) Security Council meets regarding the on-going civil war in Syria on August 30, 2012 in New York City. UN Security Council negotiations regarding the situation in Syria collapsed last month. (Photo by Andrew Burton/Getty Images)

ولو أردنا وصف النظام الدولي القائم اليوم سنجد أمريكا تتربع على عرش الحاكم أو القائد للنظام الدولي، لديها صلاحيات ونفوذ  في غالب الأوقات والأماكن. وقد تتحرك  دولة قوية أخرى أقل نفوذا من أمريكا توصف بالشريك، لأجل تحقيق مكاسب أو مصالح ما، بشرط عدم الاخلال بتوازن القوى الإقليمي أو الدولي الذي تحكمه أمريكا،  وهذه حال إسرائيل مثلا، أو الصين أو روسيا ولكنها دول مصنفة في طبقة الشريك.
بعض الدول يحق لها أن تطالب بحقوق معينة أو  مكاسب كونها في وضع الحليف، ولكن لا تستطيع أن تتحرك دون إذن مسبق أو تنسيق مع أمريكا ..مثل المجموعة الأوروبية، كألمانيا وفرنسا وانجلترا ومثل كندا والهند وغيرها. وهذه الدول انخرطت طوعا أو كرها في الحرب على التنظيمات الجهادية تحت قيادة أمريكا. فضلا عن تسخير قوتها وسياساتها في مواجهة المخاوف من تنامي قوة ونفوذ روسيا، دائما تحت قيادة أمريكا المتحكمة في حلف الناتو وغيره من قوى تحالفية.
وفي ظل هذه السلطة الغالبة هناك دول تصنف في طبقة الأتباع لا تتمتع بأي حرية ولا تستطيع تحصيل أي مكاسب أو مصالح، إلا في حدود ما تسمح به أمريكا لها، وكل شئونها تخضع مباشرة للحكم الأمريكي. وهذا حال جميع الدول العربية وأغلب الدول الإفريقية وكذا دول أمريكا الجنوبية.وحتى إن وجد تأثير لدول أخرى على هذه الدول إلا أنه تأثير لا يصل لمستوى التأثير الأمريكي المهيمن.
لا يعني هذا أن النظام الدولي الحالي يخضع جميع الدول بحسب الطبقية التي فرضها الأمريكان ، فهناك دول تمثل نموذج الدول المتمردة، وهي أفغانستان وكوريا الشمالية. ولهذا تعرف الأولى حربا مستمرة في سبيل إخضاعها في حين تتلقى الثانية العروض السياسية المغرية تارة والتهديدات المبطنة تارة أخرى، لضمها من جديد للنظام الدولي الحالي.
هذا دون أن ننسى تلك الدول التي تتميز  بقدرٍ كبيرٍ من الاستقلالية مثل إيران أو كوبا، وربما يتعلق هذا  الاستقلال أكثر بطبيعة نظام الحكم والطبقة الحاكمة في مثل هذه الدول، ولا يعني أن تكون الدول في طبقة واحدة أنها في نفس قوة التأثير بل التباين في القوى يكون في داخل الطبقة الواحدة كما قد تكون بعض الدول في مرحلة وسيطة بين الحليف والشريك أوبين التابع والحليف.
[rtl]

كيف تمكنت أمريكا من الهيمنة على العالم

[/rtl]
 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي American_power_projection_by_jdcasten

لقد بسطت أمريكا هيمنتها على العالم بفضل أذرعها المتخصصة، سواء في الميدان العسكري، أو الاقتصادي أو الأمني أو الفكري أو الإعلامي.
وقد دفع سجل الحروب الثقيل للأمريكان والذي خرج بذات النتائج التي خرج بها المستعمر الأوروبي المنهزم،  دفع أمريكا إلى تغيير استراتيجيتها في الهيمنة العسكرية، وبدل أن تقحم نفسها في خوض حروب بذاتها، والتورط في احتلال مباشر، عمدت إلا حل الاحتلال غير المباشر، والذي يوفر عليها الكثير من الخسائر البشرية والمادية وهذا يعني توظيف القوى المحلية والمرتزقة المأجورين وتوريط المجتمع الدولي في أي صراع تخوضه تحت شعار (إما معنا أو ضدنا).
ثم حتى تضمن أمريكا هذه الهيمنة العسكرية، عمدت للتحكم في سوق السلاح والجهات التي يحق لها امتلاكه والتعامل به، فالسلاح لا يقع إلا في يد مرتزقتها، والجيوش التي تعمل تحت إمرتها، أما دون ذلك من الشعوب، فهذه تحرم من فرص التسلح وإن كانت مظلومة أو صاحبة حق في امتلاكه،وإن حصل وامتلكته من مصادر أخرى، حوربت واتهمت “بالإرهاب”! وفي المقابل تسلح أمريكا حكومات أو أنظمة هذه الشعوب التسليح المدروس، ورغم ذلك فهي لا تقدم على مثل هذه الخطوة الخطيرة إلا بعد أن تكون قد ملكت زمام القيادة لهذه الأنظمة ، وطوعتها بالبعثات العسكرية والتدريبات المشتركة والدعم العسكري بما يتوافق مع دور هذه الدولة لأجل مصلحة حفظ توازن القوى.
وهذه الجيوش التي نراها تقمع الثورات وتحفظ مصالح اليهود والأمريكان والدول الغربية، وتحرص على استمرار نهبهم لثروات البلاد المسلمة، وتحمي ممراتهم المائية وطرق تجارتهم، قد تصل إلى درجة القتال بالنيابة عن الأمريكان، هي جيوش تحمل ولاءها الأول للأمريكان، وحتى تضمن أمريكا استمرار هذا الولاء ، فهي تحرص على نشر شبكتها الاستخباراتية المراقبة لكل تحركات هؤلاء العملاء، ثم توزيع قواعدها العسكرية برا وبحرا وجوا، في كل الأماكن الحساسة والمهمة في العالم. وهكذا تؤمن أمريكا عملياتها السريعة والطارئة التي تعجز القوات الموالية لها في تحقيقها ونجدها تتدخل في اللحظة الحاسمة حين يعجز وكلاءها وعملاءها في أداء وظيفتهم.
ولأن أمريكا تقدر الأحجام المتباينة لمنافسيها، فقد عمدت إلى نشر السلاح النووي الأمريكي في مناطق أوروبا وآسيا، كتهديد واضح لكل دولة وخاصة تلك التي تنافسها في اقتناء الترسانة النووية، مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، فيتنبه الجميع أن هناك مارد في المنطقة يهيمن على الأرض.
ثم إن القوة العسكرية لن تكون فعالة بدون إتقان فن التحالفات العسكرية الإقليمية، ولهذا نجد أمريكا قد تحالفت مع الدول الغربية في حلف الناتو، وتحرص على التحالفات الاستراتيجية، بما يضمن ربط هذه القوى بمواثيق سلام دائم تضمن عدم تمردها أو محاولة منافستها لأمريكا عسكريا، بل وتوريطها لصالح قوة أمريكا ومجدها، ثم أيضا لتتمكن من إحكام سيطرتها على بقية الأطراف الأقل قوة ويدفع بهذا الجميع فواتير الهيمنة الغربية طوعا أو كرها.
وحين نتأمل ميزانية الدفاع في أمريكا والتي تصل إلى 616 مليار دولار ، سنعلم كم من الاهتمام توليه هذه الدولة المهيمنة للميدان العسكري. ثم ذلك اللغط الذي تثيره كواليس الإدارة الأمريكية في كل مرة تخصص فيه ميزانية الدفاع يؤكد أن هناك أطرافا في الحكومة الأمريكية تسعى لتغليب مصلحة الميدان العسكري قبل أي ميدان آخر وإن كان اقتصاد البلاد هشا.
ولا تكفي الأموال لدعم  قوى الدفاع الأمريكية بل تحتاج لضخ الأرواح التي تسهر على تحقيق الحلم الأمريكي “أمريكا أولا” تغذيها قومية عصبية بغض النظر عن الجذور الأصلية للمجندين،فالمهم أولا وأخيرا هو الولاء لأمريكا. ولا عجب أن يصل عدد القوات العاملة في الجيش الأمريكي إلى 1400000 فرد في حين وصل عدد قوات الاحتياط حوالي 850000 فرد. هذا دون إحصاء لقوى القيادة الاستراتيجية وقيادة القوات الخاصة.فالأولى تتولى مسئولية السلاح النووي  والانذار المبكر  والدفاع ضد الصواريخ  و مسئولية الأقمار الصناعية والشئون السيبرانية (الالكترونية)  وعمليات الاستخبارات العسكرية  والاستطلاع  وعمليات القذف الاستراتيجي بعيد المدى .  أما الثانية، فتقوم بقيادة القوات الخاصة لجميع الأفرع والتي منها القوات الخاصة التابعة للجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية  ويبلغ مجموع تعدادها كلها حوالي 63 ألف فرد.
ويسند هذا التنظيم وهذا التفوق العسكري، تفوق الأسلحة الأمريكية المتقدمة والمتطورة على طول محور التطور العالمي التكنولوجي المتفوق. فالدولة المهيمنة التي تمنع امتلاك أي دولة أخرى قوة نووية وتتصارع مع كوريا الشمالية بسبب عصيانهالهذه الأوامر، تمتلك لوحدها حوالي 6800 قنبلة ورأس نووي  والتي تستطيع إطلاقها عبر الغواصات النووية والقاذفات بعيدة المدى والصواريخ الباليستية المتقدمة التي يزيد مداها عن 13 ألف كم و ارتفاع طيرانها عن 1100 كم ودقتها تصل إلى 200م.
هذا فضلا عن ترسانتها من  حاملات الطائرات المسيرة بالطاقة النووية والتي يصل عددها إلى 11 حاملة طائرات نووية في الخدمة  يحمي هذا كله،  أقوى وأحدث أسطول جوي في العالم  بحوالي أكثر من 13 ألف طائرة متعددة  منها حوالي 5000 طائرة مقاتلة ومتعددة المهام. فضلا عن أكبر وأحدث أسطول حربي في العالم  يشمل غواصات مسيرة بالطاقة النووية  و طرادات ومدمرات وفرقاطات وغيرها من أشكال السفن الحربية.
[rtl]

قوة هائلة لكنها عاجزة أمام حرب الإرهاب

[/rtl]
 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Us-imperialism

بمثل هذه القوة الضخمة، تنشغل أمريكا بحرب شاملة على ما يسمى الإرهابفي 76 دولة أو ما نسبته 39% من دول العالم، ولكنها تبدو الحرب الأطول في حياتها والأكثر استنزافا والتي لم تظهر بعد بوادر جلية لنهاية حاسمة لها.
ولا يخلو تصريح أو خطاب دولي من ذكر “حرب الإرهاب” بل إن الاجتماعات والمؤتمرات والتحالفات باتت كلها تعقد وتفعّل في سبيل الحرب على “الإرهاب” كل هذا بأوامر أمريكية، واختلف المراقبون في تفسير هذه الحرب العالمية الجديدة، بين متهم الأمريكان بخلق الإرهاب لتحقيق مصالحهم في الشرق الأوسط والعالم عموما، وبين متهم الأمريكان بالعجز في مكافحة الإرهاب ومحاولة إقحام المجتمع الدولي في حربه التي أطلقها بحماقة منذ أول إعلان للحرب على أفغانستان والعراق.
ولعل هذه الحقائق حول القوة العسكرية الأمريكية تساعد في قياس نفوذ الدولة المهيمنة المحاربة أمريكا مع أن الأحداث العملية فقط وليست التصريحات الإعلامية أو الدعايات السياسية والادعاءات الشخصية. هي التي تقيس جدوى هذا النفوذ في بعض أنواع الصراع. وهذا ما أثبته صراع أمريكا مع أفغانستان أين لم تحسم القوة العسكرية الحرب الدائرة هناك رغم كل الضخ والاستنزاف الذي تكبدته القوات الأمريكية وقوات حلف النيتو..
وحين نبحث في تعريف الإرهاب، لا نجد تعريفا دقيقا لهذه الحرب، ولكن ما نستخلصه من التصريحات اليومية للساسة الأمريكان فإنها حرب بين أمريكا ومن حالفها وبين المنظمات الإسلامية التي صنفت بإرهابية، وتمتد جذور هذا الصراع بين أمريكا وهذه المنظماتولم نقلدول، لتاريخ أول ظهور للهيمنة الأمريكية في العالم الإسلامي، ولم تكن ولادة هذه المنظمات إلا نتاجا منطقيا لتمادي الأمريكان في هيمنتها على العالم الإسلامي،  وتفانيها في قلب ميزان القوى بشكل واضح لصالح إسرائيل. فنجحت في تطويع الأنظمة العربية ووأد أي فرصة لمقاومة نظامية،  فولد هذا القمع  والترويض، حركات وأنماط مقاومة لا نظامية،   تفسر ولو جزئيا  بروز الظاهرة الجهادية في العالم الإسلامي.
وهذا أيضا ما يفسر استمرار رحى الصراع بين القطبين، الأمريكي من جهة والمنظمات الجهادية من جهة أخرى، كون أمريكا لا زالت تغذي أسباب هذا الصراع باستمرارها في الهيمنة على العالم الإسلامي ودعم إسرائيل بلا حدود بل واستثارة الشعوب المسلمة بإهانتها وإهانة مقدساتها، كما فعلت مؤخرا في تقديم موعد تحويل سفارتها من تل أبيب إلى القدس إمعانا في إذلال الشعوب المسلمة بعد إعلانها القدس الشريف عاصمة لدولة بني صهيون، وربما لأن جس النبض أكد أن هذه الشعوب باتت محبطة بشكل يسمح للاحتلال الإسرائيلي بالتمادي أكثر وكسب نقاط أفضل.
[rtl]

هيمنة أخطبوطية لكن تفاوت في القدرات

[/rtl]
 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي 54fe291429400

نعم فهيمنة الأمريكان لا تعتمد القوة العسكرية فحسب بل توازيها أذرعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والثقافية وغيرها من الأذرع التي تعمل كلها في سبيل إدامة عمر هذه الهيمنة وتقوية نفوذ هذه الدولة.
لقد نجحت أمريكا في التربع على عرش النفوذ العالميعمرا مديدا،ولكن مؤخرًا بات الاقتصاد الأمريكي يعاني مع ازدياد المخاوف من أزمات كبرى تعصف به، وبدأت رؤوس أخرى تطل منافسة لها بقوة كالصين،ولعل هذا ما جعل المراقبين يتنبأون بقرب زوال مرحلة الهيمنة القطبية الوحيدة لأمريكا، ذلك أن الدول الكبرى التي تقف في رأس الهرم،  ( أمريكا  والاتحاد الأوروبي واليابان والصين وروسيا ) لا تتميز الواحدة فيهم بتفوق في جميع الميادين. فحتى أمريكا التي تفوقتفي الغالب، لا يخفىضعفها في الميدان الاقتصادي الذي أضحى مشكلة كبيرة تهدد تقدمها وبدت بوادر هذا الضعف تتجلى على قوتها العسكرية وسياساتها في الهيمنة، في حين أن الاتحاد الأوروبي الذي تفوق اقتصاديا يعاني من ضعف في الميدان العسكري، وحتى السياسي، كما تجلى ذلك في عجزه عن حسم  أزمات البلقان المختلفة حتى تدخلت أمريكا . وما ينطبق على الاتحاد الأوروبي ينطبق على الصين التي تتفوق اقتصاديا لكنها قوتها العسكرية لا تنافس بقوة أمريكا، وكذلك روسيا كقوة عسكرية وضعف اقتصادي.
هذا التشخيص الحقيقي لحالة معسكر الغرب وإن بدى متماسكا،يؤكد أنه معسكر قد أصابته هشاشة وبدأ يعاني من تراجع مستمر لقوته في ميدان ما أو أكثر، ما ينبأ بتزايد فرص التغير في موازين القوى العالمية، ويوحي بإمكانية رسم نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي في نهاية المطاف بصعود قوى وسقوط أخرى.
وفي حين تؤكد الدراسات التي تناولت هذه التغيرات في هيكل النظام الدولي، أن حالة فقدان القوة والميل نحو الضعف باتت مرشحة للزيادة في الأعوام القادمة، وستكون عواقبهاانحسار النفوذ الأمريكي في بعض المناطق وملء هذا الفراغ بواسطة قوى أخرى دولية كانت أو جهادية. تقترح دراسات أخرى أن التعددية القطبية ستكون تركيبة النظام العالمي الجديد.
ولأن التغيرات الجذرية للنظام الدولي لا تأتي إلا بعد حروب عظمى دولية، كما تسببت الحرب العالمية الأولى في زوال أربع إمبراطوريات كبيرة، أبرزها الإمبراطورية العثمانية والنمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية،   فإن نشوب حرب عالمية في الوقت الراهن أمر مستبعد ما لم تتوفر العوامل والأحداث الكبرى وعلى  نطاق دولي شاملكالتي سبقت  الحربين العالميتين أو مهدت لانهيار الاتحاد السوفيتي. لكن المؤكد أن بوادر ظهور انحسار النفوذ الأمريكي بدأت تتجلى بشكل صارخ في الشام على سبيل المثال، وذلك بالسماح للنفوذ الروسي بالهيمنة، وإن كان هناك تواجد مستمر للأمريكان في الساحة السورية وأن سيطرتهم وصلت ل 30% من أراضي سوريا إلا أن القيصر الروسي لا يبدي أي تنازل اتجاه المصالح الأمريكية بل سجلت مؤخرا مناوشات وتراشقات تنبأ باحتمالية تصاعد الخلاف بين الدولتين الكبريتين في نظام عالمي أثبت فشله في إقرار الأمن والسلام في العالم.
[rtl]

النظام العالمي في عصر ترامب

[/rtl]
 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي %D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9
منذ تولى دونالد ترامب، الملياردير الأمريكي منصب رئيس لأمريكا، والانتقادات تتوالى على السياسة الأمريكية في العالم وخاصة من قبل الحلفاء الأوربيين. فصلافة الرجل أحرجت الخارجية الأمريكية مرارا، ووقاحته باتت تنذر بخطر خسران التحالفات الاستراتيجية كتحالف الناتو العسكري. ولعل هذا ما يفسر تصريح عضو مجلس الشيوخ الجمهوري السابق عن نبراسكا ومقاتل سابق من حرب فيتنام ، شغل منصب وزير الدفاع في ظل الرئيس السابق باراك أوباما، تشاكهاغل، الذي قال في مقابلة مع صحيفة “Lincoln Journal Star”، إن الولايات المتحدة والعالم دخلا “سنة حاسمة، وسنة من التقلب وعدم اليقين والخطر الكبير”. وقد اتهم هاغل ترامب بأنه ” يقسّم عمداً البلاد والعالم” من خلال الانسحاب من التحالفات والصفقات التجارية مثل الشراكة عبر المحيط الهادي. كما انتقد هاغل هجوم ترامب على الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية وهي سابقة لم يسبقه بها أحد من قبل تهدد أمن وانسجام الأجهزة الامريكية التي تعمل في سبيل مجد أمريكا.
ولعل أوضح تصريح لهاغل حول بوادر تغير مرتقب في زعامة النظام الدولي بسبب سياسات ترامب غير المدروسة،تصريحه الذي قال فيه إن: “السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الحالي هي سياسة انقسامات.. هناك نظام عالمي جديد يجري بناؤه وتشكيله في الوقت الراهن”.
[rtl]

الخلاصة

[/rtl]
تعد هذه المرحلة من أهم المراحل التي يجب على العالم الإسلامي وقواه المختلفة أن تستغله لصالح مستقبل أفضل وأكثر ازدهارا وأمنا، ذلك برفع مستوى الوعي لدى الأمة المسلمة بواجب العمل والاجتهاد في كافة المجالات للتمكن من سد الفراغ الذي سيجلبه انحسار النفوذ الأمريكي المرتقب، ثم لأن التنافس الدولي لن يقصي القوى الإسلامية من محاولة الصعود من جديد بسبب توفر جميع المقومات لهذا الصعود، سواء الحاجة الملحة للخروج من بوتقة الضعف والمهانة والذل التي سئمتها الشعوب المسلمة أو بسبب ضعف أغلال الأنظمة الطاغية التي ستضعف بضعف الرأس المهيمن، ثم بسبب مشروع الصحوة الإسلامية ومشاريع النهضة التي وإن كانت لا  زالت تعاني الضعف والتضييق ولم تصل بعد للحجم المطلوب إلا أن المستقبل يبشر بكل خير.
وكما فصل ذلك ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، فإن أي دولة لها بداية وقمة ونهاية، وجميع السنن تدفع بسقوط الدولة المحاربة الظالمة أمريكا، لهذا فلا يحسبن أحد أنها مجرد تحليلات أو تخمينات غثائية، بل هي تستند على العقل وعلى الوحي معا.
فيا له من صباح ماجد ذلك الذي ستشرق فيه الشمس على أرض زال فيها طغيان الأمريكان ومعسكر الغرب وأنارت معه أنوار الخلافة الإسلامية الموعودة، وإن كان يبدو حلما بعيد المنال عند بعضهم إلا أنه نبوءة خير الأنام في نظر المؤمنين والموقنين! ستتحقق يوما وإن طال الزمان، ومن أصدق وعدا من  الله سبحانه.


المصادر
[list=row]
[*]عالم ما بعد أمريكا- فريد زكريا
[*]عالم ما بعد القطبية الأحادية الأمريكية- دراسة في مستقبل النظام السياسي الدولي
[*]ستيفن والت- ناشيونال إنترست
[*]النظام الدولي الجديد،2017- واشنطن بوست
[*]خريطة توازن النظام الدولي وكيفية فهم الصراعات
[*]كيف تهيمن الولايات المتحدة على العالم
[/list]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي    التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي Emptyالإثنين 01 أبريل 2019, 5:37 pm

[rtl] التصور السياسي الشرعي والنظام الدولي الجديد[/rtl]

«السياسة الشرعية» هي عبارة عن مكونات سياسية شرعية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، تهدف لإعلاء المصالح العامة، وتجنب المفاسد التي تفضي للاستبداد والظلم، أو انتشار الفساد كظواهر اجتماعية نهى عنها الشرع، من خلال تفاعلات أحداث الواقع التي تبني فهمًا مبنيًا على الحكمة المستقاة من فهم مقاصد الشريعة؛ لتنتج فقه الواقع السياسي الذي يجمع ما أحدثه الواقع مع وجود المعطيات السياسية، وعليه يكون القرار السياسي الشرعي.

أولًا السياسة الشرعية وعلاقتها بالفكر السياسي

وعليه، فإن السياسة الشرعية هي: أحكام الشريعة التي تهدف للمصلحة العامة، مزودة بفقه الواقع الذي بُني على دراسة الواقع، مع تحليل المعطيات السياسية، لاستنباط السياسة المرجوة التي تهدف لمصلحة الأمة، والرصيد لها في دحر العدو والتمكين لها. فمكونات النظام السياسي هي: الثابت، والمتحول، والمتحرك، وهي التي تؤدي إلى الفكر السياسي الرشيد، والمتمثل بالثابت (أحكام الشريعة ومقاصدها)، والمتحول (الواقع وفقهه)، والمتجول أو المتحرك (المعطيات السياسية وتحليلها)، ويكون الهدف منه المصلحة العليا العامة، ويقاس بإنشاء الخطة السياسية، التي من أجلها يسوس السياسيون الأمر.
فتتجلى الحكمة والمبادئ الإسلامية (الأخلاق) في ربط مكونات العملية، كفاصل لتحقيق مصلحة عامة، تضمن نتائج أفضل مما كان عليه حال الواقع. فالخروج عن استبعاد أي مكون من مكونات العملية السياسية المذكورة آنفًا، أو النظر للأهداف الشخصية، وترك الهدف العام كمصلحة جامعة وعامة، أو اتباع الهوى النفسي لتعصب قومي، أو قُطري، أو قَبَلي، أو حزبي، أو تنظيمي، يشكل عاملًا ضارًا بالقرار السياسي؛ لما ينتجه من الإضرار العام بمصلحة المجتمع، فيكون ارتكب مخالفة للسياسة الشرعية، والتي تسبب إعطاء فرصة للعدو من التمكن وبسط سيطرته، أو من تفلت الشعب أو التابعين.

كيف تأثرت الأمّة بغياب كيانها الجامع؟

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D9%8A%D8%B1%D9%82%D8%B5-%D9%85%D8%B9-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8فالناظر اليوم فيما مر معنا من فهم ومن تفسير عميق للسياسة، على أن تكون سياسة شرعية، يرى أن الهدف منها إقامة العدل والإحسان بين الناس، ويكون الناظم بينهم أحكام الدين، دون تجزئة أو استبدال لهذا الدين. وهذا ما كانت عليه السياسة في زمن الإمام وحالة الاستخلاف، لكننا اليوم نعاني من فهم يُظهر حالة السياسة في غياب هذا الأمر (الدولة الإسلامية وإمامها). وهنا يتجلى الفهم السياسي للمخاطر المحدقة بالأمة، والتي تستطيع أن تمتلك فهمًا سياسيًا يرقى لدحر العدو عن بلادنا، والذي يستهدف الإبقاء على حالة التشظي والتجزئة؛ لينال من الكيان الجامع للأمة، ويبقي على حالة التفرد.
ما أنتج حالة الهيمنة والغطرسة والتبعية، ليُمسي كل قُطر على مصالحه الخاصة، ويقدمها على المصلحة العامة للمجموع العربي والإسلامي؛ ما أنتج مفسدة أكبر تتجلى في التغول للعدو، وصناعة نظام دولي يشق الطريق على كل قُطر منفصل عن باقي الأقطار العربية والإسلامية، ليحصل على استقلاليته، ويُفلِت من تحت قوانين النظام الدولي الجديد.
والأخطر من ذلك، أن تجد القطر الواحد يدفع بكل مصالحه لاسترضاء النظام الدولي الجديد، وذلك مقابل أن يُبقي على حالة التفرد بحكمه على شعبه، وبذلك يكون قد أخل بشرعيته المستمدة من الشريعة والإسلام الذي يحافظ على إزكاء فهم العمل السياسي، والذي يهدف إلى إعلاء قيمة مصلحة الأمة متجردة من الأهواء والمصالح القُطرية… وهنا نجد أن الأقطار العربية والإسلامية تستجدي القوى المهيمنة، ووصل الحال على أن تكون سياستهم مرتبطة بمصالح عدوهم، ما خلق حالة استنزاف لمقدرات أوطانهم.

وما العمل؟

إن الفهم السياسي في عصرنا الحالي يجب أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأهدافنا، ومصلحة أمتنا، ومعرفة تفاصيل وخطط وأهداف العدو في النيل منا ومنها؛ إذ يتفق الجميع أن عدونا يستهدف تمزيقنا وتفريقنا؛ لتسهل عليه عملية التفرد والعمل لحسابه، متجنبًا إسقاط أئمة الأقطار. كما يعمل العدو لإزكاء حالة الوظيفية في المجتمع العربي والإسلامي للأقطار أو الجماعات، لينال من خلال العملية الوظيفية بسطًا أكثر لنفوذه، وتحكمًا أكثر في مصادر ثرواتها ومقدراتها.
والأخطر من ذلك، بات المقررَ للنظام السياسي، والذي صنع له أدواته لتحمي مصالحه في كل قُطر من الأقطار العربية والإسلامية، من حكام مُؤجَّرين يتقاضون رواتبهم من دماء شعوبهم باسم الرأسمالية، والحكم العسكري. وعليه، استطاع العدو أن يستهدف النظام السياسي العام للأمة العربية والإسلامية بأن جعل المصلحة العامة ليست هي الدافع لبناء النظام السياسي العربي الإسلامي، وإنما بنى نظامًا مجتزئًا ومهترئًا هدفه الحفاظ على المصلحة الشخصية للزمرة الحاكمة.
ما جعل الهوى هو الهدف الرئيسي للأنظمة السياسية، وهي تتبنى سياسة برجماتية في المجتمعات العربية الإسلامية، لا ترقى للانفصال عن النظام الدولي الجديد الذي يهدف للتحكم في مصائر الأقطار العربية؛ فتبقى رهينة المحاسبة القانونية الدولية، وهي من صياغته المُحكمَة، والتي لا تجعل أي قُطر يفلت من أنياب قوانينه التي صُنعت من أجل البقاء على هيمنته، والسيطرة على مقدرات الأمة العربية والإسلامية.

كيف نظر الفقهاء للسياسة الشرعية؟

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي %D9%85%D8%B5%D8%AD%D9%81-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D8%B6%D8%A7%D8%A1%D8%A9
يقول ابن عقيل الحنبلي: “السياسية ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ﷺ، ولا نزل به وحي”. وكما قلنا قبل ذلك، إن جوهر السياسة الشرعية هو استجلاب المصلحة التي لا توافقها مفسدة أكبر منها في الحاضر والمستقبل، وهذا الفهم لا يحتاج لدليل من القرآن والسنة، بل يحتاج لفهم مقاصد الشرع. ومن أجل ذلك كان من المغالطة، أو الغلط، ما يزعمه بعض المخالفين من أنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فهذا القول فيه غلط وتغليط، كما قال ابن عقيل: “لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فيه غلط وغلط الصحابة”.
فقد جرى من الخلفاء الراشدين ما لا يجحده عالم بالسنة، كتحريق علي رضي الله عنه الزنادقة، وتحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف، ونفي عمر رضي الله عنه لنصر بن الحجاج. كما أن فعل الخضر، وهو يُعلِّم سيدنا موسى عليهما السلام، وما قام به من قتل الغلام وخرق السفينة وبناء الجدار، ليست مخالفة لشرع الله وأمره؛ فالشريعة لها مقصد، وجوهرها المصلحة المترتبة على الفعل الذي يقوم به الراعي. فالشرط أن يعلم الراعي بالمصلحة المترتبة عن الفعل، فهذه الأفعال تدل على أنَّه يكون من الأمور ما ظاهره فساد، فيُحرِّمه من لم يعرف الحكمة التي لأجلها فُعِل، وهو مباح في الشرع باطنًا وظاهرًا لمن علم ما فيه من الحكمة التي توجب حسنه وإباحته.
قال ابن القيم: “هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك في معترك صعب، فرّط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرّؤا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، وسدوا على أنفسهم طرقًا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق، ظنًا منهم منافاتها لقواعد الشرع.” والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها، فلما رأى ولاة الأمر ذلك، وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا لهم قوانين سياسية تنتظم بها مصالح العالم، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر.
فعليه، عندما قال ابن عقيل: “لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فيه غلط وغلط الصحابة” ليس المقصود أن السياسة بكليتها وتفاصيلها اليومية التي نعيشها جاءت نصًا في القرآن والسنة، ولكن القرآن والسنة وأحكامهما هي الناظمة لسياستنا. وعليه، فإن السياسة التي تسوس الناسَ يجب أن تكون موافقة للشرع، وأن تكون تلك الأحكام الجزئية متفقة مع روح الشريعة ومبادئها الكلية، وأن تكون مع ذلك غير مناقضة لنصٍ من نصوصها التفصيلية التي يراد بها التشريع العام. فالقول بأنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع قول صحيح ومستقيم، تؤيده الشريعة نفسها، ويشهد له عمل الصحابة والخلفاء الراشدين، والأئمة المجتهدين.

ثانيًا: المعادلة السياسية بين تغيب الفكرة عن الفكر السياسي

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي %D8%AA%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9
الفكر السياسي، هو قدرة العقل لإيجاد نفسية عقلية، تتربى على طريقة الجمع للفكرة السياسية، واستخدام مكونات الفكر (عناصر الفكر السياسي)، والتي تشمل: الثابت والمتحول والمتحرك، وربطهم بالفعل السياسي، وإنتاج التراكمية للفعل السياسي، وهي الممارسة السياسية. إن الفكر السياسي قائم على معادلة حسابية سياسية، والتي تتكون من عملية تفعيل للفكرة؛ بهدف استنباط الصالح واستبعاد الفاسد، وهي تتألف من: التشخيص، والتحليل، والعلاج. إن ما تمر به الأمة اليوم أقرب إلى الهرطقة السياسية؛ لفقدنا بوصلة الفكرة السياسية، التي تؤدي إلى جمع طاقات الأمة العربية والإسلامية على إنتاج فكر سياسي يجمع الأمة بطاقاتها وقدراتها؛ لإحداث ثورة سياسية، تعتمد على فكرة موحدة تكون هي الجامعة بين شعوب المسلمين.
إن غياب الإطار الجامع الفاعل للأمة العربية في لُحمة واحدة، وامتلاكه لمفاعيل القوى، وهي مقاومة الظلم والاستبداد الناتجين عن النظام الدولي الجديد، وتحقيق مصلحة الأمة من خلال إعلاء قيمة الهدف المتوَّج بالمصلحة العامة، وهي وحدتها لتمكينها بالوقوف كجبهة موحدة ضد أي قانون جائر وأي عمل عدواني ضد أي قُطر عربي إسلامي -.
هذا الغياب جعلها فريسة سهلة لأعدائها، وعلى رأسهم النظام الدولي الجديد، والذي يترأسه المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة، والذي من كبرى أهدافه إماهة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية، وجعله جزءًا لا يتجزأ من النسيج العربي والإسلامي.
وبهذا، تتحقق أطماع المشروع الصهيوني المارق في الأمة، والذي يعمل على تفرقها والنيل من وحدتها، ويبقيها أقطارًا يلعن بعضها بعضًا، وتلعب على مصالحها الفردية. وجعل أكبر أهداف الأقطار والأمصار الحفاظ على عروشهم وشرعياتهم، تارة بالديمقراطية الزائفة، وتارة بالانقلابات العسكرية، وتارة بالقتال الداخلي، لتؤدي بدورها وظائف أكبر مما نتوقع.

التشخيص والداء

إن عملية التشخيص المبكر ستكون أهم خطوة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية المجيدة، ولو دققنا النظر وتركنا الطاقة العقلية التشخيصية تعمل وتفكر، واستخدمنا جميع أدوات التشخيص، لوجدنا أن النظام الدولي الجديد هو أساس بعثرة وتفرقة الأمة من خلال القوانين الدولية، هذا الجانب الأهم والأبرز في عملية التشخيص. كما أن القائمين على النظام الدولي الجديد هم الذين صاغوا هذه القوانين لتحافظ على ميراثهم الدولي كزعامة، وليبقوا في دائرة تمثيل القوة الآمرة الناهية في بيت الطاعة الدولي، هذا جانب ثانٍ. ومن جانب آخر، حافظوا على حق التدخل الدائم والمستمر في جميع أنحاء العالم؛ ليبسطوا هيمنتهم واستحواذهم على مقدرات الأمة. وكذلك ليحققوا الهدف الأكبر، وهو العلو الصهيوني في المنطقة. فالتشخيص سيقودنا إلى أن النظام الدولي الجديد كأنما صِيغ باحتراف من قبل صائغيه، وذلك ليحققوا الهدف المذكور آنفًا.

منظمات تسكين الشعوب وامتصاص الغضب

 التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي %D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9
لاحظنا من خلال التشخيص السابق أن النظام الدولي الجديد لا يعمل لصالح العالم بأسره، وعلى رأسه الأمة العربية والإسلامية، وإنما يعمل من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدراتها. ولو ذهبنا لتحليل الوضع القائم في واقعنا المعاصر، لوجدنا أن للأمة العربية والإسلامية عنوانين رئيسيين يعملان كإطار جامع، وهما: جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. ولو بحثنا جيدًا في أهدافهما لوجدنا أهدافًا قيمة وثمينة. ولكن على أرض الواقع لا تمتلك قوة لتطبيقها، ومفاعيل القوى التي تستند عليها غير فاعلة، ومن ثم تكون أهدافها ذرًا للرماد في عيون الشعوب؛ وذلك لأن النظام الدولي بسط قوته، وأفقدهما دورهما في الأمة، ومن ثم لا ترقى أن تكون سندًا رئيسيًا لأي قضية عربية أو إسلامية.
لنمضِ بتحليل الواقع قليلًا… يتضمن التحليل بسؤالين: ما دور جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي فيما حدث في الوطن العربي والإسلامي من أحداث؟ وما دورهما في القضية الفلسطينية؟! الإجابة على السؤالين طبعًا:
اقتباس :
«كان لهما دور طفيف كعقد الاجتماعات، والشجب والاستنكار».
هذا أقصى ما تملك من قوة، وهذا الدور المطلوب منهما حتى يخفف حدة توتر الشعوب تجاه النظام الدولي الجديد. وما قامت به أمريكا في العراق، وروسيا في سوريا دليل على ضعف المنشود منهما. كما أن واقع الأمة العربية والإسلامية هو واقع التسابق للارتماء في أحضان النظام الدولي الجديد، وذلك بهدف حماية مملكاتهم وعروشهم.
إن ما يحدث من أحداث أليمة في الوطن العربي تهدف إلى النيل من الوحدة الفعلية والحقيقة للأمة العربية والإسلامية، كما أن مفاعيل القوة باتت متناحرة في أهدافها الجيوسياسية؛ فالأمة بجمعها ووضوح هدفها السياسي، هي القادرة للوقوف ضد صلف النظام الدولي الجديد؛ لأن شرعيته على الأمة العربية غير صحيحة، وهو فاقد للشرعية التي أدت للوصاية الدولية على الحق العام للأمة العربية والإسلامية.

عرفنا الداء وها هو العلاج

بعد عمليتي التشخيص والتحليل للوضع القائم، تسهل علينا كتابة العلاج، والذي يتمثل في إنتاج فكر سياسي واعٍ وجامع، يؤسس لإسناد الأمة لمفاعيل قوية وحقيقة، تستهدف الإطاحة بالنظام الدولي الجديد؛ من خلال هدم أقوى مرتكزاته في المنطقة، الكيان الصهيوني العنصري الإحلالي على أرض فلسطين، وإفشال المخططات الناتجة عن الحركة الصهيونية، وهي المشروع الأساسي في إبقاء النظام الدولي الجديد كمهيمن رئيسي في المنطقة. فالنظام الدولي الجديد فاقد لشرعيته في أمتنا، وذلك لتعزيزه للفساد والظلم والاستبداد، بل هو المستعمر الجديد بثوب القوانين الدولية.
إن القلم والورقة واستخدام الخطة في الفكر السياسي لمقارعة الخطة من قبل الأعداء، هي السمة التي ستميز المرحلة القادمة في تفعيل طاقات الأمة جمعاء، وهي التي ستُحدِث الفعل السياسي الذي سيرقى للمواجهة والمجابهة، والوقوف بصلابة أمام قوى الغازي على الأمة.
ومن هنا ندعو جميع طاقات الأمة لتعزيز البنية الاتحادية في الفكر، التي تبني الوعي الفكري الذي يجابه التحديات المفروضة على الأمة، ولتقف هذا الطاقات سدًا منيعًا أمام فرض حالة التجزئة والتشظي للأوطان، وليسعى الكل، من خلال إدراك الهدف المنشود، ليراكم قوى الفعل السياسي؛ لتدشين ممارسة سياسية وازنة في إسقاط قوانين وقواعد النظام الدولي الجديد، والذي يهدف إلى تعزيز القومية الصهيونية لأن تكون ضمن القوميات العالمية، وإيجاد راحة في إدماجها في الأمة العربية والإسلامية، والتي شاهدنا صورًا منها في الأيام الأخيرة.
اقتباس :
ومن هنا أدعو لتكوين العصابات السياسية في الأمة لتعمل ضد المشروع الصهيوني، وهدم مشروع القومية اليهودية في منطقتنا العربية والإسلامية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
التفرقة بين النظام العالميّ، والنظام الدولي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  هل النظام السعودي والنظام الإيرا ني عدوّان أم لاعبان للأدوار في خطط الغرب وفي ملعب الشرق
» بحث حول النظام النقدي الدولي
» شاعر سوداني يهجو النظام الدولي
»  انتصار 7 أكتوبر هزّ النظام الدولي برمّته..
» خريطة توازن النظام الدولي وكيفية فهم الصراعات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: