كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن سيطرة الصهاينة على اقتصاد العالم وتحكمهم في سياسات الدول الكبرى. وكيف أن لديهم من القوة التي يستطيعون التأثير بها على أية دولة ورسم سياساتها الخارجية .
الآليات الاقتصادية للمشروع الصهيوني:
مرحلة التأسيس: كان المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين يفتقد إلى الشروط التي تسببت في نجاح عمليات الاستيطان الاستعمارية المعروفة بالعالم؛ فقد بدأت مجموعات صهيونية بلا قوة عسكرية ذاتية، إلا أنها كانت تملك القوة الاقتصادية ولم تتمكن من الحصول على تأييد دولي سياسي من الدول الاستعمارية، ولم يكن بفلسطين أرض غير مملوكة، بل كانت كل الأرض مملوكة للفلسطينيين وذات قيمة اقتصادية.
وكان من أسباب غياب الشروط الاقتصادية للمشروع الصهيوني، إخفاق عمليات الاستيطان في تحقيق تقدم ملموس في العقود الثلاث الأولى (1905 -1914)، ثم تحول إلى نجاح من خلال ابتكار آليات اقتصادية جديدة، عبر تجارب الخطأ والصواب والصراع السياسي. وهذه التجارب هي:
1- التجربة الأولى: بدأت عام 1982، في الهجرة الصهيونية الأولى، وقام بها مهاجرو “أحباء صهيون”؛ حيث أقاموا مستعمرات قرب “صفد ويافا والقدس، وحاولوا تقليد الزراعة العربية، إلا أنهم لم ينجحوا.
2- التجربة الثانية: مرحلة البارون روتشلد، الذي قدم الدعم المالي والإشراف على الاستيطان في فلسطين. وبعد عشر سنوات انسحب روتشلد من قيادة المشروع الاستيطاني نتيجة الفشل؛ بسبب افتقار فلسطين لشروط المزارع الكبيرة، على غرار الاستيطان في الجزائر.
3- التجربة الثالثة: جمعية الاستعمار اليهودي في مطلع القرن العشرين، التي استخدمت معايير السوق الاقتصادية، وقلصت أجور العمال اليهود؛ ما دفع الكثير منهم للعودة إلى أوروبا.
4- التجربة الرابعة: المنظمة الصهيونية العالمية 1997 م، التي أقامت شبكة عالمية من الأجهزة السياسية النشطة في أوروبا، وشجعت الهجرة، وأقامت الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي عام 1901 م.
5-تجربة الهجرة الثانية: وهم من الشرائح العمالية المتشبعين بالفكر الاشتراكي والقومي، الذين أسسوا أحزابا عمالية “اشتراكية صهيونية” تدافع عن مصالحهم.
6-التجربة السادسة: أسلوب الاستيطان الصهيوني؛ حيث تآلفت الأحزاب العمالية مع المنظمة الصهيونية؛ ما أدى إلى بناء اقتصاد يهودي في فلسطين عمل على إيجاد علاقة استعمارية مع الاقتصاد العربي، تعمل على إضعاف سوق المال، وسوق الأرض، وسوق العمل، تمهيدًا للسيطرة عليها.
أسلوب المستعمرات الصهيونية قام على أساس:
– المحرك الأساسي هو رأس المال الصهيوني.
– التمييز بين العامل العربي والصهيوني.
قاد نجاح التحالف بين المنظمة الصهيونية والأحزاب العمالية، إلى إنشاء مؤسسات في قطاعات الصناعة والتمويل والخدمات والتأمين؛ بهدف التشويه الكامل لاقتصاد السوق؛ حيث اعتمدوا أسلوب المستعمرات التعاونية.
مرحلة الانتداب البريطاني:
لم يكن باستطاعة الحركة الصهيونية النجاح بمشروعها لولا الدعم من بريطانيا الاستعمارية؛ فقد كان “وعد بلفور”البريطاني، ركيزة الأساس في دعم ونجاح المشروع الصهيوني.
كانت سياسة بريطانيا “استعمارية تقليدية” قائمة على أساس بقاء الاقتصاد الفلسطيني منتجًا للسلع الزراعية الاستهلاكية ومستهلك للصناعة البريطانية.
أما بالنسبة للاقتصاد اليهودي، فقد دعمت بريطانيا الصناعة اليهودية، حتى على حساب المصالح الاقتصادية البريطانية.
واعتمدت سياسة تشجيع الصناعة اليهودية وعدم السماح بقيام صناعة عربية، من خلال رفع الضرائب الجمركية العالية على البضاعة الأجنبية التي تنافس الصناعات اليهودية.
كما قدمت بريطانيا مساعدات للاقتصاد الصهيوني من خلال تشويه الأسواق الاقتصادية الثلاث (سوق المال، سوق العمل، الأرض)؛ فدعمت الاستيطان من خلال سن القوانين الجائرة على المواطنين العرب، وفرض الضرائب العالية عليهم؛ وبالنسبة للسوق، دعمت بريطانيا شق السوق إلى سوق عمل يهودي، وسوق عمل عربي، وجعلت بمقتضى ذلك رواتب اليهود أعلى من رواتب الفلسطينيين؛ أما سوق المال، فقد دعمت بريطانيا دخول المال لليهود؛ لغرض التوسع الاستيطاني؛ إذ دعمت بريطانيا “المنظمة الصهيونية” و”الصندوق القومي” في سنوات الثلاثينات، بقوة، بإحضار رأس مال “ألماني”؛ فنمت الصناعة اليهودية المستجلبة.
ويتضح أثر دعم الانتداب للاقتصاد الصهيوني بالنجاح في إقامة الدولة؛ بعد أن تزايدت خلال سنوات الانتداب أعداد اليهود إلى سبعة أضعاف، (من “90 ألف إلى 700” ألف)، كما ارتفع حجم الإنتاج من 19% من الإنتاج الكلي في فلسطين، إلى 53%، وبلغت حصة اليهود من الاستثمارات 88%، ومن الإنتاج الصناعي 89%، بالرغم أن عدد اليهود كان آنذاك كان 30%.
مرحلة الاشتراكية الديمقراطية: مع قيام إسرائيل كان طابع الملكية جماعيًا (90% ملكية جماعية)، وكان النشاط الاستيطاني عبر الموشاف والكيبوتس، وكانت الهستدروت تدير مؤسسات اقتصادية وصناعية وصحية، وكان إيمان الأحزاب عميقًا بضرورة أن يشكل القطاع العام الآلية التي تحرك الاقتصاد الصهيوني.
وقاد نفوذ الأحزاب إلى تبني نظام قريب من الديمقراطية الاشتراكية ؛ بتحالف “رأس المال والدولة والعمال”. وهذه الشراكة تلزم المنظمات العمالية بتقليص حجم مطالبها المتعلقة بالأجور وأوضاع العمل، مقابل تعهد رأس المال والدولة باتباع سياسة توظيف كامل لليد العاملة، كما تعهد رأس المال بمراعاة حقوق العمال والاعتراف بالنقابات العمالية.
وقد تمكنت الحركة الصهيونية “إسرائيل لاحقا” من تحقيق نجاحات كبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي دون التأثر بالإخفاقات، بفضل ثلاث عوامل، هي:
1- حصول إسرائيل على موارد اقتصادية من الخارج وباستمرار؛ وشكلت مساعدات من يهود العالم ما نسبته 9% إلى 25% من الناتج القومي، فكان جزء كبير من التراكم الرأسمالي يأتي من هذا المورد.
2- القيام بمشاريع البنية التحتية الضخمة في المراحل الأولى من بناء الدولة.
3- وجود بيروقراطية عقلانية ذات علاقة عضوية بالاقتصاد الإسرائيلي وتتمتع بالاستقلالية العسكرية والسياسية والاقتصادية تأتي من حلقة الأحزاب العمالية.
منذ منتصف السبعينات أخذ مفعول هذه العناصر الثلاث (موارد خارجية، ومشاريع ضخمة، وبيروقراطية عقلانية مستقلة) يضعف، وفي سنة 1977 انتهت سيطرة الأحزاب العمالية على الدولة، ونجح تحالف الليكود اليميني في تأليف حكومة لأول مرة، وأصبحت سياسة الوزارات هي المتحكمة بالسياسة العامة؛ ما أفقدها تماسكها وتضامنها في توجيه النشاط الاقتصادي.
وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أصبح نظام الديمقراطية الاشتراكية يعاني من أزمة مستعصية نابعة من عدم استمراره بالشكل الماضي لأنه خسر أهم عامل (استقلالية الدولة).
مرحلة التوجه الرأسمالي
برنامج الإصلاح الاقتصادي (التثبيت) هو برنامج تبنته الحكومة الإسرائيلية بسبب الأزمة الاقتصادية التي استمرت من منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات، وتمثل بثلاث نقاط جوهرية: خفض معدلات الأجور بموافقة الهستدروت، تقليص دعم الحكومة للمواد الاستهلاكية، تقليص حجم الإنفاق الحكومي. وهذا التوجه أحدث تغيرات ونجاحات منها: رفع دور الدولة في الاقتصاد، وبداية التوجه نحو السوق الحر، ودعم الاندماج بالسوق العالمية.
هذا التكيف ليس حديثًا، بل منذ بدايات الانتداب؛ حيث دعمت الدولة الرأسمال الخاص، وعملت على توجيهه، حتى في ظل الديمقراطية الاشتراكية.
وفي الستينات مرت إسرائيل بضائقة اقتصادية؛ حيث انخفض حجم المساعدات الخارجية، كما انخفض تدفق المهاجرين عن معدلاته في الخمسينات؛ الأمر الذي أدى إلى انكماش اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ معدل النمو للناتج القومي الإجمالي، وأفلست المؤسسات الصغيرة.
مع انتهاء هذه الفترة برزت ثلاث مؤسسات عملاقة هي: “كور للاستثمارات”، و”الاستثمار المالي”، و”كلال”. وشكلت كل واحدة من هذه الشركات مجتمعاً اقتصاديًا يرتبط بأحد البنوك الرئيسة الثلاث: ليئومي، وهابوعاليم، وديسكاونت؛ ما رفع دور رأس المال على حساب دور الدولة والهستدروت، وظهر اتحاد الصناعيين كمؤسسة متعاظمة النفوذ والقوة.
أعطت حرب 1967م دفعة قوية للاقتصاد الرأسمالي الإسرائيلي؛ حيث أغرقت أسواق الضفة وغزة بالسلع الإسرائيلية، وحصلت إسرائيل على أيد عاملة عربية رخيصة، وقد أيدت الهستدروت والدولة اندفاع رأس المال المتعاظم؛ حيث دخلت الهستدروت في شراكات مع القطاع الخاص، وباعت الحكومة شركات حكومية للقطاع الخاص. المتغيرات المذكورة سميت ( وحدة رأس المال ) أي تعاون رأس المال الخاص والحكومي والعمالي في اتجاه إعطاء رأس المال الخاص سلطة قيادة النظام الاقتصادي بالتدريج .
وبعد 18 سنة من برنامج الإصلاح كانت ملامح النظام الاقتصادي الإسرائيلي قد تبلورت باتجاه:
1- قيادة رأس المال للاقتصاد.
2- استعادة الدولة استقلاليتها عبر تقليص دورها المباشر في الإنتاج والتوزيع ودعم رأس المال .
3-تقليص دور الهستدروت والنقابات العمالية.
أي ظهر معنى جديد للدولة في التسعينات. وباستيعاب مليون مهاجر روسي “مستوطن” لم تشرف الدولة مباشرة على استيعابهم، وإنما أحضرت القروض بضمانات أمريكية وتركت القطاع الخاص يتولى عملية الاستثمار، أي أن التوجه للاقتصاد الرأسمالي الحر، تم من خلال المؤسسة الحاكمة وليس من خارجها.
التطور التاريخي للاقتصاد الإسرائيلي
اتسم الاقتصاد الإسرائيلي طوال نصف قرن بالنمو والتطور والتقدم؛ حيث زاد عدد السكان خمسة أضعاف؛ ففي عام 1948م كان متوسط دخل الفرد اليهودي ضعفي أجر مثيله العربي؛ أما الآن فيبلغ ثمانية أضعاف. وتشرف النسبة على المقاربة مع الأجور في بريطانيا وإيطاليا.
انعطافات ومراحل تطور الاقتصاد الإسرائيلي:
1- فترة التقشف والتأسيس (1949 – 1954)
وتميزت هذه الفترة التي كان مهندسها “بن جوريون”، ومن أولوياتها:
• استيعاب المهاجرين.
• بناء جيش عصري.
• بناء مؤسسات الدولة التعليمية والصحية.
2- فترة النمو السريع (5419 – 7219)
تدفق رأس المال الأجنبي من ألمانيا، وزيادة الهجرة والأيدي العاملة، عوامل ساعدت على نمو سريع. وكان معدل نمو الناتج القومي 2%، وأصبح 17%. ومعدل الاستهلاك الشخصي 9%. وأدت إلى انتهاء النمو الزراعي الكبير، ودخول النمو الصناعي.
3- فترة الكساد والتضخم: (7319- 8519)
كان السبب الرئيسي في التضخم هو انتهاء مفعول العوامل الثلاثة المهمة ( المساعدات الخارجية، ومشاريع البنية التحتية، والبيروقراطية العقلانية التي منعت التشوهات الجزئية في الاقتصاد من التأثير على الانجازات الكلية). وتراجع النمو بمعدلات عالية عن الفترة السابقة، وارتفع التضخم المالي، وارتفعت الأسعار، كنتيجة للتكاليف الباهظة لحرب 1973 م، وارتفاع أسعار النفط، وتسبب ذلك بعجز كبير بالميزانية، وميزان المدفوعات الحكومي التجاري.
4- فترة الإصلاح الاقتصادي (8519- 1989)
استمر الكساد منذ منتصف السبعينات حتى الثمانينات، وتفاقم مع حكم الليكود؛ حيث ارتفع العجز بالميزان التجاري، وارتفعت الأسعار وحتى كاد ينهار الاقتصاد، ثم ساعدت أمريكا بإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي؛ حيث منحت إسرائيل مليار ونصف المليار دولار.
ثم تشكلت حكومة وحدة وطنية (من العمل والليكود، في 1\7\85 )، وتبنت برنامج الإصلاح الذي شمل على ثلاث نقاط، وهي:
• خفض الإنفاق الحكومي.
• قبول الهستدروت خفض أجور العمال الحقيقية.
• قبول الشركات الرأسمالية خفض الأرباح، حيث تم فرض ضرائب على الذين يعملون لحسابهم، وكذلك خفض ميزانية الجيش من خلال سحب جزء منه من جنوب لبنان.
حقق هذا البرنامج نجاحًا كبيرًا؛ حيث بلغ معدل ارتفاع الأسعار السنوي 195%، وانخفض إلى 18% في عامي 86 -90، وتراجع العجز بميزان الحكومة إلى 2%، ولكن مع سياسة الحكومة النقدية والانتفاضة؛ توقف الانتعاش وأربك الاقتصاد مرة ثانية.
5- فترة نمو التسعينات: العملية السلمية والهجرة والعولمة
بعد سنوات من خطة الإصلاح تم حل مشكلة التضخم ثم الخصخصة وتقليص حجم القطاع العام والانفتاح على السوق العالمي عن طريق خفض القيود على حرية البضائع من إسرائيل. وتميزت فترة التسعينات بعاملين هامين:
أ- موجة الهجرة الروسية إلى إسرائيل: ما يزيد عن مليون مهاجر. أدى إلى تراكم مادي ومالي بفائدة منخفضة جدًا، مكن إسرائيل من استيعاب المهاجرين . كذلك اختلاف الهجرة نوعاً وكما حيث كانوا من ذوي الثقافة والمستوى العلمي المتقدم؛ ما رفع حجم الرأسمال البشري.
ب- العملية السلمية: من مدريد إلى أسلو إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن. شكلت هذه المحطات السلمية فرصة تاريخية لإسرائيل مكنتها من الدخول إلى الأسواق العالمية، خاصة التي كانت تقاطع إسرائيل اقتصاديًا؛ فقد رفعت المقاطعة الاقتصادية عن إسرائيل، وساعدت العلاقات الدبلوماسية الحسنة وأجواء الاستقرار، التي نشأت مع هذه الأجواء على زيادة مستوى التصدير والاستثمار الإسرائيلي بالخارج والاستثمار الأجنبي في إسرائيل.
تأثير انتفاضة الأقصى في الاقتصاد الإسرائيلي:
عودة أجواء الصراع والنزاع وأجواء عدم الاستقرار، أدت إلى عدم التفاؤل الاستثماري وتقلص حجم التصدير الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، وحرمان قطاعات الزراعة والتشييد والبناء والخدمات الإسرائيلية من اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة نسبياً، وأيضا اضطرار الجيش لاستدعاء جزء من الاحتياط، ترتب عليه تعطيل النشاط الاقتصادي للجنود؛ الذين تركوا أعمالهم المدنية وتوجهوا إلى الخدمة لقمع الانتفاضة الفلسطينية.
وقد أعلن مصرف إسرائيل المركزي أن خسائر إسرائيل الاقتصادية جراء انتفاضة الأقصى حتى عام 2001 بلغ 12 مليار شيقل.
حجم الاقتصاد وبنيته الهيكلية:
حقق الاقتصاد الإسرائيلي نموًا عاليًا بعد أزمة منتصف الثمانينات؛ حيث تسارعت عمليات التكيف مع مستجدات تطور الاقتصاد العالمي؛ حيث تقلص دور الدولة وتحرر السوق، وأخذ القطاع الخاص دوره في الريادة والانفتاح على الأسواق العالمية.
حجم الاقتصاد ومستوى معيشة الفرد مع نهاية القرن العشرين:
بلغ حجم الإنتاج القومي الإسرائيلي 100 مليار دولار؛ أي أن معدل الدخل السنوي بلغ أكثر من 16000 دولار.
حجم الاقتصاد بالمقارنة مع الدول العربية (عدد سكان إسرائيل 6 مليون والدول العربية 89 مليون)
حجم الاقتصاد الإسرائيلي يعادل 73% من مجموع الإنتاج العربي في مصر والأردن وسوريا ولبنان، مجتمعة، ومتوسط دخل الفرد الإسرائيلي يعادل عشرة أضعاف دخل الفرد العربي ومستوى معيشته يعادل خمسة أضعاف دخل الفرد العربي.
البنية الهيكلية للاقتصاد الإسرائيلي:
1- تضاءل دور وأهمية الزراعة: تراجع الزراعة مقابل التقدم الصناعي بينما كان الناتج المحلي الإجمالي من الزراعة 6.1 عام 1980 أصبح 2.3% مطلع التسعينات.
2- ازدياد أهمية قطاع الخدمات: في أواخر الثمانينات زاد هذا القطاع على حساب القطاعات الأخرى (مثل خدمات المالية والتأمين والمعلوماتية والتسويقية ) حيث أصبح في أواخر القرن يقدم 70% من الناتج القومي ويستخدم نفس النسبة من اليد العاملة.
3- القطاع الصناعي: شهد تطور مهم في الربع الأخير، وأصبحت الصناعات التكنولوجية العالية تقدم 43.6 % من الإنتاج القومي الصناعي الإسرائيلي، حيث تفوقت على الصناعات التقليدية والمختلطة.
تكيف الاقتصاد مع العملية السلمية والعولمة:
كان للتغير في الهيكلة الاقتصادية ودينامية التطور في الصناعة الإسرائيلية أثر بالغ على الانخراط السريع بالعولمة والسوق الحرة؛ حيث إن العولمة سمحت باندماج الأسواق عن طريق رفع القيود الجمركية وخفض دور الدولة وأعطى القطاع الخاص حرية الحركة الاستثمارية.
الخصخصة:
بدأت منذ الستينات ولكن التزمت الحكومات المتعاقبة منذ منتصف الثمانينات بخصخصة القطاع العام وشملت الخصخصة ثلاثة مستويات:
1- بيع المنشأة الاقتصادية التي تملكها الحكومة (12% من أكبر من 100 شركة تملكها الحكومة عام 1985.
2-بين عام 1986 وعام 1996، باعت الحكومة 68 شركة للقطاع الخاص، منها: شركة بيزك للاتصالات وشركة الملاحة زيم، والطيران العال، وشركة الكهرباء، وشركة تكرير النفط في حيفا. .
3-تم خصخصة شركات تابعة للهستدروت، حيث كانت الهستدروت تملك 35% من أكبر من 100 شركة إسرائيلية.
4-تم خصخصة أهم المصارف الكبرى والتي تهيمن على النشاط المالي في إسرائيل. وبالرغم من الأزمة العالمية الاقتصادية التي ضربت اقتصاد العقارات الأمريكي إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يدخل هذه الأزمة، وبقي متماسكًا. ويرجع ذلك إلى أن النظام البنكي في إسرائيل فيما يتعلق بالقروض متشدد، كما أن إسرائيل لم تكتف بربط نفسها بالاقتصاد الأمريكي، بل لديها علاقات اقتصادية متينة وواسعة مع دول آسيوية وإفريقية تستطيع من خلالها أن تتجنب الضربات الاقتصادية.
بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذها محافظ بنك إسرائيل “ستانلي فشر”، حيث قام برفع نسبة فائدة بنك إسرائيل ورفع الفوائد على القروض السكنية وجملة من الإجراءات هدفها التأثير سلبًا على مستوى الطلب على القروض السكنية في محاولة لتقليل الطلب على الشقق والمباني السكنية.
التجارة الخارجية:
يعتبر دور التجارة الخارجية الإسرائيلية مركزيا في العملية الاقتصادية، لأن إسرائيل تعتمد على المواد الخام المستوردة، فهي تحتاج إلى صادرات كبيرة لتؤمن نقدًا أجنبيًا لتسديد نفقات الاستيراد. وقد مرت السياسة الإسرائيلية التجارية بعدة مراحل أهمها:
1 –الأولى: استمرت من عام 1948م حتى مطلع الستينات وركزت على الإنتاج المحلي وتصديره وفرضت قيودًا كبيرة جداً على الاستيراد.
2 – الثانية: استمرت حتى عام 1975 وسميت “بمرحلة التحرر الاسمي للتجارة”، وسمحت إسرائيل باستيراد الكثير من السلع التي كانت تمنعها سابقاً بعد فرض تعرفه جمركية عالية.
3 – الثالثة: من 1975 حتى أول التسعينات وشهدت الانفتاح الحقيقي على الأسواق العالمية وبدأت هذه المرحلة بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع المجموعة الأوربية، وبعد عشر سنوات وقعت اتفاقية تجارية مع أمريكا، وتميزت هذه المرحلة بصناعات التصدير لتحريك الاقتصاد.
4 – الرابعة: منذ 1991م تقليص التعرفة الجمركية: حيث تم التقليص على البضائع بشكل تصبح فيه بعد خمس سنوات 8% من السعر فقط.
وتستخدم إسرائيل العوائق غير الضريبية لحماية الصناعة المحلية مثل مؤسسات المقاييس والمعايير والمفاضلة بالضرائب. وتصدر إسرائيل سلعًا صناعية بقيمة 25مليار دولار وتستورد بقيمة أكبر من ذلك مما يتسبب بعجز تجاري يصل ما بين 3% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت نسبة قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى الناتج الإجمالي المحلي عام 2004 ( 42.9%).
التقدم العلمي في إسرائيل: حققت إسرائيل تقدمًا مماثلاً في المجال العلمي البحثي ومراكز الأبحاث والجامعات والتكنولوجيا المتقدمة، وقد ساهم في هذا التقدم عوامل من أهمها:
1- النظام السياسي المستقل وتحفيز حرية البحث والإبداع والتطور.
2- الإجماع على الاستثمار برأس المال البشري (التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية)، حيث تبلغ نسبة الإنفاق على البحث العلمي أعلى النسب في العالم أي (4.7%) من الناتج الإجمالي القومي في حين تبلغ النسبة في أمريكا 2.6%.
3- استمرار تدفق المهاجرين المستوطنين الذين يشكلون رأسمال بشريًا وكفاءات عالية، خصوصًا الذين وصلوا بالهجرة الروسية الأخيرة من مطلع التسعينات.
4- التعاون العلمي في مجال البحث، والتطوير العلمي مع أمريكا.
صناعة التكنولوجيا العالية ( الهايتك)
بداية الصناعة من خلال احتضان ودعم المؤسسة العسكرية بالإضافة للدعم الحكومي لهذه الصناعة، وأصبحت من أهم فروع الإنتاج الصناعي. ففي عام 2004م شكلت 85% من الناتج الصناعي ويعمل في هذه الصناعة 5700 موظف منهم ما نسبته 64% عالم ومهندس وتقني.
– الصناعات الحربية: وقد أسست الصناعات العسكرية الإسرائيلية قبل تأسيس دولة الاحتلال حيث أنشأوا مؤسسة ” تاعس “للصناعات العسكرية وبعد عام 1967 ومنع توريد السلاح خاصة من فرنسا قرر الجيش بموافقة الحكومة على تأسيس ودعم الصناعات الحربية الإسرائيلية للاعتماد على الذات ولملاءمتها أكثر لطبيعة الجغرافيا في فلسطين ومحيطها العربي.
ويوجد في إسرائيل ثلاث مؤسسات صناعية عسكرية هي ” تاعس وروفائيل والبيط”. وهذه الشركات من أهم مئة شركة عالمية في مجال التصنيع العسكري. وتعتبر روفائيل (سلطة تطوير الوسائل القتالية) أهم مؤسسة في مجال التسويق العسكري.
مرت الصناعات الحربية بثلاث مراحل:
أ – المرحلة الأولى: قبل إقامة الدولة، مناعس” الصناعات العسكرية لتصنيع أسلحة خفيفة وفحص الأجهزة الحربية وتم إعطاؤها أولوية قومية عالية على تعديل مواصفات بعض الدبابات والطائرات المستوردة لملائمة الوضع في إسرائيل.
ب – المرحلة الثانية: منذ حرب 1967. وفي هذه المرحلة حظرت فرنسا بيع السلاح لإسرائيل، وقررت إسرائيل تقليص الاعتماد على السلاح الخارجي؛ حيث قررت تغيير أولويات التعليم والبحث العلمي والتخصصات التقنية، وتصنيع الطائرات ودبابة “المركافاة”. وبلغ حجم التصدير الصناعي العسكري 1977م 19 مليون دولار.
ج -المرحلة الثالثة: منذ 1973م حدث تغير نوعي في الصناعات العسكرية؛ بالتوجه نحو التكنولوجيا العالية والتصدير؛ فقد تم التطور في مجال السلاح النووي وتطوير مقاتلات إف 16، وصواريخ أرض وأنظمة توجيه الصواريخ والرادارات وطائرات تجسس بدون طيار، ومؤخرا القبة الحديدية التي تتصدى للصواريخ قصيرة ومنخفضة المدى.
في نهاية التسعينات، بلغت الصادرات العسكرية ثلاثة مليارات دولار. وفي نهاية العقد الأول من القرن الجديد بلغت 3. 5 مليار دولار.
الاقتصاد والأمن:
تعد الاعتبارات الأمنية القضية المركزية التي تقف على رأس أجندة سلطات الاحتلال. وحيث كان الاقتصاد سابقا في خدمة الأمن واعتبارات تأسيس دولة إسرائيل. وهو ينفق على الأمن أكبر الميزانيات فقد أصبحت الصناعات العسكرية مصدر دخل اقتصادي وتأثير سياسي دولي؛ حيث بلغ التصدير العسكري في نهاية التسعينات ثلاثة مليارات دولار.
ميزانية الأمن: تعتبر ميزانية الأمن كبيرة جدا مقارنة مع دول أخرى، وهي تساوي ميزانية دول كبرى غنية، مثل: كندا، واستراليا، وتركيا. حيث تبلغ نسبة ميزانية إسرائيل الأمنية 8% من الناتج القومي في حين تصل في أمريكا إلى 4%. وبلغ التصدير الأمني ثلاثة مليارات دولار. في حين يبلغ الدعم الأمريكي لإسرائيل 2.4 مليار دولار سنوياً.
تقليص الميزانية: دائماً تأخذ وزارة الجيش الإسرائيلي ما تريد من ميزانية، من وزارة المالية؛ ففي عام “1951” قرر بن جوريون تقليص الميزانية من خلال تقليص حجم الجيش وبرر ذلك ” أن أهم مرتكزات الأمن الصهيوني ثلاثة:
1. جيش متطور وعصري قوي.
2. إنجاح الهجرة، عبر استيعاب المهاجرين وإسكانهم في ظروف مريحة.
3. بناء مؤسسات الدولة المدنية.
السرية: ميزانية إسرائيل الأمنية تظل سرية، وما ينشر يخضع لرقابة المؤسسة الأمنية. وبعد عام 1973 شكلت لجنة في الكنيست لمراقبة الميزانية، لكنها حتى اللحظة بقيت شكلية.
حجم الميزانية: هناك عناصر مؤئرة في تحديد الميزانية، منها: خطر حدوث حرب وشيكة، أو تغطية نفقات حرب انتهت.
وحالة التسلح لدول المواجهة والدول الداعمة لها وتحافظ إسرائيل على تفوقها العسكري في المنطقة؛ ما يرفع سقف الميزانية.
أهم المؤثرات الأمنية على الاقتصاد:
في تحليل اقتصادي أجراه ( حاييم بركاي 1980) أشار إلى الثمن الباهظ للأمن خلال السبعينات ورغم أن غالبية الإسرائيليين لم يشعروا بسوء الأوضاع الاقتصادية إلا أن للأمن آثار على الاقتصاد، منها:
– ارتفاع حاد بالعجز السنوي في ميزان المدفوعات؛ ما رفع الديون الخارجية إلى 20 مليار دولار.
– الارتباط بمساعدات اقتصادية من أمريكا، وما يحمله من مغزى سياسي لتمويل النفقات في مجالات الرفاه الاجتماعي.
– زعزعة استقرار القطاع المالي جراء التضخم المالي غير المحدود.
– آثار سلبية على الاستثمار وبالتالي تجميد الانتعاش الاقتصادي. وجراء ذلك حصل انطباع بأن الاقتصاد على حافة الانهيار.
وقد تبنى محافظ إسرائيل عام “86-91 ” مقولة: (إن تطوير وتحسين الاقتصاد يتم من خلال تقليص ملحوظ بموازنة الأمن).
طريقة إدارة ميزانية الأمن: توزع هيئة الأركان العامة الميزانية حسب أولويات الأمن والاعتبارات الاقتصادية؛ فقد بلغت ميزانية الأمن عام 2007 م 12 مليار دولار أي 16% من ميزانية الدولة. وتصل نسبة ميزانية مركبات الأمن “في إسرائيل حوالي 30% من ميزانية الدولة. وتقدر ميزانية الأمن عام 2009 حسب صحيفة هآرتس 66.55 مليار شيقل، تشمل تعويضات الحرب على غزة.
.... يتبع