[rtl]التاريخ:5/8/2019 [/rtl]خبير استراتيجي يقرأ تصاعد عنصرية "الرجل الأبيض" في أمريكا
أكد الخبير الاستراتيجي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور صبري سُميرة أن تصاعد خطاب الكراهية في أمريكا وحوادث القتل الصادمة التي شهدتها مؤخرًا يقف خلفها تاريخٌ طويلٌ من الآلام التي تسببت بها "عنصرية الرجل الأبيض" ضد الغير.
وقال الدكتور صبري سُميرة في تصريحاتٍ لـ "البوصلة" إن حجم الكراهية تصاعد بشكلٍ مضاعف مع مجيء الرئيس دونالد ترامب، الذي وجد ضالته في مداعبة "عنصرية" قاعدته الانتخابية لتحقيق أهدافه السياسية والانتخابية، وسيستمر في هذا الخطاب العنصري ما ينعكس على الشارع الأمريكي بردود فعل وجرائم لا يمكن التكهن بحجمها وعددها، لكنّه أكد أن ترامب يشكل آخر إشارة لوجود الرجل الأبيض في القمّة.
الرجل الأبيض في أمريكا قتل الملايين
وفي قراءته للمشهد الأمريكي عبر حقبة تاريخية طويلة نوه سميرة إلى أن أمريكا تاريخها طويل فيما يتعلق بـ "عنصرية الرجل الأبيض" ضد الغير، وبالتالي هذه الثقافة التي اختارها لنفسه هذا الرجل الأبيض تجاه الآخرين تسببت بكثيرٍ من المعاناة، ما قبل تأسيس أمريكا والهجرة من أوروبا وجلب المهاجرين من أفريقيا، ويقال في التاريخ إنهم أجبروا هؤلاء على تغيير دينهم، فأكثر المهاجرين من أفريقيا كانوا مسلمين، ونحن نذكر جيدًا في التاريخ فيلم "الجذور" وفيه البطل الرئيسي كان يحمل مصحفًا في يده وأجبروه على تغيير اسمه ودينه.
وتابع حديثه بالقول: بعد ذلك مرت أجيال تم استعبادها بشكلٍ رسمي سواء في جنوب أمريكا أو شمالها حيث كان يعمل السود منهم بالذات بالسخرة في الزراعة وفي أعمالٍ أخرى. ثم حدثت أفكار التحرر وقامت الحرب بين الشمال والجنوب ودامت لفترة طويلة قتل فيها من عشرين إلى ثلاثين مليون شخص.
وأشار سميرة إلى أنه بعودتنا خطوة للوراء فإن الرجل الأبيض في أمريكا حسب الروايات قتل مائة مليون هندي أحمر، وقتل عشرات الملايين في العبودية وغيرها، كما قتلوا من أنفسهم حوالي الثلاثين مليون في الحرب الأهلية، وفي النهاية انتصر الشمال على الجنوب ونشأت الولايات المتحدة الأمريكية على قيم محددة.
وأضاف أن العبودية استمرت حتى عهد الرئيس الأمريكي أبراهام لينكن حيث تم إلغاء العبودية التي استمرت لتاريخ طويل من الاعتداءات على الآخرين ابتداء من الهنود الحمر.
وأشار إلى أن الأقليات تعرضت أيضًا للعنصرية على الرغم من أن بعضها كان من أصحاب البشرة البيضاء مثل الإيرلنديين، فضلاً عن التمييز ضد اليهود، حتى أن بعض المطاعم والملاهي في حقبة الستينيات، كانت تكتب على أبوابها ممنوع دخول الكلاب والسود واليهود.
وأوضح الخبير في الشأن الأمريكي أنه وعلى الرغم من مرور مائة عام على التحرر إلى أن المؤسسات في أمريكا استمرت بممارسة العنصرية حتى ضد النساء ومنعهن من التصويت، وبعد مرور تجربة التحرر وما تحقق من حريات مدنية وديمقراطية وحقوق النساء والأقليات والسود حتى عهد الرئيس كنيدي الذي تمّ اغتياله ولم يعرف حتى اليوم سبب اغتياله أو من يقف وراءه، والأرجح أنه كان داخليا أو يقف خلفه عنصر أبيض متشدد تم التستر عليه داخليًا.
خلال عشرين عامًا ستتحول الغالبية البيضاء إلى أقلية
وتابع حديثه بالقول: بعد أن تطورت أمريكا وانفتحت على العالم خرجت لتنقذ أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى ثم انكفأت على ذاتها، ولكنها بعد الحرب العالمية الثانية عادت مرة أخرى ولكنها قررت أن لا تغادر العالم.
وأشار سميرة إلى أن عامل الانفتاح جلب لها الكثير من المهاجرين واللاجئين كانوا في البدايات بأعداد قليلة وكان لهم مصلحة لبناء أمريكا عبر العمل بنظام العبودية.
واستدرك بالقول: لكن بعد الحرب العالمية الأولى والانفتاح العالمي في الاتصالات والمواصلات زادت أعداد المهاجرين وأبنائهم وأصبح العنصر الأبيض يشعر بتعرضه للخطر من الداخل.
في البداية كان يمارس الرجل الأبيض عنصريته للابتزاز؛ لكن بعد أن تحول المهاجرون إلى مواطنين لديهم جميع الحقوق، وأصبحوا جزءًا من مراكز صنع القرار، وصار لهم وجود في كافة المواقع المهمّة، زادت مخاوف البيض على مكتسباتهم.
ونوه إلى أن الإحصائيات تشير إلى أنه خلال عشرين عامًا لن يكون هناك أغلبية في أمريكا، وستتحول الغالبية البيضاء إلى أقلية ولن يكون هناك "جنس واحدٌ" مسيطرًا على قيادة أمريكا، الأمر الذي يستوجب على هؤلاء الذين يمارسون عنصرية رجل الأبيض ضد الآخرين، أن يتقبلوا فكرة المشاركة التامّة.
وأكد أن مراكز صنع القرار شيئا فشيئًا ستكون بيد القادمين الجدد من المهاجرين وستكون لهم السيطرة على الإعلام والاقتصاد وكافة مناحي الحياة في أمريكا، خاصة في ظل انخفاض معدلات الإنجاب بين الأمريكان البيض وهرم مجتمعهم، في الوقت الذي تشهد مجتمعات الأقليات الملونة وغيرها معدلات إنجاب كبيرة وغدت مجتمعات فتية.
وتابع سُميرة حديثه: هذا الأمر يطرح تساؤلاً مهمّا للغاية، من سيحكم أمريكا مستقبلا ومن سيقود مؤسساتها سواء في الجيش أو الإعلام أو الزراعة وباقي القطاعات.
وأكد أن أمريكا دولة ديمقراطية ولن يسمح الأمريكان بضياع دولتهم وتجربتهم وإعادة المشهد لأيام الحروب الأهلية، ولذلك ستسمح بشكلٍ تلقائي وديمقراطي لوصول الأقليات ومن يمثلهم لقيادة المشهد في أمريكا حتى يستمر نجاح الدولة وتحافظ على قوتها وازدهارها.
ترامب آخر إشارة لوجود الرجل الأبيض في القمّة
وشدد الخبير الاستراتيجي على أن مجيء ترامب يشكل آخر إشارة لوجود الرجل الأبيض في القمّة، وهذا يعزز فرص عدم قدرته على الاستمرار في ولاية جديدة لرئاسة أمريكا، رغم أن الأمر مرتبط بمعيار الاقتصاد وقدرته على النجاح في إقناع الناخب الأمريكي في هذا المجال، فضلاً عن أن الانقسام العامودي في المجتمع الأمريكي يؤكد على ما اشترطناه سابقًا لنجاح ترامب في الحصول على ولاية ثانية.
ونوه سُميرة إلى أنه في كل الأحوال فإن الرئيس الذي سيأتي بعد ترامب لن يكون بمثل وقاحته وصفاقته وعنصريته؛ بل إن المعادلات الانتخابية ستكون تغيرت وهي التي ستفرض الواقع الأمريكي الجديد؛ ولذلك فإن الحزب الجمهوري سيكون مضطرًا لاستجداء أصوات المواطنين الملونين.
وشدد على أننا سنكون أمام مشهد تاريخي في أمريكا خلال الخمس أو العشر سنوات المقبلة؛ وهذا الأمر مرتبط بهمّة ونشاط الجاليات والملونين وغيره، وقدرتهم على تغيير المشهد بإيصال أبنائهم لمراكز صنع القرار في السياسة والقضاء والاقتصاد والأمن ومختلف القطاعات المهمة.
خوف اليمين المتطرف يزيد الاحتقان
وقال سُميرة إن سبب احتقان اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا وأوروبا خوفهم الشديد من انقلاب الأحوال الداخلية في بلدانهم لصالح القادمين الجدد.
واستدرك، فأبناء الدول التي كانت مستعمرة لصالح الغرب، أصبح أبناؤهم يأتون إلى أمريكا والغرب وينالون جنسيتها ويأخذون حقوق المواطنة فيها ويمكنهم الترشح والفوز بأهمّ المناصب؛ إذ أن التركيبة الديمقراطية تسمح بذلك.
يجب على اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا أن يقتنعوا تمامًا بأن عليهم تجديد بلدانهم حفاظًا عليها، وليس هناك أهمية لتغير لون من يقود الدولة في سبيل الحفاظ على بلادهم ووحدتها.
ترامب سيصعد خطابه العنصري
وفي رؤيته للمشهد الأمريكي المستقبلي أكد الخبير الاستراتيجي أن ترامب لن يتوقف عن الاستمرار في تصعيد خطابه العنصري ضد المهاجرين لتحقيق أهدافه الانتخابية، وهو يجد قاعدة انتخابية يداعب عنصريتها، وسيركب هذه الموجة ويستثمرها سياسيا بشكلٍ جيد فهو قنّاص فرص ويتقن اللعب على جميع الحبال للوصول إلى أهدافه التي يسعى إليها.
ونوه إلى أن التشديد على حمل السلاح في أمريكا يتعلق بكل ولاية على حدة، لكن سنشهد في الأيام القادمة تشديدًا أكبر في القوانين التي تسمح بحمل السلاح؛ لكن في مجال العنصرية فإن ترامب لن يتراجع عن عنصريته وخطابه لأن هدفه سياسي، وسيستمر في أطروحاته التي تنعكس على الشارع الأمريكي ردود أفعال وجرائم.
وختم حديثه بالتأكيد على أن المشهد لن يبقى كما هو، فبعد مرور عامين وبانتخاب رئيس جديد لأمريكا في الغالب لن يكون ترامب، سيرفع الحظر عن اللاجئين وتعود التسهيلات كما كانت.