مرض الباركينسون:
مرض الباركنسون هو المرض الاكثر شيوعًا من بين امراض خلل الخلايا العصبية المركزية(neurodegenerative disease) بعد الالزهايمر. شُخص لأول مرة في سنه 1817 على يد الطبيب جيمس باركنسون، وسمي المرض على اسمه، ومن المًرجح انّ المرض كان موجودًا منذ مئات السنين قبل ذلك، وقد أصبح أكثر انتشارًا في السنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع في معدل حياة الفرد نسبة للسنوات السابقة، علما انّ المرض يصيب في اغلب الاحيان الانسان الذي تخطى جيل الستين، ومعظمنا يتعدى هذا الجيل في العهد الحديث، كما وأننا كطواقم طبيه أكثر معرفه ودراية به مما يجعله أكثر تشخيصا.
العطب الرئيسي بمرض الباركنسون هو نقص في افراز مادة الدوبامين الناتج عن موت الخلايا السوداء في جذع المخ لأسباب غير معروفه بعد. نقص الدوبامين يؤثر على عمل ثلة الاعصاب التي تدعى الجملة خارج الهرمية (extrapyramidal tract ) مما يسبب لبطء عام، تصلب في العضلات وخلل بالتوازن. الا انه معروف في الآونة الأخيرة ان خلايا أخرى تتضرر غير المادة السوداء في المخ وهذه تستخدم مواد مختلفة مثل السيروتونين، استيل خولين ونور ادرينالين التي تضيف الرجفه في الأعضاء، الاحباط وضعف في الذاكرة. هذه المواد الكيماوية شكلت أساس وقاعدة لاكتشاف العقاقير المستعملة في علاج مرض الباركنسون.
استعرض في هذه المقاله أسباب المرض، علاماته، الناس المعرضين له، سبل التعامل معه في درجاته المختلفة، أنواع العلاجات بالأدوية وبطرق أخرى في مراحله المتقدمة.
أقدم في هذه المقاله شرحًا مبسطًا للمرضى، ازواجهم، أقربائهم وللمرافقين لهم في معظم ساعات اليوم وكلي امل ان يكون لهم عونا لفهم المرض وعله يساعد ولو القليل بمواجهة المرض.
*تركيب ووظائف الدماغ والنخاع الشوكي*
المخ ( الدماغ ) العلوي مكون من نصفين، الأيمن والايسر وهما متصلان بألياف التي تصل بينهما وهكذا يتحكم كل واحد بالأخر، اما المخيخ وجذع المخ فهما المخ السفلي، وكلاهما العلوي والسفلي يقعان داخل الجمجمة.
الدماغ والنخاع الشوكي هما الجزء المركزي في جهاز الاعصاب ((CNS، وهما على علاقة تامه مع الاعصاب الطرفية التي تشكل الجهاز العصبي المحيطي (PNS)وكلا الجهازين يعملان بتناغم وتناسق كامل.
في حديثنا سأتطرق للجهاز العصبي المركزي وتحديدا الدماغ لأنه ذو الصلة بمرض الباركنسون الذي هو موضوعنا.
يتكون دماغ الانسان من ملايين الخلايا العصبية ذات وظائف وتخصصات مختلفة، إضافة لأنواع خلايا عديده التي تساعد هذه الخلايا العصبية على تأدية واجباتها الوظيفية على أحسن وجه.
وظائف نصفي المخ العلوي تكاد تكون متشابهه مع بعض الاختلافات التي لها وظائف خاصة، فعلى سبيل المثال النصف اليساري للمخ يحوي مركز النطق وفهم الكلام. القسم الخارجي للدماغ يدعى قشرة الدماغ (Cortex) وهذه القشرة ذات وظائف مختلفة حسب موقعها، فالأمامية حركية، الوسطى احساسية واما الخلفية هي المسؤولة عن الرؤيا. القسم الامامي من القشرة كما اسلفت هو المسؤول عن الحركة الإرادية، وهذا بدوره يرسل اوامر عبر ثلة اعصاب تدعى المسالك الهرمية (pyramidal tracts) الى مواقع محددة كي تقوم بحركة ما كاستعمال اليدين للأكل، للشرب، الكتابة او حمل شيء في اليدين.
القشرة الأمامية والمسالك الهرمية تتصل بالمسالك الخارج هرمية وبالمخيخ كي تعمل على اخراج حركه ارادية دقيقة وصحيحة، فاذا تعطل أحدهما او كلاهما يمكن ان يأتي بحركات ارادية مشوشة بحركات اخرى كالرجفة مثلا او يجعلها بطيئة او سريعة اكثر من المطلوب. في عمق المخ تقع خلايا عصبية تدعى نواة قاعدة المخ المتصلة بخلايا المادة السوداء وهي تشكل سوية الكتلة العصبية الخارج هرمية(extrapyramidal) ذات اهمية كبيرة في تنسيق وتنظيم الحركة مع الكتلة العصبية الهرمية .
تتواصل الخلايا العصبية برسائل كهربائية الى حين وصولها الى ما تسمى التشابك العصبي (synapse) التي تحولها الى رسائل كيماوية بواسطة الناقل العصبي (neurotransmitter)، واحده من هذه النواقل هي مادة الدوبامي، ونقصها يؤدي الى خلل في الحركة ومرض الباركنسون.
*مميزات مرض الباركنسون*
شيوع المرض يقدر ب 3 مصابين لكل ألف مواطن، يقدر عدد المرضى في بلادنا بحوالي 35000 مريض باركينسون، في معظم الحالات تظهر علامات المرض في جهة واحدة من الجسم بدون علاقة ان كان ذو هيمنه يد يمينية او يسارية، الرجال أكثر بقليل عرضة للمرض من النساء لأسباب غير معروفة، جيل ظهوره بعد عمر الستين، وفقط 10% من المرضى قبل جيل الخمسين.
يعد العمر المتقدم، الحياة الريفية، العمل بإطار الزراعة واستعمال الأسمدة، شرب مياه الابار، التعرض لمواد كيميائية كعوامل مساعده للإصابة بالمرض، ولكن من ناحية أخرى فان شيوع المرض في العالم أكثر بكثير في البلاد الصناعية، مما جعل العلماء يربطون بينه وبين التلوث الصناعي كعامل محفز له.
*هل انتقال المرض وراثيا؟*
إذا كان الانسان ذو صلة قربى من الدرجة الأولى او الثانية بمريض باركنسون فانه أكثر عرضة للمرض من الانسان الذي لا صلة قرابة له مع مريض بالباركنسون. في السنوات الأخيرة ونتيجة قفزات في تطور علم الوراثة، اكتشفت عدد من الجينات التي لها علاقة بالمرض، والوراثة تشكل 10% فقط من مرضى الباركينسون عامة و 30% بين اليهود الاشكيناز.
*علامات مبكرة للمرض*
يمكن ان تكون رموز مبكرة تسبق ظهوره، بعشرة او حتى عشرين سنة، ومن هذه الرموز مثلا تغير في وتيرة النوم، فيصبح مليئا بالأحلام المرعبة، أصوات، صراخ وعنف اتجاه الشريك وبعض الأحيان حتى رميه من السرير ((RBD ، رموز اخرى مثل المعاناة من امساك في المعدة او خلل في حاسة الشم دون وجود سبب واضح.
علامات المرض تظهر بشكل بطيء وعادة لا يستطيع المريض تحديد توقيت ظهورها، حتى انه كثيرا من الأحيان لا يشعر في التغيرات الجسدية التي تحصل له، وهناك من ينبهه او يسأله عنها من المحاطين به من الاقرباء والاصدقاء دون ان يعلم بوجودها، ومن ثم يشرع في مراقبتها بنفسه.
*العلامات الرئيسية للمرض*
هناك اربعة علامات رئيسيه لمرض الباركنسون، تكفي اثنتان منهم او أكثر للتشخيص السريري، وهناك راي اخر أكثر صرامة الذي يشترط ان يكون البطء العام واحدًا من العلامات كي نستطيع تشخيص المرض .
البطء العام
الرجفة (الرجة،الرعشه او الارتجاج)
التيبس في العضلات
اختلال في توازن المشي
البطء العام
قليلا ما تسمع ان المريض نفسه يشكو من البطء في بداية المرض، وعادة أقرباءه او الذي يتواجد معه يلاحظ ان هناك تغير في حركته، ويحتاج من الوقت أكثر من العادة لكل فعالية يوميه كالاغتسال، اللبس وما الى ذلك من افعاله الروتينية اليومية، كما انه يصبح بطيئا بالمشي، يحرك يديه اقل اثناء المشي، يصعب عليه إتمام الحركات الدقيقة مثل الكتابة، تسكيراوفتح الثوب اوالبنطال كما وتقل طرفات العينين(الترميش) يسيل لعاب المريض من زاوية الفم نتيجة بطئه في بلع اللعاب، كما ان وجهه يصبح اقل تعبيرا وحركه نسميه "وجه القناع ".اضافة للبطء في الحركة هناك بطء في الفهم والاستيعاب, يجعل المريض ان يشعر كانه مشوش.
الرجفة
هي عباره عن حركه لا اراديه خفيفة لا تتعدى المليمترات القليلة وبطيئة نسبيا في اليد، الرجل، الشفتين او الحنك. تظهر عادة في حالة الراحة التامة للعضو الذي يرجف وتختفي مع تحريكه اواستعماله، عادة من جهة واحده للجسم وتزداد حده عند تعرضه لضغوطات نفسيه. الرجفة في اليد لها مقومات خاصه وعادة ما تشبه عد النقود او لف السيجارة. هذه الرجفة لا تؤثر على عمل العضو بل على العكس فأنها تختفي مع الحركة ولذلك يمكن ان تمر مر الكرام دون ان ينتبه المريض لها او يشكو منها، بل عادة ما ينبه بوجودها من العائلة، وهو يستطيع ان يخفيها لوقت قصير ولكنها تعود وتظهر عندما يلهو عنها.
تصلب الاعضاء
تصلب عضلات الاطراف، عادة في منطقة الكتف ومن جهه واحده من الجسم، مما يسبب تشنج في العضلات ووجع موضعي, وتحديد حركة اليد والكتف يسمى الكتف الجامد او المتصلب الذي يأتي بالمريض الى طبيب العظام او المفاصل, وهذا يأخر من تشخيص المرض عندما لا يجد الطبيب تفسير لمعاناة المريض، إضافة لهذا فان عضلات الجسم عامة قد تكون متشنجة بدرجه قليلة مما ينتج عنه وجع عام وتحديد الحركة في كل انحاء الجسم عند اكثر من 60%من المرضى. يمكن لطبيب الاعصاب ان يكشفه عند فحص عضلات المريض انها تشبه العجلة المسننة عند تحريك يد المريض او رجله وهذا يزداد حده مع متابعة الحركة .
اختلال في توازن المشي
يصبح مريض الباركنسون ذو مشي مهرول نتيجة خطواته المتسارعة والصغيرة وتحدث صوت نتيجة احتكاك الرجلين في الأرض, قاعدة المشي ضيقه نسبيا، يميل الى الامام او الى جهة اليمين او اليسار، قلة في تأرجح اليدين وقت المشي. مع تقدم المرض تبدو ظاهره تدعى التجميد عند المشي((freezing gait التي تصعب على المريض ان يبدا المشي او عندما يمر بأماكن ضيقه مثل العبور من الباب او عندما يستدير كي يمشي في التجاه المعاكس
*علاج مريض الباركينسون*
لا يوجد حتى الان علاج لمواجة المرض ومنع تقدمه او حتى إمكانية ابطائه، والعلاج مبني فقط لتحسين علامات المرض وإعطاء المريض حياة ذات جودة.
ثمة العديد من الأدوية التي تساعد على التخفيف من أعرا ض مرض باركينسون، وهي تعمل بعدة طرق مختلفة، وتعوض أدوية الدوبامين عن نقص الدوبامين بزيادة مخزون هذه المادة في الدماغ. كما أن هناك أدوية أخرى تعمل كمُحاكٍ للدوبامين وتفعّل المستقبلات في الخلايا العصبية التي قد تتفاعل مع الدوبامين نفسه. وتخفف بعض الأدوية الأخرى من الحسا سية المفرطة لدماغ مرضى باركنسون من أستيل كولين.