منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 علوم النباتات في الحضارة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: علوم النباتات في الحضارة الإسلامية   علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Emptyالأحد 15 سبتمبر 2019, 10:36 pm

علوم النباتات في الحضارة الإسلامية







يقصد بعلم النبات: العلم الذي يبحث في أنواع النبات، وخواصِّها، وأشكالها، وعجائبها، ومنافعها، ومضارِّها؛ للغذاء أو التداوي به.
 

وقد اهتمَّ المسلمون والعرب بعلم النبات مِن جوانب متعددة:
الأول: منها تحديدهم لأسماء النباتات وأصولها وترتيبها؛ كما فعل الفراهيدي والأصمعي والتميمي.
 

والثاني: منها دراسة النبات من جهة الزراعة؛ كمعرفةِ الأراضي وتربتها وخصوبتها، وصلاحيتها بنباتات معينة، وما تحتاج إليه من سماد وماء وأدوية، ويدخل ما يُسمَّى بتربية الحيوانات وتسمينها عن طريق العناية بغذائها ودوائها.
 

والثالث: منها تلك السلالات النباتية التي اكتشفها الرحَّالة المسلمون، فضلًا عما قرؤوا عنه عند الآخرين.
 

والرابع من مجالات اهتمام العلماء المسلمين بالنبات هو: ما يتمثَّل في دراسة النباتات الداخلة في صناعة الأدوية (العقاقير)، وهي دراسات تعتمدُ على البيئة التي يعيش فيها النباتيون والصيادلة والأطباء والكيماويون المشتغلون باستخلاص المركَّبات العقَّارية المناسبة للأمراض الشائعة في بيئتهم، ولعل هذا الفرع قريب مما يُعرف في أيامنا بعلم البيئة أو نباتات البيئة بصفة خاصة.
 

وقد بدأ اهتمام العرب بعلم النبات، وجمع أسمائها، بوصفها جزءًا من اللغة واجب التحقيق، وكان ذلك بعد أن اتَّسَعت الفتوحات الإسلامية، واختلط العرب بالأعاجم، وأشفق المسلمون على لُغتهم من الفساد، ومِن تسرُّب اللَّحن إليها، فجعلوا يجمعون مفردات لُغتهم ويسجِّلونها، بوصفها المدخل الصحيح لفهم معاني القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وكان الزرع والنبات والكَرْم والعنب والبقل والنخل، وغير ذلك مما عُنوا به وجدُّوا في تدوينه؛ حيث استقَوا أغلب معلوماتهم عنها من أشعار الجاهلية، ومما ورد في القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وما نقلوه عن الأعراب الذين وفدوا إلى الأمصار؛ فضلًا عما حقَّقوه بأنفسهم من خلال زياراتهم الميدانية للبادية، ويعني هذا أن أغلب مؤلفات علماء المسلمين المبكِّرة في مجال النبات كانت عبارة عن مجموعة من الأسماء والمصطلحات النباتية، التي صنفت ضمن محتويات المعاجم اللُّغوية، باعتبارها جزءًا من اللغة لا ينفصل عنها، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة إقبال علماء المسلمين إبان تلك الفترة المبكرة على وضع مؤلفات متخصصة في علم النبات.
 

وإذا تتبَّعنا أسماء اللُّغويين العراقيين، الذين يرجع إليهم الفضل في العناية بجمع أسماء النبات ومصلطحاته، فسنجد أنفسنا أمام قائمةٍ طويلة يضيق المقام بذكرها، ولكن نذكر منهم على سبيل المثال:
النَّضْر بن شميل (المتوفى 204هـ).
وأبا عبيدة مَعْمر بن المثنَّى (المتوفى 208هـ).
وعبدالملك بن قريب الأصمعي (المتوفى 217هـ).
وأبا زيد الأنصاري (المتوفى 215هـ).
وابن الأعرابي (المتوفى 231ه/ 845م).
وأبا حاتم السجستاني (المتوفى 255هـ)، وغيرهم كثير.
 

وهؤلاء صنَّفوًا كتبًا في النبات تحمل عناوين "النبات"، وهو عنوان لكثير من الكتب، و"النخل"، و"الشجر"، و"الزرع"، و"النبت"، و"البقل"، و"العشب"، وغيرها، فضلًا عن المعاجم اللُّغوية التي حَوَت أبوابًا خاصة بالنبات.
 

وبلا شك، فإن المسلمين لم يبدؤوا من فراغ؛ فقد أفادوا مما ورثوه من كتب جالينوس وديسقوريدس، وغيرهما من الذين اهتمُّوا بالنبات والأرض والفلك؛ ففي بغداد اطلع المسلمون على التراث الإغريقي في النبات والفلاحة، وقاموا بنقل بعض المؤلفات إلى العربية؛ مثل كتاب "الفلاحة" لديموقريطس، وثلاثة كتب لأرسطو هي: "كتاب الفلاحة" في عشر مقالات، وكتاب "الإبانة عن علل النبات"، وكتاب "النبات"، الذي توفر على ترجمته ثابت بن قرة الحراني البغدادي (ت 288هـ/ 910م)، وسماه "تفسير كتاب أرسطو في النبات"، ثم قام إسحاق بن حنين (ت 298هـ/ 910م) بمراجعته وتنقيحه.
 

ويعد كتاب "الحشائش" لديسقوريدس أهم كتاب اعتمد عليه العلماء المسلمون في مجال النبات والأدوية.
 

وكذلك قام علماء بغداد بترجمةِ بعض مؤلَّفات جالينوس في علم النبات؛ وأهمها: كتاب "النبات"، ومقالة في استخراج مياه الحشائش أو "خواص الحشائش ومنافع الحيوان"، وترجم العرب أيضًا كتاب "الفلاحة" لأبلونيوس، وكتاب "الفلاحة" لأناطوليوس، وغير ذلك كثير من كتب النبات[1].
 

والحاصل أن علماء العرب والمسلمين ترجموا ما ورِثوه من إنتاج الحضارات السابقة في علم النبات، ومع ذلك فقد أضاف المسلمون كثيرًا، وقاموا - على مستوى الفكر والتطبيق - بتطويرِ أساليب استصلاح الأراضي، وأساليب الري، وتربية المواشي، ومعالجتها، لا سيما بعد فتحِهم لبلادٍ تعتمد على الزراعة والري بنسبة كبيرة؛ مثل مصر وبلاد الشام، وعرَف المسلمون طريقةَ إنتاج فواكه جديدة بطرق التطعيم، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز، وأوجدوا عن طريق التطعيم أزهارًا نادرة جميلة المنظر، وكان (رشيد الدين الصوري) يستصحب معه مصورًا عند بحثه عن الحشائش في منابتها، ومعه الأصباغ، فكان يتوجَّه إلى المواضع التي بها النبات فيشاهده ويحققه ويريه للمصور.
 

وكذلك نبغ العرب - ولا سيما في الأندلس - في معرفة خواصِّ التربة، وكيفية تركيب السماد، وتحسين طرق الري والزراعة، واستصلاح الأرض البُور، ووصفوا كثيرًا من الأمراض والآفات التي تصيب النبات، وبيَّنوا طرق علاجها ومقاومتها، وغير ذلك مما يشهد على تفوُّقهم في عالم النبات والزراعة[2].
 

وقد أصبح من الأمثلة المأثورة أن العرب عند فتحهم للبلاد يهتمون بأمرين: (بناء المسجد، وتنظيم الحقل)، وهو مثل يصوِّر طبيعية الإسلام الذي يهتم ببناء الإنسان روحيًّا وماديًّا (جسديًّا).
 

وإلى الخليفة العباسي المتوكل في بغداد، وإلى عبدالرحمن الناصر في الأندلس، يُعزى فضل الاهتمام بالنباتات والزراعة، ترجمةً وتطبيقًا وتطويرًا، وقد كانت بغداد مسرحًا لمزارع تجريبية، وبخاصة في مجال الاهتمام بالحدائق، وكذلك كان الأمر في دمشق والقاهرة وحواضر المغرب العربي الكبرى؛ بل إن اهتمام أمراء الأندلس بالنباتات كان معروفًا؛ فقد كانوا يرسلون مَن يحضر لهم البذور من بلاد الشام، كما أن عبدالرحمن الداخل - مؤسس الدولة الأموية بالأندلس سنة 138هـ، والمعروف بصقر قريش - أرسل فأحضر نخلًا زرعه بالقرب من قصره يتذكر مِن خلاله حياته في الشام، وتسكب عينه العبرات!
 

وقد اهتمَّ النباتيون المسلمون بالبحث في فوائد النباتات ومضارها، وهم الذين فصَلوا علم النبات عن الطب والصيدلة، فأصبح علم النبات على أيديهم علمًا مستقلًّا، له علماؤه المختصون فيه، وله مؤلفاته المستقلة التي تعبر عن مجالاته العلمية.
 

وقد عُرِف الإدريسي بالعشَّاب، فقد كان يُتقِن معرفةَ خصائص النبات الطبية، ولكثرة أسفاره كان يدرس نباتات الأقاليم، ويسجِّل ملاحظاته، ويكتب مقارنًا شارحًا؛ يقول ابن جلجل: "إن الشريف الإدريسي استدرك في كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) على ديقوريدس ما أغفله وما جهله من نبات ومن خصائص كثيرة في النبات، وقد نال كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) شهرة عالَمية، فقد ضمَّنه أسماء النباتات باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والعربية، وقد رتَّب كتابه على أحرف الهجاء مستفيدًا ممن سبقه، مضيفًا ما اكتشفه، ملتزمًا بالموضوعية العلمية".
 

ومن مآخذ الإدريسي على سابقيه ما ورد في قوله:
(إن أناسًا يدعون معرفة الحشائش والأشجار والمعادن والحيوانات التي هي أساس الطب، ويزعمون معرفة ما صنَّفه ديقوريدس ومن دوَّنه مِن علماء النبات...، دون أن يفهموا كتابًا من هذه المصنفات، فقنعوا بما عندهم من العلم، وأوقعوا غيرهم في مهاوي الضلال).
 

ثمَّ يشير إلى جهده ومنهجه قائلًا: "وعليه...، فقد أوقفتُ همتي في تحقيق كتب الأقدمين، لا سيما كتاب ديقوريدس اليوناني في الأدوية المفردة من نبات وحيوان ومعادن...، وعكفت على علمه حتى حفِظتُ عنه ما فعله، وبحثت ما أغفله، فوجدته - رغم سَعَته - قد ترك أدويةً كثيرة لم يذكرها؛ فألَّفت على ذلك هذا الكتاب (الجامع لصفات أشتات النبات)، ورتَّبتُ جميع أسمائه على نص حروف (أبجد هوز...)، تيسيرًا على الناظر فيه، وقد استوفيت فيه ذكر كافة ضروب النباتات وتفسيرها..."[3].
 

وبعد بيان منهجِه استدرك الإدريسي على كتاب ديقوريدس اليوناني أدويةً كثيرة تستخلص من النباتات؛ منها: الخيار شنبر الهندي، والبليلج، والأملج، والخولنجان، والقاقلة الكبير، والجوزبوا، والكبابة، والقرنفل، والزرنباد، والدرونج، والبهمن الأبيض، والأحمر، والفوفل، والطباشير، والتنبل، والامير باريس، والهرنوة، والقليقلي، والمحلب، والنارجيل، والنارنج، والليمون، وبستان أفروز، والبلاذر، والياسمين، والخيزران، والكافورن، والكنكر، والشيان، والصندل، والبقم، والساج، والموز، والخيار، والياقوت، وجوز جندم، والقنبيل، وشجرة الكف، والماهي زهرة، والريباس، والجلبان، والماس، والاسفاناخ، والطرخون، وحب الزلم، والورس، والكركم، والكرات[4].
 

ومن أبرز علماء النبات المسلمين ابن العوَّام، يحيى بن أحمد بن العوام الإشبيلي الأندلسي، ولابن العوام كتاب الفلاحة، ترجم إلى الإسبانية والفَرنسية، وهو من جزءين كبيرين، ويشتمل الأول منهما على ستة عشر فصلًا، والثاني على ثمانية عشر فصلًا، وقد تحدَّث في كتابِه عن الأراضي وأنواعها، وأنواع الزبل العضوي ومنافعه، ورماد بعض النبات بعد حرقه، وأنواع المياه ونبش الآبار، وكيفية معرفة وجود المياه في غور الأرض، وكيفية إنشاء الجنائن (الحدائق) وتنظيمها، وكيفية زراعة الزيتون، وزراعة الأشجار المثمرة؛ كالخروب، والكستناء، والعناب، والفستق، والتفاح، والرمان، والتين، ومكافحة أمراض الأشجار المثمرة، وطرق حفظ الحبوب والبذور والأبصال والعنب والزبيب وغيرها[5].
 

وقد اعتبر المستشرق الإسباني "خوسن فاليكروسا" كتابَ "الفلاحة" لابن العوام ذروةَ التأليف الأندلسي في علم النبات، فكان مما قاله عنه: "إنه مؤلف ضخم جمع فيه كل المعارف الزراعية في العصور الوسطى، وكان له أعظم الأثر في هذه العلوم في القارة الأوروبية".
 

ومن علماء النبات أيضًا أحمد بن داود الدينوري، ولد في دينور - إيران، ونشأ في العراق، وله (كتاب النبات)، لم يبقَ منه إلا فصول طبعت في ليون عام 1953م، وقد ذكر في كتابه أكثر من تسعمائة وثلاثين نبتًا؛ منها: آس، أسفند، بلسن، بلوط، ترمس، تفاح، ثفل، ثوم، جداد، جراز، جرجار، جرجير، جزر، حناء، حسافة، حلب، حلفاء، حمص، صناء، خردل، خس، خوخ، دفلى، دلب، ذرة، رشاء، رطب، رمان، صنوبر، طلح، طوط، عرعر، عصفر، علقم، عناب، عوسج، غار، فجل، فقاح، قثاء، قرنفل، قطن، كبات، كزبرة، كمون، لوبيا، مشمش...[6]، إلى آخره.
 

ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي صُنِّفت في علم النبات؛ حيث حاول فيه الدينوري أن يستقصي ما نطَقَت به ألسنة العرب شعرًا أو نثرًا في أسماء النباتات ووصفها، سواء ما يختص منها بنص اللغة، أو من جهة شرحها شرحًا عمليًّا بعد معاينتِها في أماكنها وملاحظتها بنفسه.
 

وقد زاد أبو حنيفة الدينوري فيما وجده من نبات على سابقيه، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا أثبتها في كتابه؛ حتى فاق المتقدمين من علماء اللغة، والباحثين في النبات، واعتمد على المصادر العربية دون غيرها، ولم يُعِر الناحية الطبية كثيرًا من العناية؛ ولذا فهو نباتي فحسب، ومع أن المقصود الأول من هذا الكتاب هو الجانب اللُّغوي؛ فإن الأطباء والعشَّابين قد اعتمدوه، كما اعتمده علماء اللغة من بعده.
 

ومن علماء النبات أيضًا قسطا بن لوقا البعلبكي البغدادي (ت 311هـ/ 923م)، عالم بالفلسفة والرياضيات والفلك، وله عدَّة مؤلفات في هذه العلوم، وكان يُجيد السريانية واليونانية والعربية، وبذل جهدًا طيبًا في ترجمة التراث اليوناني إلى العربية. وقد صنَّف كتاب "الفلاحة الرومية"، تحدث فيه عن خصائص الأرض، وأنواع السماد، وما يصلح للزراعة والرعي، وأحوال البذور، والحصاد، والبساتين وترتيبها، وغرس أشجارها، وصيانة ثمارها، ومنافع بعض الحبوب والخضروات، كما أشار أيضًا إلى تربية الماشية والطيور والنحل والأسماك.
 

وأبو بكر أحمد بن علي بن المختار الكلداني النبطي (ت 296هـ/ 909م)، المعروف بابن وحشية النبطي، وقد صنَّف كتاب "الفلاحة النبطية" سنة (291ه)، ويعد مِن أهم كتب النبات والزراعة في العربية، اعتمد عليه الكثيرون بعده ممن كتَبوا في هذا العلم، وقد شرح فيه مؤلفه على مدار ثلاثة عشر بابًا العلومَ الزراعية والنباتية المختلفة؛ من علوم التربة والري، وأنواع المحاصيل، وطرق الانتفاع بها، والمحافظة عليها من الآفات، والأشجار والخضروات، والأنواء الجوية.
 

ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء:
الأول: حوى كيفيةَ استنباط الماء وحفر الآبار، وغرس الأشجار وعلاجها.
واشتمل الثاني على بعض الحاصلات؛ كالأرز، والحنطة، والباقلاء، وغيرها.
ثم تناول في الجزء الثالث الكروم وزراعتها وآفاتها.
 

وقد أفسح المؤلف مجالًا واسعًا لكيفية عمل البيادر، وخزن الحنطة، وأوقات الزرع، ومعرفة الأهوية، كما أنه عُني بدراسة مختلف أنواع النبات، وكيفية زرعها، وريِّها وتسميدها، ويتَّفق ابن وحشية في كثير من مواضع الكتاب مع أصول العلم الحديث في مجال النبات والزراعة.
 

ومِن أشهر علماء النبات والفلاحة في الأندلس أبو عبدالله محمد بن إبراهيم البصال، الذي عاش في طُلَيطلة في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري إلى أن اشتد عليها ضغط ألفونسو السادس (سنة 478هـ/ 1085م)، فانتقل منها إلى إشبيلية، ودخل في خدمة حاكمها المعتمد بن عبَّاد (461 - 484هـ)، وأشرف على غرس حدائقه، وقد كتب ابن بصال كتابًا بعنوان "الفلاحة"، صار فيما بعد موضع إعجاب ومديح من العلماء الذين خلفوه، وحظي بالعديد من الدراسات الحديثة.
 

وتناوله المستشرق الإسباني (خوسيه فاليكروسا)، وهو الذي قام بنشر هذا الكتاب، وترجمه إلى الإسبانية، تناوله في بحثٍ له بعنوان "علماء الفلاحة الأندلسيون"، ومِن بين ما قال عنه ملخصًا: "إن هذا الكتاب يمتاز بأن مؤلفه يتحدَّث فيه عن تجاربه الخاصة، لا في إسبانيا وحدَها، بل كذلك في بلاد المشرق؛ حيث قام برحلات كثيرة".
 

وقال عنه جعفر الخياط في بحثه عن (ابن البصال رائد الفن الزراعي الحديث): "إن هذا الكتاب يمتاز عن سائر المؤلفات الأندلسية في الزراعة؛ بكونه كتابًا مبنيًّا على التجرِبة والمشاهدة العيانية إلى أقصى حدٍّ ممكن، وخاليًا من النقل عن الأقدمين من يونان ورومان وبابليين، كما هو الحال في الكتب الأخرى".
 

وقد صنَّف بعض العلماء المسلمين كتبًا في علم النبات ذات تخصص دقيق؛ منها ما صنَّفه ابن الأعرابي محمد بن زياد (ت 230هـ) حول كتاب صفة النخل، وكتاب النبات، وكتاب النبت والبقل، وكتاب صفة الزرع، وما صنَّفه أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي (ت 231هـ) حول كتاب الشجر والنبات، وكتاب الزرع والنخل، وما صنَّفه يعقوب بن السِّكِّيت (186 - 244هـ) حول كتاب النبات والشجر، وما صنَّفه أبو حاتم سهل بن محمد الجشمي السجستاني (148هـ) حول كتاب النبات، وكتاب الزرع، وكتاب الكروم.
 

لقد ذكر المستشرق (رينالدي) "Reinaldi": (أن العرب أعطوا من النبات مواد كثيرة للطب والصيدلة، وانتقلت إلى الأوروبيين من الشرق أعشاب ونباتات طبية وعطور كثيرة؛ كالزعفران والكافور...، وذكر (ليكلرك) "Leclerc" جملة من المواد الطبية التي أدخلها العرب في العقاقير والمفردات الطبية، يزيد عددها على الثمانين، وقد أوردها بالنص العربي، وأورد ما وضع لها من كلمات لاتينية؛ منها ما هي منحوتة أو مقتبسة من الأصل العربي، ومنها ما لا تزال بلفظها العربي، ولكن بحروف لاتينية[7].
 

ويقول كاباتون: (وكانت مدنية العرب في إسبانيا ظاهرةً في الأمور المادية؛ وذلك بما استعملوه من الوسائل الزراعية لإخصاب الأراضي البُور في الأندلس...).
 

ويعترف سيديو بأنَّ العرب أضافوا مواد نباتية كثيرة؛ كان يجهلها اليونان جهلًا تامًّا، وزودوا الصيدلة بأعشاب يستعملونها في التطبُّب والمداواة.
 

ومن المسلمين عرف الغرب الأفاويه؛ كجوز الطِّيب والقرنفل، ولاحظ بعض العلماء: أن العرب غرسوا أشجارًا ثنائية المسكن؛ فكانت لديهم أفكار واضحة حول تكثير النسل، كما كانت لديهم معرفة واسعة بالاقتصاد الزراعي[8].






[1] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (249).
[2] د/ إسماعيل أحمد ياغي: أثر الحضارة الإسلامية في الغرب، ص (103، 104).
[3] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك.
[4] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك.
[5] فرشوخ: مرجع سابق (1/ 19، 20).
[6] فرشوخ: ص (43، 44).
[7] نقلًا عن: قدري حافظ طوقان: العلوم عند العرب ص (28).
[8] نقلًا عن المرجع السابق (29).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علوم النباتات في الحضارة الإسلامية   علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Emptyالأحد 15 سبتمبر 2019, 10:42 pm

الأعشاب

تركيبها وفصائلها

ما هو العشب؟


عندما نتحدث عن عالم النبات أي Botany (من اليونانية Botanon يعني نبات) - فإننا كثيرًا ما نستعمل كلمة نبات، إلا أن هذه الكلمة عامة شاملة، فهي لا تحدد بالضبط النوع الذي يتبعه النبات، ذلك أن شجرة البلوط التي يبلغ ارتفاعها 20 مترًا نبات، شأنها في ذلك شأن أصغر الحشائش وأدقها، لذلك قسمت النباتات إلى ثلاثة أقسام رئيسية؛ هي:



نسبة توزيع النباتات على اليابسة:


والأعشاب هي هذه الفئة المتواضعة من النباتات، وتنقسم الأعشاب إلى آلاف من الأنواع، وهي تغطي المراعي والمروج والسهول، وتنبت في كل مكان؛ على الجدران والصخور، وفي وسط الطريق، أو بين شقوق الأرصفة.
 


تركيب الأعشاب:


الأعشاب هي نباتات زهرية " فانيروجام Phanerogam" (من اليونانية Phaneros؛ أي: ظاهر، و Gamos؛ أي: اتحاد أو التصاق)، بمعنى أن جسدها ينقسم إلى أربعة أجزاء مختلفة؛ وهي: الجذر، والساق، والأوراق، والأزهار.
 


وإذا قمنا بفحص أحد الأعشاب المعروفة - وهو رعي الحمام (Verbena Officinalis) - نلاحظ بوضوح الأجزاء الأربعة التي تتكون منها؛ وهي: الأزهار، والأوراق، والساق، والجذور، ومهما اختلفت أشكال الأعشاب، فإنها جميعًا تتكون على هذا الطراز.






الأشجار: وهي نباتات مستديمة بسوق خشبية تمتد إلى أعلى فوق سطح التربة.


الشجيرات: وهي نباتات مستديمة بسوق خشبية تتفرع ابتداءً من سطح التربة.


الأعشاب: وهي نباتات وقتية بسوق غير خشبية.


أراض قاحلة 71.7 مليون كيلو متر مربع.


غابات 36.2 مليون كيلو متر مربع.


مراع 23.5 مليون كيلو متر مربع.


مزارع 192مليون كيلو متر مربع.


 


وهكذا يُبين التقسيم أعلاه أن سُدس مساحة اليابسة تغطيها المراعي والمروج الخضراء؛ أي: الأعشاب، وهو ما يوازي مساحة أمريكا الشمالية، وإلى جانب ذلك يجب أن يؤخذ في الاعتبار العاملان الآتيان:


أولاً: أن 36.2 مليون كيلو متر مربع من الغابات، تكسوها أيضًا الأعشاب التي تنمو تحت ظلال الأشجار.


 


وثانيًا: أن جزءًا كبيرًا من الأراضي التي تزرع بالبذور، تعتبر هي أيضًا مغطاة بالنباتات العشبية؛ مثل: القمح، والشعير، والأرز، والبقوليات، ومِن ثَم يُمكن القول: إن نصف مساحة اليابسة تكسوها الأعشاب.




توجد آلاف الأنواع من الأعشاب، ولكن معظمها ينتمي إلى الفصائل الثلاث الآتية:


الفصيلة النجيلية:


وهي أهم فصيلة في المملكة النباتية، ومعظمها من النباتات العشبية، ولها أهمية كبرى في حياة الإنسان، ومنها: القمح، والأرز، والذرة، والشيلم، والشعير، وقصب السكر، وما إلى ذلك، وعدد كبير من الأعشاب تنتمي إلى الفصيلة النجيلية.


 


شعير بري (حلفة)، تف ذيل الثعلب Vulpine.




(أُطلق هذا الاسم؛ لأن ثمرتها بقلاء)، وتعتبر الطعام الرئيسي للحيوانات آكلة العشب، وإليك بعض أنواعها:


برسيم أبيض White Trifolium، وبقلة المراعي.




أزهارها تتألف هي الأخرى من أزهار صغيرة متعددة، ومنها: هندباء،


بابونج (أقحوان) Virose Lactuca، خس السم.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 15 سبتمبر 2019, 11:11 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علوم النباتات في الحضارة الإسلامية   علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Emptyالأحد 15 سبتمبر 2019, 10:45 pm

العلاج بالأعشاب والعودة للطبيعة


- في القلق والتَّوتر العصبي يفيد تناوُل نقط زيت البرجموت، أو الياسمين، أو تناول شاي الكاموميل (زهرة البابونج).


- في الاكتئاب والتفكير الحزين يفيد الخردل (المستردة)، وهو أكثر فاعلية وأمنًا من دواء البروزاك الشهير، وبعض المواد التي تُفيد في علاج الاكتئاب - كفيتامين (ب) المركب - تُعيد التَّوازن الكيماوي الحيوي للجسم، مع تناوُل البطاطس المسلوقة، وشرب اللبن يفيد؛ لأنَّ به مادَّة التروفان التي يصنع منها هرمون السيروتنين في وجود فيتامين (ب 6) و(ب 3) وعنصر الزنك، وهذا الهرمون يلعب دورًا رئيسًا في إزالة الاكتئاب.




- في الإسهال: يُفيد النَّعْنَاعُ ، ويُمكن تناوله كشاي أو سف المسحوق.


- في الصُّداع: يفيد البصل، وبذور عباد الشمس (اللب السوري).


- في الغثيان: يفيد البصل، وحرقان القلب (الحموضة) أو عسر الهضم: يفيد شاي زهر البابونج (كاموميل)، والجنزبيل والقرفة، والنَّعناع والينسون، وقد يصاحب الغثيان حموضة مُفرطة بالمعدة؛ بسبب تآكل جدارها مسببًا القرحة، ويُفيد العرقسوس المسحوق، ويُفيد تناول الخبز والأرز والمكرونة، والخضروات والفواكه الطازجة؛ لتبطين جدار المعدة، ومنع تهييج الحامض لها، وهذه الأطعمة نتناولُها بكَمِّيات قليلة، وعلى فترات مُتقطعة مع تناول كوب لبن قبل النَّوم؛ حتَّى لا تصبح المعدة خاوية أثناء النوم، مع إجراء التَّمارين الرِّياضية كرياضة المشي؛ لأنَّه يقلل الحامض بالمعدة.


- في أعراض ما قبل الطَّمث؛ حيثُ التوتُّرُ العصبي، واحتجاز الماء بالجسم، وتضخُّم الثديين؛ فيفيد تناول البقدونس؛ لأنه غني بأملاح الحديد والبوتاسيوم والماغنسيوم، مع تناول فيتامين (ب 6) الذي يفيد في احتباس البول.


- زيت الكتان (الزيت الحار): يفيد الأوعية الدَّموية والأعصاب والبروستاتا، ويُخزَّن بالثلاجة.


- شعير الشوفان البري (مسحوق كويكرز أوتس): يفيد في أعراض ما قبل الطَّمث، والتوتر العصبي، وتضخم الثديين؛ لأنَّه غني بالفيتامينات والمعادن الأساسية، ولا سيَّما السليكا والبوتاسيوم والماغنسيوم، وهي مكونات أساسيَّة للعظام والخلايا، وبه مادة (بيتا - جلوكان) التي تمتص الدُّهون من الأمعاء؛ فيقلل الكولسترول، ويمنع ظهور سرطان القولون. 


  - شاي الزعتر: يُقوِّي جهاز المناعة، وهو مضاد حيوي قوي ضد البكتيريا والفيروسات؛ لهذا يُشرَب أثناء موسم البرد، سواء كان ساخنًا أم باردًا، وغرغرة الشَّاي تُفيد في التهاب الحلق واللوز، وعلاج آثار الجُرُوح بالجلد، ولتحسين البشْرة توضع عجينة طوال اللَّيل من ملعقة صغيرة من عسل النَّحل وربع مِلعقة صغيرة ملح، وملعقة صغيرة مسحوق كركم. 


  - لعمل (ماسك) للوجه المحتقن يُخلط عسل النَّحل مع الدقيق السِّن والماء، ويُمكن إضافة الزَّبادي للعجينة؛ لتقشير الخلايا الميتة على سطح الجلد، ويُلاحظ أنَّ البعض حساسون؛ لحبوب اللقاح في عسل النَّحل.


- شمُّ رائحة البرتقال تُهدِّئ الأعصاب، وتمنع الاكتئاب؛ لأنَّ رائحته تعمل مفعول المُهدِّئات، ويقال: إنَّ رائحة التفاح تُقلل الصداع النِّصفي.


- شُرب القهوة بكافة أنواعها تفيد مرضى السُّكر والمرارة؛ لأنَّ القهوة فيها مادة تُحول السُّكر لطاقة، وليس لها صلة بالأنسولين، ويُمكن معها تقليل جرعات دواء السكر.


دراسة طبية: القهوة تمنع تشكل حصى المرارة:
أثبتت دراسة جديدة: أنَّ القهوة لها آثار حيويَّة مُتعددة في تقليل خَطَر تَشكُّل الحصى في المرارة؛ مِمَّا يجعلها تُؤكد مع دراسات حديثة أنَّها لا تزيد ضغط الدَّم، ولاحَظَ الباحثون وجودَ انخفاض في خطر أمراض المرارة بنسبة 40% بين الرِّجال الذين شربوا ثلاثة (فناجين) من القهوة العادية يوميًّا، مقارنة بالذين لم يشربوها، وارتفعت نِسبة الانخفاض هذه إلى 45% عند الرِّجال الذين شربوا أربعة فناجين أو أكثر يوميًّا، وجميع طرق تحضير القهوة أظهرت هذا الانخفاض، والأثر الوقائي يرجع إلى مادة الكافيين، لا سيَّما بعد أن لُوحظ عدم وجود ارتباط بين استهلاك القهوة الخالية من الكافيين أو الشَّاي بأمراض المرارة، شُربُ القهوة بكافَّة أنواعها تُفيد مرضى السُّكر والمرارة؛ لأنَّ القهوة فيها مادة تحول السُّكر لطاقة، وليس لها صلة بالأنسولين، ويُمكن معها تقليل جُرعات دواء السكر.


- مسحوق قشر البرتقال واللبابة البيضاء تحت القشرة تُغسل، وتُجفَّف، وتُطحن ملعقةٌ صغيرةٌ منه تُقلِّل الكولسترول، وتُقلل امتصاص الدُّهون من الأمعاء؛ مِمَّا يساعد في التَّغلُّب على الإمساك المُزْمن، ولا سيما لو أُضيف إلى المسحوق مسحوقُ الحِلْبة الذي يُعَدُّ علاجًا للكولسترول والإمساك، وتفيد هذه الخلطة في التَّخسيس.


الفواكه والخضروات تقلل من خطر التدخين:
الإكثار من تناوُل الفواكه والخضروات قد يزيد من مَناعة الجسم؛ هكذا قال باحثون بريطانيون، ولا سيما أنَّ السجائر تعرض المُدخنين لأمراضٍ خطيرة، لكنَّ تناوُل الخضروات والفواكه الكثيرة قد يُقلِّل من تلك المخاطر، وقد تساءل العُلماءُ سابقًا عن سبب ضَعف صِحَّة بعض المُدخنين، بينما يتمتع البعضُ الآخر بصِحَّة قويَّة للغاية، ويُعزَى ذلك إلى عواملَ وراثية، إضافة إلى تناول غذاء صحي، واتِّباع أسلوب حياتي جيد، وجاءت أدلَّة جديدة لِتدْعمَ أهمية العامل الغذائي، في دراسة نَشَرَتْها مَجَلَّة أوروبية مُتخصصة في أمراض الجهاز التنفُّسي، وقد أظهرت الدِّراسة التي أجريت على 300 مُدخن تبلغُ أعمارُهم فوق الخامسة والأربعين دَخَّنوا ما يُعادل 20 سيجارة يوميًّا خلال عشر سنوات - أهميةَ العامل الغذائي، وتُبيِّن الدِّراسة أنَّ مخاطرَ الإصابة بأنواع مُعينة من الأمراض الرِّئوية المزمنة غير القابلة للعلاج؛ مثل: الإصابة المزدوجة بالتهاب القصبات الرِّئوية، والانتفاخ الرئوي - قد انخفضتْ إلى النِّصف تقريبًا، عندما تناول المُدخنون أكثر من 121 جرامًا من الفواكه والخضروات يوميًّا، وتُؤكد الدِّراسة على أن تناولَ الفواكه والخضروات معًا كان هو العامل المُهم في الوقاية من الأمراض، وليست كمية الفواكه والخُضروات التي تَمَّ تناوُلُها، وقالت الدكتورة "لويز واطسن" التي أشرفت على الدِّراسة التي قامت بها جامعة "ساوثمبتون" البريطانيَّة: "إنَّه لم يتم العُثُور على أيِّ عوامل أخرى كفيلة بالقيام بدور وقائي، عدا مَزْج الفواكه والخضروات، وكان عددٌ من الدِّراسات قد أشار إلى منافع الخضروات والفواكه في تقليل مَخاطر الإصابة بالأمراض، التي تصيبُ عضلات القلب، والإقلاع عن التدخين لا يزال أفضل حل".


ولا يعرف العلماء بعدُ سببَ ذلك، لكنَّهم يعتقدون أنَّ مضادات الأكسدة الموجودة في الفواكه والخضروات قد تساعد على تنظيف جُزيئات ضارَّة تُدعى "فري راديكل" موجودة عادةً في الجسم، ويَحتوي دخان السَّجائر على كَمِّية كبيرة من تلك العناصر الضارَّة، التي يعتقد العلماء أنَّها تدمر الخلايا، وتُسبب أمراضًا خبيثة، وتقول الدكتورة "واطسن": "بالرغم من أهمية نتائج الدِّراسة هذه، فإنَّ الحلَّ الأمثل لتجنب الإصابة بالأمراض يبقى في الإقلاع عن التَّدخين تمامًا، وهذا ما يُؤكده "مارتين بارتدريج"، رئيس الجمعية البريطانية للأمراض الصَّدرية - أيضًا - مُشيرًا إلى أهمية العامل الغذائي فيما يتعلَّق بأمراض الرِّئة، مشيدًا بالنتائج التي توصلت إليها الدراسة.


زيت الزيتون مع عصير اللَّيمون، ملعقة كبيرة زيت على نصف ليمونة يُذيب حصوات المرارة، مع شُرب شاي مسحوق الينسون والكراويا، والنَّعناع والشمر وبذر الكتان - يُفيد في إنزال حصوات الكلى والمرارة، هذا الشاي يُفيد في الإمساك المُزمن وحرقان الأقدام لمرضى السُّكر، مع تناوُل ربع ملعقة صغيرة من شربة الملح الفوَّارة على ماء. 








الطب البديل


انتشرتْ في الآونة الأخيرة ظاهرةُ الرجوع إلى العلاج الطبيعي، أو ما يُطلق عليه حديثًا مصطلح "الطب البديل"، واختلف الأطبَّاء حولَ هذا النمط من العلاج بيْن مؤيِّدٍ له معترف بفعاليته، ومعارِض يتَّهمه بالقصور وبالتخلُّف عن مواكبةِ الأبحاث والاكتشافات العِلميَّة الحديثة، في الوقت الذي لجأ إليه الكثيرون بعد أن أعياهم التنقُّل بين الأطباء.


 


ولمناقشة موضوع الطبِّ البديل: حقيقته، مصادره، مجالاته، مدى اهتمام الشباب به... وغيرها من المحاور الشائقة، استضفْنا الدكتور/سمير الحلو، ودار معه الحوار الآتي:


1- "غدي": ما هو التعريف العِلمي للطبِّ البديل؟ وما هي خلفية تسميته بهذا الاسم؟


:diamonds: الطبُّ البديل: هو الطبُّ الذي لا يُدرس في كليات الطبِّ التقليديَّة، ولا تذكره المجلاَّت الطبيَّة الحديثة في مقالاتها، ويشمل أنواعًا عديدة من المعالجات، ومِن أشهرها: طب الأعشاب، والطب الصِّيني، والعلاج بالغذاء والماء.


 


أمَّا خلفية تسميته بالطبِّ البديل، فربَّما تكون من البلاد الغربية؛ حيث يعتبرونه بديلاً تامًّا للطبِّ الحديث، بينما نحن نفضِّل كلمة: الطب التكميلي Complimentary Medicine، بحيث يكون جنبًا إلى جنب مع وسائل الطبِّ الحديث في علاج المرضى، وبهذا نبعد الفكرةَ العدائية التي قد تظهر من مسمَّى الطبِّ البديل.


 


2- "غدي": ما هي مصادرُ علاجات الطبِّ البديل، وكم تبلغ نسبةُ اعتماده على قواعد البحث التجريبي؟


:diamonds: مصادر الطبِّ البديل العلاجية متعدِّدة جدًّا، ولكن مِن أقواها وأشهرها: النباتات الطبيَّة، التي يبلغ عددُها التقريبي في العالَم نحوَ نصف مليون، وكلُّ نبات له خصائصُه وموادُّه الفعَّالة.


 


أمَّا المصادر الأخرى، فهي المعادن ومنتجات النَّحْل، والطاقة والمغناطيس، والوخْز بالإبر الصِّينيَّة، والعلاج بالماء والأوزون، والضغط على مناطق الطاقة، والطب المثلي، وغيرها الكثير، وبالطبع لا نغفل عن الرُّقية الشرعية، والعلاج بالقرآن.


 


ومِن أهمِّ وسائل الطب البديل العلاجية: النظرة العامَّة للمريض، بحيث تؤخذ في عين الاعتبار أحوالُه البدنية والنفسية، والرُّوحانية؛ وليكون التشخيص دقيقًا، والعلاج ناجحًا - بإذن الله.


 


أمَّا نسبة اعتماده على قواعد البحث التجريبي، فهناك العديدُ من الدِّراسات التي تُجرى عالميًّا على النباتات المفردة والمركبة، التي تبيِّن - بما لا يدع مجالاً للشك - فاعلية النباتات الطبية في العلاج، ولكن تبقى إشكالية طبيعة الدِّراسات الحديثة التي تصلح للبحث العِلمي على مادة واحدة أكثرَ مِن صلاحيتها لتقويم نبات فيه عشراتُ المركَّبات الفعَّالة، لذا نادى العديدُ من العلماء بتطوير آلية بحث أخرى، تختلف عن هذه المعتمدة حاليًّا؛ لتقويم فاعلية وسائل الطبِّ البديل.


 


3- "غدي": هل اعترف العالَم الغربيُّ بهذا النوع من الطبِّ بحيث اكتسب صفة العالميَّة؟


:diamonds: بالطبع، فهذا النوع من الطبِّ معترَف به في العديد من الدول الغربية المتقدِّمة، وعلى رأسها ألمانيا، ثم فرنسا، ثم إسبانيا وإيطاليا، وأوروبا الشرقية، ومؤخَّرًا تم إصدار تشريعات جديدة في كلٍّ من كندا والولايات المتحدة وبريطانيا تعترف بهذا النَّوْع من الطب، وبدأتِ العديد من الجامعات تُدخل محاضراتٍ عن الطبِّ البديل ضمنَ مناهج كليات الطب.


 


4- "غدي": هل أصبح الطبُّ البديل منافِسًا للطبِّ الحديث؟ وهل يُستغنَى عن أحدهما دون الآخر، مع مراعاة مصلحة المريض؟


:diamonds: يجب أن نعلم أنَّ الطبَّ - بشكل عام - قام لخِدمة المرضى، ويجب أن تكون مصلحةُ المريض هي الأٍساسَ في العملية الطبيَّة ككل، ولو تأملْنا ما يحدُث في هذا الزمان، لوجدْنا أنَّ العودة للطبِّ البديل هي عودة من الناس؛ أي: جمهور المرضى وذويهم، الذين فقدوا الثِّقةَ في العلاجات الحديثة التي يغلب عليها طابع التسكين والتهدئة، ولها مضاعفاتٌ كثيرة وخطيرة؛ لذا فهم يريدون بدائلَ طبيعيَّة تساعدهم في الشِّفاء، وتصرف عنهم سيئاتِ الدواء، فأصل عودة الطبِّ البديل هي من المرضى أكثر منها من المعالِجين بوسائل الطبِّ البديل، وهذه نقطة مهمَّة جدًّا؛ بحيث لا نفهم أنَّ العودة إلى الطبيعة هي من نتائج حملات دعائية، قام بها المعالِجون بوسائل الطبِّ البديل.


 


5- "غدي": بحسب معرفتكم: كم تبلغ نسبةُ اهتمام الشباب بهذا التخصُّص؟ وهل يوجد في العالَمين العربي والغربي كلياتٌ تُعنى بتدريسه؟


:diamonds: نسبة اهتمام الشباب الدارسين لهذا التخصُّص لا زالتْ دون المستوى المطلوب؛ لأنَّ معظم طلاب الطب يرغبون في التخصُّصات الطبيبة المعروفة، التي يتعرَّفون عليها من خلال تدربيهم في كليات الطب والمستشفيات الجامعية، فيكون أستاذهم قدوتَهم في هذا التخصُّص أو ذاك، هذا من ناحية، وأمَّا من الناحية الأخرى، فلأنَّ موقف الدول العربية من هذا التخصُّص لا يزال موقفًا متشدِّدًا متحفظًا للأسف الشديد، فلا توجد كلياتٌ أو جامعات تدرس هذا النوع من الطبِّ حتى الآن، بينما نجد في العالَم الغربي - وخاصَّة كندا وأستراليا وبريطانيا - كليات جامعية تدرس هذا التخصُّص حتى درجة الماجستير.


 


6- "غدي": هل يعتبر الطب النبويُّ رديفًا للطب البديل؟


:diamonds: يمكننا القول بأنَّ الطبَّ البديل يشمل ما جاء في الطبِّ النبوي من وسائلَ وقائية وعلاجية، وبالطبع لنا أن نعتزَّ بما لدينا مِن كنوز علاجية في القرآن والسُّنة المطهَّرة، مثل ماء زمزم، والحجامة، وغيرهما ممَّا ورد في الطب النبوي.


 


7- "غدي": ما هو دَوْر الطب البديل في صناعة الدواء؟ وهل يتدخل في الحالات المرَضية التي تحتاج إلى جراحة؟


:diamonds: بدأتْ مصانع الدواء بإنتاج أدوية عُشبيَّة تباعًا - ولله الحمد - ونرى بين يوم وآخرَ توفُّر علاج نباتي أو بحري في الصيدليات؛ رغبةً من شركات الدواء في ركوب الموجة أيضًا، والاستفادة من العودة العالمية للطبِّ الطبيعي، وهذا الأمر نشجِّعه ونحن مسرورون به، أما الحالات التي تحتاج إلى جراحة، فهذا أمرٌ نسبيٌّ، ويختلف من شخص لآخرَ؛ لأنَّ الحاجة إلى الجِراحة في الكثير من الحالات يختلف عليها الجرَّاحون أنفسهم، فمثلاً: يختلف الجرَّاحون في معالجتهم للمصاب بالانزلاق الغضروفي في الظهر؛ فبعضهم ينصح بإجراء عملية جراحية، والبعضُ الآخر ينصح بعدمها، وهم مِن نفس التخصُّص، وذلك بناء على التجرِبة الشخصية لكلِّ طبيب، وتقويمه لحالة المريض العامة.


 


هنا يمكن لنا في طبِّ الأعشاب أن نعطيَه أعشابًا على شكل كمادات تُوضَع على منطقة الدِّيسك، بالإضافة إلى أعشاب يمكن احتساءُ منقوعها، فتخفف الاحتقان الداخلي الناتج عن الدِّيسك، فيتحسَّن المريض بصورة مُرضية.


 


ولكن بالطبع هناك حالات لا بدَّ من الجراحة فيها، مثل: استئصال ورم، أو علاج زائدة ملتهبة، أو علاج الكسور...إلخ، فهذا عالَم بذاته عُرِف منذ القِدَم، وقد برع أطباء كثيرون في هذا المجال.


 


8- "غدي": كيف يستطيع الشبابُ الاستفادةَ من هذا الاختصاص في علاج بعض الحالات المَرضية، كالأرق والدوار، وحَبّ الشباب، وآلام الظهر، والخمول، والسُّمنة وغيرها - بطُرق سهلة ميسَّرة؟


:diamonds: نحن نوصِي الشبابَ أن يحافظوا على صِحتهم من خلال اتِّباع العادات الصحيَّة السليمة، التي تَقيهم هذه المشاكلَ الصحية، بحيث يتجنَّبون التدخين والسَّهَر، والجلوس الخاطئ لفترات طويلة، كذلك من الأفضل الامتناعُ عن المأكولات التي تهيِّج حَبَّ الشباب؛ مثل المأكولات الدُّهنية والمبهَّرة والمعلَّبة، والمشروبات الغازية، وعليهم أن يمارسوا الرِّياضة، ويستنشقوا الهواء النقي، ويخرجوا في رحلات عملية صحية؛ فكل ذلك له الدَّوْر الأكبر في منْع تلك الأعراض المذكورة في سؤالك، أمَّا في حال حدوث هذه المشاكل، فيمكن مراجعةُ طبيب متخصِّص في مجال الطبِّ البديل، بحيث يحصلون على المطلوب بطريقة سهلة ومريحة، يصعب ذِكْر تفاصيلها هنا.


 


9- "غدي": ما مدى وعي الناس بأهمية هذا العلم؟ وكيف ترون مستقبلَه عربيًّا وعالميًّا؟


:diamonds: حقيقةً، إنَّ الوعي يزداد تدريجيًّا، وخاصَّة أن العديد من المحطات الفضائية بدأتْ تبث برامج تشجِّع الناس على العودة إلى الطبيعة، وبعيدًا عن بعض التجار الذين يركبون الموجةَ، ويحاولون استغلالَ حاجات الناس استغلالاً بشعًا، فإنَّ هناك زيادةً مطَّردة في الوعي حولَ هذا الموضوع، وأعتقد أنَّ القضية ستكون مسألةَ وقت، بحيث نرى - بعد حين ليس ببعيد - قيامَ كلِّ دول العالَم بالاعتراف بهذا النوع من الطب، وإدخاله في مناهج كليات الطب، والاعتراف به باعتباره تخصُّصًا له تقديره واحترامه، وفروعه المختلفة


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 15 سبتمبر 2019, 11:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علوم النباتات في الحضارة الإسلامية   علوم النباتات في الحضارة الإسلامية Emptyالأحد 15 سبتمبر 2019, 10:46 pm

الطب الشعبي بين الفكر والممارسة العلاجية

(الأعشاب)



إن الأعشاب والنباتات سبقَت الإنسان بوجودها على وجه الأرضية، وشاءت مشيئة الله أن جعل المرض والصحَّة في كفَّة، وفي أخرى جعل من النبات الغذاء والدواء[1]، فصارَت باب النجدة للعديد مِن العِلَل التي تُصيب الإنسان والحيوان معًا، يقول أحمد قدام في كتابه "قاموس الغذاء والتداوي بالنباتات"[2]: "البصلة بذاتها صيدليَّة كاملة"؛ فالحيوان الذي لا يعقل ولا يُفكِّر، غريزيًّا يَهتدي إلى أصناف من النباتات التي تَشفيه.

أما الإنسان فتارة يَستفيد من التَّجربة والمُلاحَظة الميدانية نتيجة الاحتِكاك بالبيئة، وأخرى يَستلهِمها من العقيدة الدينية.

وما قصة الكلب الذي ذكره أمين روحية في كتاب: "التداوي بالأعشاب"[3]، إلا مثال حي من بين العديد من الأمثلة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، والتي استفاد الإنسان منها عن طريق الملاحظة؛ إذ من الغريزة عند بعض الحيوانات أنها لما تمرَض تتداوى بما هو موجود في بيئتها، فتفطَّن الإنسان للظاهرة وأخذ منها العِبرة، يَذكُر أمين روحية في كتابه أنه: "لاحظ كلبًا داخل مزرعة بجنوب إفريقيا، وهو يَطوف مُهرْوِلاً مُنتقلاً من عشب إلى آخر، يشمُّه ثم يَنصرِف، إلى أن وقف عند عشب وأخد يأكُل منه، وعلى وجهِه ملامح الامتِعاض، وبعد أن أكل خرَج مُسرعًا، فسأل الكاتبُ خبيرًا زراعيًّا كان موجودًا بالمزرعة عن هذا التصرُّف، أجابه بأن النبتة سامة، وأعراض التَّسمُّم بها القيء والإسهال، فالكلب ما أكل منها إذًا إلا وهو بحاجة إلى مُسهِّل ينظِّف أمعاءه، وقد ميَّزها عن باقي الأعشاب الكثيرة بالغريزة، فعرف كيف يَستفيد منها[4]، أتذكَّر في نفس الموضوع ما ذكره لي أحد الفلاحين القاطنين ببلدية تلمسان، وبالضبط بِوادِ الشولي، أن الخنزير بالمنطقة لَمَّا يُجرح ويَسيل دمه، يتوجه نحو الأماكن الموجود بها نبتة مقرمان Aunée visqueuseغريزيًّا، فيتمرَّغ فيها، فيشفى ويُقطَع النزيف حينها.

فالله - سبحانه وتعالى - ترك الإنسان العاقل يَهتدي إلى النباتات الشافية من الأمراض بنفسه، عن طريق الملاحظة والتَّجارب، والدِّراسة....، وتارةً بالاستِلهام من العقيدة والسنَّة؛ كقوله تعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الطور: 19]، وقوله تعالى: ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً ﴾ [الإنسان: 17]، وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].
 
ومرجعيَّة القول تَكمن في أن تاريخ العلاج بالنباتات والأعشاب الطبيَّة عبر العصور يؤكد ويدل على تفاعل الإنسان مع المُحيط الطبيعي، وما المخطوطاتُ المكتوبة على أوراق البردي، التي وجدت في قبور الفراعنة مُدوَّنًا عليها وصفات عديدة تخصُّ أسرار الأعشاب الطبية، إلا إحدى الدلائل عن الموضوع، نفس الشيء نجده لدى قدماء الهنود واليونان؛ إذ عرف عنهم استعمال الأعشاب للتداوي مند القدم الغابر؛ إذ تُطالعنا في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد الحضارة اليونانية - وعلى رأسها مَشاهير؛ كأبقراط وثيوفراستوس وديسقوريدس وبلينوس.... - بمؤلفات غزيرة، ظلَّت تُمثِّل المصدر الأساسي لهذا العلم، حتى جاء العرب المسلمون وتوسَّعوا فيه، وفي مقدِّمتهم الرازي، وابن سينا، وأنطاكي، وابن البيطار....، بينما في أوروبا كان الاعتقاد بالأرواح الشرِّيرة والخرافات وآلهة الأمراض وآلهة الشفاء مُنتشرًا[5].
 
وفي نفس الفترة نجد الرهبان في أوروبا قد احتكَروا مهنة التداوي بالأعشاب وزراعتها، فاشتهر العديد منهم في الطب؛ من بينهم الراهبة هيلديكارد، ومؤلفاتها التي سمَّتها (الفيزيكا) physica، وهو كتاب مشهور جدًّا في الطب والأعشاب آنذاك، وكلنا يعرف الرَّاهب المؤسِّس لعلم الوراثة، مندل [6] Mendel (1865)، بتجاربه على نبتة البزلاء haricots، وما قدَّمه للبشرية في فك مفاهيم وتصحيح فكرٍ خاطِئ عن الأمراض الوراثية، التي كانت لها تأويلات واعتقادات طالما عانى منها الإنسان.

وبعد اكتشاف الطباعة في القرن الخامس عشر للميلاد، كَثُرت المؤلفات عن التَّداوي بالأعشاب، وعم انتشار هذه المؤلفات، بحيث كان لا يخلو منها بيت من البيوت في أوروبا آنذاك، وقد ظلَّ التداوي بالأعشاب حتى ذلك التاريخ مستندًا إلى التجارب والنتائج فقط، دون الاهتمام بالبحث العِلمي؛ فكان الأطباء يُمارسون مهنة جمع الأعشاب، وتحضير الدواء منها، وعلاج المرضى بأنفسهم حتى سنة 1224م؛ حيث افتتحت أول صيدلية نباتية في العالم في إيطاليا، وأصدر القيصر فيها مرسومًا خاصًّا يَحصر مهمة تحضير الأدوية من الأعشاب على الصيادلة فقط، على أن يبقى للطبيب مهمَّة تحديد المرض، وتحديد مقدار ما يجب أن يُستعمَل من الأعشاب ممزوجًا، وكيفية استعمالها، وبعد أن ازدهرت الكيمياء في بداية القرن التَّاسع عشر للميلاد، وأصبح باستطاعتها تحليل الأعشاب لمعرفة المواد الفعَّالة فيها، كان من المأمول أن تكون هذه الأدوية الصِّناعية أفضل فعالية من الأعشاب؛ لأنها خلاصة المواد الفعالة في الأعشاب، ولكن التجارب أثبتت فيما بعد أن ما خلقه من أعشاب أفضل فعالية من إنتاج المصانع الكيماوية؛ لِما لها من تأثيرات جانبية، وفي بعض الأحيان يكون للدَّواء الكيميائي أضرار جانبية أكثر من المرض نفسه، وعاد الغرب مرة أخرى إلى الأعشاب والنباتات الطبية، ولكن هذه المرة بأسلوب عِلمي بحْت ومُنفتِح جدًّا.

وإثر انتقال بذور التجارب العربية والإسلامية في مجال طب الأعشاب إلى الغرب، أصبَحَ الاهتمام بهذا العلم الشُّغل الشاغل للباحثين الغربيِّين، حتى إنه خلال النِّصف الثَّاني من القرن التاسع عشر الميلادي أصبح علم الصيدلة النباتية "فارما كوجنوزي Pharmacognosie" فرعًا علميًّا قائمًا بحد ذاته من الفروع العِلمية الصيدلانية الأخرى، وإلى هذه اللحظة يوجد العديد من المستحضرات الدوائية العالمية والمحلية التي نستهلكها، ذات مصادر عشبية [7]، ولكن - مع الأسف - الجانب التجاري طغى، فصار الصيدلي بائع أدوية كيميائية فقط؛ (استُنتج من الدراسة الميدانية الخاصة بدراستنا في رسالة ماجستير الموسومة بعنوان: "التداوي بالأعشاب بين التقاليد والتَّحديات الطبية المعاصرة بين الثابت العلمي والطب البديل، دراسة ميدانية بمنطقة تلمسان الجزائر).

فالصيادلة في الجزائر، وفي مكان الدراسة بالضبط (تلمسان)، نادرًا ما يهتمون بالأعشاب ومستحضراتها، ما عاد اثنان من بين 400 صيدلي[8]موجود بولاية تلمسان.

حصل أن جاء أشخاص حلوا مكانهم في هذا المجال، وسمَّوا أنفسهم تسميات غريبة؛ من ضمنها: طب الأعشاب، الطب النبوي، الطب البديل، العشاب، الطب الصيني، الطب الشعبي.... وأسماء كثيرة، وهكذا، فقد دمَّروا معالم الطب والصيدلة بالخرافات والدجل، فمَن هبَّ ودبَّ صار عارفًا بالأعشاب، وراح يَنعت الوصفات، ويُحضِّر الخلطات بعيدًا عن التراث الموروث[9]، وأصول استعمال الأعشاب في أغراضها الحقيقية، فأدَّت هذه الخرافات إلى ضرر الناس ماديًّا ومعنويًّا، وصار الأطباء والصيادلة لا يَثقون بهؤلاء المُعالِجين الشعبيين في أغلب الأحيان، وأخذوا يَرفضون ويُشكِّكون في أغلبية الوصفات العُشبية، ونسوا ما تعلموا في الجامعات عن الأعشاب وأصل الأدوية الكيميائية، مع العلم بأن كثيرًا من هذه الأعشاب إذا ما أخذت بالجرعة الملائمة وفي الوقت الملائم ومن الشَّخص الملائم (العالم بأمورالأعشاب) وللمرض الملائم، يكون أحيانًا أفضل من الأدوية الكيماوية المصنَّعة بكثير[10]، هذه الخلاصة استنتجتها من تحليل استمارة الدراسة الميدانية الخاصة برسالتنا المذكورة أعلاه.

وحتَّى اليوم تَفتقِد الجزائر دراسات جامعية متخصِّصة في طب الأعشاب، لتخرج أطباء قادرين على منافسة الطب المعاصر، حسب الثابت العِلمي، بدون جدل، بل يكونون قادرين على رفع التحديات الحالية، واكتشاف أدوية عشبية جديدة، قد تكون علاجًا لأمراض العصر الفتاكة.

علمًا أن الموروث الشعبي[11] في الموضوع، وغنى مناطقِنا بالأعشاب الطبيَّة يَضعنا في مقدمة الدول التي تزخر بمادة خام كبيرة وخصبة تَنتظر من يُفجِّرها.

فجامعة تلمسان إلى يومنا هذا - ورغم ما يعرف عنها مِن تقدم في ميدان الطب على المستوى الوطني والدولي - لا زالت مدرجات كُليَّتِها تفتقد هذا التخصُّص.

بينما في بريطانيا ودول أوروبية وآسيوية وأمريكية، توجد مؤسَّسات وطنية للمُعالِجين بالأعشاب، وهم صيادلة أو أشخاص لهم علاقة بالطب درَسوا الفارما كوجنوزي Pharmacognosy (علم الأعشاب والنباتات) بشكل موسَّع ومُباشر، على سبيل المثال: نجد ببريطانيا جمعية اسمها: National Institute of Medical Herbalists وهي جمعية مُعترَف بها رسميًّا وفي العالم، تشرف على تدريس وتمرين المُعالِجين بالأعشاب ضمن برنامج يمتد إلى أربع سنوات يَدرسون فيها الفارما كوجنوزي Pharmacognosie (علم النباتات والأعشاب)، وPharmacologie الفارماكولوجي (علم الدواء)، والفيسيولوجي Physiologie(علم أعضاء الجسم)، علم التشريح Anatomie، والباثولوجي Pathologie، (علم الأمراض) والمايكروبيولوجي microbiologie (علم الكائنات الحية الدقيقة).

والخلاصة أنه من البديهي أن جسم الإنسان يتوافق بشكل كبير مع الأعشاب إذا قورن بالأدوية الكيميائية؛ فقد عِشنا مع النباتات جنبًا إلى جنبٍ على مدى زمن طويل، وقد تكيَّف جِسمنا كله وبخاصة جهازنا الهضمي معها؛ فهي بمعنى آخر لا تُثير حساسيات أو أعراضًا جانبية؛ لأنها مألوفة، فالخطُّ الفاصل بين الأدوية والأغذية في النباتات ليس باديًا؛ إذ ما نأكله غالبًا وبشكل يومي هو في حد ذاته دواء وعلاج، مثل ذلك البصل والليمون والشعير...، هل هي أغذية أم أدوية؟ يُذكر في الحديث النبوي الشريف أن الرسول صل الله عليه وسلم دعا أمته إلى الاستفادة من فوائد الحلبة قائلاً: ((لو تعلم أُمتي ما في الحُلبةِ لاشتروا ولو بوزنها ذهباً))[12].
 
إن الإنسان منذ القِدَم استعمل "الصيدلة الطبيعية" أو الأرض التي أودع الله - سبحانه وتعالى - فيها هذا المخزن العلاجي، وقد ربط الإنسان العلاقة بين النباتات البرية التي تغطي وجه الأرض، وبين الأمراض التي يُصاب بها؛ فاستعمل هذه الأعشاب أو أجزاء منها في التداوي من العلل؛ كالجذور والأوراق والثمار والبذور التي تعرَّف عليها خلال التجوال والترحال، ومراقبته للحيوانات التي تأكل هذه الحشائش، فلاحَظَ أن لبعضها القدرةَ على شفائه بإذن الله.

مثال عن العلاج بالأعشاب: الحبة السوداء؛ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((عليكم بالحبَّة السوداء؛ فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام))، والسام: الموت؛ ثبت في الصحيحين من حديث أبي سلَمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهي كثيرة المنافع، وتُستخدَم على عدة أشكال لعلاج الربو واعتلال البطن وغيره، ولكن لا يَنبغي الإسراف في تناولها وأخذها بكميات كبيرة، فقد تؤدِّي إلى أضرار جانبية، وأما الأعشاب الأخرى كالزنجبيل والشِّيح والحلبة وغيرها التي غالبًا ما تُستخدم على شكل مشروب، فلها فوائد كثيرة، وتُستخدَم في علاج أمراض الكبد والمعدة وغيرها[13].

وروى مسلم أن النبي صل الله عليه وسلم قال: ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى)).

أما في الثقافة الشعبية بتلمسان، فإن بعض الأعشاب يَحظى بمكانة كُبرى في العلاج لا جدل فيها، وهي ذات مرجعية فِكرية مُسبقة في كل الممارسات الطبية الشعبية؛ كالحلحال، العرعار، الشيح، الحرف، الدفلة... كقولهم:
• اسأل المجرِّب ولا تسَأل الطبيب (للتأكيد على أهمية التجربة).
 
• سقسي[14] لمجرِّب ولا اسقسي الطبيب (اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب).
 
• العرعار ما إيخلي عار (أي: إن نبات العرعار يعالج به كل الأمراض).
 
• الحلحال يداوي كل حال (أي: نبتة الحلحال يعالج بها كل حالات الأمراض).
 
• الشيح ما يترك ريح (أي العلاج بالشِّيح لا يترك الغازات في البطن).
 
• كل الحرف ونقز الجرف (نقز باللهجة المحلية معناه: اقفز من أعلى الجرف، وهو الصخرة، بمعنى آخر: ارتمِ من مكان عالٍ ولو تكسرت العظام، فإن نبتة الحرف تَجبرها).
 
• القمح والزيت عمار البيت.
 
• لا يغرك نوار الدفلة في الواد عامل ضلايل ولا يغرك زين طفلة حتى تشوف لفعايل. (أي لا يغرك زهر نبتة الدفلة، فإنها سامة، رغم جمالها...).
 
• قهوة العشية خير من نعجة مشوية (العشية معناه المساء).
 
• الخبز والما يقلع الغمة (أكل الخبز والماء يبعد الهم أو الغبن).
 
• أتاي بلا شيبة وبلا نعناع بناقس منو قاع؛ أي: (شرب الشاي بدون نعناع وشيبة[15] لا جدوى منه).
 
المراجع:
1-قاموس الغذاء والدواء بالنباتات؛ أحمد قدامة، دار النفائس، ط: 5، بيروت، لبنان.

2- 5 - 6-7: القرآن الكريم.

3- أحمد قدامة: قاموس الغداء والتداوي بالنباتات، دار النفاس، بيروت، 1990م، ط2 (صSmile.

4- أمين روحية: التداوي بالأعشاب، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة 1983.

5- عبداللطيف الهرماسي: مفهوم المقدس بين دعاوى الكونية وخصوصية الإنسان الدينية، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد: 132.

6- : فوزي العنتيل: بين الفلوكلور والثقافة الشعبية، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1899، (ص: 35)، (ص: 191).

7- le corps humain:p.Vincent librairie vuibert paris 1978 p247.

8- Liberté Algérie Jeudi, 21 Mars 2013 , Édition N°6260.

9- سعيدي محمد: ظاهرة زيارة الأولياء والأضرحة في منطقة تلمسان وأبعادها الاجتماعية والثقافية، ط: CRASC، 1996.

10- فوزي العنتيل: بين الفلوكلور والثقافة الشعبية، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1899، (ص: 35)، (ص: 191).

11- القداحي (فرح الحميد): الشفاء بالحبة السوداء، دار الإسراء، القاهرة، ط:
1- ابن قيم الجوزية.
2- صحيح مسلم.
3- صحيح مسلم.



[1] قاموس الغذاء والدواء بالنباتات؛ أحمد قدامة، دار النفائس، ط 5، بيروت، لبنان.
[2] أحمد قدامة: قاموس الغذاء والتداوي بالنباتات، دار النفائس، بيروت: 1990م ط2.
[3] أمين روحية: التداوي بالأعشاب، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة: 1983.
[4] نفس المصدر أمين رويحة (ص: 9 - 10).
[5] عبداللطيف الهرماسي: مفهوم المقدس بين دعاوى الكونية وخصوصية الإنسان الدينية، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 132.
[6] le corps humain:p.Vincent librairie vuibert paris 1978 p247.
[7] مثل دواء: (Biocaluptol) و(Hederal)؛ للسعال.
[8] Liberté Algérie Jeudi, 21 Mars 2013 , Édition N°6260.
[9] سعيدي محمد: ظاهرة زيارة الأولياء والأضرحة في منطقة تلمسان وأبعادها الاجتماعية والثقافية، ط: CRASC، 1996.
[10] أضرار الأدوية الكيميائية، مثل: corticoïdes et anti- inflammatoires.
[11] فوزي العنتيل، بين الفلوكلور والثقافة الشعبية، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1899، (ص: 35)، (ص: 191).
[12] مجمع الزوائد 5/44.
[13] القداحي (فرح الحميد) - الشِّفاء بالحبة السوداء - دار الإسراء، القاهرة ط: 1.
[14] سقسي باللَّهجة المحلية: اسأل.
[15] الشيبة هي نبتة ذات منافع كثيرة إذا عرف استعمالها، وهي Absinthe.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
علوم النباتات في الحضارة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مقومات الحضارة الإسلامية
» علم الفلك في الحضارة الإسلامية
» من مميزات الحضارة الإسلامية
»  لمحات إبداعية من الحضارة الإسلامية
» صناعة السكر في الحضارة الإسلامية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: عالم النباتات والاعشاب :: النباتات-
انتقل الى: