علوم النباتات في الحضارة الإسلامية
يقصد بعلم النبات: العلم الذي يبحث في أنواع النبات، وخواصِّها، وأشكالها، وعجائبها، ومنافعها، ومضارِّها؛ للغذاء أو التداوي به.
وقد اهتمَّ المسلمون والعرب بعلم النبات مِن جوانب متعددة:
الأول: منها تحديدهم لأسماء النباتات وأصولها وترتيبها؛ كما فعل الفراهيدي والأصمعي والتميمي.
والثاني: منها دراسة النبات من جهة الزراعة؛ كمعرفةِ الأراضي وتربتها وخصوبتها، وصلاحيتها بنباتات معينة، وما تحتاج إليه من سماد وماء وأدوية، ويدخل ما يُسمَّى بتربية الحيوانات وتسمينها عن طريق العناية بغذائها ودوائها.
والثالث: منها تلك السلالات النباتية التي اكتشفها الرحَّالة المسلمون، فضلًا عما قرؤوا عنه عند الآخرين.
والرابع من مجالات اهتمام العلماء المسلمين بالنبات هو: ما يتمثَّل في دراسة النباتات الداخلة في صناعة الأدوية (العقاقير)، وهي دراسات تعتمدُ على البيئة التي يعيش فيها النباتيون والصيادلة والأطباء والكيماويون المشتغلون باستخلاص المركَّبات العقَّارية المناسبة للأمراض الشائعة في بيئتهم، ولعل هذا الفرع قريب مما يُعرف في أيامنا بعلم البيئة أو نباتات البيئة بصفة خاصة.
وقد بدأ اهتمام العرب بعلم النبات، وجمع أسمائها، بوصفها جزءًا من اللغة واجب التحقيق، وكان ذلك بعد أن اتَّسَعت الفتوحات الإسلامية، واختلط العرب بالأعاجم، وأشفق المسلمون على لُغتهم من الفساد، ومِن تسرُّب اللَّحن إليها، فجعلوا يجمعون مفردات لُغتهم ويسجِّلونها، بوصفها المدخل الصحيح لفهم معاني القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وكان الزرع والنبات والكَرْم والعنب والبقل والنخل، وغير ذلك مما عُنوا به وجدُّوا في تدوينه؛ حيث استقَوا أغلب معلوماتهم عنها من أشعار الجاهلية، ومما ورد في القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وما نقلوه عن الأعراب الذين وفدوا إلى الأمصار؛ فضلًا عما حقَّقوه بأنفسهم من خلال زياراتهم الميدانية للبادية، ويعني هذا أن أغلب مؤلفات علماء المسلمين المبكِّرة في مجال النبات كانت عبارة عن مجموعة من الأسماء والمصطلحات النباتية، التي صنفت ضمن محتويات المعاجم اللُّغوية، باعتبارها جزءًا من اللغة لا ينفصل عنها، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة إقبال علماء المسلمين إبان تلك الفترة المبكرة على وضع مؤلفات متخصصة في علم النبات.
وإذا تتبَّعنا أسماء اللُّغويين العراقيين، الذين يرجع إليهم الفضل في العناية بجمع أسماء النبات ومصلطحاته، فسنجد أنفسنا أمام قائمةٍ طويلة يضيق المقام بذكرها، ولكن نذكر منهم على سبيل المثال:
النَّضْر بن شميل (المتوفى 204هـ).
وأبا عبيدة مَعْمر بن المثنَّى (المتوفى 208هـ).
وعبدالملك بن قريب الأصمعي (المتوفى 217هـ).
وأبا زيد الأنصاري (المتوفى 215هـ).
وابن الأعرابي (المتوفى 231ه/ 845م).
وأبا حاتم السجستاني (المتوفى 255هـ)، وغيرهم كثير.
وهؤلاء صنَّفوًا كتبًا في النبات تحمل عناوين "النبات"، وهو عنوان لكثير من الكتب، و"النخل"، و"الشجر"، و"الزرع"، و"النبت"، و"البقل"، و"العشب"، وغيرها، فضلًا عن المعاجم اللُّغوية التي حَوَت أبوابًا خاصة بالنبات.
وبلا شك، فإن المسلمين لم يبدؤوا من فراغ؛ فقد أفادوا مما ورثوه من كتب جالينوس وديسقوريدس، وغيرهما من الذين اهتمُّوا بالنبات والأرض والفلك؛ ففي بغداد اطلع المسلمون على التراث الإغريقي في النبات والفلاحة، وقاموا بنقل بعض المؤلفات إلى العربية؛ مثل كتاب "الفلاحة" لديموقريطس، وثلاثة كتب لأرسطو هي: "كتاب الفلاحة" في عشر مقالات، وكتاب "الإبانة عن علل النبات"، وكتاب "النبات"، الذي توفر على ترجمته ثابت بن قرة الحراني البغدادي (ت 288هـ/ 910م)، وسماه "تفسير كتاب أرسطو في النبات"، ثم قام إسحاق بن حنين (ت 298هـ/ 910م) بمراجعته وتنقيحه.
ويعد كتاب "الحشائش" لديسقوريدس أهم كتاب اعتمد عليه العلماء المسلمون في مجال النبات والأدوية.
وكذلك قام علماء بغداد بترجمةِ بعض مؤلَّفات جالينوس في علم النبات؛ وأهمها: كتاب "النبات"، ومقالة في استخراج مياه الحشائش أو "خواص الحشائش ومنافع الحيوان"، وترجم العرب أيضًا كتاب "الفلاحة" لأبلونيوس، وكتاب "الفلاحة" لأناطوليوس، وغير ذلك كثير من كتب النبات[1]. والحاصل أن علماء العرب والمسلمين ترجموا ما ورِثوه من إنتاج الحضارات السابقة في علم النبات، ومع ذلك فقد أضاف المسلمون كثيرًا، وقاموا - على مستوى الفكر والتطبيق - بتطويرِ أساليب استصلاح الأراضي، وأساليب الري، وتربية المواشي، ومعالجتها، لا سيما بعد فتحِهم لبلادٍ تعتمد على الزراعة والري بنسبة كبيرة؛ مثل مصر وبلاد الشام، وعرَف المسلمون طريقةَ إنتاج فواكه جديدة بطرق التطعيم، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز، وأوجدوا عن طريق التطعيم أزهارًا نادرة جميلة المنظر، وكان (رشيد الدين الصوري) يستصحب معه مصورًا عند بحثه عن الحشائش في منابتها، ومعه الأصباغ، فكان يتوجَّه إلى المواضع التي بها النبات فيشاهده ويحققه ويريه للمصور.
وكذلك نبغ العرب - ولا سيما في الأندلس - في معرفة خواصِّ التربة، وكيفية تركيب السماد، وتحسين طرق الري والزراعة، واستصلاح الأرض البُور، ووصفوا كثيرًا من الأمراض والآفات التي تصيب النبات، وبيَّنوا طرق علاجها ومقاومتها، وغير ذلك مما يشهد على تفوُّقهم في عالم النبات والزراعة[2]. وقد أصبح من الأمثلة المأثورة أن العرب عند فتحهم للبلاد يهتمون بأمرين: (بناء المسجد، وتنظيم الحقل)، وهو مثل يصوِّر طبيعية الإسلام الذي يهتم ببناء الإنسان روحيًّا وماديًّا (جسديًّا).
وإلى الخليفة العباسي المتوكل في بغداد، وإلى عبدالرحمن الناصر في الأندلس، يُعزى فضل الاهتمام بالنباتات والزراعة، ترجمةً وتطبيقًا وتطويرًا، وقد كانت بغداد مسرحًا لمزارع تجريبية، وبخاصة في مجال الاهتمام بالحدائق، وكذلك كان الأمر في دمشق والقاهرة وحواضر المغرب العربي الكبرى؛ بل إن اهتمام أمراء الأندلس بالنباتات كان معروفًا؛ فقد كانوا يرسلون مَن يحضر لهم البذور من بلاد الشام، كما أن عبدالرحمن الداخل - مؤسس الدولة الأموية بالأندلس سنة 138هـ، والمعروف بصقر قريش - أرسل فأحضر نخلًا زرعه بالقرب من قصره يتذكر مِن خلاله حياته في الشام، وتسكب عينه العبرات!
وقد اهتمَّ النباتيون المسلمون بالبحث في فوائد النباتات ومضارها، وهم الذين فصَلوا علم النبات عن الطب والصيدلة، فأصبح علم النبات على أيديهم علمًا مستقلًّا، له علماؤه المختصون فيه، وله مؤلفاته المستقلة التي تعبر عن مجالاته العلمية.
وقد عُرِف الإدريسي بالعشَّاب، فقد كان يُتقِن معرفةَ خصائص النبات الطبية، ولكثرة أسفاره كان يدرس نباتات الأقاليم، ويسجِّل ملاحظاته، ويكتب مقارنًا شارحًا؛ يقول ابن جلجل: "إن الشريف الإدريسي استدرك في كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) على ديقوريدس ما أغفله وما جهله من نبات ومن خصائص كثيرة في النبات، وقد نال كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) شهرة عالَمية، فقد ضمَّنه أسماء النباتات باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والعربية، وقد رتَّب كتابه على أحرف الهجاء مستفيدًا ممن سبقه، مضيفًا ما اكتشفه، ملتزمًا بالموضوعية العلمية".
ومن مآخذ الإدريسي على سابقيه ما ورد في قوله:
(إن أناسًا يدعون معرفة الحشائش والأشجار والمعادن والحيوانات التي هي أساس الطب، ويزعمون معرفة ما صنَّفه ديقوريدس ومن دوَّنه مِن علماء النبات...، دون أن يفهموا كتابًا من هذه المصنفات، فقنعوا بما عندهم من العلم، وأوقعوا غيرهم في مهاوي الضلال).
ثمَّ يشير إلى جهده ومنهجه قائلًا: "وعليه...، فقد أوقفتُ همتي في تحقيق كتب الأقدمين، لا سيما كتاب ديقوريدس اليوناني في الأدوية المفردة من نبات وحيوان ومعادن...، وعكفت على علمه حتى حفِظتُ عنه ما فعله، وبحثت ما أغفله، فوجدته - رغم سَعَته - قد ترك أدويةً كثيرة لم يذكرها؛ فألَّفت على ذلك هذا الكتاب (الجامع لصفات أشتات النبات)، ورتَّبتُ جميع أسمائه على نص حروف (أبجد هوز...)، تيسيرًا على الناظر فيه، وقد استوفيت فيه ذكر كافة ضروب النباتات وتفسيرها..."[3]. وبعد بيان منهجِه استدرك الإدريسي على كتاب ديقوريدس اليوناني أدويةً كثيرة تستخلص من النباتات؛ منها: الخيار شنبر الهندي، والبليلج، والأملج، والخولنجان، والقاقلة الكبير، والجوزبوا، والكبابة، والقرنفل، والزرنباد، والدرونج، والبهمن الأبيض، والأحمر، والفوفل، والطباشير، والتنبل، والامير باريس، والهرنوة، والقليقلي، والمحلب، والنارجيل، والنارنج، والليمون، وبستان أفروز، والبلاذر، والياسمين، والخيزران، والكافورن، والكنكر، والشيان، والصندل، والبقم، والساج، والموز، والخيار، والياقوت، وجوز جندم، والقنبيل، وشجرة الكف، والماهي زهرة، والريباس، والجلبان، والماس، والاسفاناخ، والطرخون، وحب الزلم، والورس، والكركم، والكرات[4]. ومن أبرز علماء النبات المسلمين ابن العوَّام، يحيى بن أحمد بن العوام الإشبيلي الأندلسي، ولابن العوام كتاب الفلاحة، ترجم إلى الإسبانية والفَرنسية، وهو من جزءين كبيرين، ويشتمل الأول منهما على ستة عشر فصلًا، والثاني على ثمانية عشر فصلًا، وقد تحدَّث في كتابِه عن الأراضي وأنواعها، وأنواع الزبل العضوي ومنافعه، ورماد بعض النبات بعد حرقه، وأنواع المياه ونبش الآبار، وكيفية معرفة وجود المياه في غور الأرض، وكيفية إنشاء الجنائن (الحدائق) وتنظيمها، وكيفية زراعة الزيتون، وزراعة الأشجار المثمرة؛ كالخروب، والكستناء، والعناب، والفستق، والتفاح، والرمان، والتين، ومكافحة أمراض الأشجار المثمرة، وطرق حفظ الحبوب والبذور والأبصال والعنب والزبيب وغيرها[5]. وقد اعتبر المستشرق الإسباني "خوسن فاليكروسا" كتابَ "الفلاحة" لابن العوام ذروةَ التأليف الأندلسي في علم النبات، فكان مما قاله عنه: "إنه مؤلف ضخم جمع فيه كل المعارف الزراعية في العصور الوسطى، وكان له أعظم الأثر في هذه العلوم في القارة الأوروبية".
ومن علماء النبات أيضًا أحمد بن داود الدينوري، ولد في دينور - إيران، ونشأ في العراق، وله (كتاب النبات)، لم يبقَ منه إلا فصول طبعت في ليون عام 1953م، وقد ذكر في كتابه أكثر من تسعمائة وثلاثين نبتًا؛ منها: آس، أسفند، بلسن، بلوط، ترمس، تفاح، ثفل، ثوم، جداد، جراز، جرجار، جرجير، جزر، حناء، حسافة، حلب، حلفاء، حمص، صناء، خردل، خس، خوخ، دفلى، دلب، ذرة، رشاء، رطب، رمان، صنوبر، طلح، طوط، عرعر، عصفر، علقم، عناب، عوسج، غار، فجل، فقاح، قثاء، قرنفل، قطن، كبات، كزبرة، كمون، لوبيا، مشمش...[6]، إلى آخره. ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي صُنِّفت في علم النبات؛ حيث حاول فيه الدينوري أن يستقصي ما نطَقَت به ألسنة العرب شعرًا أو نثرًا في أسماء النباتات ووصفها، سواء ما يختص منها بنص اللغة، أو من جهة شرحها شرحًا عمليًّا بعد معاينتِها في أماكنها وملاحظتها بنفسه.
وقد زاد أبو حنيفة الدينوري فيما وجده من نبات على سابقيه، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا أثبتها في كتابه؛ حتى فاق المتقدمين من علماء اللغة، والباحثين في النبات، واعتمد على المصادر العربية دون غيرها، ولم يُعِر الناحية الطبية كثيرًا من العناية؛ ولذا فهو نباتي فحسب، ومع أن المقصود الأول من هذا الكتاب هو الجانب اللُّغوي؛ فإن الأطباء والعشَّابين قد اعتمدوه، كما اعتمده علماء اللغة من بعده.
ومن علماء النبات أيضًا قسطا بن لوقا البعلبكي البغدادي (ت 311هـ/ 923م)، عالم بالفلسفة والرياضيات والفلك، وله عدَّة مؤلفات في هذه العلوم، وكان يُجيد السريانية واليونانية والعربية، وبذل جهدًا طيبًا في ترجمة التراث اليوناني إلى العربية. وقد صنَّف كتاب "الفلاحة الرومية"، تحدث فيه عن خصائص الأرض، وأنواع السماد، وما يصلح للزراعة والرعي، وأحوال البذور، والحصاد، والبساتين وترتيبها، وغرس أشجارها، وصيانة ثمارها، ومنافع بعض الحبوب والخضروات، كما أشار أيضًا إلى تربية الماشية والطيور والنحل والأسماك.
وأبو بكر أحمد بن علي بن المختار الكلداني النبطي (ت 296هـ/ 909م)، المعروف بابن وحشية النبطي، وقد صنَّف كتاب "الفلاحة النبطية" سنة (291ه)، ويعد مِن أهم كتب النبات والزراعة في العربية، اعتمد عليه الكثيرون بعده ممن كتَبوا في هذا العلم، وقد شرح فيه مؤلفه على مدار ثلاثة عشر بابًا العلومَ الزراعية والنباتية المختلفة؛ من علوم التربة والري، وأنواع المحاصيل، وطرق الانتفاع بها، والمحافظة عليها من الآفات، والأشجار والخضروات، والأنواء الجوية.
ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء:
الأول: حوى كيفيةَ استنباط الماء وحفر الآبار، وغرس الأشجار وعلاجها.
واشتمل الثاني على بعض الحاصلات؛ كالأرز، والحنطة، والباقلاء، وغيرها.
ثم تناول في الجزء الثالث الكروم وزراعتها وآفاتها.
وقد أفسح المؤلف مجالًا واسعًا لكيفية عمل البيادر، وخزن الحنطة، وأوقات الزرع، ومعرفة الأهوية، كما أنه عُني بدراسة مختلف أنواع النبات، وكيفية زرعها، وريِّها وتسميدها، ويتَّفق ابن وحشية في كثير من مواضع الكتاب مع أصول العلم الحديث في مجال النبات والزراعة.
ومِن أشهر علماء النبات والفلاحة في الأندلس أبو عبدالله محمد بن إبراهيم البصال، الذي عاش في طُلَيطلة في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري إلى أن اشتد عليها ضغط ألفونسو السادس (سنة 478هـ/ 1085م)، فانتقل منها إلى إشبيلية، ودخل في خدمة حاكمها المعتمد بن عبَّاد (461 - 484هـ)، وأشرف على غرس حدائقه، وقد كتب ابن بصال كتابًا بعنوان "الفلاحة"، صار فيما بعد موضع إعجاب ومديح من العلماء الذين خلفوه، وحظي بالعديد من الدراسات الحديثة.
وتناوله المستشرق الإسباني (خوسيه فاليكروسا)، وهو الذي قام بنشر هذا الكتاب، وترجمه إلى الإسبانية، تناوله في بحثٍ له بعنوان "علماء الفلاحة الأندلسيون"، ومِن بين ما قال عنه ملخصًا: "إن هذا الكتاب يمتاز بأن مؤلفه يتحدَّث فيه عن تجاربه الخاصة، لا في إسبانيا وحدَها، بل كذلك في بلاد المشرق؛ حيث قام برحلات كثيرة".
وقال عنه جعفر الخياط في بحثه عن (ابن البصال رائد الفن الزراعي الحديث): "إن هذا الكتاب يمتاز عن سائر المؤلفات الأندلسية في الزراعة؛ بكونه كتابًا مبنيًّا على التجرِبة والمشاهدة العيانية إلى أقصى حدٍّ ممكن، وخاليًا من النقل عن الأقدمين من يونان ورومان وبابليين، كما هو الحال في الكتب الأخرى".
وقد صنَّف بعض العلماء المسلمين كتبًا في علم النبات ذات تخصص دقيق؛ منها ما صنَّفه ابن الأعرابي محمد بن زياد (ت 230هـ) حول كتاب صفة النخل، وكتاب النبات، وكتاب النبت والبقل، وكتاب صفة الزرع، وما صنَّفه أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي (ت 231هـ) حول كتاب الشجر والنبات، وكتاب الزرع والنخل، وما صنَّفه يعقوب بن السِّكِّيت (186 - 244هـ) حول كتاب النبات والشجر، وما صنَّفه أبو حاتم سهل بن محمد الجشمي السجستاني (148هـ) حول كتاب النبات، وكتاب الزرع، وكتاب الكروم.
لقد ذكر المستشرق (رينالدي) "Reinaldi": (أن العرب أعطوا من النبات مواد كثيرة للطب والصيدلة، وانتقلت إلى الأوروبيين من الشرق أعشاب ونباتات طبية وعطور كثيرة؛ كالزعفران والكافور...، وذكر (ليكلرك) "Leclerc" جملة من المواد الطبية التي أدخلها العرب في العقاقير والمفردات الطبية، يزيد عددها على الثمانين، وقد أوردها بالنص العربي، وأورد ما وضع لها من كلمات لاتينية؛ منها ما هي منحوتة أو مقتبسة من الأصل العربي، ومنها ما لا تزال بلفظها العربي، ولكن بحروف لاتينية[7]. ويقول كاباتون: (وكانت مدنية العرب في إسبانيا ظاهرةً في الأمور المادية؛ وذلك بما استعملوه من الوسائل الزراعية لإخصاب الأراضي البُور في الأندلس...).
ويعترف سيديو بأنَّ العرب أضافوا مواد نباتية كثيرة؛ كان يجهلها اليونان جهلًا تامًّا، وزودوا الصيدلة بأعشاب يستعملونها في التطبُّب والمداواة.
ومن المسلمين عرف الغرب الأفاويه؛ كجوز الطِّيب والقرنفل، ولاحظ بعض العلماء: أن العرب غرسوا أشجارًا ثنائية المسكن؛ فكانت لديهم أفكار واضحة حول تكثير النسل، كما كانت لديهم معرفة واسعة بالاقتصاد الزراعي[8].
[1] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (249). [2] د/ إسماعيل أحمد ياغي: أثر الحضارة الإسلامية في الغرب، ص (103، 104). [3] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك. [4] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك. [5] فرشوخ: مرجع سابق (1/ 19، 20). [7] نقلًا عن: قدري حافظ طوقان: العلوم عند العرب ص (28). [8] نقلًا عن المرجع السابق (29).