أدرك الغرب منذ زمن بعيد أن الموقع الجغرافي الذي يتمتع به العالم العربي ، ووفرة إمكاناته الاقتصادية الهائلة وثرواته النفطية ووزنه الحضاري ووجود الإسلام فيه كطاقة روحية ، يشكل خطرا على مصالحه ويحد من أطماعه لذلك بذل جهودا كبيرة لتحجيم العالم العربي واحتواء أقطاره وابقاء عناصر التجزئة فيه والعمل على تفتيته وجعله هدفا مستمرا لمخططاته ومما ساعده على ذلك انهيار الاتحاد السوفيتي ، وانتهاء الحرب الباردة وتشتيت القوى العربية واحتلال العراق.لذا يعد موضوع الأمن القومي العربي واحداً من خطر التحديات التي تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، في إطار المتغير الجيوـ سياسي الكبير الناتج عن الاحتلال الأنجلوـ أميركي للعراق، واتخاذه منطقةً ـ مركزاً لإعادة بناء المنطقة وعولمتها وتنظيمها خلال عشر سنوات، في شراكةٍ أمريكيةٍ ـ شرق أوسطية اقتصادية وسياسية وثقافية، تشكل في حقيقتها جزءاً من عملية إعادة بناء النظام الدولي برمته، وعولمته في نظامٍ عالميٍ جديد. فعملية العولمة لم تتوقف لكن الجديد فيها بعد تغير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي من سياسة الاحتواء إلى سياسة الضربات الوقائية، بفعل هجمات الحادي عشر من سبتمبر الكارثية العمياء هو رفع مستوى الأولويات من المستوى الاقتصادي التشابكي والاندماجي الاقتصادي إلى المستوى السياسي وفي قلبه المستوى الأمني، وذلك بتشكيل سلطة سيادية امبراطورية عليا ما فوق قومية، تُخضِع-المارقين- و -الآبقين- بالقوة إن تطلب الأمر للمعايير العالمية الجديدة.ربما يكمن أكبر خطأ في قراءة ذلك في أنه يمثل موقف الإدارة الجمهورية الراهنة وليس الاستراتيجية القومية الأمريكية التي تعلو فوق الإدارات، على الرغم من أن بعضها قد يخفّفها أو يعدل من تكتيكاتها هنا وهناك، وفي هذه النقطة أو تلك.نحن اليوم أمام سؤال كبير يتحدانا، ولم يعد تجاهله أمراً ممكناً، وقد بدأت صياغة عناصر هذا السؤال منذ هزيمة عام 1967، واستمرت تتكامل حتى استقر شكلها في إثر حرب الخليج الثالثة، والحرب علي لبنان واستمرار ممارسات الاحتلال الصهيوني في قمع الفلسطينيين، باعتبار كل ذلك وغيرة يمهد المنطقة، لاستقبال نظام إقليمي جديد، اصطلح على تسميته النظام الشرق الأوسطي، ورسمت له أبعاد تجسده كتنظيم إقليمي، وفي طليعتها البعد الاقتصادي والبعد الأمني.تختص هذه الدراسة فتبحث، بادئ ذي بدء، في نشأة وتطور مشروع الشرق الأوسط وفي البيئة التي تخلّق فيها المشروع، ثم تخوض في مفهوم البعد الأمني لمشروع النظام الشرق الأوسطي، من خلال السياق العام للمشروع الشرق الأوسطي. وتعكف الدراسة بعد ذلك على قراءة ميزان القوى في الوطن العربي في إطار البعد الأمني، لتنتهي إلى جملة من النتائج الاستخلاصات.أولا: مشروع الشرق الأوسط
يخطئ من يظن أن فكرة مشروع النظام الشرق أوسطي، جديدة وأنها ترتبط بما كتبه شيمعون بيريز أو ما يسمى اليوم بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يدعو إليه المسئولون في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ، بل علي العكس إنها قديمة ، وترجع إلى بدايات القرن العشرين ، ولقد بذل الغرب ، ممثلا بصورة خاصة بالدول الثلاث : الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ، جهودا حثيثة لإشاعة مصطلح الشرق الأوسط ، وتوضيح حدوده ، ورسم مستقبله . كان النفط وإسرائيل ، العاملان الأساسيان وراء هذا الاهتمام بهذه المنطقة الحيوية من العالم.
يتفق معظم المؤرخين على أن مصطلح (الشرق الأوسط ) ظهر أول ما ظهر في كتابات المؤرخ العسكري الأميركي الفرد ثاييت ماهان ، إذ اقترح في مقال نشره في مجلة (National Review) الصادرة في لندن في أيلول 1902،إطلاق هذا المصطلح على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية.وسرعان ما التقط فالنتين جيرول مراسل جريدة ألتايمز اللندنية في طهران ،هذا المصطلح وبدأ يستخدمه في مقالاته التي كانت تنشرها جريدة ألتا يمز
كان مصطلح – الشرق الأدنى – ( The Near East ) يستخدم بكثرة قبل ظهور مصطلح الشرق الأوسط ، وبعد شيوع وانتشار استخدام مصطلح الشرق الأوسط بدأ مصطلح الشرق الأدنى ، الذي كان يقصد به الدولة العثمانية وممتلكاتها في آسيا يتلاشى خاصة بعد أن وجد الغربيون أن الشرق الأدنى اقل قربا مما كان يعتقد في البداية ، وخلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 ازداد استخدام مصطلح الشرق الأوسط من قبل العسكريين والاستراتيجيين البريطانيين ، كما تركز هذا المصطلح في وثائق التسويات الدولية التي أعقبت تلك الحرب ، وخاصة تلك التي عقدت في سيفر وسان ريمو وباريس بين سنتي 1919 – 1920 وبموجبها تم اقتسام المشرق العربي وثرواته النفطية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .
وبدون شك، فأن مصطلحي الشرق الأدنى والشرق الأوسط يعكسان وجهة نظر غربية ترى أن أوربا، هي مركز العالم، وان الأقاليم الأخرى تتجمع حوله . وكان الأوربيون يعدون على سبيل المثال ، التحدي العثماني الإسلامي لهم مسألة شرقية ، والغريب أن مصطلح الشرق الأوسط ساد في الأوساط العالمية ، فاستعمله الروس، مثلا الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم الواقع جنوبا واستعمله الهنود الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم غربا ، وحتى أبناء منطقة الشرق الأوسط يستعملون اليوم هذا المصطلح.
1- تحديد منطقة الشرق الأوسط :
حين أطلق الفرد ماهان المصطلح كان يقصد به المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية . ويدخل الخليج العربي ضمن هذه المنطقة . وحسب مفهوم المعهد الملكي للشؤون الدولية الذي تأسس في لندن سنة 1919 برئاسة المؤرخ أر نولد توينبي، فان تسمية الشرق الأوسط شملت -شرق البحر المتوسط- وبصورة خاصة منطقة الهلال الخصيب ومصر وتركيا واليونان وقبرص وإيران . وأبّان الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 ، توسع استخدام مصطلح الشرق الأوسط ليشمل كافة المشرق العربي ومصر والسودان وتركيا وإيران وأفغانستان . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وسع معهد الشرق الأوسط الذي تأسس في واشنطن سنة 1946 استخدام المصطلح المذكور ليشمل فضلا عن المنطقة أعلاه ، كلا من باكستان وآسيا الوسطى والأقطار العربية في شمال أفريقيا،
ومنذ ذلك التاريخ أطلق مصطلح الشرق الأوسط على تلك المنطقة من قبل وزارة الخارجية الأميركية ، وعلى العشرات من مراكز الدراسات والبحوث والأقسام العلمية المتخصصة في الجامعات الأميركية . ومع بداية إعلان تأسيس إسرائيل على الأرض العربية فلسطين في 14 أيار 1948 بدأ البعض من الكتاب والسياسيين الغربيين يروجون لهذا المصطلح رغبة منهم في تثبيت كيان إسرائيل والسعي لدمجه ضمن المنطقة وعلى هذا الأساس تعاملت أجهزة الإعلام والدوائر الغربية مع أقطار جامعة الدول العربية على أنها أقطار شرق أوسطية .
لقد أصبح معلوما إن مصطلح الشرق الأوسط هو أكثر من مصطلح جغرافي ، فهو مصطلح سياسي واقتصادي ، يضم بين جناحيه أقواما من عروق شتى عربية وتركية وفارسية ، ومن أديان شتى إسلامية ومسيحية ويهودية وتمتد حدوده لتحتوي الوطن العربي ولكن مجزأً مبتدأً بمصر دون الشمال الأفريقي ثم إسرائيل وتعانق ذراعاه أقطارا تصل إلى أفغانستان وحتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالا.
وهكذا ، فأن الشرق الأوسط، يشكل المجال الذي تلتقي فيه قارات أوربا وأفريقيا وآسيا ، ويضم البحار: المتوسط والأحمر والأسود، إلى جانب بحر العرب وبحر قزوين والخليج العربي والمحيط الهندي ، كما يتحكم بأهم المضايق في العالم، هرمز، باب المندب، قناة السويس، البوسفور، الدردنيل ، وتروى أراضيه أنهاراً مهمة كدجلة والفرات والنيل والأردن، وهو موطن الحضارات القديمة ومهد الأديان السماوية ويضم فوق ذلك كله أكبر ثروة نفطية في العالم .
إن كل تلك العوامل جعلت من منطقة الشرق الأوسط مجالا إستراتيجيا حيويا للقوى الصناعية الرأسمالية في الغرب ، لأنه يُؤّمن في السلم والحرب ، تدفق النفط والاستثمارات والمواد الأولية ، إلى جانب الممرات المائية والبحار والقواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية والمخازن الإستراتيجية التي تقوم بدور مهم في تعزيز الإمكانات اللوجستية وتوسيع القدرة للسيطرة على العالم . وهذا ما جعل الولايات المتحدة تربط أمنها القومي بأمن الشرق الأوسط الذي يمس مصالحها القومية ، ويشكل الدعامة الحيوية في سياستها الكونية الى جانب أوربا ، وكان تشكيل قوة الانتشار السريع الأميركية سنة 1980 دليلا واضحا على ذلك ، فقد حدد رونالد ريغن رئيس الولايات المتحدة في الأول من أيلول 1982 هدف هذه القوة بقوله :
– علينا وضع سياسة مشتركة مع أصدقائنا وحلفائنا واستخدام القوة اذا ما اقتضت الضرورة للدفاع عن منطقة الشرق الأوسط –
وثمة محاولات غربية عديدة بذلت لدمج منطقة الشرق الأوسط ، ومن ضمنها الدول العربية في إطار إقليمي لعل من أبرزها التصريح الثلاثي في 20 أيار 1950 والذي أصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، وكان الهدف من هذا التصريح ضمان أمن إسرائيل وتهديد العرب اذا فكروا في استعادة أراضيهم بالقوة وتركيز مبدأ الحفاظ على الوضع الراهن وتقديم ضمانات أمنية واضحة لهذا الكيان لذلك نص على ضرورة الاحتفاظ بمستوى معين من القوات المسلحة ومعارضة قيام سباق تسلح بين الدول العربية وإسرائيل.
ثم جاء إنشاء حلف بغداد سنة 1955 ليكون بمثابة التطبيق العملي لواحد من مشاريع ربط المنطقة بسياسة الأحلاف الغربية الهادفة لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق، كانت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قد مهدتا السبيل أمام هذا الحلف بطرحها ما كان يسمى بـ ( الجبهة الفارغة أو الحزام الشمالي ) والذي يشمل كلا من باكستان وإيران والعراق وتركيا تحت ذريعة حماية هذه الدول من أية تهديدات وأخطار سوفيتية محدقة
وأثر إخفاق العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، حاولت الولايات المتحدة ان ترث بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الأوسط فخرجت في كانون الثاني 1957 بمشروع ايزنهاور الذي كان يقضي بربط المنطقة بعدد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بدعوى مقاومة أي عدوان شيوعي سواء من الخارج أو من الداخل. وقد أشار الرئيس الأميركي داويت أيزنهاور إلى ذلك عند تقديمه مشروعه هذا الى الكونجرس قائلاً :
– لقد بلغ الشرق الأوسط مرحلة جديدة وصعبة في تاريخه الهام والطويل وأن الولايات المتحدة تؤيد بدون حدود السيادة التامة والاستقلال لكل دولة في الشرق الأوسط … لكن المنطقة تعيش غالبا في قلق بسبب الخوف والمناورات التي تساندها القوى الخارجية والتي أدت جميعها الى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط .2- السوق الشرق أوسطية :
وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية في أيلول 1980 انتهجت الولايات المتحدة ماسمي بـ ( سياسة الإجماع الاستراتيجي ) والتي كان القصد منها احتواء البلاد العربية المناهضة للولايات المتحدة والحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة .
وفي هذا السياق يمكن فهم العلاقة بين وجود إسرائيل في قلب المنطقة وتكريس علاقات التبعية لها ، فالشرق الأوسط بحسب تعبير مارتن اندك مستشار الأمن القومي الأسبق ، وأحد منظري السياسة الأميركية هو – في حالة توازن دقيق بين مستقبلين بديلين الأول يتمثل في سيطرة المتطرفين المرتدين عباءة الإسلام أو القومية على المنطقة . والثاني مستقبل تحقق فيه إسرائيل وجيرانها العرب مصالحة تاريخية تمهد للتعايش السلمي والتنمية الاقتصادية وذلك من أجل تأمين التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط – . ويعد مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 بمثابة عملية انطلاق لترسيم – خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط – . وفي مؤتمر مدريد سنة 1991طرحت فكرة السوق الشرق أوسطية بمبادرة إسرائيلية وأميركية مع الجماعة الأوربية والبنك الدولي .
ويعد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين لهذه الفكرة . فقد ركز عليها في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر السنوي لحزبه حزب العمل في أيلول 1991 وتحدث عن التكامل بين ثلاثة عناصر متوفرة في الشرق الأوسط وهي : وفرة موارد المياه التركية ، وسعة السوق الاستهلاكية المصرية ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية وخلص الى ان اتحاد هذه العوامل الثلاثة ممولة بفوائض نفط الخليج العربي ، تستطيع ان تحقق لإسرائيل ما تريد ، ويجعلها جزءا من المشروع الاقتصادي الشرق أوسطي الجديد ، فيتعزز عندئذ أمنها ويتحقق رخاءها ، ثم عاد فوسع الفكرة من خلال كتابه – الشرق الأوسط الجديد – الذي ترجم الى اللغة العربية أكثر من مرة في عمان بالأردن .
وتشير بعض الدراسات إلى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد قدم لأول مرة من قبل ( التجمع من اجل السلام ) وهي هيئة غير حكومية تشكلت في القدس سنة 1968 ، بهدف تشجيع المبادرات الرامية لإزالة أسباب الصراع العربي – الإسرائيلي وتضم الهيئة كتابا ومفكرين ومثقفين وصحفيين . ويقول بيريز أنه طرح المشروع سنة 1985 وسماه بمشروع مارشال الشرق الأوسط وأن الدكتور مصطفى خليل رئيس الحزب الوطني الديمقراطي في مصر آنذاك شارك في وضع تفاصيل هذا المشروع . وترافقت الدعوة الى إنشاء النظام الاقتصادي الشرق أوسطي مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، والتي نجم عنها اتفاق غزة – أريحا .
ولئن كانت فكرة النظام الشرق أوسطي الجديد وفق مفهوم مستشار الأمن القومي الأمريكي ( مارتن أندك ) تعني إعادة هيكلة هذه المنطقة على بنى جديدة أو مفهوم ( بيريز ) الذي يقصد به إقامة – نظام التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يرتكز على اعتبارات التقارب الجغرافي والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة – فأنها تهدف في الوقت نفسه الى مواجهة مشروع العرب الحضاري المستقل ، وإضعاف المرتكزات السياسية والاجتماعية والثقافية للنظام العربي ، وذلك من خلال إلغاء المقاطعة لإسرائيل وتدعيم قدراتها السياسية والعسكرية وفتح الأبواب أمام نموذج الغرب الرأسمالي بأفكاره وقيمه وإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية في المنطقة وبما يضمن دمج إسرائيل فيها وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة علاقات عربية- إسرائيلية في إطار مشروعات شرق أوسطية مشتركة .
هذا فضلا عن أن هذا النظام يعطي دورا لتركيا الجارة الشمالية للعرب منسجما مع النظام العالمي الجديد المرتبط الى حد كبير بالإستراتيجية الأميركية ومحكوم كذلك بمدى تدعيم تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل وخاصة على الأصعدة الأمنية والعسكرية والاقتصادية .
ان مشروع النظام الشرق أوسطي إذن يرتكز على أسس سياسية واقتصادية ، ولا يشترط توفر هوية ثقافية وحضارية متماثلة لأنه يضم قوميات وأجناس وأديان شتى . ومن هنا فأن ثمة تناقض واضح بين المفهومين العربي والغربي لهوية هذه المنطقة المهمة من العالم وجوهر هذا التمييز هو التركيز العربي على التاريخ والثقافة والقول بوجود أمة عربية ذات مشروع حضاري سياسي متكامل ، بينما يركز الغرب على الجغرافية والاقتصاد والاعتبارات الإستراتيجية للتأكيد على وجود شرق أوسط جديد كبير يختلط فيه العرب مع الكورد والأتراك والإيرانيين والفرس والإسرائيليين والهنود والباكستانيين والأفغان وغيرهم من الشعوب والقاسم المشترك للجميع هو تبني الديمقراطية والحرية والابتعاد عن العنف والاندماج بالاقتصاد العالمي ( اقتصاد السوق ) والسعي باتجاه الإصلاح السياسي والتعليمي والاجتماعي وهي ذات الأسس التي يرتكز عليها المشروع الأمريكي الجديد المعروف بالشرق الأوسط الكبير .
ثانيا: الشرق الأوسط الكبير:
ظهر المصطلح في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حيث يشير تقرير اللجنة الأمريكية للأمن القومي في القرن الواحد والعشرين والذي وضع في شباط 2001 بعنوان- البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين -، وقد تضمن التقرير عدداً من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها وثيقة (( الشرق الأوسط الكبير )).
فالتقرير يُعّرف منطقة الشرق الأوسط الكبير بأنها: تلك المنطقة التي تضم كلاً من العالم العربي ، إسرائيل ، تركيا ، آسيا الوسطى ، القوقاز ، ومنطقة شبه القارة الهندية، وتمثل هذه المنطقة ، كما جاء في التقرير اكبر مستودع للطاقة في العالم، كما أنها ساحة نزاع بين عدة قوى طموحة تسعى لفرض الهيمنة على المنطقة، (( وللولايات المتحدة حلفاء فاعلين في هذه المنطقة ، كما أن لها مصالح ذات أهمية ، إلى جانب ذلك فأن المنطقة تشهد تطوراً واسع النطاق لأسلحة الدمار الشامل، ولم يكن من قبيل الصدفة ، أن شهدت هذه المنطقة حرباً كبيرة للولايات المتحدة وذلك في سنة 1991 . كما أنها المنطقة الوحيدة بالعالم التي تتجه الولايات المتحدة إليها لتوسيع نطاق انتشارها العسكري وذلك منذ نهاية الحرب الباردة.
وأكد واضعو التقرير أن منطقة الشرق الأوسط الكبير، منطقة شديدة الأهمية مصدر متاعب في الوقت نفسه، خاصة وأن ،نظم الحكم في المنطقة ، باستثناء كل من إسرائيل والهند وتركيا ، هي نظم استبدادية ، وتفتقر المنطقة إلي نظم ديمقراطية مؤسسية، بالإضافة إلى ذلك فأن هذه المنطقة تعد موطناً للاتجاهات الإسلامية المتطرفة سياسياً ، والتي إن لم تكن تشكل مصدراً للتهديد لمجتمعاتها وجيرانها فهي على الأقل مصدر مهم للقلق وعدم الاستقرار.
وفي العاشر من تموز سنة 2002 قدّمت مؤسسة ( راند) للدراسات تقريراً وضعه ( لوران مورافيتش ) المحلل الاستراتيجي فيها ، إلى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية . ويتكون التقرير من أربع وعشرين نقطة ، خصصت لدراسة الوضع في المنطقة العربية ، ويخلص التقرير إلى اقتراح ما يصفه بأنه الإستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط . يقول التقرير بالحرف ما يلي: العراق هو المحور التكتيكي، السعودية هي المحور الاستراتيجي، مصر هي الجائزة .
ولا يقول كيف ، ولا بأية طريقة ولا متى ، إلا أنه يرسم صورة للأوضاع في العالم العربي تدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على إجراء تغييرات جوهرية في هذه البلدان ويظهر التقرير صعوبة إجراء التغييرات ويقدم – صورة قاتمة جداً بل هي موصدة الأبواب – على أي نوع من التغيير لا الآن ولا في المستقبل إذا لم تتول الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها ، ومن خلال أساليب وطرق مختلفة ، مسؤولية العمل على أحداث هذا التغيير ، ويضم التقرير تحت عنوان (( ماذا أنتج العالم العربي ؟!.. )) مجموعة من النقاط أبرزها :أن المشكلات الديموغرافية والاقتصادية باتت مستعصية بسبب الفشل في تأسيس سياسات تضع الازدهار والرخاء هدفاً لها ، و الدول العربية كلها هي إما دول فاشلة أو دول مهددة بالفشل، و إن التوترات بين العالم العربي والعالم الحديث بلغت ذروتها، وأزمة العالم العربي ، نتيجة ذلك كله ، تتعرض للتصدير الى بقية العالم، ومن الملاحظ بان التقرير يتجاهل حقائق الأوضاع في العالم العربي، وأبرزها أن وجود إسرائيل واحتلالها الأراضي العربية هو من أبرز أسباب العنف في هذه المنطقة.
في كانون الثاني عام 2003 وقف كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أمام مؤسسة التراث ( هيرتيج فاونديشن ) ليعلن أن الولايات المتحدة تعمل من أجل إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في الشرق الأوسط . وقد أطلق مع هذا الإعلان ما أسماه- مبادرة الشراكة الأمريكية مع الشرق الأوسط – وتتضمن المبادرة إعلان قيام الولايات المتحدة بالمساعدة على إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في بلدان الشرق الأوسط . لذلك طالب باول بضرورة إتاحة الفرصة أمام بعض القوى الاجتماعية المدنية للمشاركة في الحياة العامة، وركز على المرأة، ولم يغفل الإشارة الى ما يمكن أن تقوم به منظمات المجتمع المدني، في مجال صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقال أن واشنطن تسعى الى دعم برامج تربوية موجهة الى النساء لتعزيز دورهن في المجتمع .
اعتمد كولن باول، في مبادرته، على إحصاءات كانت قد وردت في تقرير للأمم المتحدة صدر سنة 2002 حول التنمية البشرية في الشرق الأوسط، فالعالم العربي مثلا يترجم سنويا حوالي (330) كتابا أجنبيا أي ما يعادل خمس ما تترجمه دولة مثل اليونان. وهناك حوالي 50 مليون عربي سوف يدخلون سوق العمل في العقد القادم، وعشرة ملايين طفل في سن دخول المدارس لا تتوفر لهم هذه المدارس، وهناك 65 مليونا لا يحسنون القراءة والكتابة، لذلك دعا باول العرب إلى أن يندمجوا بمنظومة التجارة العالمية، خاصة وان حصة الدول العربية من الصادرات العالمية، إذا ما استثنينا النفط، لا تمثل حاليا سوى واحد بالمائة. وقد وعد باول بتخصيص مبلغ 29 مليون دولار لما أسماه دعم انضمام الدول العربية الى منظمة التجارة العالمية، في شهر أيلول عام 2002، أعلنت (كوند ليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأميركي، بأن الولايات المتحدة تريد- تحرير العالم الإسلامي، ونشر الأسلوب الديمقراطي في ربوعه أولا. وثانياً تريد تغيير الأنظمة السياسية العربية- .
من هنا بدأ الحديث في أميركا، وفي ضوء تداعيات أحداث 11 من أيلول 2001 والمتمثلة بسلسلة الهجمات التي تعرضت لها مراكز القرار السياسي والاقتصادي والأمني الأميركي، يتجه نحو مطالبة الدول العربية والإسلامية بتغيير وتعديل المناهج الدراسية بحيث لا تتعارض مع -القيم والمفاهيم التي تنطوي عليها الثقافة الأميركية والغربية))!!. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل دعا المسئولون الأمير كان إلى إلغاء المدارس الدينية كونها تشكل من وجهة النظر الأميركية الرسمية ،معامل لتفريخ العناصر المعادية للحضارة الغربية.
في السابع من آب 2003 عادت كونداليزا رايس مرة أخرى لتتحدث عن المشروع الأمريكي الخاص بالتغيير في الشرق الأوسط وذلك عبر مقال لها في صحيفة واشنطن بوست بعنوان ((تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط )) جاء فيه بأن الولايات المتحدة سبق لها أن تعهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل ، بتحويل أوربا في المدى البعيد وقد التزمت بذلك مع الأوربيين بالديمقراطية والازدهار وما تمكنا من تحقيقهما اليوم يتعين على الولايات المتحدة وأصدقائنا وحلفائنا العمل من أجل تحقيق تحول في المدى البعيد في جزء آخر من العالم وهو الشرق الأوسط. وتضيف رايس الى ذلك قولها أن مهمة الولايات المتحدة الجديدة هي العمل مع قادة الشرق الأوسط الساعين للتقدم باتجاه ديمقراطية أكبر وتسامح وازدهار وحرية .
وتربط رايس بين حرب العراق الأخيرة وظهور فرص جديدة لما تسميه، فرصة خاصة للتقدم من أجل بلوغ أجنده إيجابية بالنسبة للشرق الأوسط قادرة على تعزيز الأمن في المنطقة وفي كل العالم، وتقول لقد بدأنا نشهد التزاما جديداً من أجل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين – وأضافت أن الحل يكمن في نشوء دولتين:إسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن.
وفيما يتعلق بالعراق تقول أنه بالطريقة ذاتها التي حولت ألمانيا الديمقراطية الى عنصر أساسي في أوربا يمكن لعراق متحول أن يتحول الى محور مهم في شرق أوسط مختلف.
وتعترف رايس بأن مسيرة تحول الشرق الأوسط لن تكون سهلة، وستأخذ وقتاً من جانب الولايات المتحدة وأوربا وأعادت رايس الى الأذهان المبادرة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط وقالت أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أطلق مبادرة خاصة بالشرق الأوسط تهدف الى أن نتحد في عملية بناء مستقبل أفضل عن طريق مشروعات ملموسة ، وبالإضافة الى ذلك أقترح إيجاد منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عقد من الزمن كي تشكل شعوب المنطقة دائرة أوسع للفرص ،وتختتم رايس مقالها بالقول أن الشرق الأوسط ، بالرغم من كل مشكلاته ، يمثل منطقة فيها الكثير من القوى الكامنة ، اذ أنه ملئ بأناس موهوبين بإمكانهم ، عندما يتمتعون بحرية سياسية واقتصادية أكبر ، وتعليم أفضل وأكثر حداثة ، التمتع بتقدم عصرنا من أوسع أبوابه ، والولايات المتحدة عاقدة العزم على مساعدة الشرق الأوسط عن طريق تطوير قواه الكامنة بكل طاقاتها ، وهذا ما سنفعله لأننا نريد حرية أكبر وفرصاً أفضل لشعوب المنطقة وكذلك أمناً للناس في الولايات المتحدة والعالم قاطبة .
ووفقاً لتصريحات كبار المسئولين الأمريكيين ، فأن إدارة الرئيس الأمريكي بوش دعت في حزيران 2004 الحكومات العربية وحكومات دول جنوب آسيا لتبني إصلاحات سياسية كبرى ومنها إقامة نظم للمحاسبة فيما يتصل بانتهاكات حقوق الإنسان وبالذات ما يتصل منها بحقوق المرأة وكذلك العمل على طرح بعض الإصلاحات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه سيتم توجيه الحوافز للدول التي تختار التعاون ، وستعرض الدول الغربية توسيع فرص الارتباط السياسي ، وتوسيع فرص المساعدات ، وكذلك تسهيل شروط الاشتراك في عضوية منظمة التجارة العالمية ، وتجميد بعض الإجراءات الأمنية تجاه رعايا الدول العربية والإسلامية وإمكانية توفير شكل للشراكة في صنع السلام تماماً كما حدث مع دول الكتلة الشرقية السابقة . وما يزال الرئيس الأمريكي بوش وعدد من المسئولين الأمريكيين مستمرين في الحديث عن مشروعهم .
ففي 6 تشرين الثاني 2003 ألقى الرئيس الأمريكي بوش أمام الصندوق القومي للديمقراطية كلمة قال فيها: أن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عشر سنوات كافية لإدخال شعوب المنطقة في دائرة متسلسلة من الفرص وأضاف : إن العالم يعيش عصراً من الحرية، وأن الولايات المتحدة تنوي الالتزام بتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط على نحو مماثل لموقفها في أوربا وآسيا، ووجه الرئيس الأميركي تحذيرا لسوريا وإيران. وقال أن قادة سوريا تركوا إرثا من القمع والتعذيب والبؤس والخراب. ودعا الحكومة الإيرانية إلى أن تستجيب لمطالبة الشعب الإيراني بالأخذ بمبادئ الديمقراطية، وإلا ستفقد آخر محاولات التمسك بالشرعية، وأعرب عن اعتقاده بأن مبادئ الاسلام تتوافق مع المبادئ الديمقراطية وإزاء ما يجري في بلدان الشرق الأوسط لا علاقة له بالدين الإسلامي، والأمر لا يعدو أن يكون تخلفا سياسيا واقتصاديا. وقال ((أن نقص الحرية في الكثير من دول الشرق الأوسط يؤدي الى آثار سلبية خطيرة على شعوب المنطقة، من بينها الفقر وحرمان النساء من حقوقهن الأساسية )) .
ووصف بوش سياسة الولايات المتحدة السابقة تجاه حكام سوريا وإيران وحتى مصر بأنها فاشلة وتساءل: هل الشعوب في الشرق الأوسط بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى الحرية أنا بالنسبة لي كشخص لا أعتقد ذلك)). وقال ان السياسة الأمريكية التي امتدت نحو ستين عاماً في تأييد حكومات لا تلتزم بالحرية السياسية لم تكن موفقة وأن واشنطن قد تبنت ((إستراتيجية مستقبلية جديدة للحرية في الشرق الأوسط)) .
في الوثيقة التي أعدها – مجلس السياسات الدفاعية- في وزارة الدفاع الأمريكية بإشراف ريتشارد بيرل أيلول 2002 ، مسألة لا يمكن تجاهلها وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلال العراق مصممة على صنع شرق أوسط جديد وكما جاء في هذه الوثيقة: لن يبقى من النظام الإقليمي العربي إلا الذكريات وأرشيف الملفات الخاصة التي سيتم حفظها في مكتبة الكونغرس للمطالعة !! فما الذي سيفعله العرب إزاء ذلك ؟! .
مع انطلاق وكيل وزير الخارجية الأمريكية المكلف بالشؤون السياسية ( مارك غر وسمان ) في جولة هدفها شرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والتي بدأت في أواخر شباط 2004 ، صرّح السيد أحمد ماهر وزير خارجية مصر عقب اجتماع تحضيري لقمة شرم الشيخ العربية ، قائلاً : لن ننتظر أحد كي يدلنا على الإصلاح ومضمونه … نحن نرحب بأن يتعاون معنا من يريد أن يتعاون في الإصلاحات، لكنه شّدد على أن الدول العربية، تقوم بالإصلاحات اقتناعاً بأهميتها ، واستجابة لمتطلباتها الداخلية، وانطلاقاً من ثقافتها ودينها وتراثها.
في آذار 2004) انعقد اجتماع مجلس وزارة خارجية الدول العربية حيث ناقش ورقة قدمتها كل من مصر والسعودية وسوريا، تشير على أن الإصلاح ينبغي أن يبدأ من الداخل وأن ثمة خطوات إصلاحية قد بدأت في بعض البلدان العربية لكنها متفاوتة من حيث الوسائل والغايات . ومما قاله وزير الخارجية المصري يتضح بأن إدخال إسرائيل وأفغانستان في مشروع إصلاح الشرق الأوسط ليس صحيحاً ، فلمسألة ليست تجميع متناقضات .
و عّلق السيد عمرو موسى على ما أجمع عليه وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم الأخير واتفاقهم على تحويل المبادرة المصرية السعودية السورية الى مبادرة عربية وقانون يعرض على مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد بتونس بين 29و30 آذار 2004 قائلاً : (( إن المبادرة أكدت عزم العرب على استمرار إيجاد حل لمسألتين مهمتين هما الصراع العربي الإسرائيلي وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل)).
إن مشروع الشرق الأوسط الكبير أصبح اليوم عرضة للتحليل ليس من قبل السياسيين في الشرق الأوسط وخارجه بل ومن قبل المفكرين والمحللين والاستراتيجيين ، فهذا جون الترمان الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن يعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تفرض مبادرتها الإصلاحية على أحد لكنها ترى بأن الشرق الأوسط بحاجة جديدة الى التغيير ولا بأس من أن تدعم خطة عربية للإصلاح فالجميع يرغبون في رؤية شرق أوسط يتمتع بالديمقراطية . فالرئيس اليمني علي عبد الله صالح يقول : (( لابد أن نحلق رؤوسنا قبل أن يحلقها الآخرون)).
أما الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز إبن خلدون للتنمية في مصر فيؤكد على الإصلاح والتغيير ويردد عبارة بيدنا لا بيد عمرو أي لا بد أن نبدأ بالإصلاح قبل أن يجبرنا الآخرون على القيام به . ويستنكر محمود أمين العالم المفكر المصري المعروف المبادرة الأمريكية ويرى أن، على الأمريكان أن يعملوا من أجل حل المشاكل وفي مقدمة تلك المشاكل ( القضية الفلسطينية ) و ( القضية العراقية ) ودعا الى أن يأخذ العرب زمام المبادرة في عملية الإصلاح والتغيير .
ويبدو أن الولايات المتحدة لم تعد تنتظر كثيراً فلقد بدأت مجموعة من الخطوات الإجرائية ومن ذلك أن الإدارة الأمريكية أسندت مسؤولية مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط الى ليز تشيني نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وبموجب هذه المبادرة تم تخصيص نحو 200 مليون دولار للعام 2003-2004 وذلك لعقد مجموعة من الندوات والاجتماعات وورش العمل في الولايات المتحدة والبحرين والأردن حول الإصلاحات القضائية وحقوق الإنسان والمرأة .
ولقد دعي النقاد ذوي الاتجاهات اليمينية والمحافظة الأمريكي في أعقاب إسقاط النظام العراقي، إلى تبني سياسة تغيير الأنظمة في كل من سوريا وإيران والسعودية والضغط على مصر ، فيما شكك خبراء أمريكيون في شؤون الديمقراطية بنجاح خطط بوش وقال ( توماس كاروترز) الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام في دراسة نشرها مؤخراً (( أن أنظمة الحكم في الشرق الأوسط قد تقبل بإصلاحات محدودة كوسيلة للحفاظ على قبضتها على السلطة وليس من أجل الديموقراطية )) .
وبالرغم من عدم ظهور نسخة رسمية من مشروع الشرق الأوسط الكبير،لكن جريدة الحياة ( اللندنية ) الصادرة باللغة العربية نشرت ما أطلقت عليه – نص مشروع الشرق الأوسط الكبير- ، وقالت بأن هذا النص يمكن ان يقدم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في قمة الدول الثمان الصناعية الذي سينعقد في سي آيلا ند بالولايات المتحدة في حزيران 2004 . ولقد جاء في النص ما يشير إلى أن الشرق الأوسط الكبير يمثل تحدياً وفرصة فريدة للمجتمع الدولي ، فالمنطقة تعاني من ( نواقص ثلاثة حددها الكّتاب العرب بأنفسهم في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية للسنتين 2002و 2003 )). والنواقص هي : ( الحرية ) و ( المعرفة ) و ( تمكين النساء ) والنواقص هذه تخلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الدول الصناعية الثمان وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة ، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة.
ويصف المشروع صورة الشرق الأوسط الكبير ، بوضعه الحالي حيث استند إلي تقارير التنمية البشرية للعالم العربي ، ويقول أنها مُرّوعة، وتضح القتامة بالظواهر التالية : أن مجموع إجمالي الدخل المحلي لبلدان جامعة الدول العربية أل (22) هو أقل من نظيره في إسبانيا،حوالي 40 % من العرب البالغين 65 مليون شخص ، أميون ،وتشكل النساء ثلثي هذا العدد ،سيدخل أكثر من 50 مليون من الشباب ، سوق العمل بحلول 2010 ، وسيدخلها 100 مليون بحلول 2020 ، وهناك حاجة لخلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد الى سوق العمل ، إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة ، سيبلغ مجموع العاطلين عن العمل في المنطقة 25 مليوناً بحلول 2010 .
يعيش ثلث المنطقة على أقل من دولارين في اليوم ، ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3 % الى 6% على الأقل .
في إمكان 6,1 % فقط من السكان استخدام ( الانترنيت ) ، وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى في العالم ، بما في ذلك بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى،لا تشغل النساء سوى 5,3 % فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية ، بالمقارنة ، على سبيل المثال ، مع 4,8 % في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عّبر 51 % في أفريقيا من الشبان العرب الأكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة الى بلدان أخرى وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 2002 والهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوربية .
ذكر المشروع أن تلك الإحصائيات ، تعكس حقيقة مهمة وهي أن المنطقة تقف عند مفترق طرق ، ويمكن للشرق الأوسط الكبير أن يستمر على المسار ذاته ، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين الى مستويات لائقة من العمل والتعليم ، والمحرومين من حقوقهم السياسية ، ويمثل ذلك تهديداً ليس لاستقرار المنطقة وحسب وإنما للمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الدول الصناعية الثمان .
ويطرح المشروع البديل : أن الإصلاح هو الطريق الوحيد لمعالجة المشاكل الاقتصادية والتربوية والسياسية . ويربط المشروع بين مبادرتي ( الشراكة الأوربية المتوسطية ) و( مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ) من جهة ، و ما يسميه بـ ( جهود إعادة الاعمار المتعددة الأطراف في العراق وأفغانستان ، ويقول أن ما يجري في العراق وأفغانستان يعد لمجموعة الثمانية فرصة تاريخية ينبغي أن تصوغ في قمتها شراكة بعيدة المدى مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير ، خاصة وأن هذا المشروع يحظى بدعم وتأييد نشطاء وأكاديميون ورجال أعمال وممثلي القطاع الخاص في أرجاء المنطقة .