مشروع «الشرق الأوسط الكبير» متى بدأ؟ وأين ينتهي؟
محمد عبد الحكم دياب
Aug-06
يشهد الوضع العربي والإقليمي الراهن تشرذما واحتضارا يشبه حقبة سقوط الدولة الأموية في الأندلس.. وقتها بلغ حال الملوك والأمراء هناك حدا من الوهن والانقسام استعصى على العلاج.. وتقطعت الدولة إلى أشلاء من 22 إمارة؛ متصارعة ومتحاربة فيما بينها، وتستقوي بملوك وأمراء أوروبا، وتدعوهم لهزيمة الاخوة الأعداء المتنافسين. والمشهد الآن قد لا يختلف كثيرا، حيث نرى ونتابع قادة ومسؤولين عرب يطلبون النجدة ويحرضون الدول الغربية والدولة الصهيونية على قتال الأشقاء ضد الأشقاء..
وقد رتبت تل أبيب لهذا من زمن، وقد تضمنت دراسة صدرت في 2003 عن «مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا»؛ تضمنت فصلا عن قِدَم علاقة تل أبيب بالأقليات العرقية والطائفية فى «القارة العربية»، وأشارت الدراسة إلى الأكراد والدروز والموارنة وجنوب السودان. واتسعت الدائرة الآن عما كان عليه الوضع في 2003؛ بسبب ما لحق السياسات الرسمية العربية والإقليمية من تحولات؛ غيرت العقائد السياسية للنظم والحكومات، وبدلت العقائد القتالية للجيوش، فانتصرت الخلافات المذهبية وتغلبت التباينات الطائفية على الخطر التاريخي والمصيري، حتى أضحت إيران عدوا وأصبحت الدولة الصهيونية شريكا.. ومع نمو العلاقات الرسمية العربية مع تل أبيب حازت وضعا استثنائيا ضمن معسكر «الاعتدال السني» في مواجهة «التطرف الشيعي».
وعلى من يتعرض لـ»مشروع الشرق الأوسط الكبير» أو الجديد؛ أن يلفت النظر إلى أنه مشروع متحرك؛ غير ثابت.. تتعدد صياغاته السياسية والجغرافية.. وتتباين أفكاره ورؤاه الاقتصادية والثقافية.. وفقا لاختلاف مصالح الدول والقوى التي تقف وراءه وتعمل على إنجازه.. بداية من الولايات المتحدة الأمريكية، ومرورا بأوروبا وكندا واستراليا ونيوزيلندا حتى الدولة الصهيونية.. وما زال مشروعا ممتدا ومفتوحا؛ يسعى لجذب أطراف أخرى إلى الأطراف العربية القابلة به؛ ومنها تركيا وإيران ودول آسيا الوسطى، وقد يضيق ويقتصر على عدد أقل؛ حسب المستجدات وتطورات الأحداث.
وعرض فكرة المشروع وتطوراته يتيح فرصة تحديد مداه وحدوده.. وانطلقت فكرته من قلب العالم القديم؛ بموقعه المتميز والاستراتيجي، وثرائه الحضاري والثقافي، الذي لم يفقد قيمته بعد.. وما زال محط اهتمام بالغ من الدنيا كلها، وفيه بزغ فجر الحضارات الإنسانية، التي نشأت على أرضه وتنوعت؛ وملكت مفاتيح الحكمة والمعرفة والعلوم والعراقة، وتراجعت أحوالها مع الكشوف الجغرافية وبدء الحقبة الاستعمارية؛ وهي حقبة مستمرة بصيغ متعددة وصور متنوعة حتى وقتنا الحالي. وضم ”الشرق الأدنى القديم: مصر ووادي النيل. وبلاد الرافدين (العراق)، والشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، وجزيرة العرب، وبلاد فارس (إيران)، والأناضول (تركيا)، وهذا ما كان قائما من الألفية الرابعة قبل الميلاد حتى فتوحات الاسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد.
وكان لـ»الجمعية الجغرافية البريطانية» (ناشيونال جيوغرافيك سوسيتي) رأي آخر؛ لم تفرق بين الشرق الأدني والشرق الأوسط، الذي يضم قبرص ومصر والعراق وإيران وفلسطين وسوريا وتركيا، وامتد ليشمل الشمال الافريقي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا).
أما »الشرق الأوسط الكبير» مفهوم ومصطلح سياسي جديد؛ أعلن عن نفسه في الفترة الثانية لحكم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ويجمع بلادا عربية وإسلامية؛ إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان، وعدد من دول جنوب القوقاز، ودول آسيا الوسطى، ويعرف أحيانا بـ»الشرق الأوسط الجديد». وبالبحث في عدة مصادر تبين أن التسمية ليست جديدة.. وأول من أطلقها زبنيو برجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق؛ في ثمانينات القرن الماضي؛ في إطار بحثه عن رافعة لإقليم البلقان اليورو أسيوي، والمحدد بدول القوقاز (جورجيا وأرمينيا وأزريبيجان)، مع آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزباكستان وكيرغستان وتركمانستان وأفغانستان وطاجيكستان)، إضافة لتركيا وإيران.
وبعدها قدمت الإدارة الأمريكية مشروعا حمل اسم «الشرق الأوسط الكبير» إلى مجموعة الدول الصناعية الثماني؛ عملت على بلورة موقف موحد منه في اجتماع عقد خصيصا بالولايات المتحدة عام 2004؛ وتناول ذلك الاجتماع ما عُرف بـ»النواقص الثلاثة» الواردة في تقريري التنمية البشرية العربية الصادرين عن الأمم المتحدة عن عامي 2002 و2003، وكانت هي: 1) نقص الحرية.. 2) نقص المعارف.. 3) عدم تمكين المرأة.. وقد اعتبرها تهديدا لمصالح الدول الصناعية الثماني، حيث رأى أن تزايد أعداد المحرومين من الحقوق السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط يزيد من معدلات التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير الشرعية. ووصفت الإحصائيات الواردة بالتقريرين وضع «الشرق الاوسط الكبير» بـ»المروع»؛ لأسباب عديدة منها:
– انخفاض اجمالي الدخل الوطني لدول جامعة الدول العربية الـ22 مجتمعة عن دخل بلد أوربي واحد مثل أسبانيا.
– ارتفاع معدل الأمية، فحوالي 40 في المئة من البالغين العرب أميون، وقدرت أعدادهم في ذلك الوقت بـ65 مليون نسمة، ومثَّل النساء ثلثي هذا الرقم.
– زيادة أعداد الشباب المتوقع دخولهم سوق العمل، وقُدِّر بأكثر من 50 مليونا في 2010؛ ومن المنتظر وصوله إلى 100 مليون في 2020.
– زيادة الحاجة إلى6 ملايين وظيفة جديدة أو أكثر في السنة لامتصاص ذلك الكم من الأعداد الجديدة.
هذا بالإضافة لتفاقم البطالة.. وتدني مستوى المعيشة؛ في ذلك الوقت الذى كان فيه ثلث سكان الوطن العربي يعيشون على اقل من دولارين في اليوم.
وكان تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 قد كشف عن أن 51 في المئة من الشباب العربي يرغبون في الهجرة.. ورأى أن في ذلك تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة ويحول دون استقرار مجموعة الثماني الصناعية الكبرى.
ونظر الاجتماع إلى التقريرين كنداءات مُقنعة ومُلحة للتحرك نحو «الشرق الاوسط الكبير». وإذا استُبدِلت كلمة نداءات بـ»طلبات تدخل»، لامكننا تفسير كل ما جرى ويجري في المنطقة من تدخلات وحروب أهلية وبيْنِيَّة. هذا إلى جانب ما ورد فيهما عن نداءات يرددها النشطاء والاكاديميون والقطاع الخاص في ارجاء المنطقة، والإشارة إلى استجابة زعماء من الشرق الأوسط الكبير بالفعل لهذه «النداءات، واتخذوا خطوات في اتجاه الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي». ونال ذلك تأييد المجتمعين، وتقدموا بمبادرة خاصة بـ»اصلاح» منطقة الشرق الاوسط؛ عن طريق «الشراكة اليورو متوسطية»، و»الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الاوسط»، و»اعادة الاعمار المتعددة الاطراف في افغانستان والعراق»، وتبين مدى التزام المجموعة بـ»الاصلاح» في المنطقة، ومعنى الإصلاح هنا هو تنفيذ ذلك المشروع بعيدا عن مشاركة أو مصلحة دولها!!.
لذا فإن وحدة الإرادة السياسية واستعادة القدرة على المبادرة يمكن المنطقة من امتلاك خطة مقابلة، وحشد طاقتها السياسية والاقتصادية وراء المشروع البديل.. خاصة أن ذلك الاجتماع لم يُشر من قريب أو من بعيد إلى التجاوزات والجرائم المقترفة، وما نتج عنها من كوارث وضحايا ودمار.. ومن المعروف أنه انعقد بعد أقل من ثلاث سنوات من أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وأكثر من سنتين من بداية الحرب على أفغانستان (من 2001 إلى 2014)، وبعد سنة من غزو العراق.. والتغطية على كل ذلك بالحديث عن تغيرات ديموغرافية (سكانية), وتحرير افغانستان والعراق من نظامين قمعيين ونشوء نبضات ديمقراطية في ارجاء المنطقة بمجموعها تتيح لمجموعة الثماني فرصة تاريخية.
وتوصل اجتماع قمة سي آيلاند إلى صياغة شراكة بعيدة المدى مع قادة الاصلاح في الشرق الاوسط الكبير وإلى إطلاق رد منسق لتشجيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. ويمكن لها الاتفاق على اولويات مشتركة تعالج النواقص التي حددها تقريرا الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية؛ وتتلخص في تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.. وبناء مجتمع المعرفة.. وتوسيع الفرص الاقتصادية.. فهل تم من ذلك شيء؟!.
٭ كاتب من مصر