التغير الاجتماعي وأثره على سلوك الشباب في المجتمع العربي
د٠ السعيد بن يمينة جامعة المسيلة
البطالة:
تعتبر بطالة الشباب في العالم العربي اعلي معدلات البطالة في العالم وقد أشار تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية
بعنوان " اتجاهات التشغيل في العالم 2003 إلي تفوق معدل البطالة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تبلغ نسبة
البطالة بين الشباب 25.6 % وتعاني النساء من بطالة أكثر من الذكور حيث يبلغ معدل بطالة الاناث31.7 %
وتعتبر لبنان هي الدولة الأعلي في معدل البطالة والتي تبلغ 30 % يليها الأردن 24 % ثم البحرين 24 % في حين
تعتبر الكويت هي النسبة الأقل 6.2 %
وقد أشار التقرير إلى أن السمات المشتركة المميزة لبطالة الشباب تلخص في:
* بطالة الشباب اكبر من بطالة البالغين
* الإناث أكثر تعرضا للبطالة
* الشباب أكثر عرضة لظاهرة نقص التشغيل
* بطالة الشباب هي بطالة الداخلين لأول مرة الى سوق العمل بالدرجة الأساسية وغالبا ما يكون تشغيلهم ضمن أجور
متدنية ، كما أن الشباب والإناث منهم علي وجه التحديد يعتبرون من أكثر الفئات الاجتماعية تعرضا لمخاطر التهميش
الاجتماعي وقد أكد الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية للألفية علي وجوب " تخفيض الفجوة وتمكين المرأة " .
وجدير بالذكر أن بطالة الشباب أيضا لا تعني مجموع الشباب بل تبقي وفقا للتقسيم الأول حول الشباب وهم أولئك
الشباب الذين حرموا من عناصر التمكين الملائمة للمرحلة الراهنة بما يعني القدرة علي التعامل مع التكنولوجيا الحديثة
والتأقلم معها وامتلاك لغة أجنبية أو أكثر وهو ما يعزز التهميش الاجتماعي والاقتصادي ويدفع بهم نحو مخاطر مريعة
مثل المخدرات أو الجريمة أو الهجرة .
المخدرات:
ويشير مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لمكافحة الجريمة والمخدرات لمنطقة الشرق الأوسط إلى أن هناك ما يقرب من
نصف مليون شاب عربي ينطبق عليهم صفة " مدمن " .
لقد استخدمت الآليات الاتصالية للعولمة في رفع كفاءة تهريب المخدرات ، وبخاصة إلى الدول النامية والدول العربية
تحديدا – والتي تجاور مناطق معروفة عالمياً بإنتاج المخدرات مثل"أفغانستان" أو منافذ عبور منظمة مثل " إسرائيل "
كما أن العديد من الأنظمة العربية تعتبر مكافحة المخدرات والجريمة ذات أولوية ثانية ، حيث أن الأولوية الأولى
لصالح مكافحة الإرهاب ـ استجابة لتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الساحة العربية تقدم للشباب البطالة والفقر والإحباط واليأس والفراغ النفسي والوطني فضلا عن وسائل إعلامية
فقيرة ومنخفضة المصداقية ، أي أنها تقدم البيئة النموذجية لنمو ظاهرة إدمان المخدرات .
وقد أفاد تقرير عن مصر ء صادر من نفس المكتب لعام 2001 ء بأن " متوسط أعمار المدمنين بلغت 26 عاماً بينما
متوسط عمر مستخدمي المخدرات للمرة الاولي كان 16 سنة " ، وفي دراسة عن عام 1996 نفذها المركز القومي …
شملت 3 محافظات استهدفت 0.2 % من السكان وأشارت الى أن 20 % من العينة جربت المخدرات مرة واحدة في
حياتها ، 14 % تعاطوا المخدرات يوميا ، 28 % أسبوعيا ، 38 % شهريا لتكون نسبة من تعاطوا أو جربوا المخدرات
1 : 15 ، شكلت الفتيات نسبة 3 % من العينة بينما أشارت دراسة شبيهة صادرة من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة
الجريمة والمخدرات طبقت في الأردن عام 2002 الي أن تعاطي العقاقير المهدئة منتشرة بين طلبة المدارس العليا
والجامعات بنسبة 14.8 % بين الشباب من الذكور ، 10.6 للإناث يليه الكحول الذي يتعاطاه 22.5 % من الشباب في
مقابل 3 % من الشابات .
الهجرة :
حسب تقرير التنمية الإنسانية العربي 2002 فإن 51 % من الشباب العربي ، 54 % من المراهقين الأصغر سنا
عبروا عن رغبتهم في الهجرة . ضيقا من الأوضاع السائدة بالنسبة لفرص التعليم والعمل وحيث يعانون قلقاً نحو
المستقبل ، وهجرة الشباب العربي تنقسم الي :
هجرة من الريف الي الحضر
يشكل الريف في الوطن العربي النسبة الأضخم من المساحة والسكان معاً ، ويعاني هذا الريف إجمالا من تدنى مستوى
الخدمات المتعارف عليها ، ومن قصور وتخلف معظم مؤسساته التعليمية والتنموية ، الأمر الذي يغذي رغبة الشباب
الريفي في الهجرة نحو مجتمع أكثر انفتاحا واقل قيودا حيث يمكن الاستمتاع بالكثير من المستجدات الحضرية
لا تؤدي الهجرة الي خلل ديموجرافي فحسب ، بل أيضا الي خلل قيمي انعكس في اتساع هوة الغربة داخل الشباب
هجرة من الداخل الي الخارج :
تجتذب الدول الغربية الشباب العربي الواعد ،بطرق وأساليب متعددة حيث يتاح لهم فرص دراسية وبحثية أفضل، ومناخ
علمي ومهني أكثر استقرارا ويندر أن توجد كفاءة شابة عربية، خاصة العلمية منها لا يراودها حلم التحقق في بيئة
مواتية،
وهكذا تخرج الكفاأت العربية الشابة والقادرة علي تشكيل المستقبل هاربة أما من مناخ إداري خانق أو فاسد أو من فقر
علمي وبحثي أو من فقر اقتصادي .
إن لهجرة العقول العربية دوافع كثيرة متداخلة يصعب معها الجزم بحتمية تأثير احدها دون الآخر . ونظريا تقع هذه
الدوافع ضمن وجود قوي إما دافعة لهذا الشباب الي خارج الوطن العربي أو جاذبة تستقبل هذه العقول .
إن تحليل دفع الشباب الي خارج الوطن العربي لا يتم إلا بتحليل قطاع عريض من الواقع العربي تنشط بداخله مسارات
النظم السياسية والتقدم المهني وأنظمة البحث العلمي .
من ناحية أخرى ،تشيع في الوطن العربي حالات من التحولات السياسية والحروب الأهلية والرقابة الرسمية علي
الفكر ،ومحاولات لصهر المفكرين في أجهزة المؤسسات الحكومية، وهي عوامل دفع قوية للشباب العربي لدرجة، تجعل
منه، لاجئا أكثر منه عقلا مهاجرا ،هذا في ظل عجزه عن مواجهة التحديات الكبرى التي تحدق بالأمة العربية بسبب هذه
العوامل وغيرها.
أما في مجال أنظمة البحث العلمي والسياسات التقنية فيدفع بالشباب العربي الي الخارج، بطء التطور في التعليم
الجامعي الرفيع المستوي. بسبب عدم توفير الاقتصاد العربي سوقا للبحث والتطوير ذلك في ظل الخلل الأكاديمي
الواضح في الجامعات العربية وعجز المجتمع العربي عن استيعاب الطاقات الإبداعية
إن اثر هذه العوامل في دفع الشباب العربي الي خارج الوطن العربي يختلف من قطر عربي الي آخر .
ويبقي بعد ذلك أن عوامل الطرد الاقتصادية وتلك المتعلقة بالأوضاع الأكاديمية والأبحاث التقنية هي التي تسهم بصورة
كبيرة في تشكيل قوي دفع الأدمغة الي خارج الوطن العربي . كما أن الخلل الأكاديمي يؤيد وجوده وجود شبكات
ومجموعات للعلماء العرب في المهجر يسعون لاستقطاب طلاب الدكتوراه والدراسات العليا في العلوم الاجتماعية
والتطبيقية . ويمكن القول أيضا أن الحضور الفاعل للمفكرين والباحثين والكتاب والعلماء العرب في أوروبا والولايات
المتحدة يشكل جزأ مهما في فهم طبيعة دوافع الهجرة وفيه دلالة علي أن المجتمع العربي لا يزال قاصرا عن استيعاب
هذه الطاقات والاستفادة من معارفها وخبراتها في تحقيق تقدمه .
ويتضح من التحليل في دوافع ظاهرة هجرة الشباب العربي، إنها نتيجة حتمية لوجود عوامل طرد ممثلة بصفة رئيسية
في الخلل الأكاديمي بالجامعات العربية وعدم ثقة الشباب العربي في المؤسسات الثقافية الرسمية وعجز المجتمع
العربي عن استيعاب الطاقات الإبداعية .
الشباب و صراع القيم والمرجعيات الثقافية:
إذا كانت القيم الاجتماعية تعريفاً هي "تلك المعتقدات التي نتمسك بها بالنسبة لنوعية السلوك المفضّل ومعنى الوجود
وغايته" (4) فإن القيم بهذا المعنى تشكل مصدراً للمعايير والمقاييس والأهداف وأشكال التصرف المفضلة. وهي متنوعة
بسبب تعدد مصادرها وتوجهاتها وغاياتها، ولهذا ليس غريباً أن تتكامل في بعض الحالات وتتناقض في حالات مغايرة.
ومن المسلّم به، أنه لا يوجد مجتمع يريد لأبنائه مستقبلاً مبهماً وغير آمن، وحيث أن الشباب عبارة عن طموح وآمال
وأحلام فإن المشكلة تبدأ حينما تنعدم لديهم إمكانية تحقيق الطموحات والآمال، فظروف المجتمع المادية والاجتماعية
والسياسية هي البيئة التي قد تساعد الشباب على تلبية حاجاتهم المادية والنفسية وتمكّنهم – ذكوراً وإناثاً – من أخذ
دورهم والمشاركة في الحياة العامة، إذا كانت ظروفاً مناسبة، وهي نفسها التي تحول دون تحقيق غاياتهم وإشباع
حاجاتهم وطموحاتهم إن كانت ظروفاً مأزومة وغير مناسبة.
وبشكل عام يمكن إرجاع القيم السابقة على تنوعها واختلافها إلى خمسة مصادر أساسية مستمدة من أنماط العيش، (
البداوةء الزراعة – التمدن) ومن العائلة بأشكالها الممتدة ، وكذلك من الدين الإسلامي أساساً وبقية الأديان الموجودة
في المنطقة، إضافة إلى المدرسة والجامعة ، أي البيئة التعليمية بمعارفها وعلاقاتها، وأخيراً الحضارة المعاصرة وقيمها
التي تسعى لأن تكون كونية وشاملة عبر آليات العولمة الثقافية والإعلامية كما ومن خلال الأدوات الاقتصادية
والتكنولوجيا.
يؤكد كل من كلينارد وآبوت (Cلينارد&إبوتت) أن الشباب في الدول النامية من أكثر الفئات العمرية الراغبة في تحقيق
أهدافها وطموحاتها. وأحياناً تتجاوز إمكانياتهم وقدراتهم تحقيق مثل هذه الطموحات والأهداف، الأمر الذي يدفعهم
لمعايشة العديد من المشكلات والاتجاه نحو الطرق غير المشروعة. ومن ثم يقعون في الأخطاء ويرتكبون الجرائم
مخترقين قيم المجتمع ومعاييره وضوابطه(5). وغالباً ما تستغرق المسائل المالية جزأً كبيراً من اهتمام الشباب. وقد
يتمحور هذا الاهتمام حول مسألة الحصول على المال، ولو بطرق غير مشروعة. إذ يمثل نقص الأموال مشكلة رئيسية
لأغلب الشباب نتيجة للبطالة، أو العمل المتقطع أو الدخل المنخفض الذي لا يحقق للشاب متطلبات حياته. ومع التأرجح
المستمر بين الأمان والقلق فقد يلجأ الشباب إلى ارتكاب العديد من أنماط الإجرام والانخراط داخل نطاق العديد من
المشكلات الاجتماعية.
ونظراً لسرعة التحولات المحلية والعالمية، فإن الشباب في المنطقة العربية يعيشون مرحلة انتقالية لم تحسم خياراتها
بشكل نهائي بعد. وباعتبارهم من أكثر الفئات الاجتماعية انفتاحاً على الثقافات الأخرى، وأشدها تطلعاً وطموحاً، فإنهم
أكثر ميلاً إلى قيم التجدد والتغيير وأكثر تمرداً على ما يحيط بهم من قيم ومعايير وخيارات اجتماعية وسياسية وحياتية.
ء اهتمامات الشباب العربي:
نختار كمدخل علمي للتعرف على مشكلات الشباب العربي عموماً وشباب الجزائر بشكل خاص مدى التوافق أو
التعارض بين ما يتوقعه المجتمع من الشباب وبين ما يريده الشباب لأنفسهم. ولعل خير وسيلة لمعرفة مشكلات الشباب
هي الاستماع لآرائهم وإعطائهم الفرص للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم سواء تم ذلك عبر استخدام الدراسات الاجتماعية
واستطلاعات الرأي أو عبر المقابلات المباشرة والحوار.
ضمن هذا الإطار تضمن "تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002" استطلاعاً لقياس اهتمامات الشباب أجري تحت رعاية
مكاتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البلدان العربية. وكان الاستطلاع يهدف إلى معرفة آراء عدد محدد من الشباب
العربي حول أكثر القضايا أهمية في كل دولة عضو في الجامعة العربية. غير أن الأجوبة التي تضمنها التقرير تعود إلى
شباب ستة بلدان عربية (مصر ، الأردن، لبنان، ليبيا، الإمارات، السعودية).
تشير إجابات عينة المجموعة الشابة إلى أنهم يرون أن أكثر القضايا أهمية من بين المواضيع التي نظر فيها التقرير
هي: أولاً: فرص العمل بنسبة 45% من الإجابات، يليها التعليم بنسبة 23% فالبيئة بنسبة 12%، ثم توزيع الدخل
والثروة بنسبة 8%، فالمشاركة السياسية بنسبة 5%، فالرعاية الصحية بنسبة 4% وأخيراً الفقر بنسبة 4% أيضاً. وقد
أظهرت الشابات اهتماماً بالتعليم والمشاركة السياسية والرعاية الصحية أكبر من الاهتمام الذي أظهره الشباب. ولعل
أكثر ما يلفت النظر في نتائج الاستطلاع أن نسبة 51% من الشباب قد عبروا عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى،
مبينين بوضوح عدم رضاهم عن واقع الحال وفرص المستقبل في بلدانهم(6).
في دراسة ميدانية أجراها المجلس الأعلى للشباب والرياضة في مصر على عينة مؤلفة من 3200 شاب للتعرف على
اهتماماتهم، تبين أن النشاطات الطلابية تأتي في مقدمة اهتمامات الشباب بنسبة 84%، يليها الاهتمام بالسياسة بنسبة
82%، بينما حاز الكمبيوتر وشبكة الانترنيت على اهتمام 90% من الشباب، وقد جاء الاهتمام بالأدب في آخر قائمة
الأفضليات عند الشباب المصري. وختمت الدراسة بنتيجة مثيرة تقول "الرياضة في مقدمة اهتمامات الشباب المصري
والقراءة في آخرها".
بينما بينت الدراسة أعدها "مركز الأردن الجديد" للتعرف على بعض آراء الشباب الأردني حول بعض القضايا من خلال
استمارة اعتمدت اقتراحات شبابية، أن نحو 34% من الذين شملتهم العينة يرون أن البطالة هي أهم مشكلة تواجه
الشباب الأردنيين في حين رأى نحو 10% أن التمييز ضد المرأة هي المشكلة الأهم، وقال 8% من الشباب أن استثمار
وقت الفراغ هو مشكلتهم الأساسية، وأخيراً رأى 8% أن تضخم مشكلة إدمان المخدرات تشكل استحقاقاً بدأ الأردن
بمواجهته (7).
وخلصت الدراسة إلى أن مشكلات الشباب الأردني تتصل بالعديد من المجالات والمستويات أهمها:
1ء الأسرة : تدخل الأسرة في شؤون الشباب،وصعوبة التفاهم بين الأجيال، والتمييز بين البنين والبنات، وعدم
مشاركة الشباب في اتخاذ القرارات داخل الأسرة، وأخيراً ضعف دور الأسرة في تنشئة الشباب.
2ء المشاركة في المجال العام:ويأتي في هذا الإطار عدم توفر المراكز الشبابية والطالبية، وقلة وعي الشباب بأهمية
المشاركة في الحياة العامة، واهتمام الشباب بمشكلاتهم الحياتية الذي يقلل من مشاركتهم في المجال العام، والقوانين
التي تعيق مشاركة الشباب، وقلة الحرية المتاحة أمام الشباب للمشاركة، إلى جانب ضعف المنظمات غير الحكومية
وعدم الاهتمام برأي الشباب فيما يتصل بالقضايا العامة.
3ء العمل: شيوع الصورة السلبية عن بعض المهن والأعمال، وتدني الأجور ، والبطالة، واعتماد الوساطة بدلاً من
الكفاءة في التوظيف، والظروف الصعبة لموظفي القطاع الخاص، وصعوبة الهجرة للعمل، وندرة التدريب والتأهيل،
وقلة الصناديق التي تدعم مشاريع الشباب، وعدم تشجيع واعتماد الكفاأت الشابة.
4ء الثقافة والهوية الثقافية: وقد جرى التأكيد على عدم المساواة، وعدم وضوح سقف الحريات، واحترام الرأي
والرأي الآخر، والتعصب والعشائرية وضعف التوعية والتنشئة الديمقراطية. إضافة إلى انتشار التقليد الأعمى للغرب،
وسلبية بعض العادات والتقاليد، والابتعاد عن المبادئ الأخلاقية والدينية وأخيراً التأثير السلبي لعدم المساواة الاجتماعية
على الوحدة الوطنية.
وقد صنفت دراسة أخرى مشكلات الشباب العربي عموماً والسوري بصفة خاصة إلى أربعة أنواع:
1ء مشكلات نفسية: كالشعور بالضياع والغربة والإحباط بسبب التفاعلات السياسية المتباينة وضغط الأسرة.
2ء مشكلات اقتصادية: وهي المتعلقة بالعمل والسكن وضمان المستقبل، أو بالبطالة والعوز والحرمان من آمال الغد.
3ء مشكلات أخلاقية – اجتماعية: ناجمة عن التناقض القيمي بين جيل الشباب وجيل الآباء، كذلك ناجمة عن
التطرف الديني وعن عدم استغلال أوقات الفراغ، وقلة أشكال الترويح وصولاً إلى مشكلات الانحراف والجنوح وتعاطي
الكحول والمخدرات .
4ء مشكلات سياسية: وتتعلق ببعض النظم القائمة والحريات المهدورة ثم بالتجزئة الإقليمية(
.
فما هي القواسم المشتركة بين الدراسات السابقة، وإلى أي حد يمكننا التعرف من خلالها على أهم مشكلات الشباب
واهتماماتهم؟.
تشير المعطيات المتوفرة إلى توافق معظم البحوث الاجتماعية والدراسات التنموية حول أهم المشكلات التي تواجه
الشباب وهي: البطالة والفقر، التهميش والتمييز وقلة فرص المشاركة، ثم التطرف ومشكلات الهوية الثقافية، وأخيراً
صراع الأجيال.
ء غياب الحوار: تهميش الشباب والتمييز ضد النساء:
يمكن التعرف على موقع الشباب داخل مجتمع ما، أو درجة تهميشهم من خلال مقاييس مشاركتهم في مستوى الأسرة
والمؤسسات التعليمية (المدرسةألجامعة) والمؤسسات الحكومية وفي المنظمات الأهلية والمجتمع المدني.
فقد شهدت الأسرة العربية تغيرات ملموسة في العلاقة بين أعضائها وخاصة دورها في التنشئة الاجتماعية. وذلك بفعل
عوامل اقتصادية وتطلّعات استهلاكية، وسرعان ما أدت هذه التغيرات – من منظور قيم الشباب ومشاركتهمء إلى
نشوء تناقض بين قيم الأهل وسعيهم إلى تربية أبنائهم بالطريقة التي يعتقدون أنها الأمثل وبين ما يتلقاه الشباب من
محيطهم وزملائهم ووسائل الإعلام المحلية والعالمية. مع ما رافق ذلك من انحسار زمن التفاعل بين الشباب وأعضاء
الأسرة الآخرين. هذا إلى جانب الطابع البطريركي للأسرة العربية والتي تتميز – مع بعض الاستثناأت – بغلبة
الأوامر والنواهي المترافقة مع قائمة طويلة من الممنوعات والمحرمات التي لا يجوز مناقشتها، وما ينجم عنها من
ازدواجية وأقنعة تجعل من شخصية الشاب أشبه ما يكون بسفينة وصفها يوسف إدريس بقوله: يحيا العربي "كالسفينة
جزء منه فوق الماء ظاهر للعيان، وجزء تحت الماء لا يراه أحد".
وإذا أضفنا لما سبق ما تفرضه الجماعة على الفرد وما تطلبه منه من قيم الطاعة والامتثال، فهمنا أسباب اتساع الفجوة
بين العام والخاص في حياة الشباب بين الظاهر والخفي. وبقدر ما تجري محاولات لسحق شخصية الفرد وإلغاء
خصوصيته، تنشأ بالمقابل حاجة نفسية ملحة لتأكيد الذات ويتم التمحور حول الأنا بشكل مفرط وهو ما ندعوه الأنانية.
إن شكوى الشباب المتكرر من صعوبة التفاهم مع الأهل وتغييبهم من دائرة اتخاذ القرارات التي تتعلق بحياتهم، تشكل
ظاهرة يمكن تعميمها على العلاقات السائدة في المدرسة والعمل والحياة العامة. وتشكل أحوال الشابات معاناة من نوع
خاص حيث يزداد ضغط العادات والتقاليد ويتعرضن إلى التمييز في التعامل وأمام القانون في العديد من القضايا
المتصلة بالأحوال الشخصية والحقوق والواجبات. وهذا ما يفسّر ءجزئياًء قلة مشاركتهن في الحياة العامة سواء في
مجالات السياسة والاقتصاد أو من حيث تمثيلهن النسبي في مواقع المسؤولية والقرار. ومن هنا تكتسب توجهات إدماج
النساء في الأنشطة التنموية وتمكينهن من الحصول على فرصهن في التعليم والعمل بعيداً عن التمييز على أساس الجنس
أهمية إضافية واستحقاقاً لابّد من مواجهته، مع ملاحظة أن دور المرأة ومكانتها في بعض الدول العربية أفضل من
مثيلاتها في دول عربية أخرى وعلى الصعيدين الاجتماعي والقانوني معاً.
ء التعصب والتطرف: مشكلات الهوية والانتماء
يعتبر التعصب والتطرف من أكبر المخاطر التي تواجه الشباب العربي. فالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة
وانتشار الفقر والجهل في المناطق الريفية وفي أحزمة البؤس حول المدن الكبرى؛ شكّلت مجتمعة بيئة مناسبة لانتشار
السخط والاحتجاج بين الفئات الشابة المنبوذة والمهمشة والتي تعاني من الإقصاء وقلة الاستفادة من الثمار المادية
للسياسات التنموية. وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الخطابات التبشيرية التي تقدمها بعض التيارات الإسلامية المتشددة
ووعودها الخلاصية لهؤلاء، إذا ما التزموا تعاليمها وتبنوا مرجعياتها، فإننا يمكن أن نفهم لماذا شكّلت هذه الفئات الرافد
الأساسي لهذه الحركات وعلى مدى عقود عديدة.
ومن جانب آخر يشكّل التيار التقليدي في الثقافة العربية، بفهمه السلفي للدين وتقديسه للتراث ورموزه، وتعلّقه بالماضي
بشكل تعويضي، رافداً مهماً لانتشار التطرف والتعصب والذي جاء في غالبيته كرد فعل على الممارسات والسياسات
الغربية تجاه قضايا المنطقة العربية، وتحيّز غالبية هذه السياسات لصالح (إسرائيل ) على حساب حق العرب
والفلسطينيين في تحرير أرضهم وتقرير مصيرهم.
وبالاحتكام إلى القوانين التي تحكم آليات وردود فعل الذات الجماعية المهددة على الأصعدة النفسية والثقافية والوجودية
، فإن هذه الاستجابات والردود سرعان ما تنقسم إلى نوعين متناقضين رغم ما بينهما من قواسم مشتركة، نوع يفضي
إلى الوقوع في لجة اليأس والقنوط والعدمية ويؤدي في أحسن الحالات إلى البحث عن الخلاص الفردي، ونوع آخر
يستشعر أصحابه فداحة الهزيمة وتدفعهم مشاعر القهر والغضب إلى الانتقام والسعي لإثبات الجدارة. يأخذ النوع الأول
منحى اليأس والقنوط بل والتنكر لكل القيم والشعارات التي أودت بأصحابها إلى حالة من الإفلاس التاريخي والخواء في
مواجهة استحقاقات الحاضر، بما يحمله من فداحة وخبرات وخيبات يبدو أن الذهنية التبشيرية، ومن خلال عدم قدرتها
على التقاط الفوارق والتمايزات الواضحة والفجة بين عالم المثل والنظريات وعالم الحياة الواقعي ، لم تصل إلى
استخلاص ما يعتبر تحصيل حاصل على مستوى المعرفة النقدية، وهو أن الخلل الفادح في التطبيق يكشف ويعري خللاً
أفدح في المنظومة النظرية .
ء صراع الأجيال:
تشعر أعداد متزايدة من الشباب بوجود فاصل زمني ومساحة من التفكير المختلف بينها وبين الجيل أو الأجيال التي
تسبقها. وتؤدي الاختلافات في طرق التفكير والسلوك إلى احتفاظ كل طرف بنظرة مسبقة عن الطرف الآخر غالباً ما
تكون نمطية وتحتوي على العديد من الأحكام الجاهزة والبداهات غير القابلة للنقاش والتغيير. فبينما ينظر الشباب إلى
الأجيال الأكبر من أهل ومربين ومسؤولين ومثقفين على أنهم أكثر محافظة وجموداً وتمسكاً بالأعراف والضوابط
الاجتماعية، ويأخذون عليهم تسلطهم في التعامل مع الأجيال الجديدة عبر التعليمات التي تتصف بغلبة الأوامر
والنواهي، وانعدام قيم التفاهم والحوار وممارسة الوصاية على الشباب والتدخل في اختياراتهم الشخصية على مستوى
المهنة أو الزواج أو التعليم، وربما حتى في اللباس والمظهر…الخ، لا يرى الكبار في الشباب إلا الحماس والاندفاع وقلة
الخبرة ويتهمونهم بعدم تحمل المسؤولية واللامبالاة والطيش. وعوضاً عن سعي الطرفين إلى تجاوز الأحكام والنظرة
المسبقة عبر آليات النقاش والتفاهم الهادفة إلى تقريب وجهات النظر، والاتفاق على خطوط وأطر عامة مع الحرص
على ترك المسائل الخلافية للاختيارات الحرة لكلا الطرفين، والاحتكام إلى الوقائع قبل إصدار أحكام نهائية، يتمسك كل
طرف باعتباراته وآرائه ويتعمق الشعور بالاغتراب عند الشباب خصوصاً مع ازدياد عوامل التهميش الأخرى الاقتصادية
والسياسية والثقافية، وتطغى سلوكيات ردود الفعل ومحاولات إثبات الذات وانتزاع الاعتراف، على السلوكيات المبنية
على القناعة وتحمل مسؤوليات الاختيار وتصحيح الأخطاء وذلك بسبب ضعف الحس النقدي وانقطاع قنوات الحوار.
ولا يقتصر تهميش الشباب على مجرد إحساسهم بأنهم مهملون ومتروكين لشأنهم، إذ أن المؤشرات التي تدلل على
انخفاض فرصهم بالمقارنة مع فرص الجيل الأكبر، واضحة من خلال تفحص ما نسميه العلوم الاجتماعية بفرض الحراك
الجيلي "Gينيراتيون Mوبيليتي" على الصعد السياسية والمهنية.(9) فمن الناحية المهنية يلاحظ وجود قيم تربط الحراك
الإداري والمهني بمعايير تتصل بالأقدمية والعلاقات الشخصية، أكثر من ارتباطها بالكفاءة والإنجاز الفردي، لهذا من
النادر أن نجد الفئات الشباب في مواقع القرار رغم أن تحصيلهم العلمي قد يكون أعلى من تحصيل رؤسائهم في العمل.
وهذا ما يخلق الشعور بالغبن ويحرم المجتمع من طاقات جديدة وقادرة على العطاء. وهذا ما ينطبق على الصعيد
السياسي أيضاً سواء داخل الأحزاب والمشاركة على الصعيد الحكومي أو داخل هيئات المجتمع المدني كالنقابات
والجمعيات والتي تشترك في غالبيتها في حصر إدارتها وقياداتها بكبار السن لدرجة أن بعضهم لم يبارح كرسيه منذ
جلوسه عليه قبل عشرات السنين!.
والسؤال الذي يصعب تأجيله في هذا المجال: أيهما أفضل للطرفين وللمجتمع ككل، ترك مظاهر الصراع ونتائجه السلبية
دون حلول، أم التفكير في طرق وأساليب للتخفيف من حدة الصراع بين الأجيال من خلال الاعتراف بالمواقف والآراء
الإيجابية عند كلا الطرفين وتنشيط آليات الحوار على قاعدة الاعتراف المتبادل بحق الاختلاف للوصول إلى حلول
مشتركة في المسائل الخلافية؟.
مشاكل متنوعة:
ولقد كانت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في جامعة الدول العربية قد أوضحت مشكلات الشباب ضمن الخطة
الشاملة للثقافة العربية(10) في الجوانب الآتية:
1 ـ مشكلات سيكولوجية: كالشعور بالضياع، والغربة، والإحباط، بسبب التفاعلات السياسية والأيديولوجية المتباينة،
وضغط الأسرة، ورفضها، والمبالغة في الإحساس الفطري بسبب قهر النظم، والإهمال في التوجيه المهني، وفي تعهد
المواهب والهدر في الطاقات.
2 ـ مشكلات اقتصادية: تتعلق بالعمل والسكن، وضمان المستقبل، وبالحرمان من آمال الغد، بالإضافة إلى التبعية وسيادة
الثقافة الاستهلاكية، والهروب من الريف.
3 ـ مشكلات أخلاقية ـ اجتماعية: ناجمة عن التناقض القيمي بينهم وبين جيل الآباء، وبينهم وبين السلطة، وناجمة عن
التطرف الديني والاجتماعي (11) ،وعن عدم استغلال أوقات الفراغ، وقلة أشكال الترويج، ومشكلات الزواج وتفكيك
الأسرة والانحراف والجنوح، بوصفها رد فعل على المشكلات المختلفة.
4 ـ مشكلات سياسية: تتعلق بالنظم القائمة والحريات المهدورة وبالتجزئة الإقليمية. فهذه المشكلات يختلط بعضها مع
البعض الآخر، كما تلتقي مع المشكلات الوافدة مع الثقافة الغربية. وهي بالتالي ليست مجرد شكاوي بدون جذور، لا
يتمرد الشباب عليها، ذلك لأنها تشكل ثقلاً وقيوداً ترهق حركته، وتشوه رؤيته الخاصة للمجتمع. وإحساس الشباب بهذه
المشكلات يعدّ أحد العوامل التي تحدّ من فاعلية التعامل النفسي المقصود مع الشباب كونه جعل التفاعل النفسي يرتبط
بظاهرة معقدة ومتشابكة. ويعاني الشباب من تباين المواقف والأدوار المطلوبة منهم من قبل المؤسسات المتنوعة،
ويطلق اصطلاح «انقطاع الأدوار» على عملية المطالبة بممارسة أدوار مختلفة أو مناقضة لأدوار سابقة فكرياً
وعاطفياً(12).
وأجريت دراسة ميدانية عن الشباب اللبناني مركزة على مشكلات الشباب، ومن بين ما انطوى عليه الإطار النظري
مسألة السلطة الأبوية داخل الأسرة التي اعتبرها الباحثون نتاجاً للسلطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة
داخل المجتمع. وقد أشار البحث إلى أن لبنان تمثل عينة هي خلاصة التناقضات العربية وحدوده على صغر حجمه هي
حدود العالم العربي. وحددت الدراسة أن اتجاه القبول والخضوع يمكن أن يكون سلبياً، أي أن يقبل الشباب السلطة كابن
بار دون تساؤل أو شكوى أو استفهام، وبشكل ميكانيكي يكاد يكون بارداً.. أو إيجابياً: أي يقبل السلطة عن وعي بدقائقها
وبمصلحته في التزامها وباتجاه الإعداد الذاتي لأن يكون حاملها والمتحمس لها. ثم إنها حددت أن اتجاه الرفض والعنف
يمكن أن يكون سلبياً: أي غير فاعل ينقصه الوعي والموضوعية بدقائق الأمور.. أو إيجابياً: من خلال الوعي العميق
والموضعي والمسيس والمعقلن لحقائق الأشياء(13). هذا في نهاية الأمر يعني أن الشباب يمكن أن يتبنى السلطة
وأفكارها الأيديولوجية وقيمها أو رفضها، ويمكن أن يكون ذلك على غير أساس موضوعي.. ما يشكل معوقاً أمام
الاتصال الجماهيري، إذ يقود إلى خطأ في فهم موضوع الاتصال أو في نبذ المضمون الاتصالي، أو العزوف عن
التعرض للوسائل. ومع ها فإن الشباب لا يمكن أن يتخذوا سلوك آبائهم نموجاً لسلوكهم.. وهم يظلون يعارضون ـ بنسب
متفاوتة ـ ما هو قائم ما لم يتجدد الوضع القائم باستمرار، وهم يرون أن ثقافتهم تحمل جديداً، وأن هدفهم هو خلق أسلوب
عصري للحياة بديل عن الحياة اليومية. رابعاً ـ الثورة والتمرد: الواقع أن شمول نظرة الشباب إلى المشكلات التي
يواجهها المجتمع العربي المعاصر عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، وقدرتهم على الربط بين أمور تبدو في
ظاهرها منعدمة الصلة فيما بينها، هي التي تميزهم عن الكثير من الكتّاب الذين لم يستطيعوا تقدير العوامل التي تدفع
الشباب إلى التمرد، على الرغم من أنهم يقفون موقفاً يتسم بالتقدمية في كل مشكلة من هذه المشكلات. ثم إن الشباب
يرى بأن بعض الضوابط الاجتماعية كأنها قيود، لذا يحاولون التحرر منها. وتأخذ محاولاتهم في كثير من الأحيان شكل
التمرد وأحياناً بأشكال عنيفة.. ضد بعض الأفكار والموروثات الثقافية الغيبية والميتافيزيقية، وبعض العادات والتقاليد
التي تكون نتاج هذا المجتمع والذي يكبل فكر الشباب دون تحريره من سلطتها. وحينما نتخذ منهج المقارنة في هذا
البحث فسوف نلاحظ كثير من الحركات الشبابية في العالم اتخذت أسلوب التمرد على كثير من الأفكار وسلوكيات
السلطة الاجتماعية والسياسية. فمثلاً ظهرت في هولندا حركات تمرد تعتبر من الحركات المبكرة في أوربا المعاصرة،
فلقد هاجم الشباب خلالها مجتمع الكبار وقاموا بحملات إرهابية، وشاركهم في تحركهم بعض الكبار.. وكذلك في فرنسا
وبلجيكا برزت ظواهر احتجاج شارك فيها طلبة وأساتذة وكانوا أثناء احتجاجهم يؤكدون على أن حل بعض المشكلات
يتطلب أعمالاً جزيئة. وكانت ثورة الطلبة التي اجتاحت فرنسا عام 1968 من الاحتجاجات الشبابية الكبيرة، وكانت تؤكد
على أنها تريد تحطيم الحالة الحاضرة. وثورة الشباب في أمريكا وتمردها على السلطة السياسية، وأن أهم الأبعاد في
هذا التمرد هو سيطرة عنصر الشباب على حركات السخط هذه، إذ أن هذه السيطرة تلقي مزيداً من الضوء على الدور
القيادي الذي يقوم به شباب الأمة الأمريكية في صيغ حركة الشباب العالمية بطابع إنساني، وتحديد الأبعاد الثقافية
والفكرية لهذه الحركة تحديداً واضحاً»(14). إذن، فتمرد الشباب وسخطهم، في فترتنا الراهنة هذه، ليس إلا البوادر
الأولى لظاهرة سنظل نعايشها طويلاً، إلا إذا استطاعت البشرية أن تهتدي إلى الطبيعة التي تستطيع بها أن تطور نفسها،
في جيل معين، على نحو يعمل حساباً لمطالب الجيل التالي بطريقةٍ طبيعيةٍ لا تحتاج إلى تنبيه صارخ من أفراد الجيل
الجديد، ولا إلى مقارنة عنيدة من أفراد الجيل القديم. ومثل هذه الصية تحتاج، دون شك، إلى طريقة في فهم الأمور،
وفي تدبير شؤون المجتمعات البشرية، تختلف عن كل ما اعتدناه حتى اليوم.
الخاتمة:
لقد آن الأوان لنعترف، كأهل ومربين، أن الحياة تتغير باتجاهات قد لا نرغبها دائماً. وأن الشباب يميلون إلى التأثر
السريع بما يحيط بهم من متغيرات محلية وعالمية عبر التقليد والمحاكاة رغبةً في مجاراة الجديد والتميز بالمظهر
واللباس وأنماط السلوك.
وبما أن إنكار المشكلات أو التقليل من تأثيرها لا يعني زوالها أو معالجتها، فإن العبرة في كيفية تناولها قبل أن تتحول
إلى حالات مستعصية وبؤر للتعصب والعنف أو دوافع للانحراف السلوكي وتعاطي المخدرات كعلاج وهمي لحالات
اليأس والإحباط وانعدام الأمل.
بالمقابل لا بد من التأكيد على العديد من القيم والعلاقات الإيجابية التي تتمتع بها الأسرة العربية، وما توفره لأبنائها من
أشكال الرعاية والإشباع العاطفي، وما ينجم عنها من حماية للشباب من مظاهر العزلة والوحدة التي يعانيها العديد من
أبناء المجتمعات الغربية المعاصرة. ويكفي إلقاء نظرة على أرقام انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في
مختلف مناطق العالم للتأكد بأن المنطقة العربية من أقل مناطق العالم إصابة بهذا المرض، والفضل في ذلك يعود
بالدرجة الأولى إلى مجموعة القيم العربية والإسلامية التي ينشأ عليها شبابنا منذ نعومة أظفارهم مروراً بالمؤسسات
التعليمية والتثقيفية المختلفة التي تساهم في عملية التنشئة الاجتماعية مثل المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام المختلفة،
والتي أصبحت مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بتطوير مناهجها وبرامجها كي تستطيع المنافسة والقيام بالأدوار
والوظائف المناطة بها في عالم مفتوح على كافة الخيارات والتأثيرات بسلبياتها وإيجابياتها.
يريد المجتمع العربي من الشباب أن يكونوا سند الأمة وثروتها، ويعلّق عليهم الآمال العريضة سواء على مستوى الأهل
و الأسرة أو على مستوى الوطن، نظراً لما يملكونه من إمكانات وطاقات.ويتمنى الجميع على أبنائهم أن يكونوا على
مستوى هذه الآمال، ويكملون ما بدأه ذووهم أو ينجزون ما لم يستطع الأهل إنجازه في الحياة. ومن أجل ذلك يقومون
بإحاطة أبنائهم بالرعاية والمحبة ويحاولون أن يوفروا لهم كل ظروف وأسباب النجاح. ولعل الإفراط في الحب والخوف
على الأبناء والحرص على تجنيبهم معاناة ذويهم، أن يكون حاجزاً يحول بينهم وبين الانخراط في التجارب ومعايشة
الحياة عن كثب بما يمكّن شخصياتهم من النمو والتكامل الطبيعيين، ويفضي إلى نتائج معاكسة للمطلوب. ولهذا يعتقد
العديد من علماء الاجتماع والتربية إن إتاحة الفرصة للشباب لعيش تجاربهم وتكوين خبراتهم لا يتطلب سوى تمكن
هؤلاء من تحصيل المعارف والعلوم الضرورية والتعلم من أخطائهم واختياراتهم المعبرة عن وعيهم، أما النصائح واتباع
أساليب الوعظ والحماية، فإنها على الأغلب لا توصل إلى الغايات المرجوة.