أنظمة وثورات وموت
يكاد العالم العربي يتفجر غيظا، تنتفض الشعوب هنا وهناك. الأسباب واحدة: فقر، وبطالة، وشظف عيش، وضنك، وإحباط، وإذلال، ومهانة، وكبت.
والمسبب واحد: استبداد، واستئثار فئة بالحكم والمزايا، وفساد، وعمالة، ونهب مقدرات، ومتسلقون، ورويبضات، وأجهزة أمنية تحمي كل هذا، وأجهزة إعلامية تقلب الحقائق؛ تُخوِّن الأمين وتؤمن الخائن، وشيوخ سلطان يَجبنون عن قول الحق.
الغريب في كل هذا أن الأنظمة الحاكمة تتعامل مع الثورات والاحتجاجات والانتفاضات في بلدان تجاورها أو حتى في بلدانها، كما يتعامل الإنسان مع الموت؛ ألا ترون الإنسان يؤمن بالموت، ويؤمن أن كل الناس سيموتون، لكنه ينسى نفسه، وينسى أنه سيموت يوماً!
الأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي ترى ما يدور حولها، وتعرف أن كل الأسباب التي أدت إلى ثوران وهيجان الشعوب الأخرى موجودة عندها، لكنها لا تحرك ساكنا، وتعتبر أن ما جرى هناك وهناك لن يحدث عندها، تماما كالموت يمكن أن يصيب كل الناس إلا أنا!!
بدل أن تنشغل الأنظمة الحاكمة بمعالجة الأسباب التي أدت إلى الاحتجاجات في بلد ما، تراها «تطبل وتزمر» أن الأوضاع عندها غير، وأنها ترفل بالأمن والأمان بفضل حكمة الربان وأجهزته الأمنية!! ليس هذا فحسب، بل تراها تستمر بالسير في ذات الطريق، وتظل تُخوِّن الأمين وتؤمن الخائن، وتقدم الرويبضة وتؤخر المصلح، وتراها تتحكم بمصائر وأرزاق الناس؛ حتى الوظائف الصغيرة لا تسلم من تحكمهم بها، فتراهم يغدقون الوظائف على فئة ويمنعونها عن فئة. يتحكمون بها ليغروا بها أناسا ليُسَبِّحوا بحمدهم! ويذلوا بها آخرين، ويلووا ذراعهم لا لشيء إلا لأنهم لا يصفقون ولا يسحجون على «الطالعة والنازلة».