الوضع الحالي في امريكا يختلف عن الصورة التي تأتيكم من الاعلام. الحقيقة ان هناك شخص من ولاية منسوتا كان يشتري دخان و حاول الدفع بعشرين دولار. صاحب المحل الصغير convenient store شكّ انها عملة مزوّرة فاستدعى البوليس. البوليس حاول التغلب على الرجل المشكوك فية وهو من العرق الاسود وكبير الحجم والطول وفي الاربعينات من العمر. البوليس طوّق ايدي الرجل من الخلف ووضعه على الارض و أجلس البوليس ركبته على عنق الرجل. الرجل قال:” Officer II can’t breath” البوليس لم يرد و هكذا مات الرجل الاسود خنقاً خطأً من البوليس. وانفجرت ثورة تطالب الحكومة بإعادة النظر الى طريقة تدريب البوليس الذي يسارع دوماً باتهام السود قبل البيض. السود وصلوا الى مساواة مع البيض ولكن لم يصلوا الى العدالة وهي تغيير طريقة النظر اليهم. هذه الثورات انفجرت بالمدن الكبيرة وليست الصغيرة و من الاعمار الصغيرة التي تتراوح بي ١٦ الى ٣٠ سنة. والانتخابات الامريكية على الابواب والحزب الديمقراطي الذي هو دائماً من صف السود يريد ان بنجح ضد الحزب الجمهوري الذي تحت حكم ترمب الذي يعتبر من صف الاغنياء و البيض. ولذلك تمّ تكسير المحلات ليس بهدف السرقات وانما بهدف لفت النظر.
والصورة التي نعيشها هنا في تمام الهدوء وبعض الحالات الصغيرة هنا وهناك حصلت ضخمها الاعلام.
ما الذي يجري في أمريكا.. وما وجه الشبه بين لحظتين تاريخيتين: لحظة غورباتشوف ولحظة ترامب الراهنة؟
امريكا الامبراطورية تتداعى.. وامريكا الدولة داخل حدودها تعيش لحظة ارتباك غير مسبوق. ثلاث سنوات ونصف من حكم ترامب ادخل الدولة الى فضاء لم تكن من الممكن ان تدخله في عملية تتشابه كثيرا مع ما فعله غورباتشوف نهاية حقبة الثمانينات من القرن الماضي في الاتحاد السوفيتي.
في حقبة ثمانينات القرن الماضي اقدم غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي القوة الاعظم من بين قوتين هائلتين في العالم على ادخال مجموعة ضخمة من الاصلاحات والتوجهات الجديدة التي سرعان ما فقد السيطرة على قوانين تطورها مما ادى الى انهيار الاتحاد السوفيتي كليا وفي ليلة واحدة وسط ذهول العالم واستغرابه.
اما ترامب فحاول ادخال اصلاحات وتوجهات جديدة تحت فلسفة “امريكا اولا” وسرعان ما اخذ يفقد السيطرة على التداعيات التي تحدثها هذه الفلسفة الى درجة ان حدثا واحدا، سبقه مئات الاحداث المشابهة في الماضي، عندما اقدم شرطي ابيض على خنق مواطن اسود حيا على الهواء مما ادى الى انفلات الامور في شوارع المدن الرئيسية في جميع انحاء امريكا وتحولها الى مواجهات بين محتجين اغلبيتهم العظمى من البيض جميعهم في سن الشباب مع قوات الامن في مشاهد مصورة بالتفصيل وعلى مدار الساعة.
لقد حاول ترامب من خلال فلسفته المعروفة بامريكا اولا ان يقوم بتوفير الشروط المطلوبة لنجاح هذه الفلسفة والتي من اهمها التركيز على عنصر الجنس الابيض وتقزيم الاجناس الاثنية الاخرى وتهميشها والحد من قدرتها على التأثير على مجريات الحياة العامة. وهنا طبعا وصل ترامب وفريقه المتطرف وفلسفة امريكا اولا الى نقطة يسميها المفكرون بنقطة “اللاممكن”.
عند نقطة اللاممكن تصبح الحركة الى امام في سياق ما يجري غير ممكنة، تماما مثل ما يحدث مع سيارة تسير بسرعة هائلة وفجاة تتوقف بشكل كامل وتنقلب بشكل مدمر لانها وصلت الى نقطة اللاممكن اطلاقا.
عبر التاريخ شهدنا سلوك الامبراطوريات عندما تدخل في نقطة اللاممكن من دورة حياتها، وعلمنا التاريخ ان الامبرطورية الضخمة عند وصولها الى هذه النقطة سرعان ما تتفكك وتنهار .. طبعا المقصود في حالة امريكا ان الامبراطورية التي توثر في العالم تنهار وتفقد قوتها اما الدولة ضمن حدودها تبقى وتشهد مسارا تصاعديا في التعافي لاحقا، وقد شهدنا ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث انهارت الامبرطورية اما الدولة فبقيت (روسيا الاتحادية) ودخلت مسارا تصاعديا في التعافي الى ان عادت روسيا لتصبح القوة الثانية في العالم هذه الايام.
من الصعب جدا تنبأ مسارات الاحداث في امريكا، لكن من المؤكد انها دخلت نقطة اللاممكن..