أبو الغيط وتاريخه الأسود
أحمد علي أبوالغيط هو الأمين العام لما كان يسمى تجاوزا جامعة الدول العربية، وحصلت مؤخرا وبامتياز لقب جامعة الدول العبرية.
لم ينطق من قبل برأي، ولم يكن يسمح له أصلا بأن ينطق برأي، ولا أحد يأخذ برأيه إن نطق، فهو مجرد موظف إداري لا أكثر ولا أقل. ولكن عندما قرر أبوالغيط أن يكون شجاعا، وله رأي، نطق كفرا، واستقوى على الشعب الفلسطيني، وأقحم نفسه في الشؤون الداخلية الفلسطينية، اعتقادا مغلوطا منه أن فلسطين هي الحلقة الأضعف، أو لنكن أكثر دقة، أن اغضاب فلسطين والفلسطينيين لن يؤخر ولن يقدم بالنسبة له، فهي ليست صاحبة ثروات نفطية.
هل هناك أكثر رداءة من زمن يشارك فيه أمين عام جامعة الدول العربية في إفشال مشروع قرار فلسطيني، ضد قضيتهم قضية «العرب الأولى؟»، هل هناك أكثر انحطاطا من إفشال قرار في جامعة الدول العربية يدين اتفاقيتي تطبيع مع دولة الاحتلال، في خرق واضح لكل اعراف الجامعة ومواثيقها، وفي تناقض صريح مع كل قراراتها ومشاريعها ومبادراتها المتعلقة بفلسطين، وفي مقدمتها المقاطعة العربية لدولة الاحتلال، وكذلك مبادرة السلام العربية التي نصت على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، بما فيها الأراضي الفلسطينية والجولان السوري وشبعا اللبنانية، وقيام دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/يونيو وعاصمتها القدس الشرقية، وحلّ مشكلة اللاجئين، إلى آخره مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع العربي معها.
قرار جامعة الدول العربية، رفض المشروع الفلسطيني لإدانة حملات التطبيع العربية مع إسرائيل، هو مفترق الطريق والقشة التي قصمت ظهر البعير
لم يكتف أبو الغيط بتبني الرؤية الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بالتآمر على إفشال قرار إدانة اتفاقيتي التطبيع بين نظامي أبوظبي والبحرين فحسب، بل وجّه سهامه نحو الفلسطينيين ليعلن ومن على منبر قناة «سكاي نيوز» التابعة لأبوظبي استياءه من اجتماع حركتي فتح وحماس في تركيا، للتباحث في إجراءات المصالحة الفلسطينية. وقال، في نوع من الاستخفاف: أتمنى أن الاتفاقات بين الطرفين يتم تنفيذها، وبالنسبة لاجتماعهما في تركيا، البعض يؤشر إلى أن ذلك يعتبر رسالة إلى الأطراف العربية، مبينا أنه «زعلان بسبب حدوث ذلك». وأضاف في المقابلة «كنت أتصور أن وفد حماس يذهب لرام الله، أو وفد السلطة الفلسطينية، يذهب لقطاع غزة من أجل إجراء الحوارات بين الطرفين، أو أن يذهبا إلى القاهرة، أو أي دولة عربية أخرى، وليس إلى تركيا». من حق أبوالغيط وهو حامي حمى العروبة أن يغضب من اللقاء الفلسطيني الفلسطيني في القنصلية الفلسطينية في إسطنبول وفوق ارض غير عربية، أوليس من حقنا أيضا أن نتساءل لماذا لم يعبّر ابوالغيط عن هذا الاستياء والغضب ازاء خروج نظام محمد بن زايد عن الإجماع العربي المفترض؟ ولماذا لم يعبّر عن استيائه، وهو يرى طائرات العال الإسرائيلية تحط في مطار أبوظبي وتقلع منه؟ ولماذا لم يعبر عن غضبه إزاء مشاهد عارضة أزياء اسرائيلية في صحراء أبوظبي تصور دعاية لمنتجات إسرائيلية حاملة العلم الإسرائيلي؟ ولماذا لم يعبر عن رأيه وهو يرى ويسمع عن توقيع اتفاقات اقتصادية وأمنية بين أبوظبي واسرائيل؟ ولماذا يرى في لقاء رئيس المجلس الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان بنتنياهو، حقا للسودان في عمل ما تراه مناسبا ويتوافق مع مصالحها، ولكل دولة سياساتها، وينكر هذا الحق للفلسطينيين؟
أحمد أبوالغيط اختار السير في الطريق الأسهل، والأقل ضررا عليه شخصيا، خاصة أنه مقبل على تجديد فترة ولايته في يونيو/حزيران المقبل.
ولكن لماذا نستغرب من مواقف أبوالغيط، فهي ليست جديدة ولا غريبة على تاريخه الأسود؟ وهل كنا نتوقع منه موقفا مختلفا؟ وهل يمكن أن ننسى تاريخه عندما كان وزيرا لخارجية مصر في عهد حسني مبارك؟ وهل يمكن أن ننسى ذلك المشهد الذي جمعه مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية وامرأة الموساد تسيفي ليفني، على عتبات وزارة الخارجية المصرية في القاهرة، والقهقهات المجلجلة التي تبادلها معها، قبل أيام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟ الأمر الذي فُسر لاحقا على أنه موافقة مصرية ضمنية على الحرب، التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين بين شهيد وجريح. أليس هو أبوالغيط نفسه الذي وصف بأنه «صديق إسرائيل ورفيق ليفني»؟ أليس هو من حمّل الفلسطينيين عام 2008 مسؤولية الحرب الاسرائيلية على القطاع؟ أليس هو القائل إن «حماس» هي التي «استفزت إسرائيل»؟
أبوالغيط حسم موقفه المحسوم أصلا، ليعلن بشكل فاضح وصارخ» تأييده لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي شكلت نقطة ارتكاز للاتفاقات التي وقعت بين الإمارات والبحرين من ناحية، وإسرائيل من الناحية الأخرى، أي أنه وافق كما قال صائب عريقات في رده على تصريحاته في «سكاي نيوز»، على أن تكون القدس الشرقية المحتلة والحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة تحت السيادة الإسرائيلية، ما يعتبر بمثابة الضوء الأخضر لمن يسعى من الدول العربية للتطبيع المجاني مع إسرائيل والتحالف معها أمنيا وعسكريا، بمعنى أدق فإن أبوالغيط، والكلام لا يزال لصائب عريقات، أصبح جزءا من خرق ميثاق الجامعة وقراراتها ومبادرة السلام العربية.
وندحض مزاعم أبوالغيط التي تبنى فيها الرواية الإماراتية بالكامل، بأن اتفاق التطبيع أوقف مخططات الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية، بما قاله السفير الأمريكي الصهيوني المستوطن في إسرائيل ديفيد ليبرمان، الذي عاد قبل أيام للتأكيد على أن ما حصل هو مجرد تأجيل لا إلغاء للضم. وأوضح فريدمان في تصريحات لإذاعة جيش الاحتلال مؤخرا، بأن عملية الضم لم تلغ، وإنما تم تأجيلها إلى موعد لاحق. وقال فريدمان في اللقاء الإذاعي: قلنا في البيان إننا سنؤجل السيادة، هذا لا يعني أنها ألغيت، بل يعني أنه تم تعليقها في الوقت الحالي. لقد تم تعليقها لمدة عام، وربما لفترة أطول، ولكن لم يتم إلغاؤها بالتأكيد.
قرار جامعة الدول العربية، رفض المشروع الفلسطيني لإدانة حملات التطبيع العربية مع إسرائيل، هو مفترق الطريق والقشة التي قصمت ظهر البعير، اذ لم يعد هناك ما يمكن أن يشجع الفلسطينيين على البقاء في هذه الجامعة، التي اصبحت مفرقة لا حاضنة للعرب ومشاكلهم وقضاياهم، وبعد أن أصبحت أداة طيعة في أيدي الدول المتنفذة وصاحبة المال. فلا جدوى من بقاء الفلسطينيين فيها، فبقاؤهم يعني القبول بقراراتها وسياساتها، ولا بد من قرار فلسطيني حاسم بالخروج من هذه المنظومة، التي لم تحترم أيا من قراراتها، وقرار فلسطين التخلي عن رئاسة الدورة العادية الـ154 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، مجرد خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح.
كان يفترض أن تكون الجامعة العربية حاضنة لقضايا العرب الجوهرية والاساسية التي تتصدرها القضية الفلسطينية، جامعة لهم لمواجهة المخاطر التي تواجههم وحامية للقضية الفلسطينية، أقدس قضاياها، أو هكذا يفترض، لكنها لم تكن يوما البيت الجامع للعرب، بل كانت دوما مسرحًا للتناقضات السياسية، وانعكاسا للخلافات السياسية وفي الآونة الأخيرة تحولت هذه «الجامعة» إلى منظومة تابعة تماما للمحور الأمريكي – الإسرائيلي، تتحكم بها بشكل كامل دول الخليج الثرية.
ونختتم بما قاله أحمد نصر الناطق باسم حركة فتح ردا على أبوالغيط، «أحمد أبوالغيط يقول معاهدة السلام مع الإمارات نجحت في وقف الضم الإسرائيلي للضفة، ونقول لأبو الغيط إعلم أنت وغيرك أنه لا يحرث الارض سوى عجولها، ولا أنت ولا الإمارات من أوقف الضم، من اوقف الضم وأفشل وسيفشل كل المشاريع الخيانية هو ارادة شعبنا ووحدته والتفافه حول قرار وطني واضح وصريح لمواجهة هذه الحملة التصفوية للقضية الفلسطينية، وكذلك نجاح الفلسطينيين في استقطاب، ولمّ شمل القوى الوطنية العربية، التي تمثل الأغلبية الصامتة، حول رفض كل المشاريع التصفوية وإسقاطها.
نعم لقد ماتت جامعة الدول العربية ولا تجوز حتى الرحمة عليها، وللفلسطينيين الفخر في أن يكونوا أول المشيعين لها.