خطايا لا تُغتفَر: كبريات الكوارث البيئية التي سبّبتها إسرائيل- (صور)
يكشف تقرير إسرائيلي ترجمه للعربية مركز “مدار” عن عشر كوارث بيئية كبرى تسببت بها دولة الاحتلال في العقود الأخيرة وتنفي مزاعمها الرسمية خاصة تلك التي تتعلق بتحويل المستنقعات والصحاري إلى حدائق في فلسطين التاريخية.
ويقول تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” إن الإطلالة المتمعّنة على المشهد البيئي في إسرائيل، اليوم، تثير التفكير بأن هناك خطايا لا يكفر عنها حتى يوم الغفران العبري. من بينها تلويث الهواء والتربة والجداول والبحر، تصفية وتقطيع أوصال المساحات المفتوحة لصالح بناء البلدات والأحياء والطرق والتقاطعات الجديدة، الاختناقات المرورية الدائمة، ازدهار الصناعات البتروكيماوية بالقرب من المدن، اقتصاد طاقة ملوّث وعفا عليه الزمن، بحيرة الحولة المنقرضة والبحر الميت الذي يسير نحو مصيرها، البناء على الساحل الذي يسد الشواطئ، الكائنات الحيّة الغازية التي تكتسح البلاد أكثر فأكثر.
وطلبت “هآرتس” من عدد من الخبراء والمدافعين عن البيئة إبداء آرائهم لتحديد أخطر الأخطاء التي ارتكبت في تاريخ السياسة البيئية في إسرائيل. وتوضح “هآرتس” أنها تلقينا العديد من الإجابات وصنفتها وفرزتها ضمن أبرز عشرة أعمال حماقة.
وتضيف: “حاولنا تلبية الشروط التي وضعتها باربرا توخمان، مؤلفة كتاب “موكب الحماقة “، ووفقاً لتوخمان، لكي يتم تعريف السياسة على أنها حماقة، يجب عليها استيفاء ثلاثة شروط. الأول “أن النتائج السلبية ستكون واضحة للعيان في الوقت الحقيقي”. نحن سعينا إلى تجنب الحُكم والاستنتاج بأثر رجعي والحكم المتحجّر على القرارات التي اتُّخذت في ظل ظروف مختلفة وفي ظل نظام قيم مختلف. أما الشرط الثاني فهو أنه كان أمام متخذي القرار مسار عمل بديل وقت اتخاذ القرار. والشرط الثالث، استمرار السياسة لفترة طويلة – وليس فشلاً قصير المدى لشخص واحد في فترة واحدة”.
وتؤكد أن كل الأخطاء والخطايا لا تستوفي جميع الشروط الثلاثة، لكنها كلها أخطاء فادحة جعلت إسرائيل في العقد الثالث من الألفية مكاناً أسوأ بكثير للحيوانات والنباتات وبالأخص للبشر.
تجفيف الحولة
وتستذكر أن بحيرة الحولة في شمال البلاد كانت ثروة طبيعية على المستوى الدولي، حيث كانت تغطي مساحة 55000 دونم – أي بما يعادل مساحة تل أبيب. وتنوه إلى أنها مزيج فريد من بحيرة ضحلة ومستنقعات متناثرة توفر مساحة معيشية لعدد وافر من الأنواع الحيوانية والنباتية، والتي كان بعضها موجوداً في البلاد فقط.
وتقول إن تجفيفها ضمن مشروع الصهيونية “في إحياء القفار وتحويلها لجنائن غناء” هو بلا شك إحدى الخطوات التي تسببت في أكبر ضرر سببه البشر للطبيعة المحلية.
وتضيف: “كان الغرض من نشاط التجفيف، الذي تم إجراؤه في الخمسينيات كمشروع وطني للدولة الفتية، هو التمكين من العمل الزراعي للأرض. وبالعودة إلى الوراء، تبين أن إسرائيل فقدت ثروة طبيعية وربحت أرضاً زراعية صارت تحترق لاحقا نتيجة الأملاح وظهرت فيها العديد من مشاكل التلوث التي وصلت إلى بحيرة طبريا”.
وفقاً لشروط توخمان، لقد حذر البعض مسبقاً من الضرر الذي قد يحدث. كما كان الإصلاح الجزئي لاحقاً هو إعادة غمر جزء من المنطقة وخلق بركة الحولة لكنها ما زالت حتى يومنا هذا بقايا صغيرة فقط بما لا يقارن مع ما كان موجوداً من قبل.
حماية المساحات المفتوحة
وحسب “هآرتس” أدرك صناع القرار في إسرائيل وسلطات التخطيط، بحلول التسعينيات، تماماً أنهم يواجهون مشكلة حادة تتمثل في ندرة موارد الأراضي. تحدث المخططون عن الحاجة إلى منع إنشاء مستوطنات جديدة وحماية المساحات المفتوحة المتبقية قدر الإمكان.
على هذه الخلفية، تم إعداد خطة رئيسة وطنية للتنمية سميت تاما 31، حيث سُمح بمنح بعض المناطق المفتوحة صفة محمية جزئياً من البناء. اشتهرت بشكل خاص سلسلة من القرارات التي اتخذتها إدارة أراضي إسرائيل، وأطلق عليها اسم بوينغ بسبب أرقامها (بالأساس القرارات 727-737) كما أفسح المخطط الهيكلي الوطني المجال أخيراً لإنشاء وحدات سكنية على مستوى الأرض، على حساب المساحات المفتوحة.
في الوقت نفسه، واصلت الدولة سياستها في إقامة مستوطنات جديدة، خصوصاً في الجليل والنقب. والنتيجة التي ترتبت على ذلك هي أضرار واسعة النطاق في المناطق المفتوحة، مع تفتيت وفصل مناطق مفتوحة أخرى. مؤكدة أن الأضرار التي لحقت بالمناظر الطبيعية ومساحات المعيشة للحيوانات والنباتات وسكان إسرائيل الذين يبحثون عن مساحات مفتوحة للترفيه والتنزه، هي أضرار لا توصَف.
البحر الميت
وتشير “هآرتس” إلى البحر الميت، أكثر البحار ملوحة والأدنى مستوى عن سطح البحر في العالم، المحاط بالمناظر الطبيعية الخلابة للصحراء لكن إسرائيل وجارتها الأردن دمرتا هذه الثروة. وتقول إنه على مدى عقود، كان البحر الميت يجف بمعدل يزيد عن متر في كل عام، وامتلأت شواطئه بعشرات الآلاف من الحفر (البالوعات)، وأصبح الوصول إلى مياه البحر الطبيعي شبه مستحيل. في الوقت نفسه، اختفت النظم البيئية الفريدة التي كانت ممتدة على طول الساحل وتغيرت مناظرها الطبيعية إلى الأبد.
موضحة أنه لا يوجد هناك قرار واحد تسبب في هذه الكارثة البيئية فالمشكلة الرئيسة للبحر تتمثل في استغلال المياه التي كان من المفترض أن تصل إليه من خلال النظم الطبيعية، تُستخدم لأغراض الشرب والري ولكن حتى في ظل هذا الوضع، كان يمكن عمل الكثير للحفاظ على البحر. على سبيل المثال، يرتبط حوالي 20% من انخفاض مستوى مياه البحر الميت بالتجفيف المتعمد لإنتاج البوتاس والبروم. وتقول إن قرار إسرائيل بخصخصة شركة الكيماويات العملاقة “كيل” وتسليمها منطقة شاسعة لا تسري فيها قوانين التخطيط والبيئة، ساهم بشكل حاسم في الكارثة التي تكشفت في البحر الميت.
شارع 6
تم اتخاذ قرار تمهيد الطريق السريع 6 (عابر إسرائيل) في أوائل التسعينيات. وتقول “هآرتس” إن هناك خبراء في التخطيط والبيئة، حتى بين أولئك الذين شاركوا في هذا الاستطلاع، الذين يعتقدون أن هذا قرار كان ضرورياً لإنشاء نظام طرق فعال في إسرائيل.
من ناحية أخرى، يعتقد العديد من الخبراء أن الطريق يحكم على الإسرائيليين بالعيش داخل سياراتهم الخاصة والاختناقات المرورية وتلوث الهواء والعيش في ضواح على النمط الأمريكي. وبحسب منتقدي المشروع، منع الشارع تكثيف المدن، وتطوير المواصلات بالسكك الحديدية، والمواصلات العامة بشكل عام. كما تسبب في تجزئة كبيرة للمناطق الطبيعية ذات الأهمية العالية في التلال المحيطة بمنطقة راس العين شرقي مدينة يافا بجوار مدينة كفر قاسم.
تلويث وإهمال الوديان
وتلفت “هآرتس” أن من يريد رؤية ما هو الإهمال البيئي يمكنه زيارة وديان وجداول البلاد الساحلية الـ14 وتقول إن جميعها باستثناء واحد، وادي التماسيح، تم تجفيفها من مياهها الطبيعية وتلويثها بمياه الصرف الصحي، مؤكدة أن هذا الفشل البيئي، الذي لم يتم تصحيحه حتى الآن، هو نتيجة لسياسة أعطت أفضلية مفهومة ضمنا لاستخدام المياه الطبيعية من أجل التنمية والاستيطان، ولكنها لم تأخذ في الاعتبار على الإطلاق الثمن الذي ستدفعه الطبيعة والجمهور.
إنشاء موديعين وبناء الضواحي
إلى جانب تحويل المناطق الزراعية لصالح البناء، أخطأت إسرائيل في إنشاء مستوطنات في الضواحي ومدن جديدة على حساب المساحات المفتوحة. وبرأيها فإن الأسوأ من ذلك، أن إنشاء موديعين حلّ محل خيار تقوية المدن المجاورة وتوسيعها تدريجياً، مثل الرملة واللد. وهكذا، اختارت الحكومة التضحية بالمساحات المفتوحة لصالح مدينة جديدة، بدلاً من الاستثمار – ليس بمبلغ أكبر – في ترميم وتكثيف المدن القائمة.
وتتابع: “مثلما في حالات أخرى، تم دوس الموقف من البيئة في هذه الحالة لاعتبارات سياسية. كانت موديعين جزءاً من سلسلة من المستوطنات الجديدة على طول محور التلال شرقي السهل الساحلي، وهي مصممة لمنع تواصل محتمل بين البلدات العربية الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر. هكذا أقيمت سلسلة مستوطنات “النجوم” حتى منطقة أم الفحم -ومرة أخرى تم إنشاء نظام بنية تحتية يشجع على استخدام المركبات الخاصة والاستغلال المُهدر للأرض- كل ذلك على حساب المدن القديمة”.
الطاقة
وتوضح “هآرتس” أن الأرقام لا تكذب: إسرائيل، وهي دولة مشمسة ورائدة عالمياً في مجال تقنيات الطاقة الشمسية، تنتج أقل من 10% من طاقتها من مصادر متجددة وخضراء. هذا، مقارنة بعشرات في المائة مع بلدان غربية أخرى، غائمة المناخ أكثر بكثير. وتستذكر أن الحكومات الإسرائيلية فتحت اقتصاد طاقة قائماً على الفحم. وتسبب اكتشاف الغاز في إسرائيل في أوائل العقد الأول من القرن الحالي في مزيد من الإهمال في مجال الطاقات المتجددة – حتى أن صناع القرار وعمالقة الطاقة بدأوا في تسويق الغاز الطبيعي على أنه “حل أخضر”. في غضون ذلك، أخفقت إسرائيل، رائدة هذا المجال، في الانخراط في الثورة الشمسية العالمية – وفي عصر تفاقم أزمة المناخ تحديداً – وعندما أصبحت الكهرباء الشمسية أرخص من أي كهرباء أخرى ملوثة.
محطة حافلات تل أبيب المركزية
وتقول “هآرتس” إنه من الصعب التفكير في مشروع بناء واحد تسبب في أضرار كبيرة مثل الهيكل الضخم لـ محطة تل أبيب المركزية. وفي أغلب الأحيان، فإن الأضرار المعنية في هذه الحالة هي الفشل المعماري والضرر الجمالي والأضرار التي لحقت بنوعية حياة الأحياء السكنية المجاورة وتلوث الهواء جنوبي تل أبيب. وتلاحظ “هآرتس” أن المنشأة الضخمة غير مريحة، بل إنها تهدد مستخدمي وسائل النقل العام، بعد أن كان من المفترض أن تكون القلب النابض لنظام المواصلات العامة في البلاد. وتستنتج “هآرتس” أن هذه المحطة تعكس بناء المحطة الفاشل الموقف تجاه مجال المواصلات العامة بأكمله في البلاد، والذي تم إهماله لعقود وجعل الإسرائيليين يعتمدون على السيارات الخاصة.
وتضيف: “ومع ذلك، فإن المواصلات العامة هنا متخلفة جيلاً كاملاً عن البلدان الأوروبية”.
التلوث في خليج حيفا
وتؤكد “هآرتس” أيضا أنه يمكن وضع مسؤولية إنشاء صناعة البتروكيماويات في خليج حيفا على عاتق المسؤولين الاستعماريين البريطانيين. وتضيف: “كان ميناء حيفا حجر الزاوية لأنشطة حكومة الانتداب في الشرق الأوسط. لكن لا يمكن للحكومات الإسرائيلية التهرب من مسؤوليتها عن مواصلة تشجيع النشاط الصناعي والكيميائي في الخليج، على ما فيه مما لا يحصى من الآثار الجانبية البيئية السلبية”. ومن المفارقات أن من أثر على مستقبل حيفا حتى يومنا هذا هو الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكان أحد تصريحاته حول إمكانية مهاجمة خزان الأمونيا هو المحفز الرئيس لوقف نشاطه.
سائر الخطايا
وحسب “هآرتس” هناك إخفاقات إسرائيلية أخرى منها تشجيع الولادة، إهمال التخطيط في المجتمع العربي، البناء على الساحل، انعدام سياسة لمنع الأنواع الحيوانية والنباتية الغازية، الجدار الفاصل، والافتقار إلى التخطيط طويل الأجل وغير ذلك. وتخلص “هآرتس” للقول إن الخطايا البيئية للحكومات الإسرائيلية لا تعد ولا تحصى، وهي تنبع من سياسة فاشلة وضعيفة وفاسدة في بعض الأحيان وغير حكيمة في كثير من الأحيان.
وتتابع: “لا يتجلى فشل دولة إسرائيل في حماية البيئة الطبيعية والبيئة لسكانها في حماية الأنواع النادرة من الزواحف أو النباتات البرية – ولكن أولاً وقبل كل شيء في نوعية حياة الناس الذين يعيشون هنا. وأضرار أخطاء الماضي واضحة للعيان، والحماقة في هذه الحالة كاملة، والخطيئة لا تغتفَر”.