[rtl]رحيل أنيس مصطفى القاسم حامي الحق والقانون الفلسطيني
رحل عنا أمس صباح الخميس 7 يناير2021 أبو أسامة، أنيس مصطفى القاسم عن عمر بلغ خمسة وتسعون عاماً وأسبوعين. عاصر الفقيد الفلسطيني الكبير تاريخ فلسطين الحديث كله، ترعرع في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وشهد النكبة في مقتبل شبابه الذي بدأه بتحصيل العلم في دراسة القانون، إلى أن وصل إلى مرتبة محامٍ يترافع أمام المحاكم البريطانية في النصف الأخير من حياته المهنية.
ولم يكد يبلغ الأربعين من عمره حين شارك في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وعضوية المجلس الوطني الفلسطيني الأول، ورأس لجنة صياغة الميثاق في أول دورة له، كما رأس أول لجنة قانونية في المجلس الوطني.
وفي نصف القرن التالي لذلك، لم يكف لحظة عن الدفاع عن الحق القانوني لفلسطين في كل المواقع، لم يهن أو يتهاون أو يستسلم أو يرضخ للضغوط يوما ما. كانت أعماله وأقواله تخيف المخالفين والمتخاذلين.
ارجعوا لمقالاته على شبكة الانترنت، فعناوينها تدل عليها: “كفى تحايلا على الشعب الفلسطيني”، “كفى عبثا بحقوق الشعب الفلسطيني”، “الشرعية الفلسطينية في خطر” وغيرها.
كان لي شرف التعاون معه خلال عقدين من الزمان أو أكثر، فقد صاغ يوما رسالة وقعتها معه ومع الأخ عبد الباري عطوان كأعضاء في المجلس الوطني موجهة إلى السيد سليم الزعنون نرفض فيها عقد جلسة للمجلس الوطني في أغسطس 2009 في رام الله تحت حراب الاحتلال، مدعمة بالحجج القانونية، ولم ينعقد المجلس انذاك. ولكنهم كرروا المحاولة بعد تسع سنوات في 30 مارس 2018 وعُقد المجلس في رام الله، وكررنا نفس الرسالة الرافضة ولكن ما من مستجيب.
وفي تقرير هام نشرته رويترز بالإنجليزية في 8 يوليو 2007، شجب حامي الحق الفلسطيني أنيس القاسم مساعي محمود عباس رئيس السلطة آنذاك، وأكدعدم صلاحياته القانونية لاستبعاد حماس من حكومة السلطة بعد نجاحها في الانتخابات.
لم يخف في الحق لومة لائم، ولم يسع إلى منصب أو مال، ولم يتعاون مع هؤلاء الساعين إلى عرض الدنيا.
لقد كان دائماً سنداً لنا بذخيرته القانونية وضميره الحي في أي عمل وطني، يسعى إلى تثبيت الحق الفلسطيني والتمسك بالميثاق وانتخاب مجلس وطني انتخابا ديمقراطيا.
والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصر.
ففي أكتوبر 2009 دعونا إلى إنشاء “الجمعية الوطنية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة”، وعقدنا اجتماعات ما بين 1-3 أكتوبر 2009 في بيروت. وقد سافر عدة ساعات، وهو الذي تعدى عمره انذاك الخامسة والثمانين، بالطائرة من لندن إلى بيروت لحضور هذه الاجتماعات.
وعندما تطورت هذه الجهود إلى تشكيل “المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج” والذي عقد في اسطنبول في فبراير 2017، كانت كلمته الافتتاحية دافعا للجمهور الحاضر الكبير للانخراط في المؤتمر.
وتعدت جهوده الميدان الوطني المحلي، حيث أصبح “الأمين العام للمنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” (EAFORD) والتي لا تزال قائمة في جنيف. وقد حج إلى مقر إقامته في إسبانيا منذ بضع سنوات الدكتورة ريما خلف وتيسير بركات، بصدد إقامة جمعية عالمية واسعة لنفس الغرض، لكشف عنصرية الاحتلال الصهيوني أمام العالم، فلم يبخل عليهم بالنصح والمشورة والصلات النافعة.
كلما اتصلت به تليفونيا طالبا النصح والإرشاد كان صوته يتدفق فجأة حيوية وشبابا، ويقول “لا تتوقفوا يا سلمان، نحن على حق”.
له كتابات في الدوريات القانونية والدولية، يشار إليها بالمرجعية، ويمكن الرجوع إليها على الانترنت، منها ما نشر في الكتاب السنوي للقانون في البلاد الإسلامية والعربية.
بعد حياة حافلة في العمل الفلسطيني في صياغة قوانين المجلس الوطني، لحقها وضع قوانين البترول في ليبيا، ثم تبعتها سنوات طويلة في لندن أمام المحاكم البريطانية، لينتهي به المطاف إلى مدينة صغيرة في إسبانيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الغربي، كأنه كان ينظر عند شروق الشمس إلى ساحل البحر الأبيض الشرقي حيث تكون بلاده، وهو بعيد عنها. لكن عقله وقلبه وجهده كان منصبا دوما نحوها، كل يوم في حياته.
رحم الله الفقيد، فلسطين ستبقى وتصبح حرة بفضل جهود هؤلاء القادة،
فلنذكرهم ونسير على دربهم ولا ننساهم.
[/rtl]