المحامون في السينما… الطيب والسيء والخبيث
تاريخيا ظلت المحاكم وما تعج بها حاضرة بقوة كثيمة كبرى في السينما، واختلف تناول موضوعة المحامين وصورتهم في السينما من منطلقات متعددة، وكذلك اختلفت داخل القصص السينمائية ألوان المحامين والمحاميات والقضاة والمتهمين بين الطيب والسيء والخبيث. غدت قاعة المحكمة مشاهد سينمائية بامتياز بكل فيها من صراعات بين هيئات الدفاع والقضاة والمحلفين والمتهمين والشهود وحراس الأمن وما تحمله ردهات المحاكم من رموز وصور. نستعرض في هذا المقال مشاهد من أفلام بارزة تناولت موضوعة المحامين بأكثر من اتجاه نقدي.
فيلادلفيا Philadelphia
https://video.alwatanpost.net/watch.php?vid=e1cba79aaأكثر من عقد من الزمان بعد تحديد الإيدز لأول مرة على أنه مرض. يمثل فيلم «فيلادلفيا» (انتاج أمريكي 1993، اخراج جوناتان ديم ) مخاطرة كبيرة لهوليوود بميزانية كبيرة حول مرض السيدا. ويعتمد على الصيغة الآمنة لدراما قاعة المحكمة لإضافة التشويق والحسم في قصة تتسم بالتعقيد.
أندرو بكيت (توم هانكس) محام مثلي الجنس، يصاب بالإيدز، ونتيجة ذلك تقوم شركة المحاماة التى يعمل بها بفصله عن العمل خوفا من انتقال العدوى إليهم. يقرر أندرو مقاضاة شركته السابقة ويستعين بالمحامي جو ميلر (دينزل واشنطن) الكاره لمثلي الجنس، لكنه يوافق على أخذ القضية في الغالب من أجل المال والبحث عن العدالة. في أثناء سير القضية يكتشف ميلر أن أندرو لا يختلف عن أي شخص آخر وأن كونه مثلي الجنس لا ينقصه أي شيء فيحاول مساعدته في أخذ حقه قبل أن يتمكن المرض منه. يعمل السيناريو الذي قدمه (رون نيسوانير) بمهارة لتجنب العبارات المعتادة في قاعة المحكمة. حتى مع تقدم القضية يتحول مركز ثقل الفيلم من المحاكمة إلى تقدم مرض بيكيت.
بحلول الوقت الذي تصل فيه المحاكمة إلى نهايتها تكون النتيجة المتوقعة في الغالب بمثابة نقطة مقابلة للنهاية الحقيقية للفيلم. يعتبر «فيلادلفيا» فيلم جيد للغاية بشروطه الخاصة في اطار إبراز طبيعة مكاتب المحاماة والمنافسة الشديدة بينهم وإبراز ما تعج به هذه المكاتب من صراعات.
بعض الرجال الطيبين A Few Good Men
https://sugarworld.news/article520/14.html?hash=2LPZitix2YHYsSAxID0__IGh0dHBzOi8vdmlkb2JhLm5ldC9lbWJlZC1mMXo3NGs4bjRyNDQuaHRtbA==يدور الفيلم (إنتاج أمريكي 1992، اخراج روب رينر) عن محاكمة عسكرية لبعض البحارة اتهموا في جريمة قتل مزعومة. أداء توم كروز، بصفته محاميا ومجموعة كبيرة من الشخصيات العسكرية: جاك نيكلسون، كيفن بيكون، كيفر ساذرلاند، ديمي مور، كيفن بولاك. وهو أحد أفلام الهوليوودية بامتياز، إذ يحتوي على جميع عناصر النجاح. نجوم من الدرجة الاولى في هوليود، ميزانية ضخمة ونص جيد والمواقف الحادة بين هيئة الدفاع التي لن تهدأ.
وانطلاقا من مقولة أن كل ما يلمع ليس ذهبا سيتعين عليهم القتال بدون أسلحة، فقط بقوة الكلمة لتحقيق العدالة لصالح الأضعف (بلانكا مورسيا). نقطة انطلاق الحكاية تبدأ من وفاة جندي في قاعدة خليج غوانتانامو البحرية بكوبا. سرعان ما اتهم شابان من مشاة البحرية وهما داوسون وداوني بالقتل حيث يبدو أنهما تماديا في تعريض الضحية لإجراءات تأديبية غير محدودة تسمى «الرمز الأحمر» لانتهاكهما التسلسل القيادي في فصيلتهما. للدفاع عنهما تم اختيار محامي البحرية وخريج كلية الحقوق بجامعة هارفارد، الملازم دنيال كافي (توم كروز) يتمتع بسجل لا تشوبه شائبة في الدفاع المستميت عن المتهمين والبحث في القضية من خلال عمليات التتبع والتحري الدقيقة.
يبرز الفيلم ذهابًا وإيابًا جلسات استراتيجية لفريق الدفاع واستجوابات الجناة والندية بين دنيال كافي ومحامي الادعاء وشدة التنافس والخبرة والمهارات في استحضار الوقائع ومناقشتها وتبادل الآراء المحتدم بين المحامين.
يعمل المخرج روب راينر في استخلاص أقصى استفادة من المواد وممثليه من خلال المسارات المتكررة للشخصيات من اندفاع الإثارة إلى أعماق اليأس والتي ستمنح المتفرج رحلة أفعوانية عاطفية مُرْضِية يتم التلاعب فيها بالمتفرج.
وجهان للحقيقة Primal Fear
https://www.fushaar.com/movie/primal/الفيلم مأخوذ عن رواية لوليام ديل (انتاج أمريكي1996، اخراج غريغوري هوبليت ) من بطولة (ريتشارد جير) في دور مارتن فيل، وهو محامي دفاع لامع في شيكاغو يطارد القضايا المتسمة بالإثارة. يتسم المحامي بالذكاء والدقة ولكنه مدفوع بالغرور. انفصل مؤخرًا عن مساعدة شابة تدعى جانيت فينابل (لورا ليني) وهي الآن خصمه في هذه القضية. يتطوع بخدماته عندما يُتهم مراهق من كنتاكي بقتل رئيس أساقفة. لماذا؟ لأنه يعلم أن القضية ستكون الأكثر إثارة في العام ويريد أن يكون في صلب الحدث لأن هذه القضايا المثيرة تحظى بدعاية كبيرة تستحق الوقوف والمجابهة وربما لأنه يعتقد أن الطفل قد يكون بريئًا.
قُتل رئيس الأساقفة في مشهد مروع والقبض على المشتبه به، آرون ستامبلر (إدوارد نورتون) بعد وقت قصير من مطاردة مع الشرطة تم بثها على الهواء مباشرة. إنه مغطى بدماء رئيس الأساقفة. تدعوه العناوين الرئيسية «فتى الجزار لسانت مايك». لكن هل ارتكب الجريمة؟ تقوم عالمة نفس تدعى مولي أرينجتون (فرانسيس مكدورماند) بفحصه أمام المحكمة ويعتقد أن السؤال ليس له إجابة بسيطة، لأن الفتى تحت ضغط شديد ويشير إلى وجود شخص آخر في الغرفة.
يبدو أن المحامي مارتن فيل في قلب كل هذه الأحداث. هل من الممكن أن يكون آرون الشاب ساقطا في مؤامرة أكبر وأكثر شراً؟ الحبكة جيدة مثل حبكات أفلام الجريمة المشوقة ولكن الفيلم يحتوي على حبكة معقدة بسبب الشخصيات وأبعادها.
يدور الفيلم حول من فعل الجريمة؟ ولماذا؟ وحول شعور الشخصيات حيال ما حدث. ويستخدم تفاصيل المخرج حبكة المتاهة كخلفية لقضايا الهوية لأن هذا الفيلم له بعد تجاري. فالجريمة بالطبع مثيرة والاكتشافات مذهلة لكن شخصية الممثل ريتشارد جير جيدة جدًا لدرجة أن منح الفيلم قوة دعم اضافية بقوته الأدائية.
غدت قاعة المحكمة مشاهد سينمائية بامتياز بكل فيها من صراعات بين هيئات الدفاع والقضاة والمحلفين والمتهمين والشهود وحراس الأمن وما تحمله ردهات المحاكم من رموز وصور.
العدالة للجميع Justice for All
https://jack.egybest.wtf/movie/and-justice-for-all-1979/#downloadالفيلم (انتاج أمريكي 1979، اخراج نورمان جيوسون) يدور عن قاض متهم بالاغتصاب والمحامي آرثر كيركلاند (آل باتشينو) أجبر على الدفاع عن القاضي الفاسد. لكن القاضي لديه مشاكل مهنية خطيرة مع المحامي لأنه في إحدى المرات رفض الاعتراف بسبب شكليات بسيطة بأدلة دامغة تثبت براءة أحد موكليه.
دراما متواضعة للمحامين عن أخطاء النظام القضائي الأمريكي. فيلم شكوى صريح عن شخصيات تقلل من الحقيقة من خلال الأحداث الرهيبة التي يتم سردها. يخفي السيناريو أكثر من حبكة، واحدة لكن في مشاهد الفيلم مشاهد عنف، وقبل كل شيء يساهم حضور آل باتشينو المتميز في تنشيط الفيلم بشكل كبير.
باسم الأب In the Name of the Father
يتمحور الفيلم حول «جيري كونلون» المواطن الإيرلندي الذي يدان عن طريق الخطأ بمشاركة «الجيش الجمهوري الإيرلندي» في التفجير الذي أودى بحياة خمسة أشخاص في مدينة غيلفورد. (انتاج 1993، إخراج جيم شيريدان) وتبدو أهمية احترام النزاهة الشخصية وقواعد الإجراءات القانونية الواجبة للوصول الفعال إلى العدالة. شكوى اجتماعية مروعة حول السجن الحقيقي لأب وابنه المتهمين زوراً بارتكاب هجوم خلف خمسة قتلى. يمثل الفيلم دراما سجن بسيطة وتعبيرا عن النضال من أجل حقوق الإنسان في الحرية والنزاهة ضمن صدمة السجن الجائر. تظهر علاقة الأب والابن بمشاعر مختلطة عديدة: الإحباط والحب والعجز والاحترام وعدم التسامح. العمل الدرامي عال المستوى و يتم حقن كل مشهد بنوع من التوتر باللحظات التي يشاركها الأب والابن. يتقدم سوء الفهم والغضب والعجز مشاعر مع تقدم الفيلم، وتتحول في النهاية إلى فرح داخل قاعة المحكمة.
تمكن المخرج من استخراج الذهب من أداء الثلاثي الرائد دانيال داي لويس، وبيت بوستليثويت وإيما طومسون. يمثل كل مشهد يشاركه الأب والابن ذروة المشاعرالمطلقة في سينما التسعينيات. تبرز إيما طومسون التي تعرف كيف تمنح الكرامة والإنسانية في دور قصير لكن رائع. باختصار فيلم يعتبر أحد أفضل الأعمال الدرامية التي تجعلنا نتساءل عن النظام القضائي والكفاح من أجل الحقوق الأساسية. إنه شكوى اجتماعية كاملة بكل تفاصيلها وصراعاتها.
الزبون The Client
الفيلم (انتاج 1994، اخراج جويل شوماخر) لديه كل شيء لينجح، حبكة مثيرة للغاية وسيناريو جيد التوجيه من قبل المخرج يتورط فيه أطفال في جرائم قتل أو انتحار/ مافيا / شرطة / محامون … والكل ينظرون إلى شاهد واحد.
اختار مارك وشقيقه يومًا سيئًا للتدخين في الغابة حيث ذهب محام به علاقة وطيدة بالمافيا لينتحر. بالمصادفة يقوم بإخبار الطفل بسر من شأنه أن يضعه في مشكلة خطيرة. الكل يريد أن يعرف السر، لكن الطفل يرفض إخبار أي شيء. في هذا الصدد تظهر المحامية ريجينا ريجي لوف (سوزان ساراندون) على الساحة والتي تعمل كمحامية في البداية وكصديقة لاحقًا لمصلحة الصبي وعائلته. والدة الصبي امرأة مطلقة ولديها طفلان قاصران وتعيش بالكاد في مقصورة وتعمل بجد في وظيفة سيئة لإطعام أسرتها تشهد حياتها اضطرابا كبيرا.
سنستمتع بشد الحبل بين فريق المدعي العام روي الذي ادى دوره (تومي لي جونز) والمحامية والصبي لنرى من يأخذ القطة إلى الماء أولاً. تكون المؤامرات والتوتر جزءًا مهمًا من حبكة هذا الفيلم النفسي تمامًا. حتى المافيا ترى أن السر معرض للخطر، لدرجة أنهم وضعوا الصبي تحت المراقبة لقتله وبقية أفراد عائلته الفقيرة.
حليف الشيطان The Devil’s Advocate
الفيلم (انتاج امريكي1997، اخراج تايلور هاكفورد) كيفين لوماكس (كيانو ريفز) محام شاب لامع لم يخسر أي قضية. يعيش في فلوريدا وسعيد مع زوجته ماري آن (تشارليز ثيرون). في أحد الأيام يتلقى زيارة من محامٍ في نيويورك يمثل شركة محاماة قوية تنوي تعيينه. على رأس الشركة المرموقة جون ميلتون (آل باتشينو) رجل دنيوي، لامع وجذاب لديه خطط مظلمة للغاية. في هذا الفيلم يظهر الشيطان مرة أخرى ليستعير جسد آل باتشينو ليدخل عالم البشر. هنا يبحث الشيطان عن ابنه ولكن ليس فقط لتحويله إلى المسيح الدجال ولكن ليريه العالم كله الذي يمسنا.
«الناموس هو الكهنوت الجديد» لذلك فإن للقصة خلفية كاملة مبنية على القانون. تجريد كامل لنظام القوانين المرعب حيث المال والسلطة هما الإله الوحيد حيث تسود المملكة المادية على الشخصية العاطفية ودفع ثمن الأخطاء. العالم في فوضى: تبجح في الأخلاق والأفكار والمشاعر. يُظهر الفيلم أن كل الشر الذي يثقل كاهلنا هو خطأ الشيطان لكنه يحاول أن يجعلنا نرى أن الشيطان هو قوة بشرية تولد داخل كل فرد ويأخذها كيفن لوماكس (كيانو ريفز) إلى السطح.
سيبيع لوماكس روحه من أجل المجد وبطريقة ما يكون جون ميلتون هو الشخص الذي يمنحه هذه الفرصة. ميلتون (باتشينو يعيد الحياة إلى الشيطان الأكثر مصداقية وإعجابًا) الذي يستأجر أكبر شركة محاماة كيفن لوماكس ليلعب دور «محامي الشيطان» ويضع العالم بين يديه.
«الخطأ هو كيس من الطوب عليك فقط إسقاطه» كيانو ريفز هو الذي يحمل ثقل الكيس. يتم الكشف عن الخطايا الكبيرة باعتبارها الرذائل الأكثر شيوعًا في عصرنا ومعروف جيدًا أن الجملة الأخيرة التي نطق بها باتشينو: «الغرور، بالتأكيد خطيئتي المفضلة». في كل فيلم ينضاف إلى فيلموغرافية المحامين هناك اضافات جديدة ونهل من هذا التاريخ الكبير لهذه الموضوعة المتسمة بالتعقيد والتركيب والشحنات العاطفية وسياقاتها التاريخية وأبعادها. يتعدد موضوعها ويختلف من فيلم لأخر وكذلك الرؤى الاخراجية والغوص في ثنايا الشخصيات ومعها القدرة الأدائية وقدرة كتاب السيناريو على تحويل النص الروائي إلى فيلم ممتع يجعل المتفرج متعطشا لمشاهدته. ذاك وقع السينما في النفوس التي تبحث عن العدالة المفقودة.