رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس
منصور عباس… من خطيب مسجد إلى رئيس أكبر حزب عربي في الكنيست
عندما أعلن رئيس “راعم”، منصور عباس، فجر الأربعاء، بأن قائمته اجتازت نسبة الحسم رغم عينات الانتخابات التي توقعت سقوطها، لا أحد في القائمة المشتركة رف له جفن. البيانات التي تم نقلها إلى مقر القائمة المنافسة أظهرت بيانات مشابهة تقول إن “راعم” سيحظى بتمثيل في الكنيست بما لا يقل عن أربعة مقاعد. صحيح أنه حدث انخفاض كبير في نسبة التصويت في المجتمع العربي، الذي بلغ -حسب بيانات الأحزاب العربية- 53 في المئة، إلا أن هدف القائمة المشتركة و”راعم” تحقق، وهو اجتياز نسبة تصويت 52 في المئة من أجل ضمان تمثيلهما في الكنيست.
بث عباس طوال الوقت تفاؤلاً حذراً، وقال بأنه هو وأصدقاؤه في القائمة يعرفون الميدان ويثقون بأنهم سينجحون في اجتياز نسبة التصويت. التفاؤل أثبت نفسه، والإحباط الذي ساد في مقر “راعم” أمس تبدل اليوم بهتافات الفرح، واحتفل عباس أكثر من الجميع، ليس فقط بتحقيق الهدف، بل ببقائه السياسي أيضاً. نشطاء وشخصيات رفيعة في حزبه يوافقون على أنه لو لم تجتز القائمة نسبة الحسم لما كان هناك مناص من استقالة عباس.
“انظروا أي مقامرة كانت في ذلك”، قال ناشط مخضرم في الحزب في محادثة مع الصحيفة. “خلافاً للقائمة المشتركة وأحزاب أخرى مخضرمة، كانت هذه مسألة حياة أو موت بالمعنى السياسي”. ناشط مخضرم من “راعم” يعتقد أنه “إذا بقيت النتائج كما هي، 5 أمام 7 أو 8، فإن عباس يمكنه مواصلة قيادة الحزب دون أي منافس”. حتى خارج حزب عباس، وفي داخل الساحة السياسية في المجتمع العربي، يبدو أنه لا يوجد له أي منافس. منذ إقامة الدولة وحتى هذه الانتخابات كان “حداش” في موقف الريادة من ناحية التمثيل في الكنيست، لكن يبدو أن “راعم” قد تجاوزه. إذا لم تتغير النتائج فسيكون لحزب عباس 5 مقاعد في الكنيست الـ 24، وهو يتفوق على حداش بمقعدين.
كيف نجح عباس في التحول من سياسي أنّبه الكثيرون، إلى رئيس الحزب العربي الأكبر في الكنيست؟ بصورة استثنائية، تنصرف “راعم” في الأشهر الأخيرة بصورة مخطط لها على الصعيد الإعلامي والجماهيري. كل ظهور لعباس أو لأحد كبار الحزب كان بحاجة إلى مصادقة مسبقة من الطاقم الإعلامي الذي ترأسه الاستراتيجي عايد كيال، الذي عرف عباس منذ بداية عمله كاستراتيجي عند تشكيل القائمة المشتركة في 2015. في حينه، وجد كيال صعوبة في السيطرة على خط الدعاية والرسائل بسبب كثرة الشركاء، الذين في معظمهم لم يحافظوا على انضباط الحملة. ولكن في جولة الانتخابات الحالية اتخذ “راعم” قراراً بالعمل حسب خطة واضحة، وكل مقابلة أو رسالة أعطيت لوسائل الإعلام مرت عبر الطاقم المقلص الذي ترأسه كيال. في الشهر الأخير وحتى صباح أمس، تخلى “راعم” تماماً عن المقابلات في وسائل الإعلام العبرية لأنه اعتقد بأن كل محادثة ستصبح معادية ولن تساهم في زيادة جمهور المصوتين للحزب.
امتنع “راعم” في هذه المرحلة عن التصريح حول من سيوصي به الحزب لتشكيل الحكومة القادمة. وتخلى عباس عن محاولة طرح نفسه كمؤيد لرئيس الحكومة نتنياهو، أو كمن قام بحياكة صفقة معه. وقال إنه غير ملتزم لأي شخص، وأن المبدأ الموجه بالنسبة له سيكون مصالح الجمهور العربي، خاصة معالجة قضايا العنف في المجتمع العربي. كان عباس مستعداً للالتزام بأمر واحد وهو معارضة شديدة لأي حكومة يكون ايتمار بن غبير (الصهيونية الدينية) فيها. “هذا شرط أساسي لا يمكن تجاوزه، وهو غير خاضع للنقاش. ولكن هذا الأمر لا يعني أننا معسكر يسار أو أننا قريبون منه”، أكد عباس في بيان رسمي عشية الانتخابات: “أتصل مع زعماء من اليسار منذ فترة، لكنني لست في اليمين أو في اليسار. من يأتينا بعد الانتخابات ويوافق على طلباتنا حول كل القضايا الملحة، سنفكر بتأييده”.
القضايا الملحة التي قصدها عباس تشمل أيضاً إلغاء قانون كامنتس الذي يشدد العقوبة على البناء على القانوني وتخفيف التخطيط والبناء في القرى العربية. وقد طلب عباس أيضاً الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب وخطط خماسية للسلطات العربية، ويضع معالجة هذه القضايا كشرط لأي مفاوضات في المستقبل. هذا الأسبوع قال رقم 2 في القائمة، مازن غنايم، بأن “راعم” لا يستبعد إجراء استفتاء في أوساط جمهور المصوتين حول الانضمام لهذه الحكومة أو تلك، التي توافق على الشروط التي وضعتها القائمة.
تصالحي وأقل محافظة
عباس، 48 سنة، ولد في قرية المغار في الجليل الأسفل، حائز لقباً في طب الأسنان من الجامعة العبرية. ولكن منذ عقد تقريباً، أصبح شخصيته السياسية كشخصية كبيرة في الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، ويعتبر من تلاميذ مؤسس الحركة، الشيخ عبد الله نمر درويش. خلال دراسته في الجامعة في الأعوام 1997 – 1998 ترأس لجنة الطلاب العرب. ومنذ ذلك الحين تم تشخيصه بأن له إمكانية كامنة للوصول إلى قمة الحزب. في شبابه كان عباس يلقي الخطب في مسجد السلام في المغار، وقد تبنى خطاً تصالحياً وأقل محافظة مقارنة مع الخط الراديكالي للجناح الشمالي للحركة الإسلامية، برئاسة الشيخ رائد صلاح.
في العام 2007 انتخب عباس ليكون الأمين العام لحركة “راعم”، وخلال ثلاث سنوات تقدم لوظيفة نائب رئيس الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية. من هناك كانت طريقه إلى قمة الحركة وتمثيلها في الكنيست ممهدة. في العام 2018 تنافس عباس على رئاسة “راعم” في الكنيست، وانتخب ليحل محل عضو الكنيست مسعود غنايم في هذا المنصب. الانتخابات الداخلية لمرشحي الحركة للكنيست تجري داخل مجلس الشورى، وهو نوع من مجلس الحكماء، وحسب الدستور في الحركة، فإن مرشحي الحزب لا يمكنهم أن ينتخبوا لأكثر من ولايتين كاملتين أو مدة ثماني سنوات بالإجمال.
لم يكن عباس محسوباً مع المؤيدين لتشكيل القائمة المشتركة. وعندما انتخب لرئاسة “راعم”، تفككت القائمة المشتركة. وقد تنافس في قائمة واحدة مع “بلد” في انتخابات الكنيست الـ 21. اجتاز الحزب نسبة الحسم، ولكن فاز بأربعة مقاعد بصعوبة. إن حل الكنيست في 2019 مهد الطريق أمام توحيد صفوف القائمة المشتركة، عندها انتخب عباس للكنيست للمرة الثانية من قبلها. وخلال الحملة للكنيست الـ 22 وبعد الانتخابات، ظهر كسياسي رمادي تصرف في ظل رئيس الحزب أيمن عودة، ورئيس “تاعل” أحمد الطيبي. وقد كان مشاركاً في قرار التوصية ببني غانتس لتشكيل الحكومة. ولكن خيبة الأمل في أعقاب انضمام غانتس لحكومة نتنياهو جعلته يغير موقفه. وقد تبنى موقفاً يقول إن الأحزاب العربية لا يجب أن تكون متماهية بالضرورة مع معسكر اليسار – وسط، وأعلن بأنه مستعد لإجراء اتصالات مع من يحقق مصالح جمهوره.
أظهر عباس معارضته للقوانين المتعلقة بحقوق المثليين، منها القانون الذي يمنع إجراء عمليات التحول الجنسي، وجعل الموضوع على رأس جدول الأعمال العام. موقفه هذا قربه من مكتب رئيس الحكومة، وأدى إلى تبادل الرسائل بينه وبين نتنياهو. خلال بضعة أسابيع نشرت تقارير عن تفاهمات بين “راعم” و”الليكود”، في إطارها تغيب “راعم” عن تصويتات في الكنيست من أجل مساعدة الائتلاف. وصلت الاتصالات بينهما إلى الذروة عند مشاركة نتنياهو في جلسة للجنة البرلمانية لاجتثاث العنف برئاسة عباس. وادعت أوساط في حزبه بأنه شد حتى النهاية المعنى البراغماتي حول استعداده للتحدث مع نتنياهو، لكن الانتقاد الذي وجه إليه بقي داخل مؤسسات الحركة، بما في ذلك مجلس الشورى.
عند حل الكنيست الـ 23، اختار عباس و”راعم” إبراز الخلافات مع “حداش” و”تاعل” و”بلد”، الأمر الذي أدى إلى الانفصال عن القائمة المشتركة قبل التنافس في انتخابات الكنيست الـ 24. الآن يظهر أن عباس يمكنه أن يسجل لنفسه نجاحاً كبيراً – 5 مقاعد تحوله إلى لاعب مسيطر في الساحة السياسية وفي اتخاذ القرار حول من سيشكل الحكومة القادمة.