مجزرة ”طريق الموت“، إنها مجزرة في حق العراق
صورة مؤرخة في 01 آذار/مارس 1991 تظهر خطا طويلا من المركبات، بما في ذلك دبابة عراقية روسية الصنع تركتها القوات العراقية الفارة على مشارف مدينة الكويت.
منذ خمسة وعشرين سنة مضت، وقعت واحدة من أفضع المجازر وجرائم الحرب في حق العراق، على الطريق السريع رقم ثمانون، على بعد حوالي 32 كيلومترا غرب مدينة الكويت.
في ليلة السادس والعشرين من شهر فبراير من سنة 1991، كان الآلاف من الجنود؛ وبعض المدنيين، العراقيين ينسحبون إلى العاصمة العراقية بغداد،
بعد أن تم الإعلان عن وقف إطلاق النار عندما أعطى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الأوامر لجيشه بإبادة الجيش العراقي المنسحب.
قامت الطائرات المقاتلة التابعة لقوات التحالف آنذاك بالتحليق فوق قوافل الجيش العراقي المنسحب، ثم قامت بتفجير الآليات والعربات التي تقدمت القافلة،
والتي كانت في المؤخرة لغلق الطريق ومنع أي كان من الفرار، ثم قامت؛ ولساعات عديدة، دون انقطاع بقصف القوافل بمختلف أنواع القنابل.
كان الأمر أشبه بأمواج تليها أمواج من القنابل.
أسفرت هذه المجزرة عند انتهائها عن ما يقارب ألفي عربة عراقية مفجرة، وما يقارب عشرة آلاف جثة محروقة ومبتورة الأطراف
ملقية على أطراف الطريق على امتداد عشرات الكيلومترات، فيما أصبح يعرف بـ”طريق الموت“.
لاقى العديد من المئات الآخرين نفس المصير على طريق آخر، وهو الطريق السريع رقم 8 الذي يؤدي إلى البصرة،
فأصبحت بذلك هذه المشاهد المؤسفة لهذين الطريقين من بين أكثر الصور التي ميزت حرب الخليج آنذاك.
طريق الموت
في اليوم الذي سبق هذه المجزرة، قامت الحكومة في بغداد بالإعلان؛ عبر إذاعتها الرسمية، على أن وزير الخارجية العراقي آنذاك
قد قبل اقتراح وقف إطلاق النار من طرف الإتحاد السوفييتي، وأنه قد وجه أوامر لجميع القوات العراقية بالإنسحاب من الكويت،
تحت إشراف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
إلا أن الرئيس الأمريكي آنذاك (جورج بوش الأب)، قد رفض أن يصدق صحة ذلك، وأجاب بأنه: ”لا توجد أية أدلة تدعم الإنسحاب الفعلي للجيوش العراقية،
بل العكس، نحن نملك أدلة على أن بعض وحدات الجيش العراقي تواصل القتال حتى الآن، ومنه سنكمل متابعة حربنا.“
في اليوم الموالي، أعلن الرئيس العراقي صدام حسين بنفسه في بث إذاعي على أن الإنسحاب الكامل للقوات العراقية قد بدأ بالفعل على طريقين سريعين،
والذي سيتهي تماما في نفس اليوم، وهو البث والتصريح الذي رد عليه بوش على أنه: ”مشين ومخادع“.
وبدلا من أن يقبلوا العرض المقدم من طرف العراق باستسلامها وترك ساحة القتال؛ ومنه المجازفة بالإستقرار في المنطقة
وهو ما قد لا يكون في صالح الولايات المتحدة، قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش وخبراء الحروب في الجيش الأمريكي ببساطة أن يقوموا بقتل كل ما أمكنهم قتله من الجنود العراقيين.
بدأ القصف حوالي منتصف الليل، في البداية قامت الطائرات المقاتلة التابعة للولايات المتحدة وكندا بقصف النهايات الأمامية والخلفية لقوافل الجيش العراقي المنسحب
من أجل شل حركتها ومنعها من التقدم أو الرجوع إلى الخلف، ثم قاموا بعد ذلك بمهاجمة القافلة المحتجزة عبر ساعات من القصف المتواصل والمتكرر.
تلقى القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الخليج أوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي بوش ”بأن لا يترك أي أحد، أو أي شيء يغادر مدينة الكويت“.
ومنه تعرضت كل عربة كانت تخرج عن الصف وتحاول الهرب إلى المطاردة والقصف والتفجير تماما، حتى بالنسبة للجنود العراقيين العزّل
الذين أعلنوا عن استسلامهم تم إطلاق النار عليهم وإبادتهم. لم ينج أي جندي عراقي في ذلك اليوم.
طريق الموت
عربات مدمرة على الطريق السريع رقم ثمانون، في الثامن عشر من شهر أبريل من سنة 1991 – صورة: TSgt JOE COLEMAN/Wikimedia
كتب الصحفي الأمريكي-اللبناني (جويس شدياك) Joyce Chediac بخصوص ذلك: ”تعرضت الشاحنات لقصف شديد لدرجة جعلها تلتصق بالأرض،
وكان من المستحيل أن تعرف بالنظر إليها ما إذا كانت تحمل سائقين أم لا، كما ذاب الزجاج الأمامي لهذه الشاحنات تماما، وتم اختزال دبابات ضخمة إلى مجرد خردة حديدية“.
وأضاف نفس الصحفي: ”تخرق المجزرة التي ارتكبت في حق الجيش العراقي المنسحب القانون رقم 3 من معاهدات جنيف لسنة 1949 بشكل صارخ،
هذا القانون الذي يجرّم قتل الجنود الذين هم خارج الحرب والقتال“، وأضاف: ”لم يتم إخراج هذه القوات العراقية من الكويت من طرف القوات الأمريكية
كما تزعم إدارة الرئيس بوش، كما أنهم لم يكونوا ينسحبون من أجل إعادة هيكلة وحداتهم للقتال مجددا، في الواقع لقد كانوا ينسحبون لأنهم أصبحوا خارج الحرب،
لقد كانوا عائدين إلى منازلهم ببساطة.“
وأضاف كذلك: ”إنه لجريمة حرب شنعاء أن تهاجم وتبيد جنودا عائدين إلى منازلهم بهذه الطريقة المشينة.“
وقال في هذا الشأن الرائد (بوب نوغنت)؛ وهو ضابط سامي في مخابرات الجيش: ”لم نر أمرا كهذا يحدث حتى في فيتنام، إنه مثير للشفقة.“
وقد كان (مالكوم لاغوش) قد كتب معلقا على هذه الحادثة: ”كان أكثر شيء مربك حول هذه الحادثة كلها هو السرية التي اكتنفتها“، وأضاف:
”عندما تناقلت الصحف القصة في اليوم الموالي كان الكثيرون قد تفاجؤوا لجهلهم بها، فوفقا لأعضاء في إدارة الرئيس بوش ومجالس الشيوخ الخاصة بالقوات المسلحة،
فإن البنتاغون كان يبقي تفاصيل كثيرة عن هذا الهجوم عنهم.“
كما أن وسائل الإعلام هي الأخرى تم إعطاؤها قصة مغايرة تماما، حيث حاول الضباط التنفيذيون أن يصوروا الجيش العراقي على أنه لم يكن ينسحب من الكويت طوعا،
بل أنهم هم من دفعوه للإنسحاب من ساحة القتال عبر تلك العملية العسكرية.
بعد مرور أربعة سنوات على تلك المأساة، حاول الجنرال (نورمان شوارزكوف) تبرير ما كان قد حدث على ”طريق الموت“ خلال قوله:
”لقد كان أول سبب دفعنا لقصف ذلك الطريق السريع القادم من الشمال من الكويت هو أنه كان هناك عدد كبير من الأسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية فيه،
ولقد أعطيت أوامر لكل من يقع تحت سلطتي على أنني أردت كل قطعة من تلك الأسلحة مدمرة تماما. ثانيا، لم يكن هؤلاء مجموعة من الناس الأبرياء
الذين كانوا يحاولون شق طريقهم إلى منازلهم عبورا للحدود العراقية، فقد كانوا مجموعة من المغتصبين، والقتلة، واللصوص الذين قاموا بقتل واغتصاب ونهب مدينة الكويت،
والآن يحاولون الخروج من البلد قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم.“
طريق الموت في العراق
منظر لحاملات الجنود المدرعة العراقية والدبابات والشاحنات التي دمرت في هجوم التحالف على طول طريق الموت
فردة حذاء تم تخليفها في مدينة الكويت بينما تم إخلاؤها على طريق الموت،
سلسلة طويلة من المركبات، منها دبابات وشاحنات روسية الصنع من طراز T-62 –