إهداء إلى شبكة البصرة الحرة الثائرة وإلى المؤمنين بنضال أمتهم العربية على مدى التاريخ والأجيال وإلى العراقيين الطامحين للخلاص من حكومة المأجورين والخونة وإلى كواكب الشهداء من الأمتين العربية والإسلامية الذين سقطوا دفاعا عن ثرى الأمة الطهور. وإلى شهداء معارك الكفاح والنضال من أجل فلسطين حرة عربية وإلى روح الشهيد صدام حسين الذي ظل لسانه يلهج ب(عاشت فلسطين حرة عربية). والى المؤمنين بأن فلسطين لا تحرر ولا تسترد بغير الحديد والنار وبالكفاح الشعبي المسلح. وإلى أبطال معركة تحرير جنين من شهداء الجيش العراقي والمناضلين الفلسطينيين الذين سقطوا دفاعا عن تحرير جنين. وإلى الشهداء الأكرم منا جميعا نهدي هذا البحث.
الفصل الثالث خروج القوات العراقية ومأساة تسليم منطقة المثلث لإسرائيل منذ بداية عام 1949 أخذت الدول العربية تعقد معاهدة وهدنة مع اليهود وكانت البداية بين الجيشين المصري والإسرائيلي في جزيرة رودس يوم 24شباط 1949 ثم تلاها لبنان بعد شهر تقريبا في 23 آذار 1949 ثم تلتها الأردن في 4نيسان 1949 ثم سوريا في 20 تموز 1949،ولم يوقع العراق على اتفاقية الهدنة مع العدو،وانسحب الجيش العراقي في شهر أيار عام 1949 وحل الأردن على قلة عدد جيشه أن يتولى خط الهدنة في القطاع العراقي وأصبحت المنطقة الممتدة من الحدود السورية عند الحمة حتى الحدود الدولية في العقبة (1) (فلسطين معركة التحرير،مرجع سابق،ص123)
انسحب الجيش العراقي،بقرار واتفاق بين نظامي الأردن والعراق الهاشميين وجاءت قوة أردنية لترابط في منطقة الجيش العراقي،ولم تستمر طويلا وانتشرت من جديد حالة الخوف والهلع على مصير القرى والبلدات التي رابط فيها الجيش العراقي، واستلم الأردنيون هذه المنطقة لعدة أيام وتركوها، وبعد أن تيقن وجهاء القرى من خروج العراقيين، قرروا إعلان ولاءهم للأردن،وقدموا مضابط للملك عبدالله يعلنوا فيها الولاء، وظنوا أن هذا الولاء سيساعدهم على الحفاظ على البقية الباقية من البلاد، بينما خرج الجيش العراقي ومعه بعض الفلسطينيين من قرى عرعرة وأجزم وعين غزال، وأخذوا جرحاهم معهم بعد خروجهم من فلسطين. أدرك الفلسطينيون أن منطقة المثلث سلمت بموجب معاهدة رودس وتركت مجموعة قرى فلسطينية أمام قدرها المحتوم وتضم : رأس العين وكفربرا، و كفرقاسم، وجلجولية، وخريش، و الطيرة، وقلنسوة، و الطيبة، و باقة الغربية،وعارة وعرعرة وكفرقرع ومجموعها 22 قرية، وبعد اتفاقية رودوس رجعت القوات الأردنية إلى الشرق كليومتر من خط سكة الحديد، وخضعت منطقة المثلث العربي لحكم عسكري صهيوني منع فيه أهل البلاد بالخروج أو المبيت خارج قراهم إلا بتصاريح ولساعات محدودة.(2) (عرار،عبدالعزيز،خريش،ص89)
قوبلت عملية انسحاب الجيش العراقي وحلول الجيش الأردني بالذهول وشعر الناس باليأس والأحباط وأخذوا يرسلون الوفود من طولكرم وقلقيلية وجنين وعارة وعرعرة إلى قيادة الجيش العراقي في عمان والمفرق وبعضهم توجه للملك عبدالله في مقره بالشونة الجنوبية معلنين عن سخطهم ومتسائلين عن مصير قراهم.
كتب المناضل الوطني والقومي بهجت أبو غربية"هاجت مشاعر الفلسطينيين حيث يوجد الجيش العراقي في مناطقهم،خصوصا منطقة طولكرم وقلقيلية، وشكلوا وفودا ذهبت إلى عمان لمقابلة قائد الجيش العراقي نور الدين محمود لتطلب منه استمرار بقاء الجيش في مناطقهم،لأن عدد الجيش الأردني قليل ولا يستطيع إذا انتشر في استمرار بقاء(1) (بهجت أبو غربية في خضم النضال ص 129).
وعن هذه الوفود تذكر إحدى المصادر: "أخذ والدي الدفتر الذي يحتوي على إحصاء اللاجئين في عرعره وسافر إلى عمان وأخذني معه،كما اصطحب معه خليل الشيخ عبد من عرعره في صيف 1948...وتم ترتيب زيارة وتوجهنا لقصر رغدان وهناك قابلنا الملك عبدالله في حديقة القصر،وكان معه هزاع المجالي رئيس الديوان..وقابلت الملك وأنا أحمل مسدسا محشوا بالرصاص... وألقيت كلمة وتكرر ذهابه لجلالة الملك ورجوه أن يحافظ على بلدهم فرد عليهم إن أنس مكة لن أنس بلدكم عارة وعرعرة ونشر هذا النطق السامي على صفحات الجرائد وجاءت الأنباء تحمل خبر تسليم قرى المثلث لليهود بموجب اتفاقية الهدنة في رودس فأعلن أهل القرى الحداد وألبسوا السواد ونصبوا المناحات في البيوت والشوارع وحزنت أمهات المناضلين اللاتي سيودعن أبنائهن " (2) (يونس،محمد محفوظ خليل،عرعرة وعارة،ص125).
كان من نتائج تسليم منطقة المثلث وانسحاب الجيش العراقي أن حضرت القوة الأردنية ولكنها لم تستمر وتراجعت نحو الضفة الغربية. وبفعل الأحداث تم فتح طريق وادي عارة الذي كان مغلقا أمام القوات اليهودية بحضور ابن غوريون الذي القى خطابا قال فيه ما معناه أن هذا خط حيوي والذي يمر من وادي عارة وقد حاولنا احتلاله عسكريا بثمانية آلاف من الأرغون ولاحتلال قرية كفرقرع ثم عارة وعرعرة، ولكن قوات عارة وعرعرة أرغمت قواتنا على الانسحاب ثم حاولنا احتلاله عندما كانت القوات العراقية ولكن طائراتنا أخبرتنا أنه حصين، وها نحن اليوم نحتفل باستلامه وحضر اليهود لاحتفال وامتلأ الوادي بالمحتفلين (3) (يونس محفوظ،المرجع السابق،ص126).
وحول تسليم المثلث من قبل ملك الأردن بين القائد الأردني عبدالله التل هذه الملابسات وجاء بوثائق وتفصيلات تبين تسليم البلاد من قبل الملك عبدالله والذي حصل على تفويض من الجيش العراقي ونظام الحكم في العراق ولكن لماذا لم يفاوض العراق؟ السبب هو مجاراة المعارضة العراقية والمزاج الشعبي حيث كانت المعارضة قوية(4) (التل عبدالله،كارثة فلسطين،ص472).
كان العراقيون يعارضون التفاوض مع اليهود ولكنهم أمام موافقة الدول العربية عقد هدنة مع اليهود وشعورهم بإمكانية التآمر عليهم من قبل الملك عبدالله حيث وصلتهم أخبار أن الملك عبدالله يخطط مع إسرائيل للانقضاض على القوات العراقية المرابطة في منطقة المثلث الفلسطيني وقد أرسل إلياهو ساسون رسالة للملك عبدالله بين فيها خطته للانقضاض على الجيش العراقي إذا بقي مرابطا في منطقة المثلث الفلسطيني (نابلس وأقضيتها،جنين وطولكرم،وقلقيلية) وقد تسربت الأخبار للعراقيين الذين اختاروا أخيرا الانسحاب(1) (أنظر:عبدالله التل،كارثة فلسطين،ص525).
ومما جرى في قرية الطيرة الصعبية حسبما تناوله المناضل عبدالرحيم عراقي في كتابه(لا تخف) وتوقف اطلاق النار في 3/4/1948 وكان العراقيون ينتحبون كالنساء وهم يقولون : ماذا نقول لأمهاتنا؟ وقد أوصيننا أن لا نعود الا بتحرير فلسطين وإرجاع اللاجئين لبلادهم. أنقول بعناها أم سلمناكم؟ الله واياكم يا أهل الطيرة والله انكم رجال...جاء الجيش الأردني ورفع العلم أياما وانسحب إلى الشرق وخضعت الطيرة للحكم العسكري.
وبسبب انسحاب الجيش العراقي هاجت مشاعر الفلسطينيين وشكلوا وفودا ذهبت إلى عمان لمقابلة قائد الجيش العراقي نور الدين محمود لتطلب استمرار بقاء الجيش في مناطقهم لأن الجيش الأردني قليل ولا يستطيع بانتشاره حماية هذه المناطق،ولكن لم يمكنه أحد مكن اللقاء معه وزاد الطين بلة أنهم علموا بأن اتفاقية رودس تسمح بضم أراض جديدة انسحب منها الجيش العراقي لليهود وهي المسماة بأرض المثلث الفلسطيني وشعر قادة الجيش العراقي بالألم وهو ما سيدفعهم لاحقا لعمل ثورات وانقلابات كان سببها شعورهم بالموقف المخزي لحكوماتهم في فلسطين والتي أرسلتهم فقط كامتصاص لغضب الشارع العراقي وأخيرا جرت ثورة تموز 1958 على النظام الملكي الهاشمي والتي شارك فيها مجموعة من الضباط الذين حاربوا في فلسطين ومنهم :عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف ورفعت الحاج سري وغيرهم.
وحول مأساة المثلث كتب القائد الأردني عبدالله التل تفصيلات حول دور الملك عبدالله وتآمره على الجيش العراقي وعلى الشعب الفلسطيني،حتى أنه كان لديه الاستعداد للتعاون مع اليهود لطرد الجيش العراقي اذا لم ينسحب كباقي الجيوش العربية، ولخص مأساة المثلث في عدة نقاط مهمة: ـ وضعت ما يزيد عن 400000دونم من أراضي فلسطين الخصبة تحت سيطرة اليهود،وقد نصت على منع جنود الاحتلال الاسرائيلي دخولها،ولكنها أذلتهم اذلالا كبيرا.
ثم أنها كشفت العبث بالخرائط وعدم تقدير فداحة النكبة وقد ادعى الملك أنه لم يكن باستطاعته الدفاع عن هذه المنطقة وبالغ في خوفه بسبب نصائح كلوب باشا مع أن احتمال لجوء اليهود لحرب كان ضعيفا وكان بامكان الأردن والعراق المحاربة تحت قيادة مخلصة مكونة من 30 ألف جندي (1)(التل،عبدالله،كارثة فلسطين،ص 535 و536).
ـ واجه العرب الفلسطينيون في هذه المنطقة إذلالا وحكما عسكريا قاسيا بدأ اليهود بجمع السلاح ثم منعوا الناس من الخروج والمبيت ليلا خارج بيوتهم وقراهم إلا بتصاريح،كما أنهم مارسوا القتل ضد من سموهم بالمتسللين والذين عادوا لقراهم واستمر الحكم العسكري حتى عام 1965،وحجبوا عنهم أي اتصال أو تواصل مع إخوانهم في الضفة الغربية بل وزادوا على ذلك بارتكابهم مجزرة كفرقاسم في 26/10/1956. ويذكر فؤاد عبدالنور في كتابه عن المثلث وقد سلك بعض الفلسطينيين سلوكا قبيحا مطبقين المثل القائل: (جوز إمي هو عمي) ففي أحد الاحتفالات التي أقامها الحكم العسكري في قرية الطيبة انقلب عبدالرؤوف عبدالرازق عن ثوريته ليسلم الحاكم العسكري سيف أخيه عارف عبدالرازق!. وحول ما جرى في قرية قلنسوة عند رحيل العراقيين منها بين الضابط رفعت الحاج سري مادحا دور أبناء فلسطين وتضحياتهم في الحرب:اجتمع الناس أمام المقر العراقي اثر دعوة الضابط العراقي رفعت الحج سري الذي ذرف الدمع غزيرا على مرأى من الناس بقوله: أنصحكم أن تبقوا في بيوتكم وعلى أرضكم واقبلوا مصيركم بصبر وحكمة. لقد تقرر بيعكم لأعدائكم بعد تولي الملوك قيادتكم... إني عاجز أن أوفيكم قدركم وشجاعتكم والأمانة تفرض علي أن أسجل أعمالكم. ويضيف اعلموا أنكم في القلب والوجدان لن ننساكم ولن ننسى قضيتكم.. ورحل الجيش العراقي. وتسلم الجيش الأردني مواقعه وانتهى مصيرها بعد أيام في يد اليهود... وأنشد الناس فيهم: يا الأردنية سود الله وجوهكم بعتوا وطنا ودرتوا لنا ظهوركم يا الأردنية يا واقفين ع الحدود بعتو وطنا وسلمتونا لليهود (2). (صالح العلي،بصمات الأيام،ص60)
وبعد سقوط اللد والرملة بتقصير واهمال الجيش الأردني الذي يقوده القائد البريطاني كلوب باشا. حاول عبدالكريم قاسم أن ينجد قرية المزيرعة وحمل إليها 2500 طلقة على بغل ولكنه وجدها قد سقطت ورأيناه راجعا ودموعه على خده وانسحب قائد القوة العراقية إلى كفرقاسم وكان ينشج ويقول "هكذا هي الأوامر" وينقل رواة عن المناضل البعثي الدكتور رفعت عودة من بلدة بديا أن ضباطا عراقيين اجتمعوا ذات يوم في بيته وهو معهم، وكان بينهم عبدالكريم قاسم ووضعوا مسدساتهم على الطاولة وأيديهم فوق المسدسات وأقسموا على قتل الوصي عبدالاله... اتفقوا على أن ينفذ العملية أي منهم متى سنحت الفرصة وفعلا قتلوه بخطيتنا!".(فؤاد عبدالنور:المثلث الأرض والإنسان،ص14)
وعن دور الجيش العراقي كتب المرحوم المناضل عبدالرحيم عراقي من قرية الطيرة وترجم أيضا عن كناب أيام رمات هاكوفيش مبينا الأثر المهم لدور الجيش العراقي في الحفاظ على قرى المثلث حتى أن اليهود في هذه المستعمرة كانوا في حالة عصيبة باعترافهم. وقد وصفها الرئيس أحمد القيسي وهو ضابط عراقي في قصيدة وما جاء فيها: لقد كان في (كوفيش) ثم جماعة أنيط بها درء اليهود الأصاغر(1)(عراقي، عبدالرحيم، لا تخف، ص309 و310)
وعلى أثر الحرب ونتائجها الوخيمة أخذ الحكام العرب يتبادلون التهم فيما بينهم فالأردن يتهم مصر بالتقصير وأنه سلم منطقة بئر السبع والنقب ولم يبق غير قطاع وشريط ضيق "قطاع غزة" والأردن يتعرض لهجوم من مصر وغيرها حيث سلم مدينتي اللد والرملة وارتكبت فيهما مذبحة كبيرة،ويتحدث القائد الأردني عبدالله التل قائد معركة القدس عن قصور ومسؤولية الأمير عبدالله ومن معه من ضباط انجليز،بينما يدافع عسكري مجهول عن جيش العراق ومواقفه في جريدة الحوادث اللبنانية والذي نشر في كتاب (كيف ضاعت فلسطين)،وكتب القائد عمر علي دفاعا عن جيش العراق ونشره في كتاب حول فرية الجيش العراقي :"ما كوا أوامر" والتي نسبت للجيش العراقي أثناء انتصاره في معركة جنين وأن أحد المناضلين الفلسطينيين طالب بمتابعة الهجوم العراقي واحتلال حيفا ولكن القائد نوح رد عليه ما كوا أوامر، وحفظها الفلسطينيون واعتبروها عيبا على الجيش العراقي. وحول ما كوا أوامر وفرية اتهام الجيش العراقي بالتقصير كتب المؤرخ الفلسطيني مقالا جاء فيه: تعتبر عبارة "ماكو أوامر" في اللهجة الشعبية العراقية إحدى العبارات الأكثر وروداً في سياق دعاوى الفلسطينيين ضد جيوش الدول العربية، وتقصيرها في منع النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، والتي تمخضت عن تدمير أكثر من خمسمائة قرية وست حواضر مدنية، وتحويل الغالبية العظمى من سكانها إلى لاجئين في شتى بقاع الأرض. تحولت العبارة لموتيف يتردد عندما يتم وصف تصرف الجيش العراقي في فلسطين، لا سيما وأن العبارة هي عبارة عراقية قالها، حسب الرواية الشعبية، أحد القادة الميدانيين للجيش العراقي لمجموعة من المدنيين في منطقة جنين الذين طالبوه باستغلال الاندفاع العراقي بعد صد القوات اليهودية عن جنين.. وتطوير هجوم مضاد يسترد ما كان قد احتل من قرى شمالي قضاء جنين كالمزار ونورس و زرعين من الشرق واللجون والمنسة من الغرب. ما من شك إلى أن عملية نسب القصور العربي في فلسطين إلى الجيش العراقي من خلال هذه العبارة المشهورة فيها من التجني والظلم التاريخي الشيء الكثير، سيما وأن هذا القوات (إن كانت قوات المتطوعين والأفواج العراقية التي شاركت في جيش الانقاذ... كان لها الفضل الكبير في الحفاظ على المناطق التي رابطت فيها، ومنع القوات اليهودية من دخولها كمنطقة المثلث العربي... الممتدة من كفر قاسم في الجنوب وحتى مقيبلة وصندلة في الشمال، وقد خاض الجيش العراقي في سبيل الحفاظ على هذه المنطقة، على الرغم من القسريات الهائلة والقيود الممضة، معارك حامية الوطيس سقط فيها عشرات الشهداء العراقيين تشهد عليهم مقابر الطيرة وطولكرم وجنين وكفر قرع وكفر قاسم وقلقيلية وعارة وعرعرة، هذا عوضاً عن متطوعين عراقيين متفرقين سقطوا في الدفاع عن قرية الشجرة قرب الناصرة... وعن قرى عين غزال، إجزم وجبع في منطقة الكرمل لدى الساحل الجنوبي لحيفا. ... وشارك العراق (في إطار قوات المتطوعين التي قادها فوزي القاوقجي) بثلاثة أفواج عراقية هذا إضافة إلى ثلاثة من الجنرالات (طه الهاشمي، إسماعيل صفوت ونور الدين محمود) الذين كانوا أعضاء في اللجنة العسكرية للجامعة العربية والتي أشرفت على تجنيد جيش الإنقاذ وتسليحه وإمداده بالذخيرة. ولكن علينا أن نؤكد أن حجم المشاركة العسكرية العراقية في فلسطين عام 1948.. لم يرتق إلى المستوى المطلوب، ليس بسبب قوى وقدرات الجنود العراقيين ومدى جاهزيتهم للقتال، وإنما بسبب تردد الأوساط السياسية العراقية العليا وإحجامها عن إرسال أفضل الوحدات العسكرية المقاتلة وامتناعها عن إرسال قوات جوية كافية للدفاع عن القرى والمدن الفلسطينية، هذا فضلاً عن ضغوطات مارستها بعض النخب العراقية (في الجيش والحكومة) والتي عارضت الميول القومية العربية وطورت نزعات محلية انعزالية وشعوبية، ورأت في أي تدخل عراقي في فلسطين أو أي قطر عربي آخر تبديدا واستنزافا لقدراته ومقدراته.. ... شارك زهاء 800 عراقي في قوات المتطوعين العرب، في حين بلغ عدد جنود الجيش العراقي في قمة مشاركته في المرحلة الثانية عشرة آلاف جندي.
على الرغم من كل هذه الظروف فقد كانت مشاركة العراقيين، حيثما أتيح لهم ذلك، مؤثرة وفعالة وساهمت بالإبقاء على قطاعات واسعة عربية ومنعت تهجيرها. في المرحلة الأولى شارك المتطوعون العراقيون بقيادة المقدم علي غالب عزيز في معركة رأس العين الأولى (الثامن من آذار 1948) حيث انتزعوا منطقة العيون ومنشآت المياه من أيدي البوليس البريطاني ومنعوا تسليمها لقوات الهاجاناه (كما جرى في حالات أخرى كثيرة قام الإنجليز فيها بتسليم منشآت حيوية لليهود). وقد خسر العراقيون في هذه المعركة شهيداً واحداً وأصيب جندي آخر بجراح متوسطة نقل على أثرها للعلاج في مشافي يافا.
كما وشارك بعض المتطوعين العراقيين في هذه المرحلة في معركة كفر قرع حيث نظّم أربعة ضباط منهم وضابطان سوريان آخران المعركة التي خاضها أبناء تلك القرية يوم الثامن من أيار وصدوا فيها هجوما مركزاً لقوات الهاجاناه أرادت من خلاله الاستيلاء على كفر قرع وممر وادي عارة الاستراتيجي المهم. كما وتكبدت قوات المتطوعين العراقيين خسائر كبيرة في الأرواح (17 شهيداً) في هجوم جيش الإنقاذ الفاشل على مستوطنة مشمار هعيمق..أما في المرحلة الثانية للحرب فقد بدأت بدخول وحدات من الجيش العراقي النظامي فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948 عن طريق جسر المجامع واشتباكها مباشرة مع القوات اليهودية في كوكب الهوى وجيشر، حيث استشهد في هاتين المعركتين 40 جندياً عراقياً، ومن ثم تقدم باتجاه مرج بن عامر وقضائي جنين وطولكرم و قضائي يافا والرملة،وفي أثناء انتشاره في هذه الجبهة التي زاد طولها عن 110 كم، خاض معركة الطيرة – رامات هكوفيش في الرابع والعشرين من أيار 1948 والتي سقط فيها 12 شهيداً عراقياً ثم معركة راس العين الثانية في 30/5/1948والتي فقد فيها شهيدان ومعركة جنين والمزار في الفترة الواقعة بين 2-4 حزيران والتي فقد فيها العراقيون 65 شهيداً وفي معركة قاقون (قضاء طولكرم) التي وقعت في الخامس من حزيران، وفقد فيها الجيش العراقي 45 شهيداً.
هذا ناهيك عن صدامات واشتباكات متفرقة شارك فيها العراقيون في مجدل يابا (فقدوا فيها 4 شهداء) وقلقيلية (4 شهداء) وطولكرم (8 شهداء) وكفر قاسم (9 شهداء) وباقة الغربية (شهيد عراقي واحد) وعارة (شهيد عراقي واحد). كما وفقدت القوة الجوية العراقية خمسة طيارين تم إسقاط طائراتهم ومنهم قائد سرب برتبة عقيد. وبذلك يكون مجموع ما فقدته القوات العراقية وقوات المتطوعين العراقيين في فلسطين 131 شهيداً، هذا عوضاً عن مئات الجرحى الذين سقطوا على خطوط الجبهة الطويلة التي تواجد فيها العراقيون.
إن هذه الأرقام تثبت بما لا يقبل مجالا للشك بطلان مقولة "ماكو أوامر" في كل ما يتعلق بالمشاركة العراقية في الحرب وتأثيرهم المباشر على سيرها في مناطق التماس التي تواجدوا فيها. ولا تقتصر منجزاتهم على هذا العدد من الشهداء فحسب بل يمكن الإدعاء أن تواجدهم في الوقت المناسب منع تهجير عشرات القرى في مناطق وادي عارة وشمالي قضاء جنين، بل ومدن جنين وقلقيلية وطولكرم. إذ يفيد شهود عيان جمعنا شهاداتهم... بأنه لولا تدخل الجيش العراقي وصده للهجمات الصهيونية لما كان باستطاعة سكان هذه القرى الصمود في أراضيهم. بل أن هذه الشهادات تؤكد أيضاً حسن معاملة الضباط والجنود العراقيين للسكان لدرجة أنه في بعض المناطق التي كانت تعاني الشح الشديد بالأغذية، كان الجنود العراقيون يتقاسمون مع السكان الأغذية والمؤن... ولعل الاحتفال الوداعي المهيب الذي نظمه سكان باقة الغربية لوداع الضباط والجنود العراقيين الذين رابطوا هناك حتى اتفاقيات الهدنة وتسليم المثلث لإسرائيل لهو الإثبات الدامغ على ما ربط الفلسطينيين وجنود الجيش العراقي الذين دافعوا عنهم من وشائج المودة والمحبة والتقدير".(1)(نشره في موقع عرب 1948،حيث جاءت بعنوان: من دفاتر النكبة (1): الجيش العراقي ومساهمته في حرب 1948 بين الحقيقة التاريخية والرواية الشعبية المشوهة)
ثم توقفت المدافع وتوقف إطلاق النار وانسحبت القوات العراقية من منطقة المثلث العربي، وحلت بدلا منها قوات أردنية يقودها كلوب باشا وهو ضابط بريطاني ويلقب بأبي حنيك وكانت مأساة المثلث حينما فاوض الجيش الأردني نيابة عن الجيش العراقي حيث رفضت القيادة العراقية التفاوض مع اليهود بحجة الشرف العسكري الذي يمنعها ولكن السبب الحقيقي هو قوة المعارضة العراقية واحتجاج العراقيين وسخطهم،ولهذا السبب قام الملك عبدالله وحكومته بالتفاوض مع اليهود. أشفق الجيش العراقي على بضعة آلاف من الفلسطينيين من قرى حيفا والذين كان عددهم خمسة آلاف فلسطيني عند بداية وصولهم إلى العراق، وأصبحوا حاليا عشرين ألف، قد جاءوا من قرى منطقة مثلث الكرمل بعد استيلاء العصابات الصهيونية عليها. إذ تعاطفت القوات العراقية التي شاركت في حرب فلسطين، مع مأساة الفلسطينيين، ورحبوا بهم لكي يكونوا ضيوفا على الحكومة العراقية. ونقلت العائلات الفلسطينية بآليات عراقية إلى بغداد، بينما بقي الشباب منهم يقاتلون تحت إمرة الجيش العراقي، والتحقوا بعد انتهاء الحرب بعائلاتهم، وبعد وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى العراق، أصبحوا تحت رعاية وزارة الدفاع العراقية، حيث تم توزيع سكنهم في المقرات الحكومية، وعلى مناطق بغداد والموصل والبصرة. وصدر في عام 1964 قرارا بمعاملة الفلسطينيين في العراق معاملة العراقيين في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات. وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1968، أصدر مجلس قيادة الثورة العراقي، قرارا بإنشاء مجمعات سكنية شعبية تتوفر فيها كافة الشروط الصحية،في منطقة الدورة، وتبقى هذه الدور ملك للدولة يتمتع الفلسطيني بمنفعتها مادام موجوداً في العراق، وبمساواة الفلسطينيين بالعراقيين عند التعيين والترفيع، إلى حين عودتهم إلى ديارهم.كما صدر قرار آخر في عام 2001 نص على معاملة الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق، معاملة العراقيين في جميع الحقوق والواجبات، باستثناء الحق في الحصول على الجنسية العراقية. إلا أن الفلسطينيين في العراق لم يقدر لهم الاستفادة من القرار سوى عامين، إذ احتلت العراق بعد ذلك، وفقدوا مع الاحتلال جميع المكاسب التي حصلوا عليها منذ لجوئهم(1) (انظر:موقع دنيا الوطن بتاريخ3/12/2011 نقلا عن مجلة الغد جريدة الغد: محنة الفلسطينيين في بغداد وقضية القنصلية في شمال العراق) ومنهم موسى ديان وغيره،وقد تعهدوا بالحفاظ على منطقة المثلث واستلموها من الجيش العراقي وتوزعت القوة الأردنية في نابلس وجنين وقلقيلية وطولكرم وقرى المثلث في السهل الساحلي ولكنها لم تمر سوى أسابيع و سرعان ما انسحبت،وخضع الفلسطينيون في هذه المنطقة لحكم عسكري قاس استمر حتى عام 1965. |