قراءة في وثائق جمال عبد الناصر حائط الصواريخ…. والمعركة الاخيرة في حياته
اسحق البديري
اريد ان اتحدث اليوم ونحن نطل على ذكراه ، ذكرى مرور واحد وخمسين عاما على رحيل جمال عبد الناصر عن عالمنا وعن دنيانا في 28 سبتمبر ايلول 1970 ،عن وثائقه واوراقه لانها تكتسب اهمية بالغة لارتباطها باهم واخطر سنوات التاريخ العربي المعاصر في القرن العشرين ، ويقينا ان هذه الوثائق والاوراق تعتبر مصدرا هاما لاي دارس وباحث لتجربته الي امتدت على مدى ثمانية عشر عاما ، فضلا عن انها هامة لملايين العرب العاديين من مؤيديه ومعارضيه .
لقد امضيت ساعات وساعات خلال الاسابيع الماضية متصفحا ومتابعا وقارئا بل غارقا في مئات الاوراق من وثائق جمال عبد الناصر وقد وجدت قسمها الاكبر منشورا الكترونيا ورقميا على صفحة الانترنت التي تحمل اسمه تحت عنوان
www.Nasser.bibalex.org ووجدت قسما آخر ورقيا منشورا ضمن عدة كتب لعل اهمها سلسلة كتب بعنوان ” جمال عبد الناصر الاوراق الخاصة”
ومجمل هذه الوثائق الالكترونية والورقية هي التي تمكنت الدكتورة هدى جمال عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل من الحصول عليها من مصادرها الرسمية الموجودة والمتوفرة لدى ارشيفات الدولة المصرية وذلك بعد مثابرة و جهود صعبة ومضنية واجهت خلالها مصاعب وعراقيل كثيرة ، وقامت على مدى اكثر من ثلاثين عاما بجمعها وترتيبها وتنظيمها وفهرستها ورقيا قبل ان تتحول رقميا ، وقامت بنشرها على صفحة الانترنت التي انشأتها قبل ان تشترك معها في هذا الجهد مكتبة الاسكندرية ويمكن القول ان هذه الوثائق هي وثائق رسمية تتعلق بالدولة المصرية وهي تضم خطاباته وتصريحاته ومحاضراجتماعات وجلسات مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء والمؤتمر الوطني للقوى الشعبية والمؤتمر القومي واللجنتين المركزية والتنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي ومحاضر اجتماعاته مع زعماء وقادة العالم ومحاضر اجتماعاته مع شخصيات عربية وعالمية ونصوص الرسائل الرسمية المتبادلة بينه وبين زعماء العالم ومحاضر اجتماعات عربية هامة منها على سبيل المثال محاضر محادثات الوحدة بين مصر وسوريا والعراق وغير ذلك كثير وقد قامت الدكتوره هدى عبد الناصر بنشرها على موقع صفحته على الانترنت وهي متاحة لمن يريد الاطلاع عليها
واضافت الدكتورة هدى عبد الناصر مجموعة اخرى من الاوراق والوثائق وهي على جانب كبير من الاهمية وجدتها في منزله في منشية البكري وقامت بجمعها وتصنيفها ونشرتها ورقيا في سلسلة من الكتب بلغت ستة اجزاء وحملت عنوان عبد الناصر الاوراق الخاصة ، وهي في كثير منها اوراق بخط يده وهي وثائق بعضها خاص بالزعيم الراحل واكثرها تتصل وتتناول القضايا والمشاغل الرئيسية التي كان يتابعها ويضع تقديرات موقف بخصوصها خلال فترة حكمه لمصر ما بين عامي 1952 و1970 وبمناسبة الحديث عن وثائق عبد الناصر فقد قال الاستاذ محمد حسنين هيكل في مقال له بعنوان ” عبد الناصر ليس اسطورة ” نشره في صحيفة الاهرام بتاريخ 6/11/1970 ” لقد قمت بإحصاء سريع – وتقريبى – عما تركه جمال عبد الناصر من فكره وكانت النتيجة مدهشة.- ملء أكثر من ستة آلاف صفحة جريدة، مليئة بكلماته خلال الثمانية عشر عاماً الأخيرة، سواء فى الخطب أو الأحاديث.- امتداد ثلاثة آلاف ساعة مسجلة بصوته وصورته فى الإذاعة والتليفزيون فى مصر وخارج مصر…- ما لا يقل عن ألف ساعة مسجلة أو مدونة له فى محاضر جلسات رسمية تمس قضايا العمل الداخلى والعربى والدولى كلها. وبالطبع فان ما تكشف من وثائق بعد ذلك كان يفوق ما توقعه الاستاذ هيكل خصوصا وانه قام بنفسه بتصوير وحفظ كل او معظم ارشيف منشية البكري .المقر الرسمي للزعيم الراحل
على اية حال ، وجدت نفسي اقرأ وأقرأ ، واغوص في بعض قليل من هذه الوثائق وهي بالالاف واتنقل بين بعض اوراقه وهي ايضا بالالاف واكثرها بخط يده ، واقول بان هذه الوثائق المنشورة والمتاحة حتى الان – وهي بالطبع ليست كل وثائقه فما زالت هناك وثائق محبوسة في ارشيفات الدولة المصرية وارشيفات اجنبية – هذه الوثائق تكشف بوضوح ملامح الدور الهائل والكبيرالذي قام به الرجل – وهو في رحاب الله منذ اكثر من نصف قرن – سواء على المستوى المصري او العربي او الدولي ، لقد كان عبد الناصر عملاقا وسط عمالقة عصره ، اصاب وأخطأ لكنه بقي والى النفس ألأخير مقاتلا ومناضلا من اجل المبدأ خاض حروبه ومعاركه من اجل ان تكون هناك امة عربية قوية وقادرة ، ومن اجل وطن عربي كبير حر ومستقل ، وبأن تكون ارض العرب للعرب وثروات العرب للعرب ، واراد وعمل من اجل وطن عربي يتمتع ابناؤه بالكرامة والكبرياء والعزة ، وجعل من مصر نموذجا وقاعدة لبناء مجتمع اكثر تقدما واكثر تقدمية ، مجتمع الانتاج والخدمات مجتمع الكفاية والعدل مجتمع العدالة الاجتماعية مجتمع المجمعات الصناعية والمجمعات الزراعية على امتداد نهر النيل من السد العالي عند اسوان جنوبا الى الاسكندرية وبورسعيد شمالا ، وجعل من مصر ايضا قلعة متقدمة دفاعا عن اوطان وقضايا عربية وافريقية كثيرة وفي مقدمتها قضية شعب فلسطين ، وكان يرى ان الامن الوطني المصري يرتبط ارتباطا وثيقا بالامن القومي العربي وما من علم ارتفع فوق عواصم متعددة الا وكانت يد الشعب المصري تشارك في رفعة .
وفي ظني ان وثائق عبد الناصر تكتسب اهميتها لكونها تغطي ثمانية عشر عاما من اهم سنوات التاريخ العربي المعاصر ، سنوات مليئة بالاحداث الجسام التي مرت بها المنطقة العربية والعالم ، سنوات شهدت انتصارات وانكسارات لكنها كانت بحق سنوات الكرامة والكبرياء .
……وتكشف الوثائق حتى الاجنبية منها ان قوى الاستعمارالقديم والجديد لم تتركه ، والمؤكد ومن خلال الوثائق ان اسرائيل بالذات لم تتركه ابدا لاحقته منذ شعرت بالقلق منذ الشهور الاولى لثورة يوليو لقيامه ببناء مصر الحديثة وتطويرها في كل مجالات الحياة في الاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة والزراعة وغيرها الى الحد الذي جعل دافيد بن غوريون اول رئيس وزراء لاسرائيل يعقب على كلام نقله اليه احد زوار القاهرة من الاميركيين ان عبد الناصر مهتم جدا بتنمية بلاده بقوله “هذا اسوأ خبر سمعته في حياتي ” وواصلت اسرائيل ملاحقته حتى النهاية .
واعترف ان اكثر ما شدني في تلك الوثائق هو ما يتعلق باحداث ما بعد حرب يونيو 1967 وحرب الاستزاف ، حيث تكشف وثائق تلك المرحلة كيف خاض عبد الناصر اهم واخطر حروبه واكثرها شراسة وهي حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية او حرب الالف يوم كما كان يطلق عليها الاسرائيليون
وتكشف وثائق ما بعد حرب يونيو 1967 التطورات التي جرت في مصر منذ بدء العدوان في 5 يونيو والتي تحدث عنها باستفاضة وبتفاصيل كاملة خلال جلسات واجتماعات رسمية سواء على مستوى مجلس الوزراء او اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي وحتى مع القيادات العسكرية ، وتظهر الوثائق كيف مارس عبد الناصر نقدا ذاتيا لنفسه وكان قاسيا على نفسه في كثير من الاحيان ،وتبين الوثائق وتظهر محاضر الجلسات كيف انتقد نظامه باشد العبارات متحملا المسؤولية عما جرى
ان وثائق ما بعد حرب 1967 وحرب الاستنزاف تعتبر من اهم واخطر وثائق عبد الناصر وهي تستحق الدراسة والمتابعة والتحليل وتشير وثائق تلك المرحلة الى عظمة الشعب المصري والامة العربية كلها ، عظمة الرجال والنساء الذين رفضوا الاستسلام بعد الهزيمة العسكرية وصمموا على مواصلة النضال لتحرير اراضيهم المحتلة ، كما تكشف هذه الوثائق دور عبد الناصر في مواجهة الازمة الكبرى التي عصفت بمصر والوطن العربي وكيف قاد حرب الاستنزاف على كل المستويات سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، مصريا وعربيا ودوليا ، وتشير وثائق تلك المرحلة الى ان الزعيم الراحل كان يتابع بدقة وبتفاصيل عملية اعادة بناء القوات المسلحة المصرية من وسط الحطام والانقاض وهي المهمة التي اوكلها الى اثنين من المع القادة العسكريين المصريين وهما الفريق اول محمد فوزي الذي عين قائدا عاما والفريق عبد المنعم رياض الذي عين رئيسا لهيئة اركان حرب القوات المصرية ، وكان يتابع تطور هذه القوات من حيث التدريب والتخطيط والتسليح ، وتكشف الوثائق عن محاضر اجتماعاته مع القادة العسكريين خلال حرب الاستنزاف على كل المستويات من قادة الاركان الى قادة الجيوش الى قادة الفرق والالوية وحتى قادة الكتائب وبعض قادة السرايا في مختلف الاسلحة البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي كما تكشف هذه الوثائق عن محاضر اجتماعته مع القادة والخبراء السوفيات
وتشير الوثائق كيف خاضت القوات المصرية المسلحة تحت قيادته خلال تلك الحرب معارك متعددة بدأت بعد عشرين يوما فقط من هزيمة يونيو العسكرية بمعركة رأس العش في اول تموز 1967 وانتهت باستكمال بناء اكبر حائط لصواريخ الدفاع الجوي في الشرق الاوسط في ليلة الثامن من آب 1970 ،
ولعل الاهم الاهم من هذه الوثائق التي شدتني اليها تتصل بوثائق معركته الاخيرة الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والتعبوية التي تواصلت منذ مطلع عام 1970 وحتى رحيله في 28 ايلول من نفس العام كانت معركته الاخيرة من اشرس وانبل معاركه في تلك الحرب ، لقد انتصر جمال عبد الناصر في تلك المعركة حين اكتمل بناء حائط الصواريخ الذي لولاه لما نجح الجيش المصري في عبور قناة السويس سنة 1973 .
والملفت في هذه الوثائق وهي على جانب كبير من الاهمية ان الشاغل الرئيسي لعبد الناصر في نهاية عام 1969 كان يتعلق بمسالة بناء شبكة دفاع جوي تغطي سماء مصر كلها وبالذات عند قناة السويس تكون قادرة على مواجهة التفوق الجوي الاسرائيلي وتحييده كي تتمكن القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس في ظل شبكة الدفاع الجوي .
كانت حرب الاستنزاف في نهاية العام 1969 على اشدها ، كانت عملية اعادة بناء القوات المسلحة المصرية تمضي على قدم وساق وتتم في اصعب الظروف تدريبا وتسليحا وتعبئة ، برا وبحرا وجوا ، كانت مصر قد وقفت على قدميها وكان جيشها يقاتل بالحديد والدم والنار على طول جبهة المواجهة عند قناة السويس من بور سعيد شمالا الى السويس ومنطقة البحر الاحمر جنوبا ،
كانت المواجهة في تلك المرحلة بين يد اسرائيل الطويلة قواتها الجوية وبين قوات الدفاع الجوي المصري الذي انهكته الغارات الاسرائيلية المتواصلة والمستمرة كانت اسرائيل في تلك الفترة تسعى الى تقويض الاستعدادات العسكرية المصرية في محاولة لمنعها من الهجوم وعبور قناة السويس الى الشرق .
كانت المعلومات تتدفق الى القاهرة حول نوايا اسرائيل خلال العام 1970 وتشير الوثائق الى ان عبد الناصر كان يتابع المعلومات التي ترد من داخل اسرائيل سواء بواسطة اجهزة المخابرات العامة والمخابرات الحربيةاو عن طريق مصادراخرى صديقة وشقيقة ولعل بعض هذهالوثائق تكشف عن معادن واصالة رجال شاركوا بتزويد القيادة المصرية بتقارير ووجهات نظر عن تفكير واتجاهات ونواياالمواقف الاسرائيلية وهي تقارير ساعدت في حينه على تمكين القيادة المصرية من تقدير مواقفها ووضع استراتيجياتها في مواجهة اسرائيل ومن بين هذه التقاريرعلى سبيل المثال تقرير كتبه مواطنان عربيان من في الاراضي المحتلة وقد ورد ضمن وثيقة حملت عنوان سري للغاية جدول اعمال اجتماع السيد رئيس الجمهورية القائد الاعلى للقوات المسلحة بقادة القوات المسلحة في مقر القيادة العامة بتاريخ 1/6/1970 وورد التقرير تحت عنوان تقرير اخبار سري جدا من هيئة الخدمة السرية المجموعة 350 بتاريخ 4/1/1970 موجه الى مدير مكتب رئيس المخابرات العامة ورئيس هيئة المعلومات والتقديرات وتم استلام الخبر في 2/1/1970 وكان الموضوع ” اسرائيل ونواياها تجاه الجمهورية العربية المتحدة وهذا التقرير اطلع واشر عليه جمال عبد الناصر باللون الاحمر وقد اشار ملخص التقرير في البند الاول الى اولا : ان هناك اتجاها قويا في اسرائيل يتزعمه موشى دايان وزير الدفاع وحاييم بارليب قائد الجيش يهدف الى القيام بعمليات عسكرية واسعة ومركزة على الجبهة المصرية لضرب القوة العسكرية المصرية وبشكل خاص سلاح الطيران ويقول التقرير في بنده الثاني ثانيا : ان لديه – صاحب التقرير – معلومات تفيد بان دايان عقد عدة اجتماعات مع بارليب وهو قائد الطيران الاسرائيلي لمناقشة مشروع خطة للعمليات الواسعة ومن المرجح ان تتم هذه العمليات في الربيع القادم -ربيع 1970
وبالفعل فان اسرائيل بدأت منذ السابع من كانون الثاني 1970 في شن غارات مكثفة على المواقع والقواعد العسكرية المصرية وبالذات مواقع بطاريات قوات الدفاع الجوي المصري على الجبهة وامتدت الى العمق المصري ، ووسعت غاراتها فيما بعد ضد اهداف مدنية مثل مصنع ابو زعبل ولحقا مدرسة بحر البقر
واتخذ جمال عبد الناصر قرارا استراتيجيا حيث توجه الى موسكو في زيارة سرية في الثاني والعشرين من كانون الثاني ليطلب من القادة السوفيات تزويد مصر باسلحة حديثة ومتطورة وفي مقدمتها اسلحة وصواريخ متطورة في مجال الدفاع الجوي لمواجهة الغارات الاسرائيلية التي تعاظمت في مطلع تلك السنة بعد وصول طائرات الفانتوم من الولايات المتحدة حيث بدا واضحا ان هناك اتفاقا اميركيا اسرائيليا لارغام مصر على الاستسلام لشروطهم
وتكشف محاضر الجلسة الاولى التي انعقدت بتاريخ ما بين بتاريخ 23 /1 /1970 قوله للقادة السوفيات : ان اسرائيل تعتقد أن الصيف القادم لا بد لمصر من القيام بعمل هجومى لعبور قناة السويس والا تاثرت الاوضاع الداخلية في مصر هدف اسرائيل الان هو منع أى تهيئة للقوات المصرية لعمل هجومى، ويشرح عبد الناصر امام القادة السوفيات بالتفاصيل حقيقة نوايا اسرائيل والعنف الذي تستخدمه ضد مصر بواسطة غارات الطيران المستمرة والمتواصلة ، ويضيف عبد الناصر طبقا لمحضر الجلسة :نقلا عن متحدث عسكرى اسرائيلى: قوله إننا نحاول الحيلولة ضد الحرب؛ أن المصريين دون غطاء جوى لن يحاولوا الحرب.
وتمضي محاضر تلك الجلسات التي تواصلت في موسكو طوال ايام 23 و24 و25 /1/1970 لتكشف كيف كان عبد الناصر حاسما وحازما في مواقفه ومطالبه ، وكيف نجح في اقناع القادة السوفيات بارسال صواريخ متطورة من طراز سام 3 مع اطقمها من الجنود والضباط السوفييت بالاضافة الى ارسال مزيد من الطائرات باطقمها السوفياتية ايضا للدفاع عن عمق الاراضي والمدن المصرية ، وقد كان . وفي اواخر شهر مارس اذار بدأ الموقف على الجبهة المصرية يتغير تدريجيا وفقا لما تكشفه وثائق تلك المرحلة حيث بدأت اسلحة وصواريخ الدفاع الجوي تنزل في ميناء الاسكندرية وتأخذ مواقعها لتعزيز الدفاعات الجوية المصرية في المدن والمراكز الاسترتيجية لمصر ،وبدأت في نفس الوقت كتائب الدفاع الجوي المصري المتطورة تتقدم الى جبهة قناة السويس .
وفي وثيقة منشورة بخط يده يكتب جمال عبد الناصر في 11 مايو 1970
بعنوان استكمال شبكة الدفاع الجوي
– نجاحنا نقطة انطلاق لتحرير اراضينا
– فشلنا استمرار لسيطرة العدو الجوي وتجميد الاوضاع الحالية وبالتالي فرض شروط العدو بالقوة
هذه معركة سنة 1970 بيننا وبين العدو
وبجهود خارقة بذلها جنود مصر ومهندسيها وعمالها – سقط منهم الالاف من الشهداء والجرحى – نجحت مصر في عملية بناء وتشييد وتجديد شبكة الدفاع الجوي المصري التي بدأت العمل في الثلاثين من يونيو 1970 والتي تمكنت – في اسبوع واحد اطلق عليه اسبوع تساقط الطيران الاسرائيلي -من اسقاط 12 طائرة واسر 3 طيارين ، وفي ليلة الثامن من آب 1970 ليلة وقف اطلاق النار على الجبهة المصرية بموجب مبادرة روجرز تم دفع عشرات كتاب الصواريخ الى جبهة قناة السويس وفقا لما اشارت اليه الوثائق الامر الذي ادى الى استكمال بناء حائط الصواريخ
ونجح جمال عبد الناصر في معركته الاخيرة وراح يستعد لمعركة العبور الكبرى تنفيذا لما كتبه بخط يده ” بان نجاحنا في استكمال شبكة الدفاع الجوي هي نقطة انطلاق لتحرير اراضينا “
وبعد اقل من شهرين اغمض جمال عبد الناصر عينيه ورحل عن الدنيا تاركا وراءه اكبر حائط للصواريخ الذي لولاه لما نجح الجيش المصري في عبور قناة السويس سنة 1973 ، طبقا لما قاله موشى دايان وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق بعد ايام من اندلاع حرب اكتوبر ” ان جذور هذه الحرب اللعينة الثقيلة بايامها وخسائرها قد وضعت في عام 1970حين اقام المصريون مواقع صواريخهم المضادة للطائرات عند الشاطئ الغربي لقناةالسويس واصبح لديهم القدرة على حماية قواتهم في عملياتهم الهجومية شرق قناة السويس “
والمطلع على وثائق مرحلة ما بعد سنة 1967 سيرى ويتأكد بان السنوات الثلاث 1967 – 1970 كانت من اقصى السنوات في حيات جمال عبد الناصر ، وربما كانت اكثرها عذابا وألآما نفسية وجسدية على المستوى الشخصي وأكثرها عملا واقتدارا ونضوجا ، كان عبد الناصر على حد تعبير الاستاذ محمد حسنين هيكل يرى مصرسنة 1967 ملقاةعلى الارض وسط الحطام والانقاض مثخنة بجراحها ، وكان يراها في عامي 1968 و1969 تهم على ركبتيها ، وحين وقفت مصر على قدميها سنة 1970 كان هو يلفظ النفس الاخير .
وقد كان ، تحقق أمل جمال عبد الناصر ، حين رأى العالم كله جنود مصر وهم يتدفقون في قواربهم بالالاف فوق مياه قناة السويس ، ويتدفقون بمئات الالاف فوق جسور العبور بعد ظهر يوم السادس من اكتوبر 1973 في ظل نداء وصيحة الله اكبر .
كانت معركة جمال عبد الناصر الاخيرة من اشرس وانبل معاركه ، وقد نجح فيها وجعل المستحيل قابلا للتحقيق .
واقول في النهاية لعل اجيال الحاضر تتعلم من معركة جمال عبد الناصر الاخيرة وتدرس حربه التي هي حرب الامة العربية كلها والتي ما تزال مستمرة