منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار Empty
مُساهمةموضوع: "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار     "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار Emptyالثلاثاء 02 نوفمبر 2021, 7:31 pm

"الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار


غير خاف عن باحثين مهتمين، كون ريف مغرب زمن الحماية كان مجال حرب قذرة حيث استعملت غازات سامة للقضاء على مقاومة محلية شرسة من قبل الإسبان. وعليه، حق السؤال حول بدايات إعداد وتجريب واستعمال سلاح فتاك، وطبيعة ما كان من تعاون إسباني ألماني فرنسي في الأمر، وحجم ما كان رهن إشارة قوات استعمارية إسبانية، فضلا عن سبب اعتماده وما تم استهدافه من أماكن وما كان لذلك من أثر على البشر والحجر والشجر، ومن ثمة المقاومة، ناهيك عن ردود فعل المخزن صوب ما حصل، وغير خاف أيضا ما عرفه الريف من انتعاش ملموس للحركة الماسونية خلال هذه الفترة، تلك التي انتسب إليها كبار موظفي المخزن الخليفي بمنطقة النفود الإسباني هذه، كما بالنسبة للريسوني باشا العرائش والقائد الملالي باشا القصر الكبير وعبد الكريم اللوه باشا الحسيمة، إلى جانب أعوان وتجار وجنود قبل التحاق عدد من الوطنيين، مع أهمية الإشارة لما أثارته هذه الحركة بالريف من مخاوف إسبانية، وبالتالي ما أحيطت به من تضييق ورقابة.

حول زمن الريف الذي لا يزال بحاجة لمزيد من الالتفات والإنصات البحثي، صدر حديثا عن دار النشر مفترق الطرق بالدار البيضاء، كتاب موسوم بـ”الريف زمن الحماية الإسبانية” في أزيد من أربعمائة صفحة. إصدار بقدر ما يخص تاريخ المغرب المعاصر والراهن، بقدر ما هو في الأصل أطروحة جامعية تقدم بها الباحث “ميمون أزيزا”، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، لنيل شهادة دكتوراه بجامعة السربون بفرنسا أواسط تسعينات القرن الماضي، تحت إشراف الأستاذ “رونيه غاليسو”، أحد كبار المهتمين بتاريخ الحمايتين الفرنسية والإسبانية بالمغرب، علما أن العمل ترجم إلى اللغة الإسبانية ونشر برعاية دار النشر بياتيرا ببرشلونة قبل حوالي عقدين من الزمن. وحتى لا يظل هذا الجهد العلمي ضمن دائرة متخصصين في تاريخ الحماية الإسبانية بالمغرب فقط، تجند لترجمته إلى اللغة العربية تعميما للفائدة وإغناء لنصوص خزانة البلاد التاريخية، كل من الدكتور جمال الحيمر، الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، والدكتور محمد حاتمي، الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس.

هامشية الاستعمار الإسباني بالمغرب جوهرا وفعلا، وطبيعة تواضع أهداف استعمارية إسبانية مقارنة بنظيرتها الفرنسية، وسؤال مكامن ما حصل من تحولات طبعت مجتمع الريف على امتداد نصف قرن من الزمن، وكذا ما ترتب من مضاعفات مست بنيات وعقليات … وطبيعة العلاقة بالدولة المركزية من جهة، وبالدولة الحامية بعد انسحابها من جهة ثانية، كلها إشارات استهل بها الدكتور عبد المجيد بنجلون تقديما عميقا لكتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” الذي تمحور حول الوجود الاستعماري الإسباني بالمغرب، قال عنه “ميمون أزيزا” في مقدمة مؤلفه إنه لم يحظ بما ينبغي من عناية مقارنة بنظيره الفرنسي، إن من قبل باحثين مغاربة أو غيرهم بغض النظر عن توجهاتهم ومناهج مدارسهم التاريخية، مشيرا إلى أن هامشية إسبانيا في منظومة أوروبا الاستعمارية، كانت بسبب علاقة صعبة بين إدارة الحماية الفرنسية في الرباط ونظيرتها الإسبانية في تطوان، وما كان من هيمنة واضحة للأولى على البلد قبل فرض الحماية عليه حتى استقلاله، فضلا عن صعوبة ولوج ما هو محفوظ في دور الأرشيف الإسباني لمدة طويلة وأثره على آفاق البحث في هذا الاتجاه، علما أن عددا من الباحثين يختزلون حقبة المغرب الاستعمارية في الحماية الفرنسية، كقناعة تأسست على ما لوحظ من تهميش للاستعمار الإسباني ومن فقر وصغر مساحة أوكلت حمايتها لإسبانيا مقارنة بالمنطقة الفرنسية، ناهيك عن فقر إسبانيا نفسها وضعف ووقع صيغة استعمارها المعتمد.

وكانت عناية الباحثين بالعلاقات المغربية الإسبانية على محدوديتها قد دشنت-يقول المؤلف-لعهد أكاديمي مدرك لإرث مشترك من شأنه فهم راهن التحديات، ما يفسر بتزايد اهتمام الباحثين بفترة الحماية الإسبانية في المغرب، وكذا اتساع وعاء الدراسات والمنشورات مع تأسيس فرق بحث توجهت بعنايتها فضلا عن الحماية صوب تيمات ذات صلة بالإسلام والحضارة العربية الإسلامية. مع أهمية الإشارة لما كان لأعمال الراحل جرمان عياش من أثر ودور معبر في فتح مسارب بحث جديدة همت العلاقات المغربية الإسبانية والحضور الاستعماري في الريف.

وبقدر ما يروم كتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” تفكيك جذور الحماية الإسبانية وأسباب اهتمامها بمنطقة نفوذ شمال المغرب، وكذا إبراز مميزات الاستعمار الإسباني وسر بقائه هامشيا باهتا في إنجازاته وآثاره مقارنة برديفه الفرنسي، بقدر ما يجمع باحثون مهتمون بالظاهرة الاستعمارية عموما وبالوجود الإسباني بالمغرب خاصة، على أن ما كانت عليه إسبانيا من مشاكل سياسية واقتصادية داخلية جعلها قوة استعمارية أقل طموحا وإنجازا من نظيراتها الأوروبية.

إن جغرافية الريف وفقر مجاله وحدّة طباع أهله-يقول المؤلف-كان لها أثر في الحد من إمكانية التهيئة المجالية والتحكم الإداري والاستغلال الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، بل ما يعاني منه الريف من تهميش يجد بعض تفسيره في إخفاقات الفترة الاستعمارية. ولكونه لم يستفد من الحضور الإسباني إلا بشكل ضئيل، كان الريف عند حصول المغرب على الاستقلال في مقدمة مناطقه الفقيرة، التي تضررت من مضاعفات مقاومة امتدت من 1921 إلى 1927 ولم تستفد لا من بنيات تحتية ولا استثمارات اقتصادية. مع أهمية الإشارة إلى أنه بعد نهاية فترة الحماية أدارت إسبانيا ظهرها للمنطقة وباتت مغيبة في اهتمامات مدريد رغبة ربما في تناسي ما كان الريف سببا فيه من مآس.

  "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار Livre-rif

"الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار

عبد السلام انويكة (*)

غير خاف عن باحثين مهتمين، كون ريف مغرب زمن الحماية كان مجال حرب قذرة حيث استعملت غازات سامة للقضاء على مقاومة محلية شرسة من قبل الإسبان. وعليه، حق السؤال حول بدايات إعداد وتجريب واستعمال سلاح فتاك، وطبيعة ما كان من تعاون إسباني ألماني فرنسي في الأمر، وحجم ما كان رهن إشارة قوات استعمارية إسبانية، فضلا عن سبب اعتماده وما تم استهدافه من أماكن وما كان لذلك من أثر على البشر والحجر والشجر، ومن ثمة المقاومة، ناهيك عن ردود فعل المخزن صوب ما حصل، وغير خاف أيضا ما عرفه الريف من انتعاش ملموس للحركة الماسونية خلال هذه الفترة، تلك التي انتسب إليها كبار موظفي المخزن الخليفي بمنطقة النفود الإسباني هذه، كما بالنسبة للريسوني باشا العرائش والقائد الملالي باشا القصر الكبير وعبد الكريم اللوه باشا الحسيمة، إلى جانب أعوان وتجار وجنود قبل التحاق عدد من الوطنيين، مع أهمية الإشارة لما أثارته هذه الحركة بالريف من مخاوف إسبانية، وبالتالي ما أحيطت به من تضييق ورقابة.

حول زمن الريف الذي لا يزال بحاجة لمزيد من الالتفات والإنصات البحثي، صدر حديثا عن دار النشر مفترق الطرق بالدار البيضاء، كتاب موسوم بـ”الريف زمن الحماية الإسبانية” في أزيد من أربعمائة صفحة. إصدار بقدر ما يخص تاريخ المغرب المعاصر والراهن، بقدر ما هو في الأصل أطروحة جامعية تقدم بها الباحث “ميمون أزيزا”، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، لنيل شهادة دكتوراه بجامعة السربون بفرنسا أواسط تسعينات القرن الماضي، تحت إشراف الأستاذ “رونيه غاليسو”، أحد كبار المهتمين بتاريخ الحمايتين الفرنسية والإسبانية بالمغرب، علما أن العمل ترجم إلى اللغة الإسبانية ونشر برعاية دار النشر بياتيرا ببرشلونة قبل حوالي عقدين من الزمن. وحتى لا يظل هذا الجهد العلمي ضمن دائرة متخصصين في تاريخ الحماية الإسبانية بالمغرب فقط، تجند لترجمته إلى اللغة العربية تعميما للفائدة وإغناء لنصوص خزانة البلاد التاريخية، كل من الدكتور جمال الحيمر، الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، والدكتور محمد حاتمي، الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس.

هامشية الاستعمار الإسباني بالمغرب جوهرا وفعلا، وطبيعة تواضع أهداف استعمارية إسبانية مقارنة بنظيرتها الفرنسية، وسؤال مكامن ما حصل من تحولات طبعت مجتمع الريف على امتداد نصف قرن من الزمن، وكذا ما ترتب من مضاعفات مست بنيات وعقليات … وطبيعة العلاقة بالدولة المركزية من جهة، وبالدولة الحامية بعد انسحابها من جهة ثانية، كلها إشارات استهل بها الدكتور عبد المجيد بنجلون تقديما عميقا لكتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” الذي تمحور حول الوجود الاستعماري الإسباني بالمغرب، قال عنه “ميمون أزيزا” في مقدمة مؤلفه إنه لم يحظ بما ينبغي من عناية مقارنة بنظيره الفرنسي، إن من قبل باحثين مغاربة أو غيرهم بغض النظر عن توجهاتهم ومناهج مدارسهم التاريخية، مشيرا إلى أن هامشية إسبانيا في منظومة أوروبا الاستعمارية، كانت بسبب علاقة صعبة بين إدارة الحماية الفرنسية في الرباط ونظيرتها الإسبانية في تطوان، وما كان من هيمنة واضحة للأولى على البلد قبل فرض الحماية عليه حتى استقلاله، فضلا عن صعوبة ولوج ما هو محفوظ في دور الأرشيف الإسباني لمدة طويلة وأثره على آفاق البحث في هذا الاتجاه، علما أن عددا من الباحثين يختزلون حقبة المغرب الاستعمارية في الحماية الفرنسية، كقناعة تأسست على ما لوحظ من تهميش للاستعمار الإسباني ومن فقر وصغر مساحة أوكلت حمايتها لإسبانيا مقارنة بالمنطقة الفرنسية، ناهيك عن فقر إسبانيا نفسها وضعف ووقع صيغة استعمارها المعتمد.

وكانت عناية الباحثين بالعلاقات المغربية الإسبانية على محدوديتها قد دشنت-يقول المؤلف-لعهد أكاديمي مدرك لإرث مشترك من شأنه فهم راهن التحديات، ما يفسر بتزايد اهتمام الباحثين بفترة الحماية الإسبانية في المغرب، وكذا اتساع وعاء الدراسات والمنشورات مع تأسيس فرق بحث توجهت بعنايتها فضلا عن الحماية صوب تيمات ذات صلة بالإسلام والحضارة العربية الإسلامية. مع أهمية الإشارة لما كان لأعمال الراحل جرمان عياش من أثر ودور معبر في فتح مسارب بحث جديدة همت العلاقات المغربية الإسبانية والحضور الاستعماري في الريف.

وبقدر ما يروم كتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” تفكيك جذور الحماية الإسبانية وأسباب اهتمامها بمنطقة نفوذ شمال المغرب، وكذا إبراز مميزات الاستعمار الإسباني وسر بقائه هامشيا باهتا في إنجازاته وآثاره مقارنة برديفه الفرنسي، بقدر ما يجمع باحثون مهتمون بالظاهرة الاستعمارية عموما وبالوجود الإسباني بالمغرب خاصة، على أن ما كانت عليه إسبانيا من مشاكل سياسية واقتصادية داخلية جعلها قوة استعمارية أقل طموحا وإنجازا من نظيراتها الأوروبية.

إن جغرافية الريف وفقر مجاله وحدّة طباع أهله-يقول المؤلف-كان لها أثر في الحد من إمكانية التهيئة المجالية والتحكم الإداري والاستغلال الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، بل ما يعاني منه الريف من تهميش يجد بعض تفسيره في إخفاقات الفترة الاستعمارية. ولكونه لم يستفد من الحضور الإسباني إلا بشكل ضئيل، كان الريف عند حصول المغرب على الاستقلال في مقدمة مناطقه الفقيرة، التي تضررت من مضاعفات مقاومة امتدت من 1921 إلى 1927 ولم تستفد لا من بنيات تحتية ولا استثمارات اقتصادية. مع أهمية الإشارة إلى أنه بعد نهاية فترة الحماية أدارت إسبانيا ظهرها للمنطقة وباتت مغيبة في اهتمامات مدريد رغبة ربما في تناسي ما كان الريف سببا فيه من مآس.



لقد كان التوغل العسكري الإسباني في الريف عصيا مكلفا، سرعان ما تحول إلى سلسلة انتكاسات-يقول المؤلف، وتجلت المأساة بشكل فضيع في معركة أنوال وحرب إسبانيا الأهلية لاحقا من خلال مشاركة واسعة لمغاربة حاربوا إلى جانب قوات “فرانكو”، قبل انتقال آلاف المهاجرين منهم إلى إسبانيا بعد ما شهدته من صحوة اقتصادية خلال ثمانينات القرن الماضي عند انضمامها للاتحاد الأوروبي. وكانت قوة حضور المغاربة بإسبانيا قد أثارت فضول باحثين إسبان كانوا وراء إنجاز عدد من الدراسات حول الريف، باعتباره مصدر غالبية من توافد على إسبانيا من يد عاملة خلال هذه الفترة.

وقد توزع كتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية”، الذي استهدف رصد تطور المجتمع الريفي خلال نصف قرن من الاستعمار الإسباني وإبراز مظاهر تحولاته الاجتماعية، على ثلاثة فصول متكاملة، أفرد الأستاذ “ميمون أزيزا” الأول منها للريف كمجال اقتصاد وكيان تاريخ ومجتمع. سياق أورد فيه أن نهج بحثه المتبع فرض ضبط مؤسسات المجتمع التقليدية الرئيسية المنظمة قبل الحماية، وإبراز عناصر كانت وراء نقلات بنيوية في زمن قصير، فضلا عن تحديد أدوار ثغور إسبانية محتلة داخل المنظومة الريفية، خاصة سبتة ومليلية، وكذا طبيعة ما نسجه أهل الريف من علاقات مع المجال الوهراني بالجزائر. مع أهمية الإشارة إلى أن دراسة التوغل الاقتصادي ووضع أسس الاستقرار والاستغلال أخذت حيزا هاما من هذا الفصل إبرازا لمختلف مجالات الاقتصاد الاستعماري من استغلال زراعي وصناعة ومناجم ومشاريع بنية تحتية وغيرها.

وكانت آثار الاستعمار الإسباني على مجتمع الريف، من تراجع المداخيل وانفصام العلائق بين الإنسان والأرض، هي ما تم تناوله ومقاربته في فصل ثان من الكتاب، علما أن ما حصل من تحكم إداري كان ذا مضاعفات معبرة على البنى الاجتماعية والسياسية في المنطقة، حيث كف أهل الريف عن العيش وفق نظم قديمة دون بديل فيه ما يكفي من نجاعة. بل ومما زاد الأمر هشاشة، تعرض إسبانيا لهزات على درجة من الخطورة، لعل منها إعلان الجمهورية الثانية (1931) الحرب الأهلية (1936-1939). وكان ما ترتب من تحولات كبرى عن المواجهة بين بنيات اجتماعية تقليدية ريفية ونظام اقتصادي رأسمالي إسباني استعماري، هو ما تمت مناقشته في فصل ثالث وأخير من الكتاب؛ بحيث أورد الباحث أن ما كان من توازنات قديمة انقطعت تحت وطأة بنيات اقتصادية دخيلة، وأجبر اعتماد العملة الأهالي على تغيير سلوكاتهم الاستهلاكية، وأن ما كان من هجرة موسمية إلى الجزائر تحول تدريجيا إلى هجرة دائمة، مضيفا أن أكبر تحول في الريف كان هو انخراط جزء كبير من ساكنته في منطق عمل مأجور، النقلة التي كان لها أثر كبير على تركيبته الاجتماعية السائدة.

وبخلاف ما هناك من ادعاء حول كون سياسة إسبانيا في منطقة نفوذها بالمغرب زمن الحماية لم تكن لها بصمات تذكر، أورد المؤلّف أن كل الأحداث ذات البعد الدولي في المغرب كانت تجد صداها في إسبانيا، منها ما سمي بحروب المغرب، وعلى رأسها حرب الريف خلال العقد الثالث من القرن الماضي، ثم ما حصل من انقلاب عسكري ضد الحكومة الجمهورية الإسبانية انطلاقا من المغرب بزعامة الجنرال فرانكو (1936). كما أن المغرب الذي لم يكن مغيبا في حسابات الفاعلين السياسيين الإسبان زمن الحماية، كان مؤثرا في عدد من الأحداث الكبرى التي رهنت التاريخ الإسباني المعاصر. فبعدما كان احتلال المغرب من قبل الإسبان شرطا لرد الاعتبار وكسب مواقع في المنظومة الأوروبية، تحول إلى قضية ذات أبعاد عاطفية لدى الأوساط الرسمية القريبة من السلطة، بدليل انطلاق شرارة حركة الانقلاب التي قادها الضباط الأفريقانيون من أرض المغرب.

وإذا كان الاستعمار الإسباني في المغرب يعد موضوعا شائكا وسجاليا لوجود آراء ووجهات نظر متباينة، بل متناقضة، حول تقويم الحصيلة الإجمالية للتجربة الاستعمارية الإسبانية، فمقابل كتاب فرانكاويين يقولون بعظمة إنجاز إسبانيا الاستعماري والحضاري بالمغرب وبأنها بذلت مجهودات كبرى لتنمية منطقة الريف، هناك من أقر من باحثين أكاديميين آخرين بأن إسبانيا لم تنجز أعمالا تستحق الذكر لدرجة أنها ساهمت في تعميق تأخر الريف وتخلفه، هذا فضلا عن فريق ثالث دافع عن تصور توفيقي بين الاتجاهين السابقين. ولعل وضعية الإهمال الشامل التي وجدت فيها منطقة الريف غداة الاستقلال، هو ما يعزز نظرة سلبية عن الاستعمار الإسباني؛ إذ لم يدمج الريف في برامج تنمية البلاد بل اتخذت حكومات المغرب المتتالية تدابير عمقت عزلته وكرست هامشيته-يقول المؤلف. وبدل الانكباب على إخراج المنطقة من تخلفها الاقتصادي بعد الاستقلال، تم تبني اختيارات زادت من إضعافها، فمنذ سنة ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين، تم تعويض اللغة الإسبانية باللغة الفرنسية في المدارس والإدارة، مما كان وراء إبعاد نخبة محلية تكونت في مدارس إسبانية.

يذكر أن التجربة الاستعمارية الإسبانية بالمغرب في اعتقاد جزء هام من الرأي العام الإسباني كانت معضلة ومصدر صراع، بل من الباحثين من يذهب إلى كون المغرب في الفترة ما بين 1912-1927 شكل نزيفا اقتصاديا وبشريا حقيقيا لإسبانيا، وهو ما ساهم في تدهور وضعيتها السياسية وتقوية مكانة ضباط أفريقانيين قادوا انقلابا على الحكومة الجمهورية وأقاموا بها نظاما ديكتاتوريا (1939). ولعل هذا ما يفسر ربط عدد من الإسبان قيام الديكتاتورية الفرنكاوية بالحضور الإسباني في المغرب حيث صنع فرانكو قوته ومجده العسكري وحيث تبلورت فكرة انقلاب فرنكاوي.

ولعل إلى جانب دور الاستعمار الإسباني فيما حصل من تحولات بنيوية في الريف، نجد انفتاحه على الجزائر وهجرة آلاف الريفيين صوب وهران، وبالمثل أدت كوارث طبيعية عدة إلى تقوية هجرة قروية انطلقت مع بدايات استعمار زراعي. ناهيك عن أدوار مدينتي سبتة ومليلية داخل المنظومة المجالية الريفية في تسريب منتجات مصنعة غيرت نمط حياة وعادات جزء من الإهالي الاستهلاكية. مع كون ما حصل من تحولات بالريف لم يؤد إلى خلق مراكز حضرية كبيرة وأحياء هجينة على شاكلة ما نتج في منطقة الاحتلال الفرنسي، فقد ظل المجتمع الريفي في معظمه قرويا ولم يغير إنشاء مراكز حضرية من طابعه البدوي.

إن الطابع الهامشي للاستعمار الإسباني لم يحل دون التأثير على بنيات الريف الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية؛ فمن الميادين التي أبانت فيها إسبانيا عن حضور متميز مقارنة بنظيرتها الفرنسية، نجد ما هو ثقافي من خلال تداول اللغة الإسبانية في كل الأوساط والأماكن، بما فيها النائية، الأمر الذي يفسر بحضور جنود وفلاحين صغار إسبان في الوسط القروي، حيث لم تكن شروط عيشهم أفضل بكثير من عيش مغاربة.

هكذا أضفى “استعمار الفقراء”-يضيف المؤلّف-طابعا خاصا على الحماية الإسبانية شمال المغرب، من خلال تقاسم الإسبان والأهالي نفس الفضاءات. وكان الإسبان المقيمون بالريف قد ربطوا صلات عدة بأهله؛ إذ لم توجد أحياء مخصصة للأوروبيين كما كان عليه الوضع في منطقة الحماية الفرنسية. مع أهمية الإشارة هنا إلى أن النخبة الناطقة بالإسبانية كان عددها قليلا، واقتصرت أساسا على بعض أبناء الأعيان الذين تلقوا تكوينهم في جامعات إسبانية. فضلا عن تشجيع سلطات فرانكو تعلم اللغة والثقافة العربيتين وخلق أقسام للغة العربية في بعض جامعات إسبانيا ابتداء من ثلاثينات القرن الماضي. ووعيا بعزلة البلاد دوليا، حاول فرانكو بتبنيه لهذه السياسة إيجاد مخرج من خلال انفتاحه على العالم العربي من جهة، ومنحه اللجوء السياسي لبعض الوطنيين المغاربة القادمين من منطقة الحماية الفرنسية من جهة ثانية، في إطار سياسة ليبرالية إسبانية تجاه الحركة الوطنية المغربية.

يبقى أنه إذا كان مؤلف “الريف زمن الحماية” للأستاذ أزيزا قد تضمن جملة إشارات تخص رهان البحث والباحثين في تاريخ مغرب الحماية ومنطقة الريف خاصة خلال هذه الفترة، ومن هذه الإشارات ما أثاره حول قضية اللغة الإسبانية من أهمية، فضلا عن مسألة الأرشيف الإسباني، فمن حيث ما هو بحثي تاريخي يخص الريف والحضور الاستعماري الإسباني بالمغرب، يسجل ما تراكم خلال العقدين الأخيرين من دراسات على قدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة لفائدة الخزانة التاريخية المغربية، لعل منها أعمال رشيد يشوتي ومحمد أونيا ومحمد أحميان ومصطفي المرون ومحمد العبوتي ويوسف أكمير ومحمد ياسين الهبطي وخالد بويقران ومحمد بويقران وعزيز الحساني، إضافة إلى أعمال تاريخية بحثية أولى وسابقة اهتمت بالريف، في مقدمتها كتابات المؤرخ جرمان عياش ومحمد ابن عزوز حكيم وعبد العزيز خلوق التمسماني وعبد المجيد بنجلون وبوبكر بوهادي وأحمد مهدرها وعبد الرحيم برادة ومحمد العربي المساري وعبد الرحمان الطيبي ومحمد خرشيش وغيرهم. بل يوجد الريف منذ حوالي عقدين من الزمن على ايقاع حركة بحثية علمية هامة توجهت بعنايتها أساسا لحقلي تاريخ وذاكرة المنطقة، وهو ما تجلى فيما عقد هنا وهناك من لقاءات وندوات وما حصل من ترجمة لأعمال أجنبية، لعل منها كتابات المؤرخة الإسبانية ماريا روسا ذي ماذرياغا والأنتربولوجي دافيد مونتمغري هارت والمؤرخ الإنجليزي سباستيان بلفور. ولا شك-يقول الأستاذ أزيزا-أن من شأن مراجعة التأليف الأجنبي وتشجيع البحث التاريخي، بناء تصور سليم حول علاقة الريف بالسلطة المركزية وتعميق معرفة بمحيطه الجغرافي والجيو-استراتيجي، ورفع ما هناك من لبس عن ظرفيات غامضة طبعت تاريخ المنطقة.

إن ما استحضره كتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” من تيمة تاريخية وتماسات وأزمنة وأمكنة وإنسان وعلاقات وبنيات وعقليات وتحولات وفعل وتفاعل ريفي وإسباني زمن الحماية، جعله عملا بحثيا متميزا لما وفره من مادة علمية بقيمة مضافة هامة ملأت بياضا حقيقيا، في أفق ما يساعد على مزيد من البحث والنبش والتنقيب في تاريخ الريف ورمزية ذاكرته، وكذا ما ينبغي من تراكم ودراسات وإغناء وإضافة في هذا الإطار. وعليه، يسجل لمؤلّف “الريف زمن الحماية الإسبانية” ما كان له من سبق وأثر ووقع في توسيع وعاء ذخيرة الأبحاث التاريخية المغربية الأكاديمية من جهة، ونصوص تاريخ المغرب وتاريخ منطقة الريف المعاصر والراهن من جهة ثانية.

(*) مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث


  "الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار Up4net.com163576924537541



جرمان عياش
المؤلف كتاب أصول حرب الريف والمؤلف لـ 1 كتب أخرى.
جرمان عياش (1915 -1990)، مؤرخ مغربي ولد بمدينة السعيدية سنة 1915 لعائلة يهودية مغربية. نال شهادة التبريز في الآداب الكلاسيكية الأوروبية في بوردو الفرنسية سنة 1935، ثم إلتحق بثانوية اليوطي بالرباط مدرسا. ثم رجع إلى فرنسا، ليعود إلى المغرب في فجر الاستقلال. فالتحق بشعبة التاريخ بكلية الآداب في الرباط سنة 1957. من أشهر آثاره كتاب "أصول حرب الريف"، "دراسات في تاريخ المغرب" وتوفي بمدينة نيس في 3 أغسطس 1990.

المصدر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة برخصة المشاع الإبداعي



وصف الكتاب
في سنة 1981 أصدر جرمان عياش الجزء الأول من أطروحته حول الريف تحت عنوان "أصول حرب الريف"؛ وهي ثمرة أبحاث دامت عدة سنوات. وفي سنة 1996 أكملت ابنته إيفلين مريم عياش مشوار أبيها فطبعت الجزء الثاني تحت عنوان "حرب الريف".
يعتبر جرمان عياش من المؤرخين المغاربة المدافعين عن "الوثيقة المغربية" كمصدر أساس لكتابة تاريخ المغرب. وبالمقابل يدعو إلى التعامل مع المصادر الأوروبية بحذر شديد، لكونها مصادر مكملة ليس إلا.
بيد أن المتصفح لدراسته في جزئيها سرعان ما يلاحظ استحضاره الطاغي للوثيقة الإسبانية وتغييبه المزعج للوثيقة الوطنية. فهل يعني هذا أن الوثيقة المغربية عجزت عن سد الثغرة ولم تسعفه لتقديم الإجابة المنتظرة؟ أم أن الكاتب صدمه الفقر الكبير الذي يعاني منه مجال التوثيق في المغرب بصفة عامة، وفي موضوع الريف بصفة خاصة، فانجرف مع المصادر الإسبانية لدرجة أنسته دفاعه السابق عن الوثيقة المغربية؟ بل حتى الرواية الشفوية، رغم توافرها إبان إجراء البحث الميداني، لم تجد مكانها اللائق في مجمل عمل عياش. وبذلك خلا الجو تماما للوثيقة الإسبانية/الأوروبية، وعليها أنجز البناء من البداية حتى النهاية، إلا في ما ندر.
يستعرض الباحث في الجزء الأول موضوعات شتى لها علاقة بموضوعه الرئيسي: حرب الريف. فبعد التمهيد بنقده المستفيض للمصادر، خصوصا العربية منها، ينتقل إلى موضوع مغرب السلاطين الذي درجت بعض الدراسات الاستعمارية على تقسيمه إلى قسمين: "بلاد السيبة" و "بلاد المخزن". ينتقد الباحث هذين المفهومين وبخاصة ما يتعلق بمفهوم "السيبة" الذي يعني غياب السلطة المركزية، فيطعن في صوابية هذا المصطلح مؤكدا أن الريف كان دوما حاضرا ضمن نطاق المخزن. بعد هذا ينتقل عياش لرصد مراحل التوغل الأوروبي في المغرب، مبرزا "نجاح" فرنسا في مهمتها مقابل ما اعترض إسبانيا من مشاكل وعقبات.
وبعد هذا الإطار العام ينتقل الباحث إلى موضوع الريف في معناه السياسي والبشري. ومن هذه النقطة يرصد علاقة الريفيين بالإسبان، وهي مسألة سنتوقف عندها لاحقا في هذه القراءة. والحديث عن الريفيين قاده إلى الحديث عن آل خطاب، وبالتحديد عبد الكريم الأب وابنه محمد الذي دخل التاريخ باسم والده. وهنا يتوسع الباحث في تحديد مجال تحرك عبد الكريم وابنه من صديقين لإسبانيا إلى مناوئين لها ثم إلى معاديين يرفعان راية المقاومة. هذا التطور الدرامي بلغة السينمائيين هو في الحقيقة ما "انفردت" به دراسة عياش عما سبقها. وفي سياق تحليل آليات علاقة الخطابي الأب بالإسبان، يأتي الباحث على ذكر علاقة الريسوني بهؤلاء والتي شهدت أيضا نفس التطور الدرامي.
وفي ثنايا البحث تطالعنا صفحات موثقة عن مغامرات بوحمارة الفاشلة في الريف الشرقي والأوسط، وأخرى عن مقاومة الشريف سيدي محمد أمزيان لبوحمارة أولا ثم للتوغل الإسباني ثانيا.
وفي الجزء الثاني من هذا العمل الأكاديمي الأول من نوعه، يتابع جرمان عياش فصول حرب الريف من زواياها العسكرية. فيبدأ بمراحل التوغل الإسباني إلى حدود الحرب العالمية الأولى، ثم ينتقل إلى تتبع المشاكل التي صادفت ذلك التوغل، ليعرج مرة أخرى على علاقة العائلة الخطابية بالإسبان؛ وهو ما يعني نوعا من التكرار والإطناب غير المبررين. وانطلاقا من الفصل الثالث يضعنا الباحث في صورة الأحداث العسكرية: سلفيستري يركب غروره فيلقى مصرعه في معركة أنوال. محمد عبد الكريم يتطور من شخص غير ذي بال إلى زعيم سياسي تخضع لتدبيره القبائل وبخاصة بعد ملحمة أنوال. وفي خضم هذه التموجات يسلط الباحث ضوءا خاطفا على الموقف الفرنسي المُشخَّص في تقييم المارشال ليوطي للوضع العسكري على الحدود الشمالية لمنطقة الحماية الفرنسية.
هذا مجمل ما تناوله الدكتور جرمان عياش في بحثه عن جذور حرب الريف. وقد يكون من المفيد الوقوف عند قضية أثارت كثيرا من الجدل والنقاش بين الباحثين والمهتمين، ترتبط بعلاقة الريفيين بالإسبان قبل قيام الثورة الريفية، وموقع العائلة الخطابية ضمن تلك الدائرة الرمادية بين ما يمكن نعته بالبرغماتية أو المصلحة الذاتية أو العمالة في ثوبها المكشوف أو المستور.
عمالة، صداقة أم سياسة؟
عموما يصنف الباحث الريفيين في علاقتهم بإسبانيا إلى صنفين: متعاونون أو ما يُعرف بحزب ’أصدقاء إسبانيا‘، ومعارضون أو ما يُسمى ب’أعداء إسبانيا‘. وتدخل العائلة الخطابية ضمن صنف الأصدقاء؛ تلك "الصداقة" التي ستجلب عليها الوبال أكثر من مرة. ويلاحظ عياش أن الريفيين كانوا من قبل قد التفوا حول الشريف سيدي محمد أمزيان الذي قادهم لمقاومة الإسبان حتى استُشهد في ميدان المعركة. ويستنتج بالتالي أن غياب الشريف سيدي محمد أمزيان حرم الريف من الزعامة السياسية والروحية القادرة على استنفار الريفيين وتعبئتهم للقتال مجددا.
وكانت إسبانيا بعد عقد الحماية، قد أعدت عدتها للسيطرة على الريف مستعينة بمن يتعاون معها من الأعيان وذوي الجاه والنفوذ. فباستثناء الزاوية الخمليشية التي كان الإسبان يحسبون لها حسابا خاصا لابتعادها عن مغريات الشراء أو الارتشاء، فإنهم كانوا يعتقدون أن الطريق سوف تكون جاهزة، مع الآخرين وبمساعدتهم، حينما تحين الفرصة. ذلك أنه فضلا عن "أصدقائها" من العائلات المعروفة المسلحة بالجاه والثروة والنسب الشريف، كانت إسبانيا ومنذ بداية القرن العشرين تبحث عن شخصية بديلة، جذابة وتتمتع باحترام لدى الريفيين حتى ولو لم تكن غنية أو ذات سلطة دينية قائمة على النسب الشريف. وسرعان ما وجدت ضالتها في عبد الكريم الخطابي الأب.
بهذا المدخل بدأ عياش يرسم معالم الأسرة الخطابية التي قبلت "التعاون" مع الإسبان. فعبد الكريم وابنه محمد الذي يُعد ساعده الأيمن، برزا سويا على ساحة التأثير والتوجيه في الريف مباشرة بعد استشهاد الشريف أمزيان. لكنهما كانا قبل ذلك قد قطعا أشواطا مهمة في طريق التقرب من الإسبان الذين كانوا يرون في الخطابي الأب أذكى الريفيين. ولعل هذا الذكاء هو ما كانت تفتقده سياسة إسبانيا ويفتقده بصفة خاصة "أصدقاؤها" المقربون في الريف.
في البداية سيتم استدراجه (الخطابي الأب) إلى جزيرة النكور للتبضع والتجارة. وهناك كان يُستقبل بحفاوة بالغة ليس من طرف التجار فحسب، بل حتى من طرف العسكريين. ومن الجزيرة يتم دفعه وتشجيعه لزيارة مليلية. فكثرت الزيارات حتى إن الإسبان بدأوا يدفعون له تكاليف السفر منذ 1902. وبحكم المنصب الذي كان يشغله عبد الكريم كقاض على الريف باسم السلطان، فإن عياش يصور لنا شخصية القاضي المترددة بين الموانع الدينية التي تحرم التعامل مع الأجنبي، وبين مستجدات السياسة الدولية التي لم تكن خافية عنه. هذا التردد سيزول بمجرد التوقيع على عقد الجزيرة الخضراء سنة 1906، ووضوح النية الأوروبية تجاه المغرب. ولم يلبث عبد الكريم أن قبل المغامرة مع الإسبان جارا معه ابنيه محمد (24 سنة) وامحمد (12 سنة). وهكذا يسمح لابنه محمد بالاستقرار في مليلية حيث سيتقلد عدة وظائف حتى بلغ منصب قاضي القضاة. بل ينخرط وجدانيا حسب تعبير عياش في الحياة الإسبانية لدرجة أنه قدم طلب الحصول على الجنسية الإسبانية. ويخلص الباحث إلى التساؤل التالي: كيف نتجرأ إذن على إضفاء هالة من المشاعر الوطنية على رجل نذر نفسه لخدمة إسبانيا وهي الدولة التي تحتل بلاده؟
الخط الثالث
هذا التساؤل القاسي خفف الباحث من وقعه حينما فسر سلوك الخطابي و "حبه" لإسبانيا بحبه لبلده. فلقد كان الخطابي الأب يعتقد في نظر عياش أنه من الأفضل للريف أن يتواجه مع دولة متواضعة يستطيع التفاهم معها على أن يجد أمامه دولة قوية كفرنسا أو إنجلترا على سبيل المثال.
وبعد حادث إحراق بيت الأسرة الخطابية في أجدير سنة 1911 من قبل الريفيين الغاضبين على استعداد عبد الكريم الأب لمساعدة الإسبان في مشروع الإنزال العسكري المحتمل في خليج الحسيمة، سيسلك الخطابي استراتيجية أخرى تقوم على استمرار التعامل مع الإسبان خفية والتحريض ضدهم علانية. ثم يواصل عياش تتبع هذا المسار المزدوج، وكيف تعقدت الأمور خلال الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا المسلمة الحرب إلى جانب ألمانيا. وهنا يظهر أن عبد الكريم الأب أقر العزم على قطع علاقاته بالإسبان، سالكا طريق العودة إلى صف المعارضين.
وفي البحث عن أسباب التحول المفاجئ لعبد الكريم الأب من "متعامل" يتزعم فريقا من "أصدقاء" إسبانيا له شأن، إلى محرض يتقاطر على بيته الداعون إلى المقاومة، يؤكد الباحث أن تطور السياسة الداخلية الإسبانية خلال الحرب العالمية الأولى كان وراء تدهور علاقة إسبانيا بالخطابيين، وبالتالي اعتقال محمد عبد الكريم في مليلية، كإجراء مؤقت يهدف إلى ممارسة مزيد من الضغط على الخطابي الأب. ذلك أن الخطابي وابنه كانا قد اختارا خلق المتاعب لفرنسا بدعمهما الصريح لألمانيا. فهو إذن اعتقال سياسي لم ينبن على حجج ملموسة. ورغم بعض الإشارات التي توحي برغبة عبد الكريم الخطابي الأب في إصلاح الخلل والعودة إلى "جادة الصواب"، إلا أن الإسبان تمادوا في ضغطتهم، فكانت القطيعة أمرا مقضيا.
هذا مجمل ما جاء في كتاب جرمان عياش. ويُستنتج من هكذا تحليل أن القطيعة سبَبُها الغباء السياسي المستحكم لدى صانعي القرار في إسبانيا. وهنا ينبغي التذكير أن تفاصيل هذه القصة بُنيت أساسا على الرواية الإسبانية. وحتى إحالة عياش على بعض المصادر الوطنية، فإنها تأتي في سياق التشكيك في مصداقيتها! ومن شأن هذا البناء أحادي الجانب أن يقود إلى نتائج مشوهة، مشوشة، يشوبها الخلل و الزلل. فالصورة التي نصادفها عند عياش عن عبد الكريم الأب وابنه محمد، هي صورة شخصين مهزوزي العواطف، منقسمي الولاء. بل يصورهما الباحث وكأنهما لا يتحركان إلا بوازع المصلحة الذاتية! والملاحظ كذلك أن التطورات الداخلية التي عرفها الريف منذ بداية القرن العشرين، والتي لا بد وأن تكون قد أثرت على شخصية عبد الكريم، تكاد تغيب عن تحليل عياش إلا في ما يدعم نظريته وأطروحته.
والواقع أن مسألة "تعامل" عبد الكريم ومن ثم ابنه محمد لم تكن معطى ثابتا في موقفهما من سياسة إسبانيا تجاه الريف. فلقد كانا يدركان مآل بلدهما الذي تقرر خارج الحدود ووراء كواليس السياسة الاستعمارية الأوروبية. وكان همهما الوحيد الحفاظ على استقلال الريف بسلوك طريق المهادنة، ثم محاولة استغلال الصراع الألماني – الفرنسي والحياد الإسباني السلبي لخلق نوع من التوازن في المنطقة. فأين الخلل في عمل سياسي كهذا، وهو ما تمارسه الدول في كل زمان ومكان؟ قد يبدو لمن يتعجل استخلاص النتائج المقررة سلفا، أن مثل هذا السلوك هو عين الانتهازية والنفعية. ولكنه على العكس سلوك لم يكن يهدف إلا لشيء واحد: إبعاد الخطر عن الريف والحفاظ على استقلاله. وإلا كيف نفسر انفجار المقاومة الشرسة حينما سُدت آفاق الحوار والتفاهم؟ ثم كيف نفهم سر التفاف الريفيين على الخطابي، الأب والابن، عندما اتخذ الجميع قرار المواجهة؟ لقد كانا يحاولان إقناع الأسبان بالعدول عن سياسة الغزو العسكري والأخذ بالأسلوب "الحضاري" الذي يدّعونه. هذه ديبلوماسية الخط الثالث، وهو ما لم تستوعبه إسبانيا، ولم يعه بعض الريفيين فناصبوا العداء لعبد الكريم وابنه حتى أتاهم اليقين.


https://www.noor-book.com/book/internal_download/11e323c673e248d
f4c0fa12eb7534dac/2/a3f83a5c8f6f524906809534f1b9328b
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
"الريف زمن الحماية الإسبانية" .. كتاب يرصد فقر مجال وهامشية الاستعمار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أول كتاب الكتروني عربي مجاني في مجال الأسهم ..
»  أحداث الحرب الأهلية الإسبانية ونتائجها
» راكب طائرة يرصد صاعقة رعدية فريدة من نوعها 
» تقرير أممي يرصد تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
» إمارة نكور في ساحل بلاد الريف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ :: خط الزمن-
انتقل الى: