الشريعة الإسلامية هي ما شرعه الله لعباده المسلمين من أحكام وقواعد ونظم لإقامة الحياة العادلة وتصريف مصالح الناس وأمنهم في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة. فمن يحقق هذه الكليات أو يقترب منها فهو على شريعة الله بصرف النظر عن هويته ونوع انتمائه فالله يحاسب الناس على الأعمال والنيات، والشريعة الإسلامية ذات دلالة موسوعية تتسع لكل جهد إيجابي يبذل لعمارة الأرض ويستثمر مكنوناتها لصالح حياة الإنسان وكرامته، وتتسع لكل ما يحقق للإنسان صحته وغذاءه وأمنه واستقراره، وتتسع لكل ما يعزز تنمية آمنة وتقدم علمي نافع وارتقاء حضاري راشد.
الزواج والطلاق
حكمة مشروعية الزواج
حكمة مشروعية الزواج ( سكن النفس - إنجاب الأولاد - التكامل الإنساني ) 1- السكن النفسي :- الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزواج تنقسم إلى قسمين كبيرين :- الاول قسم يدلل بهذا الزواج على قدرة الله البالغة التي رتبت بين الذكر والأنثى لقاء مشروعاً كانت نتيجته هذه الظاهرة العمرانية التي صارت بها الحياة ، وذلك في مثل قوله تعالى :" وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً .. وكان ربك قديراً " . أما القسم الثاني :- فإنه يبين الحكمة من هذا الزواج أو يبين أهم حكمة فيه ، وهي السكن النفسي، والمودة التي تربط بين الناس، والرحمة التي يجب أن تسود معاملاتهم يقول الله تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " . ونجد هذه الغاية وهي السكن النفسي في قوله تعالى أيضاً :" وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها " . ولعل هذه الحكمة من الأنس الروحي خاصة بالإنسان دون سائر المخلوقات ، فإن الزوجة سنة مطردة في الكائنات كلها . وقد يتحقق الأنس الروحي الذي يحققه الزواج بين أثنين لا تربطهما علاقة زوجية ، ولكنه - حين ذلك يكون أنساً وقتياً تحكمه منفعة عابرة أو شهوة جامحة ويظل السكن النفسي المستقر للعلاقة الوطيدة التي أرادها الله بالزواج فعبر عنها القرآن بقوله :" وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً " أي عهداً شديداً موثقاً يربطكم بهن أقوى الربط وأحكمه . وإذا كان الزواج وسيلة إلى تهذيب مشاعر الإنسان بالارتفاع بها عن المستوى الشهواني ، وإلى تزكية الإنساني فيه بإيجاد الألفة والمودة بينه وبين زوجه ، فإنه كذلك تعبير عن صورة اجتماعية ناطقة بأن الإنسان ما خلق لنفسه ولشهوته بل خلق ليعمر الأرض بالذرية التي تعبد الله ، كما يعمرها بالمبادئ التي تثبت جدراته في خلافة الله . 2- انجاب الاولاد :- لقد كان التناسل من أهم أهداف الإسلام حين دعا إلى الزواج فقد جعل البنين من زينة الحياة الدنيا . وأن الإسلام ليرعي فطرة الوالد في ميله إلى امتداد نسبة فينكر على الأبناء أن ينتسبوا إلى غير آبائهم ، لأن في ذلك تنكراً لصاحب الحق ، ووضعاً للحقوق في غير ما أمر الله . ولقد هدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الأدعياء الذين ينتسبون إلى غير آبائهم ، وذلك في الحديث الذي يروية سعد بن أبي وقاص بقوله :" سمع أذني من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :" من أدعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " . 3- تحقيق التكامل الإنساني :- نقصد بهذا التكامل " التقاء الذكر والأنثى على غاية وعلى رغبة فالغاية فطرية هي حفظ النوع ، ونفسية هي امتداد النسب وللرغبة طاقة جسدية لا سبيل إلى تجاهلها لأنها من أقوى الطاقات وأبرزها في الإنسان . ولقد شرع الإسلام الزواج فجعله الوسيلة المشروعة للتعبير عن هذه الرغبة الكامنة فيه وهذا التعبير حلال بالزواج حرام بالسفاح وأن الصحابة ليسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أحدنا شهوة ثم يأخذ أجراً ؟ فيقول :" أرأيتم أو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فيقولون : نعم فيقول : فذاك . أي أن هذه الشهوة غريزة كغريزة الطعام والشراب ، والجائع إذا لم يجد ما يذهب به جوعه من طعام حلال أذهبه من طعام حرام . وعلماء النفس يقولون بتهذيب السلوك الإنساني بإعلاء الغريزة أي ترك متنفس طبيعي مشروع للتعبير عنها والزواج وهو بمثابة إعلاء للغريزة الجنسية التي لا يكلفنا الله بكبتها أو إلغائها ولقد قال النبي صل الله عليه وسلم لبعض أصحابه حين ظنوا أنهم يتقربون إلى الله باعتزال النساء :" لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني .
طرق اختيار الزوجة كاحد مقدمات الزواج
لقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة عنه - بعض الجوانب التي تجذب الرجل إلى خطبة الأنثى بقوله :" تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك . ونقول أن هذه بعض الجوانب لا كلها لأنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى يرغب المسلمين في الزواج ممن يتصفن ببعض صفات غير هذه الأربع كالودود الولود :" أو كقوله " إذا نظر اليها سرته وإذا غاب عنه حفظته ، وإذا أمرها أطاعته ، ولقد قال النبي عليه السلام لأحد صحابته : أتزوجت بكراً أم ثيباً فقال : هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك ؟ وهو في تحديده لإتجاه المسلم إذا أقدم على الزواج يقول :" لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامة سوداء ذات دين أفضل " . الرؤية قبل الخطبة :- الرؤية أحد أسباب الاختيار ، فالإنسان يرى ثم يوازن فيختار ، ثم يقدم بعد ذلك على الخطبة أو يحجم عنها بناء على رؤيته . ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل :" قال جابر راوي الحديث : فخطبت جارية أي فتاة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . حدود الرؤية :- لم تبين الأحاديث في هذا الباب حد رؤية الأنثى التي يراد خطبتها ونحس إطلاق الرؤية في قول الرسول :" أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها " . ونحس ذلك أيضاً في قول جابر :" كنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها " وهو لا يتخبأ إلا إذا أراد إطالة النظر وتدقيق الرؤية ، ما دام يسبق ذلك بنية خالصة وقلب سليم . فهو ينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر اليه ويدل على فهم الصحابة لذلك ما رواه عبد الرزاق وسيعد بن منصور من أن عمر كشف عن ساق أم كلثوم بنت على لما بعث بها على إليه لنظرها فلا وجه إذن لمن حدد الرؤية بالوجه والكفين ولا يشترط رضا المرأة بذلك النظر بل له أن يفعل ذلك على غفلتها . فإذا لم يمكنه النظر إليها استحب له أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليها وتخبره بصفتها فقد روي أنس أنه صل الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة فقال :" أنظري إلى عرقوبها وشمي معطفها " والمعاطف هي ناحيتا العنق . وإذا كان الأصل تحريم نظر الأجنبية والأجنبي إلا بدليل فالدليل هذا هو جواز نظر الرجل لمن يريد خطبتها وقد تضافرت الأحاديث النبوية على ذلك