كيف تحل مشكلة العلمانية في بلاد المسلمين تفاصيل المشروع الثاني المقدم إلى دول عدة
علي سيريني
هذا المشروع هو الثاني ضمن أربعة مشاريع قدمت خلاصته إلى وزير الثقافة في حكومة إقليم كُردستان عام 2006، وفي نفس العام إلى أحد رؤساء الأحزاب الكُردية الإسلامية ومن ثم قدمته إلى رئيس وزراء إقليم كُردستان في عام 2013 (باللغة الكُردية)، وأمير قطر في عام 2016، ورئيس جمهورية تركيا في عام 2017 و 2020 (باللغة العربية و الإنجليزية)، ورئيس وزراء الإمارات في عام 2017، وأمير الكويت في عام 2019-2020، ورئيس وزراء الكويت في عام 2020، ورئيس وزراء ماليزيا في عام 2020 (باللغة الإنجليزية). كما وصل المشروع إلى يد الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة الدكتور علي القرةداغي، وسفراء قطر و الكويت والإمارات العربية المتحدة، فضلا عن شخصيات أكاديمية و سياسية عربية و إسلامية ومؤسسات معرفية و ثقافية و إعلامية. وبعد كل هذه السنين أود وضعه في متناول القارئ العربي و الإسلامي.
بما أنني قدمت خلاصة عن هذا المشروع وأهميته في أكثر من مقال (وضعت روابط متعلقة أسفل هذا المقال) فلا حاجة لتكرار ما بُتُّ فيه سابقا.
العلمانية نظام انبثق من سياق غربي طويل، منشؤه الكنيسة اللاتينية. عرفنا نحن المسلمين العلمانية عن طريق الكتاب المعاصرين بعد ظهور تيار البروتستانتية الإسلامية في القرن التاسع عشر في مصر و تركيا. نقل هؤلاء الكتاب (منهم إسلامييون، ومنهم قومييون ومنهم علمانييون وملاحدة …الخ) صورة مشوهة عن العلمانية إلينا. ما جمع هؤلاء هو الإشتراك في معاداة المسيحية من جانب، وإبراز الصورة التي تخدم آيديولوجياتهم من جانب آخر. هذه الصورة من الممكن تلخيصها بوضوح في ما ذهب هؤلاء في تفسيرهم للعلمانية أنها تعني الإنقلاب على الكنيسة الكاثوليكية (أو الكنيسة اللاتينية)، والإنفصال عنها وفق أسس جديدة تستند على النهضة الأوروبية التي خرجت من أحشاء الإكتشافات العلمية والصناعية والفلسفية. فالإسلامييون أثبتوا هذا التفسير للوصول إلى مرماهم في إثبات أن الدين المسيحي محرف ومضاد للعلم. واليسارييون أثبتوا نفس المفهوم للإنطلاق نحو إثبات آخر وهو أن الأديان كلها (بما فيها الإسلام) تعاكس العلم، وبالتالي فهي لا تخدم البشرية. والقومييون أرادوا تحجيم القوى الدينية من جانب، والتسلط على مراكز القوى في الدول الإقليمية الناشئة، فأثبتوا المفهوم بدافع آيديولوجي وسياسي. وهكذا فإن المشترك العام حلّ بطبيعته، ليثبت لجميع الأطراف محطة إنطلاقهم، ولكن نحو إتجاهات مختلفة و متصارعة بحدة. فاشترك الفرقاء في محطة الإنطلاق واختلفت وجهاتهم. لذلك فإن المفهوم المذكور (فصل الدين عن الدولة) أصبح جامعهم، ولكن المقاصد والمرامي اختلفت في إثبات هذا المفهوم فحدث الإختلاف و التصادم وصل إلى حمامات دم طويلة وكثيرة في بلاد المسلمين، من أجل الشرعية القانونية و السياسية.
بعد أن درست ثلاثة أقسام مختلفة (التأريخ، الفلسفة و السياسة والعلاقات الدولية) في جامعة غربية، علمت أن معظم ما تعلمناه عن تأريخ الغرب لم يكن إلا تقارير سريعة وساذجة ومشوهة، قدمها لنا أناس غير متخصصين في علم التأريخ، كان هدفهم العمل الحزبي و النشاط السياسي والآيديولوجي.
كما قلت في بداية المقال، فقد وضعت عدة روابط في أسفل هذا المقال لمن يريد الإستزادة في معرفة كيفية نشوء العلمانية في أوروبا.
العلمانية في الأساس نظام كنسي متجذر في الكنيسة الكاثوليكية والتي تسمى أيضا بالكنيسة اللاتينية. فقبل الثورة البروتستانتية، كانت الكنيسة اللاتينية هي مركز تزويد الحكام والسلطات الأوروبية بطبقة البيروقراط (موظفو الدولة أو القائمون بشؤون الحكم والسياسة). كانت طبقة البيروقراط عبارة عن أعضاء الكنيسة والذين كانوا يسمون بطبقة السيكولر. أي أنهم أعتبِروا رجال الدين بسبب عضويتهم في الكنيسة، دون أن يعني هذا بالضرورة كونهم رجال الدين بالمفهوم المعاصر. هذه الطبقة كانت تسمى (سيكولر) وهو الجذر الذي أشتقت منه كلمة (سيكولاريزم) التي تعني الدنيوية أو هذا العالم. وكانت هناك طبقة أخرى تسمى (كليرجي) أي طبقة الكهنة أو أعضاء الكنيسة من رجال الدين. هذه الطبقة كانت وفق المفهوم المعاصر طبقة دينية، عملها إقامة الطقوس والشعائر الدينية كالصلوات و الأدعية، وكانت علاقتها بالناس محدودة جدا. حين اندلعت الثورة البروتستانتية وعصفت بأوروبا الغربية والشمالية، ظهرت تيارات عدة ضمن البروتستانتية منها اللوثرية و الكالفينية و والزفينكلية …الخ. هذه التيارات كانت تؤكد ما كان موجودا داخل الكنيسة اللاتينية مع شئ من النقد والهمّ بالتعديل كقضية صكوك الغفران و البابوية وإتاحة دراسة الكتاب المقدس للجميع.
فالتفريق بين الإلهي و البشري (أو بتعبير آخر بين ما هو مقدس و ما هو دنيوي)، كان في صلب عقيدة الكنيسة الكاثوليكية و عقيدة مارتن لوثر وعلى أساسه رفض دعم ثورة ثوماس مونتزر لأنه كان يرى سلطة الأمراء و الإقطاع إرادة ربانية وأن عمل رجل الدين ليس التورط في هذا المجال. أما زفينكلي فكان يرى أن الدولة يجب أن تحقق المشيئة الإلهية، ولكن وفق التفريق المذكور الذي كان قد تأسس داخل الكنيسة في تفريق واضح بين ما هو سيكولر (دنيوي) وبين ما هو كليرجي (ديني). وجون كالفن صرح بوضوح أنه ليس هناك شكل معين في الكتاب المقدس للدولة، فعليه وما هو مهم هو، أن تكون الدولة إطارا للحفاظ على حقوق المواطنين، وعدم إستغلال السلطة من قبل أي فئة. ومن هنا فقد رأى التوفيق بين النظام الأرستقراطي و الديموقراطي فرصة لتحسين شروط الحقوق والحريات للناس. إذن كان هناك توافق و تناسق بين مختلف الإتجاهات المسيحية في النظرة إلى علاقة الدولة والدين. الفارق، هو أنهم وجدوا أنه لا بد من إصلاح الكنيسة والعلاقة بين الدنيوي والديني التي كانت قد تخلخلت منذ بداية القرن الثالث عشر، بسبب تفاقم مشكلة صكوك الغفران التي نتج عنها فساد مالي كبير.
السؤال المهم هو، إذا كان الشأن الدنيوي و الديني في داخل الكنيسة اللاتينية بالشكل الذي تحدثنا عنه، ثم تبلورت نظرة الإصلاحيين البروتستانت من نفس الجوهر والسياق، فأين هي مرحلة الإنفصال العلماني عن الكنيسة؟ في الواقع لم يحدث هذا الإنفصال في أي وقت من الأوقات. بل كل ما حدث إنما هو وليد البلورة و التطور الطبيعي لمجرى الأحداث. فحين تعاظم شأن البروتستانت وأصبحت لديهم مدن ومراكز، ومع أنهم لم يسعوا للإنفصال عن الكنيسة اللاتينية، لكنهم بطبيعة الحال، وبسبب صراعهم مع كنيستهم ورفض الكنيسة لتوجهاتهم، وجدوا أنفسهم جماعة منفصلة أو غير مرغوب فيها، فأصبحوا في هذا المنحى جماعة مختلفة لها شؤونها. وبما أنهم ظلوا مرتبطين بالكنيسة، إلا أن كنائسهم لم تعد ترتبط بالكنيسة اللاتينية وبالبابوية. وهكذا بمرور الأيام مضوا نحو إنفصال غير مراد بل محتم. وحين اندلعت الحروب والقتل والهجرات بين الكاثوليك و البروتستانت، وحيث نزح أتباع الجماعتين إلى الأماكن التي كان رفقائهم أكثر قوة واتساعا، فإن تقسيمات جغرافية انبثقت تبعا لهذا التقسيم القسري الذي تطور إلى تقسيم مذهبي راسخ أعطى الهوية للكيانات السياسية إلى وقتنا الراهن.
وبعد إتفاقية ويستفاليا للسلام عام 1648 فإن أوروبا تقسمت بين بلدان كاثوليكية و أخرى بروتستانتية. وتضمن الإتفاق الإعتراف المتبادل بحقوق رعايا الجانبين من المواطنين. في هذه الأثناء وبسبب نمو السكان و التطورات الأخرى الإجتماعية والتعقيدات التي رافقت مناحي الحياة، لم تعد الكنيسة هي مركز الدولة، بل إن الكنيسة أمست تضيق بطبقة السيكولر (البيروقراط)، فانتقلت السلطة السياسية إلى مساحات أوسع على نطاق الحكم والسلطة بينما ظلت طبقة الكليرجي رهن أسوار الكنيسة التي ظلت المكان الرحب والملائم لها. إذن تَوَسُّعْ الحكم إلى خارج أسوار الكنيسة لم يحدث وفق مبدأ الإنفصال الذي يُسمى بالعلماني، وليس هناك تأريخ محدد حدثت فيه هذه الأسطورة، بل التغير حدث تدريجيا وبحسب الضرورات التي رافقت الظروف المتتابعة. نعم إن نشوء التيارات الفكرية والفلسفية والعلمية منذ القرن الرابع عشر أحدث تغيرا في بنى التصورات والتفاسير للحياة ومناحيها (خصوصا في ما يتعلق بالسياسة)، ولكن هذا حدث بروية وعبر قرون.
وما نجم من تطور و تغير في هذا المسار، لم يكن وليد إنقلاب أو إنفصال معين مزعوم حدث في وقت ما كما يشاع، ويُسمى بفصل الدين عن الدولة، أو في ما يسمى بفصل الدين عن السياسة. وما يساهم في تعزيز الوهم الغالب لدى عامة الناس، هو إجراء مقارنات غير معقولة بين نظم السياسة الغربية المعاصرة و تلك التي كانت في القرون الوسطى. وما عدا هذه القفزة الزمنية لإثبات الإنفصال، فلا سبيل لإثبات العلمانية كنظام انفصل من الكنيسة على أسس العلم والحداثة، لأن تأريخا كهذا لم يحدث إلا عبر عصور متصلة أخذت التغيرات سبيلها الطبيعي في قيامة الأشياء وجوهر الأحداث الزمنية.
لكن أوساطا شتى في الغرب والشرق حرصت على ترديد هذا الشعار (فصل الدين عن الدولة) لترسيخه في أذهان الأجيال، وهذا ما حدث فعلا، رمياً لتحقيق مآرب آيديولوجية وسياسية متقاطعة ومتناقضة خلقت فوضى كبيرة و دمارا وتخلفا كبيرين على أصعدة الحياة في بلاد المشرق، ومازال الحبل على الجرار.
فماذا تعني العلمانية عندنا، وفصل الدين عن الدولة؟
هي بإختصار تعني حذف الجهد العقلي والمعرفي الإنساني في بلادنا للقرون التي مضت، وإحلال عقل مجرد يشبه الصندوق الفارغ، يعتمد في إدارة البلاد على العفوية والإجراءات الراهنة المتوالية التي تستتبع ما يفرزه الغرب من مظاهر، هي إنعكاس طبيعي لتطور حضارته. لذلك لا نجد أي تطور حقيقي، ولا إستقلال حقيقي، ولا نمو يضمن الراحة والأمن لمجتمعاتنا وأفرادها رغم الثروات الهائلة في بلادنا والتي تذهب هباءا منثورا، لتجتمع في مراكز المال العالمية في أمريكا وأوروبا. العلمانية في بلادنا، أمست عملية مسخ الإنسان وإذلاله وتحويله إلى روبوت يستهلك فترة زمنية محددة من الحياة، دون تفاعل حقيقي معها من أجل ما هو سمو ورفعة، ناهيك عن الحقوق الأساسية المهدورة. فالعلمانية تعني تحويلنا جميعا إلى أدوات مسلوبة الإرادة تتبع الغرائز والشهوات (والمفارقة الغريبة أن هذا يجري بإسم الحرية!) وتتغاضى عما يجري من خراب ونهب لبلادنا، من قبل قوى إستغلالية تتحالف معها قوى محلية هزيلة، لا فلسفة لها في الحياة، سوى البقاء في ديكورات السلطة المزعومة التي تضمن لها رمزية الحكم والمتع المفتوحة على الصعيد الشخصي والعائلي. ومن أكبر المساهمين في هذه العملية المنظمة، لتدمير الإنسان في بلادنا، تأتي الحركات والجماعات الإسلامية في المقدمة. فرغم إعلانها الصارخ أنها ضد العلمانية، لكنها أدوات مسيرة، لترسيخ العلمانية سواء علمت ذلك أم لم تعلم. ولذلك نجد أن حصيلة جهود وثمار هذه الحركات والجماعات، بشقيها الوهابي والإخواني، دخلت في غلة العلمانية التي تتحكم فينا وهذا ظاهر للعيان اليوم في بلادنا. والوهم الكبير الذي يعصف بالجميع هو، أن العلمانية في بلادنا تعني تغريبنا (تحويل حياتنا إلى نمط غربي) أو الإرتقاء بنا إلى مصاف الدول الغربية، وهذا ما خدع شعوبنا قاطبة في نكتة هي الأطول في التأريخ!
مشروع كيفية حل مشكلة العلمانية
تمهيد
توصلت إلى هذه الخطة ليس عن طريق التفكر في طريقة متخيلة، أو تجريب ما لم يُجرب، بل عن تجربة طويلة امتدت لأعوام طويلة. فمنذ نعومة أظفاري درست العلوم الشرعية إلى جانب العلوم التي تدرس في المدارس الرسمية النظامية. حتى أثناء دراستي في الجامعة في بلاد الغرب واظبت على دراستي في الفقه والأصول والعقيدة. وعبر هذه الدراسة والبحث، توصلت إلى إدراك حجم الجهل الكبير لدى أوساطنا السلطوية والحزبية والنخبوية والإسلامية، إزاء التأريخ الغربي وبضائعه الفكرية والفلسفية والقانونية، وإزاء الإسلام وتراثه من أصول وفقه وفلسفة وتراكم معرفي. وكثيرا ما أحزنتني مواقف وأحداث كنت ألاحظها بدقة وهي تنمو في هذا الواقع الأليم. وأضرب عدة أمثلة على هذا. قبل عدة أعوام صرح الدكتور أحمد الريسوني (رئيس إتحاد علماء المسلمين في قطر) أن فقه الأولين لم يعد صالحا لزماننا وعليه يجب إعادة صياغة الفقه في ضوء العلوم والمعارف الغربية مثل السايكولوجيا وعلم الإجتماع. وكتبت لفضيلته رسالة مقتضبة أشرت فيها إلى كارثية هذا النوع من التفكير. ولكن يبدو أن كبرياء فضيلته لم يدر بخلده أن يلتفت إلى محتوى الرسالة. وفي نفس الوقت صرح الشيخ راشد الغنوشي أن العلمانية والديموقراطية أفضل فكر وآلية لصنع القانون. طبعا ليس هذا بمستغرب من قبل هاتين الشخصيتين، فكلاهما من ثمار البروتستانتية الإسلامية (راجع الروابط أسفل هذا المقال). أما الجماعات الوهابية فهي بدورها، وعبر ما تؤدي من وظائف مرسومة لها، تخدم العلمانية مع أن ظاهرها هو معاداة العلمانية ولكنها معاداة تحتاجها العلمانية إليها للتظاهر بتفوقها الحضاري أمام عدو مزعوم ينتمي قلبا وقالبا إلى عصور سحيقة، لا تناسب خانات الحياة المعاصرة، ناهيك عن الإرهاب والجنون الذين يصدران من هذه الجماعات منذ عقود كثيرة، وبدعم متعمد من العلمانية الغربية. فالعلمانية الغربية تحرص على إبراز أفعال وأدوار الجماعات الوهابية مثل داعش والقاعدة، لتقول للعالم ضمنا وصراحة، أنظروا وقارنوا بيننا وبين آيديولوجية هذه الجماعات.
المشروع
الخطة التي توصلت إليها هي إرسال ألف طالب جامعي من شتى الدول العربية إلى دول الغرب، أوروبا وأمريكا و أستراليا، كمرحلة البداية، للدراسة في الحقول الإنسانية وبالتحديد التأريخ والفلسفة والعلاقات الدولية والقانون. ويجب أن تكون مرحلة البكلوريوس تمتد إلى أربعة أعوام من أجل إحاطة الطالب بهذه العلوم. ثم يجب أن يستمر الطالب في مرحلة الماجستير لمدة عامين ويقدر التخصص في مجال واحد أو مجالين معا. ومن ثم ينتقل الطالب إلى مرحلة الدكتوراه للتفرغ للموضوع الذي سيختاره بعناية ودقة بالتباحث مع لجنة متخصصة ترعى شؤون هؤلاء الطلاب وتشرف على أمورهم، وفترة الدكتوراه تمتد إلى أربعة أعوام. المدة التي يحتاج فيها الطلاب إنجاز هذه المراحل الدراسية هي حوالي عشرة أعوام. وبموازاة هذه الدراسة، يجب إرسال علماء متخصصين في الفقه والأصول وعلوم الشريعة مع هؤلاء الطلاب، الذين يتم تقسيمهم إلى مجموعات كثيرة. ولتسهيل المهمة يجب أن يرافق بضعة علماء متخصصين كل مجموعة، لتدريسها بشكل مستمر علم الفقه والأصول والقضاء والقانون وعلوم القران والحديث. أي أن هؤلاء الطلاب يدرسون في الجامعات الغربية بشكل منفصل، ولدى علماء الفقه والشريعة بشكل منفصل. أي أنهم يزاوجون بين التدريس الغربي والإسلامي من أجل إنماء قدراتهم وملكاتهم العلمية نحو بلوغهم مرتبة الإجتهاد والتخصص. إن هذا البرنامج مكثف ومتواصل، وعليه يجب إختيار الطلاب بدقة وعناية، على أن يتم إختيار المثابر الحقيقي منهم والمجتهد المحب للعلوم والمعارف الذي لا يمل ولا يكل من الدراسة. ومن الممكن تخصيص ثلاثة أو أربعة متخصصين في علوم الشريعة لكل 25-50 طالبا من هؤلاء الطلبة المبعوثين إلى الغرب. يجب التكفل بمصاريف الطلاب والعلماء بشكل كامل.
إن هكذا دراسة، تتيح للطلاب التعمق في المسارين الغربي والإسلامي، وإستكشاف الجواهر والدرر في التراث الإسلامي الذي يغطيه غبار الإهمال والنسيان. إن من شأن هذا الإستكشاف أن يؤسس للمستقبل، على أسس تراثنا الغني بالمعرفة والعلوم العقلية التي طورها آلاف العلماء في خمسة عشر قرنا. كما أن تعمق وإحاطة هؤلاء الطلاب بالعلوم الإنسانية الغربية، يتيحان لهم الإستفادة من علوم الغرب بموضوعية وأكاديمية، بعيدا عن الهيجان السياسي والآيديولوجي والمهاترات الإعلامية التي تربك الناس العوام. وهذا المنحى يعزز ما عندهم من معارف وعلوم، لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب. وفي غضون عشرة أعوام يتكون لدينا ألف عالم متخصص في علوم الإسلام وعلوم الغرب.
إن هذه الرحلة شيقة جدا وقد خضتُ غمارها بصبر وأناة، وبمتعة لا تضاهيها متعة أخرى. إن الدول العربية الغنية تستطيع أن تتبنى هذا المشروع وتكاليفه ليست باهظة بالنسبة لها. ومن الممكن الإستمرار في هذا المشروع لعدة سنوات لتخريج أجيال من العلماء المتبحرين في هذين العالمين الشرقي الإسلامي والغربي المسيحي-اليهودي/ العلماني. وفي المستقبل سيتغير الحديث عن العلمانية من حديث صراعي وتصادمي ومبتذل عقيم إلى حديث علمي موضوعي يقدمه علماء متخصصون ويعرفون كيف يتصرفون مع المسارين لمصلحة شعوبنا. وعلى هامش هذا المشروع، لدي خطة أخرى لبناء كوادر متخصصة لإعادة النظر في المناهج التعليمية وبنائها وصياغتها من جديد للإرتقاء بشعوبنا إلى مصاف الدول المتقدمة. فعلة تخلف بلادنا تكمن في تخلفنا العلمي أولا وآخرا. وهذا المشروع قريب من المشروع الذي سبق ذكره.
أرجو أن تتبنى دولة عربية متمكنة هذا المشروع لأنه سيحل كل المصائب التي تتعلق بالعلمانية والصراع بإسمها وعليها.
روابط لمقالات تتعلق بمحتوى هذا المقال:
https://kitabat.com/author/196197218/https://issuu.com/alisirinihttps://www.sasapost.com/author/846/https://www.ahewar.org/m.asp?i=2209