هل مشكلة السّنة في الدين وحلّها في العلمانية والديموقراطية؟
(مع إعادة مقال الثالوث الأقدس الذي دمّر الشرق وأهله)
الحقيقة عارية لا تثير الناس. هذا المثل يختصر ما عليه الشعوب الإسلامية. وحين أقول الإسلامية فأقصد بالتحديد أهل السـّـنة والجماعة لأن ما عداهم أصحاب ديانات مختلفة عن الإسلام. إذا كانت الحقيقة العارية لا تثير الناس، فمن العبث المضي قدما في شرح هذه الحقيقة لهم، وهم يرونها عين اليقين، فيما هم هياكل متجمدة إزاءها.
من هذه الحقائق التي لا تثير أهل السنـّة والجماعة، هو أنهم دون غيرهم صدقوا دعايات أعدائهم فباتوا يظنون أنفسهم جماعة دينية إرهابية مشكلتها تنبع من الدين، بينما غيرهم أممٌ ودولٌ راقية مدنية علمانية. لذلك تجد الملايين من الأبواق داخل السنـّـة، تزمر داعية إلى نبذ الدين وتطبيق قيم العلمانية والديموقراطية والمدنية، للخلاص من المحن والآلام التي حلّت بالسنـّـة!
وفي الواقع تجد غيرهم متمسكا بعصب الدين، وهذا العصب يمدهم بالقوة، ويتأسس كيانهم السياسي والعسكري فوقه. فإسرائيل دولة دينية بإمتياز، وإجتماع اليهود في إسرائيل إجتماع ديني مؤسس على نبؤة توراتية بحتة. العلوييون أقلية صغيرة تجمعهم عصبية دينهم الباطني الذي ينزلون من أجله براميل البارود فوق رؤوس الشعب السوري الأعزل. يساند العلويين إخوتهم الشيعة، بالمال والدم والعتاد، لنفس الدين الباطني. الشيعة أسست كيانها في إيران، ومازالت تؤسس كيانات أخرى في المنطقة، على أساس دينها وتعاليم حوزتها ومراجعها. بل حتى حشودها العسكرية تتكون ليس بقرار حكومي رسمي أو عسكري، بل بفتوى المراجع مثل خامنئي وسيستاني. الغرب لم يخف يوما تعلقه بالإرث التأريخي له، حيث الذاكرة تشحذ هممهم للإنكباب على العالم السنّـي، بالتحالف مع القوى الدينية الأخرى في منطقتنا، في لعبة مكشوفة يفهمها حتى المجانين والسكارى. وقلّما تجد دولة غربية لا تضع الرموز الدينية فوق أعلامها، وفوق شعارات ورايات جامعاتها ومؤسساتها وثكناتها العسكرية. وكم صرّح الجمهورييون الأمريكييون، ومعهم قادة أوروبا المتحالفين، إبان شنّهم الحروب ضد أفغانستان والعراق والبوسنة وليبيا ومالي وسوريا اليوم، أنهم في مهمة سماوية للقضاء على الشر! ألم يقل جورج دبليو بوش لجاك شيراك أنه ذاهب إلى العراق لدحر يأجوج ومأجوج؟!
أما روسيا فليست هي الأخرى، سوى كيان مؤسس في أهم بعد له، على تعاليم دينها التي كوّنت تراثها وثقافتها عبر التأريخ. وهل نال الجنود الروس البركات، قبل رحلتهم من روسيا إلى سوريا، من المؤسسات العلمانية أم من المؤسسة الدينية، بإعتبارهم ذاهبين في مهمة إلهية للقضاء على "الوثنيين الكفار والملاحدة" حسب تعاليم دين أكثرية الروس؟!
هم وحدهم ينفرون من دينهم، ولا كيان لهم يجمعهم، ويسبحون ليل نهار بمفردات المدنية والديموقراطية والعلمانية و...الخ، ويشعرون دوما أنهم مجرمون خارجون عن العدالة والقانون، وأنهم إرهابييون، لأن هويتهم الثقافية غير مطابقة للهويات الأخرى الدينية التي تحظى بالقوة والفحولة من قبل معتنقيها في الغرب والشرق. وهم وحدهم يحاربون أي جماعة تتأسس بينهم تدافع عنهم بصدق، تحت مسميات شتى مثل محاربة الإرهابيين والظلاميين والتكفيريين، مع أنهم جميعا يُعتبرون كفارا حسب تعاليم الأديان الأخرى التي تحاربهم، ولا تفرق بين صالحهم وطالحهم. ولكن مع من يحارب السـّـنة وضد من؟ يحاربون مع الذين يبيدونهم ليل نهار بأفتك الأسلحة، ضد الذين دفعهم الظلم أن يصرخوا ويقولوا كفى، نحن أيضا بشر نستحق الحرية والكرامة وممارسة ما يمارسه الآخرون فوق أراضيهم. ولو حدث أن تكون جماعة منهم فعلا إرهابية، مثل داعش، إلا أنها لا تستهدفهم بسبب كونهم سـّـنة كما تفعل حشود الشيعة والنصيرية.
إنهم أهل السنة الضائعين التائهين، المتحولين فعلا إلى غثاء حقيقي في العراق وفي سوريا وفي عموم البلدان الأخرى. بل والمتحولين إلى قطيع أغنام، تساق إلى المجازر راضية أن تكون الذئاب والضباع رعاة لها!
علمنا سبب وقوف معظمهم ضد داعش، لأنها منظمة متطرفة وإرهابية. ولكن ماذا عن إرهاب الآخرين الذين لم يدخروا جهدا لإبادتهم ليل نهار، وهم يقاتلون تحت راياتها في العراق وفي سوريا؟
كم من السـّـنة حملوا السلاح واصطفوا إلى جانب سفاح سوريا العلوي ضد بني سـّـنتهم؟ كم من السـّـنة أمسوا مطايا للنظام الشيعي الطائفي العميل في العراق، وحملوا السلاح ضد أهلهم السـّـنة؟ كم من السـّـنة صاروا عملاء للقوى الغربية والإقليمية و وقفوا ضد دول وحكومات و شرائح سـّـنية في هذه المنطقة المنكوبة؟ ولكن هل وجدتم شيعيا أو علويا يقف مع السـّـنة ضد أهله وبني جلدته وأنظمته وأحزابه؟ هل رأيتم يوما مقاتلا من حزب اللــ اللبناني يقف مع السـّـنة ضد حزبه و ضد الشيعة؟ هل وجدتم يوما يهوديا يقف مع السـّـنة ضد اليهود وضد إسرائيل ويقاتل دفاعا عن السـّـنة؟ هل وجدت يوما غربيا يقاتل شعبه ودولته إصطفافا مع السـّـنة وتضامنا معهم؟ الجواب كلا. إنهم السـّـنة وحدهم من يصطف مع عدوهم ويقف ضد أهلهم. السـّـنة وحدهم من تخرج بين ظهرانيهم نماذج من أمثال أحمد حسون، وفيق السامرائي، مشعان الجبوري، وقسم متنفذ من سّـنة لبنان مع أعدائهم ضد أهلهم الذين أنزلوا منزلة الآخرين رسميا (الطائفة السـّـنية)، لتكون هامشا يملأ الزخرفة الدينية والطائفية التي تشغل كل الطوائف و الأديان الأخرى الموقع الأهم والأعلى في الصورة المرسومة سياسيا وعسكريا واقتصاديا...
ماذا عن تركيا وحزب العدالة والتنمية هل هما إرهابييان أيضا؟! كم فئة سنـّية ودولة سنـّية وكيان سنـّي يقف ضد تركيا، لأنها تصالحت مع هويتها وثقافتها وتراثها الديني؟!
السبب الرئيس لهذا الأمر المفجع والسقوط الكارثي، هو أن غالبية السـّـنة مهزومة عقائديا وثقافيا وروحيّا، لذلك رغم أن المسلمين يسمعون يوميا أن دينهم هو الصحيح، والإسلام هو الدين المقبول عند الله عزوجل، لكنهم مهزومون أمام أتباع الديانات الأخرى، لأنهم تخلوا عن حقهم اليقين، بينما تمسك الآخرون بما يعتقده أهل السـّـنة باطلا. وهم يرون هذا لكنهم أخلدوا إلى الأرض يستغبون أنفسهم. لذلك بات أهل السـّـنة يعيشون في تلك الأوهام التي يبثها لهم أعداؤهم كغيوم كثيفة تغطي سمائهم، قبل أن تغطي سحب الدخان فضاءاتهم، جرّاء القصف المتواصل بالطائرات والمدافع والدبابات التي ترفع رايات الديموقراطية والعلمانية والمدنية، لتوهمهم أنها تأتي بهذه "القيم" كهدايا قيّمة لهم، على غرار هدايا بابا نويل بمناسبة أعياد الميلاد، ونحن على مشارف عيد ميلاد جديد، حيث تكثر الهدايا للعالم الإسلامي في هكذا أوقات، في مسيرته الوهمية نحو جنة الديموقراطية والعلمانية!
إذن فليستمر مسير أهل السـّـنة نحو هذه الجنّة، جنبا إلى جنب مع جيش الحشد الشيعي (جحش) الذي أسسه المرجع الديني السيستاني، لإقامة الديموقراطية والمدنية التي رأيناها في الرمادي وفي فلوجة وفي الأنبار وفي سامراء وأخيرا في الموصل في ظل فرقعات شعار "يا لثارات الحسين". ولترفع الرايات خلف أحمد حسون مفتي سوريا، وعلى جمعة مفتي مصر، وأمثالهم من الذين يباركون للقوى التي لم يردعها شئ حتى عن قتل الأطفال والنساء... من أجل تثبيت "الديموقراطية والعلمانية والمدنية" في مدن السـّـنة وقراهم.
استمروا في المسير نحو جنة الديموقراطية أيها السـّـنة، بالمزيد من الإيمان بالتخلي عن الدين، والمزيد من التمسك بالعلمانية والديموقراطية التي تتدفق أمواجها قادمة من قم وطهران والنجف وكربلاء، والعاصمة الأبدية لليهود في إسرائيل وواشنطن التي لم تزل تحارب يأجوج ومأجوج الذي جهله جاك شيراك في حينه، فاستعان بقسيس كاثوليكي فرنسي، ليشرح له من بطون الكتب الدينية من هم ولماذا يذهب جورج دبليو بوش لمحاربتهم؟
وسترون "الديموقراطية والعلمانية" بقيادة الأديان المعادية لكم كما رأيتموها في عام 2003، حين سقطت بغداد، ومازالت تسقط، وتسقط معها عواصم المسلمين والعرب!
ولكن لماذا جبهة مسيركم نحو الجنة الموعودة مشتتة ومتنافرة ومتخاصمة، وجبهة أعدائكم في إنزال الصواريخ والقنابل وبراميل البارود فوق رؤوسكم، جبهة مشتركة وموحدة ومتضافرة؟!
ألأنكم لا ترون الحقيقة لأنها عارية لم تعد تثيركم؟!