منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالجمعة 15 مارس 2024, 12:56 am

مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها (1)
لا يكاد الجدل يتوقف بين الباحثين وجمهرة المثقفين -ودعاة العلمانية منهم بالخصوص- حول مصطلح العلمانية، من حيث فتح العين وكسرها، لما لذلك من دلالات في الاستعمال، وانعكاس مباشر على الفكر والسلوك، وقد أخذت هذه المسألة الكثير من النقاشات والمساجلات، واستنزفت وقتا غير قصير، بين الطرفين.


وعلى الرغم من كل ذلك الجدل فإن التحقيق في المسألة يفضي إلى أنها بفتح العين، إذ هي مأخوذة من العالم لا من العلم، وهو قول يشترك فيه كثير من الباحثين العلمانيين والإسلاميين (راجع -على سبيل المثال-: زكي نجيب محمود، عين -فتحة- عا، صحيفة الأهرام، 17/12/1984م، ص 13، وكتاب عن الحرية أتحدث، ص 133، وفؤاد زكريا: العلمانية ضرورة حضارية ص 270، وعبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية او العلمانية الشاملة، ج1، ص61-62، وغيره.


المسألة في نهاية المطاف تنبني على المقصود بها، من قبل كل طرف، بمعزل عن الكسر والفتح، وحيث إن تاريخ المسلمين الحضاري، قد أفاد من الآخر اليوناني في زمنهم، ممثلاً في التراث الفلسفي اليوناني؛ فلا يضير اليوم أن يفيد المسلمون من تراث الآخر الأوروبي، في جانب العلم الذي أضحى متميزا فيه


والواقع أن ليس "معجم المصطلحات السياسية العلمانية" وحده من يقرر بأن العلمانية هي اللادينية، أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير دين، وتعني في جانبها السياسي بالذات إقامة اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا علاقة له بالعلم أو بالمذهب العلمي (وضاح زيتون، معجم المصطلحات السياسية، ص 254)، بل ذلك ما تبنته عدد من القواميس والمعاجم ذات القيمة والوزن، كما هو اتجاه كثير من الباحثين العلمانيين غربيين وشرقيين، غير أن ما يعنينا في هذه المناقشة القصيرة ؛ إنما هو التوقف عند رأي أحد أبرز فلاسفة العصر، في هذه المسألة، وهو الدكتور زكي نجيب محمود (ت: 1993م)، لما فيه من المفارقة، غير المتوقعة، من رجل عرف لفترة طويلة من حياته، بغرامه المفرط بالغرب، وثقافته وقيمه، وفلسفته الوضعية المنطقية بالخصوص، حتى عرف يوما برائد الوضعية المنطقية، في العالم العربي، حيث يذهب الرجل إلى أن من الخطأ غير المبرر الإصرار من قبل بعض الباحثين على كسر حرف العين، لمفردة العلمانية، كما لو كانت مأخوذة من العلم، لا من العالم، وأن الإسلام يقف في مواجهة مع العلم، لكنه عاد فأكد أن المسألة في نهاية المطاف تنبني على المقصود بها، من قبل كل طرف، بمعزل عن الكسر والفتح، وحيث إن تاريخ المسلمين الحضاري، قد أفاد من الآخر اليوناني في زمنهم، ممثلاً في التراث الفلسفي اليوناني؛ فلا يضير اليوم أن يفيد المسلمون من تراث الآخر الأوروبي، في جانب العلم الذي أضحى متميزا فيه، ثم قال:" وإذن يكون انتهاجنا نهج أسلافنا هو أن نلتمس صيغة ثقافية جديدة، نجمع فيها رحيقا إلى رحيق في إناء واحد. فإذا كان هذا الجمع بين الرحيقين هو نفسه ما يطلقون عليه اسم "العلمانية" بعين مفتوحة، فأهلا بها، وإذا كان هو ما يسمونه بهذا الاسم بعين مكسورة، فمرحبا بها، إن الأسماء لا تسكنها العفاريت فأخشاها، إنني أخشى أو لا أخشى ذلك الذي تسميه تلك الأسماء، إذا وجدت في المسمى ما أخشاه، فهل أخشى أن يكون هذا العالم الجديد موضوعا لاهتمامي، في علومه وفي آدابه وفي فنونه، وفي كثير من نظمه. إن حياة الحي هي أن يتفاعل مع ما يحيط به، أخذا وعطاء، فما الذي يخيفني من العلمانية، فتحت عينها أو كسرت، إنه بفتحها تكون دعوة إلى الاهتمام بعالمنا الذي نعيش فيه، وبكسرها تكون دعوة إلى العلم، وكلتا الدعوتين معلنتان في عقيدة الإسلام وشريعته" (محمود، عين- فتحة- عا، ص13، وعن الحرية أتحدث، ص 135).


إن مضمون هذا التقرير لزكي محمود؛ يتنافى مع ما استقر في وعي كل من يعرف الفلسفة الوضعية المنطقية، ودلاتها، ونقاش حلقة فينا وفلاسفتها، حيث الاهتمام باللغة وتحليلاتها المنطقية، للتخلص من كل ما يشوبها من تعبيرات غامضة، أو زائفة، ليتمّ البناء على التجربة الحسّية وحدها، حتى إن البعض ليسميها بالوضعية التجريبية، بوصف التجربة الحسية مصدر المعرفة الوحيد والحصري، بعيدا عن مصادر الدين والإيمان والغيب (الميتافيزيقا) وطرائقها، حيث إن كل مالا يخضع للتحقق من صحته، عبر الفحص التجريبي الحسي، يعد لغوا بلا معنى، وليس من العلم في شيء، لدى هذه الفلسفة. وهل هذا ينسجم عمليا في شيء، مع تقرير الدكتور محمود آنف الذكر؟ اللهم لا.


هنا ينعي محمود على من يحارب العلم باسم الدين، في صورة العلمانية (مكسورة العين) بقوله:" ومرة ثانية أقول: إنني لا أبالي أن يكون في صدور الدعاة إلى العلمانية بكسر عينها، شر مكتوم يريدون به حياتنا الدينية، على افتراض جاهل منهم بأنه إذا كان علم فلا دين.


أما الجانب الأكثر إثارة في موقف الدكتور زكي نجيب محمود من مصطلح العلمانية، بل الصادم -ربما لكثير ممن يعتقد بحتمية الحل العلماني وضرورته-؛ تشديد الرجل على ضرورة الإيمان بالتناغم في الإسلام، بين العلم والإيمان، والدين والدنيا، ذلك أننا في المجتمعات الإسلامية غير معنيين بركام الجدل والصراع الذي دار في أوروبا حول العلمانية من الأساس، لأن فلسفتنا الفكرية نابعة من الدّين، الذي يهتم بالعلم، ولا يفرط بالعالَم أو الدنيا، في الوقت ذاته، كما هو معلوم من فكره بالضرورة (محمود، عين- فتحة- عا، ص13، وعن الحرية أتحدث، ص 135).


وهنا ينعي محمود على من يحارب العلم باسم الدين، في صورة العلمانية (مكسورة العين) بقوله:" ومرة ثانية أقول: إنني لا أبالي أن يكون في صدور الدعاة إلى العلمانية بكسر عينها، شر مكتوم يريدون به حياتنا الدينية، على افتراض جاهل منهم بأنه إذا كان علم فلا دين. فقد ذهبت عن الناس غفلة استبدت بهم حينا طويلا من الدهر في بلادنا وفي بلاد الغرب كذلك، حين لعب الشيطان بعقولهم فأوهمهم أن لا مصالحة بين علم ودين، فإذا قام أحدهما غاب الآخر، ذهبت عن الناس هذه الغفوة، لأن الإنسان إنسان بدينه وبعلمه معا، وارجع إلى كتاب الله الكريم وإلى حديث رسوله -عليه أفضل الصلاة والسلام- وانظر في كم موضع يأتي الحض على العلم، بل إننا لنعرف ذلك جيدًا، ونعيده ونكرره فيما نكتبه وما نذيعه في الناس، فقل لي بالله: من ذا الذي يحاربونه، أولئك الذين يحاربون العلمانية وهي مكسورة العين؟"( راجع: محمود، عين- فتحة- عا، ص13، وعن الحرية أتحدث، ص 136).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالأحد 21 أبريل 2024, 11:52 pm

العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (2)
نعود في هذا الجزء إلى رؤية عزمي بشارة، حيث هو من الفريق الذي لا ينازع في أن مصطلح العلمانية يحمل 

المعنى الأيديولوجي، وفق الأدبيات المختلفة له، مؤكدا على ذلك بين الفينة والأخرى، في مواضع تفوق الحصر 

هنا، خاصة في الفصول ذات الصلة، في موسوعته ذات الثلاثة أجزاء بهذا الخصوص (الدين والعلمانية).

ومن ذلك -على سبيل المثال- إشارته في سياق محاولة تعريف العلمانية ومدى دقة نسبتها إلى العلم أم العالم 

والعلم؛ إلى الجدل الدائر في ذلك، ويسوق ما يحاول به البعض أن يجعل من العلمانية مجالا، يتصل كل مجال فيها 

بقوانينه الداخلية الخاصة غير السماوية، وكأن العلمانية تؤدّي معنى العلم، لكن بشارة يعقب على ذلك بقوله: "

وتكفينا هنا الإشارة إلى الأيديولوجيات العلمانية، فليس كل ما هو علماني يحيل الدنيا علميا بالضرورة، ولكن ثمّة 

علاقة أكيدة بين الاستغناء عن الغيب، في تفسير العالم من ذاته بواسطة العلم، وبين فهمنا لعلمنة الوعي.." (

عزمي بشارة، العلمانية والدين، الجزء الثاني/المجلّد الأول، ص 78).

في سياق النقد العقلاني والقيمي للتنوير، من منطلق أيديولوجيات لا عقلانية، أو أفكار شمولية؛ يعلّق بشارة على 

ذلك قائلا: (هكذا أيضا نفصل العلمانية، بصفتها تمايزا بين المجالات، وتحريرا للدين من القسر السياسي، مثلما 

هي تحرير للسياسة من مرجعيات كهنوتية…)

وفي الوقت الذي يستعمل فيه بشارة العلمانية بوصفها أيديولوجيا؛ فإنه يرفض القبول بكونها نظرية علمية، (

بشارة العلمانية والدين، الجزء الأول، المجلد الأول، ص 80 ،84). أو  فلسفة علمية (بشارة، العلمانية والدين، 

الجزء الأول، ص 15)، ويصرح باختلافه مع عادل ضاهر -مثلا- في الجانب الأخير هذا (بشارة، العلمانية 

والدين، الجزء الثاني/المجلد الأول، ص 84).

ثم نراه يؤكد أن "هذا التفسير المنعكس في اللفظ، الذي يوصل عملية العلمنة إلى اعتبارها مرجعية العقل والعلم، 

يصبح الفرق ضئيلا بين العلمانية كنتاج فكري لعملية عَلْمَنة، أي كعملية تاريخية جارية، وبين وعيها بذاتها 

كموقف. وهذا يعني برأينا أن العلمانية كأيديولوجيا هي لقاء تمظهرات العلمانية في التاريخ، مع ذاتها في الوعي، 

في تعريفها لذاتها كمرجعية العلم والعقل، في مقابل مرجعية الدين. والمقصود هو إحالة مرجعية العلم والعقل في 

الحكم على الظواهر الدنيوية، في مجال بعد آخر" (بشارة، العلمانية والدين، الجزء الثاني/المجلّد الأول، ص 80)

وفي سياق النقد العقلاني والقيمي للتنوير، من منطلق أيديولوجيات لا عقلانية، أو أفكار شمولية؛ يعلّق بشارة 

على ذلك قائلا: "هكذا أيضا نفصل العلمانية، بصفتها تمايزا بين المجالات، وتحريرا للدين من القسر السياسي، 

مثلما هي تحرير للسياسة من مرجعيات كهنوتية، عن العلمانية، بصفتها أيديولوجيا شمولية، تعادي الدين، 

وتدعي العلمية، في إدارة شؤون المجتمع، فهذه الأخيرة تستدعي نقدا قد يتناولها، وكأن مشكلتها الرئيسة هي 

تعميم العلم كأداة سيطرة وضبط وتصنيف وحساب" (بشارة، العلمانية والدين، الجزء الثاني/المجلد الأول، ص 

724).

كما قال بشارة في السياق ذاته: "ومن يعتقد أنه ينتقد التنوير إنما ينتقد تيارا أيديولوجيا واحدا فيه، ولا سيما ذلك 

التيار الذي يؤسس العلمانية، على ما يدعي أنه حقائق كونية، لذلك نحن نرى أن هذه الأفكار على جديتها لا 

تكشف جديدا، وربما تساهم قليلا في التخفيف من صلف الادعاء القائم لدى العلمانيين المتطرفين، بأنهم يمثلون 

التنوير. وهذا بحد ذاته مفيد، لأن العلمانية نفسها من دون التعددية السياسية والحريات وغيرها قد تكون غطاء 

لتقديس الفرد الديكتاتور، أو لتقديس تجسيدات أسطورية عن الدولة أو الشعب، كما تطرحها للناس قوى سياسية 

أيديولوجية، أصولية، تسمي نفسها علمانية، وهي في الواقع تستبدل قداسة بأخرى، وعقائد وشعائر وطقوسا 

بأخرى" بشارة، العلمانية والدين، الجزء الثاني/المجلد الأول، ص 793).

يكاد يتلخص رأي بشارة في العلمانية من هذه الزاوية بقوله في خاتمة موسوعته: "أما العلمانية فتبرز كمجموعة 

مواقف فكرية وأخلاقية، متعلقة بعلاقة الدولة بالدين تاريخيا، في مرحلة تعاظم دور الدولة وشموليته في الحداثة 

عموما…"

أما في سياق مناقشة بشارة لأنواع العلمانية ونماذجها المختلفة من متشددة وصلبة أو رخوة ومعتدلة فنلقاه 

يمضي في وصف العلمانية بالأيديولوجيا حيث يقول: "توصلنا النقاشات المعاصرة في شأن الدين والسياسة إلى 

نتيجة مفادها أن الطريقة "المثلى" لتحييد مسار الدولة في الشأن الديني هي مسار تاريخي لا يؤدي إلى وصول 

أوساط إلى هذه القناعة، ببرامج سياسية وثقافية، تدعو إلى هذا الفصل أو التحييد فحسب، ونسميهم علمانيين 

بالمعنى الأيديولوجي للكلمة، بل إلى وصول المتدينين أيضا إلى قناعة مفادها ضرورة تحرير الدين من سيطرة 

الدولة.. لأن العلمانية ليست مجرد فصل كتمايز وتمفصل موضوعي جارٍ في التاريخ، بل هي أيضا موقف 

أيديولوجي نابع من فهم معين للدين والدولة" ( بشارة، العلمانية والدين، الجزء الثاني/المجلّد الثاني، ص 282

-283).

ويكاد يتلخص رأي بشارة في العلمانية من هذه الزاوية بقوله في خاتمة موسوعته: "أما العلمانية فتبرز 

كمجموعة مواقف فكرية وأخلاقية، متعلقة بعلاقة الدولة بالدين تاريخيا، في مرحلة تعاظم دور الدولة وشموليته 

في الحداثة عموما، بما في ذلك دورها الثقافي، وتأثيرها في حياة الأفراد أيضا" (بشارة، العلمانية والدين، الجزء 

الثاني/المجلّد لثاني، ص 410)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2024, 2:19 pm

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Dca022b5-81e6-4da0-8f2e-c8adbf8942a5



العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (3)
أحمد محمد الدغشي

العلمانية ليست على الإطلاق "مشروعا" متكاملا وليست "أيديولوجية" بالمعنى الواسع لهذا اللفظ
وقفنا في الجزئين السابقين على آراء بعض المفكرين تجاه العلمانية كأيديولوجيا، وخلصنا إلى أن كلا من عبد 

الوهاب المسيري وعادل ضاهر وعزمي بشارة، ممن يذهبون إلى استعمال مصطلح "الأيديولوجيا العلمانية"، 

على نحو من الإقرار لذلك، من غير مشايعة للرأي القائل بأن العلمانية لا تعدو إجراءات فنية وأداتية وإدارية 

ترتيبية ليس أكثر.

والواقع أنه لا يزال مصطلح "الأيديولوجيا العلمانية" شائعا ومستخدما في الأدبيات العلمية والمؤسسات 

الأكاديمية الكبرى، بأقلام مفكرين آخرين وباحثين عدة، بمختلف درجاتهم ومستوياتهم العلمية والفكرية، وهو ما 

يقتضي توضيحا على النحو التالي:

نظرا إلى الدور الهام الذي تؤديه الأيديولوجية السائدة في تشكيل سياسات الدولة؛ فإن تغييرها يعني تحولا كبيرا 

في السياسة. وأحدث نموذجين على هذا هما النموذج الإيراني بعد الشاة، والنموذج الروسي بعد انتهاء الحكم 

الشيوعي

أحمد كورو
كورو وهنتنجتون وأركون وشعيبي والأيديولوجيا العلمانية
من ذلك -على سبيل المثال فقط- تلك الدراسة ذات العلاقة التي قدمها الباحث التركي الدكتور أحمد كورو أستاذ 

العلوم السياسية بجامعة دييغو الأميركية، في ولاية كاليفورنيا، بعنوان: "العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين: 

الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا"، وهي أطروحته للدكتوراة التي حصل عليها من جامعة واشنطن.

فقد استخدم الباحث منذ بداية دراسته هذا المصطلح (الأيديولوجيا)، لوصف العلمانية وقال -مثلا-: "نظرا إلى 

الدور الهام الذي تؤديه الأيديولوجية السائدة في تشكيل سياسات الدولة؛ فإن تغييرها يعني تحولا كبيرا في 

السياسة. وأحدث نموذجين على هذا هما النموذج الإيراني بعد الشاة، والنموذج الروسي بعد انتهاء الحكم 

الشيوعي.. فحل الإسلام الشيعي في أعقاب الثورة الإيرانية محل الأيديولوجية العلمانية السائدة في أيام حكم 

الشاة، وقد كان لهذا الشرخ الأيديولوجي تداعياته الواسعة النطاق على العلاقات بين الدين والدولة" (أحمد ت. 

كورو، العلمانية وسياسة الدولة تجاه الدّين: الولايات المتحدة، فرنسا، تركيا، ص32).

وفي سياق اعتماد كورو تقسيم العلمانية في الدول الثلاث التي درسها (أميركا وفرنسا وتركيا) إلى نوعين يطلق 

على الأول: العلمانية "السلبية"، ويقصد بها "المعتدلة" أو "المتسامحة"، والأخرى: العلمانية الصارمة (

كورو، العلمانية وسياسة الدولة تجاه الدين، ص33)، أي العنيفة والشمولية، فإنه يضعهما معا في السياق 

الأيديولوجي بقوله: "بعد بروز وهيمنة نوعي الأيديولوجية العلمانية؛ اتبعت بعض طرق الصراع الأيديولوجي 

مسارات مشابهة لهذه الحالات الثلاث" (كورو، العلمانية وسياسة الدولة تجاه الدين، ص 368).

تأمل كيف أن الباحث لم يستثن ما يصفه بالعلمانية السلبية "المعتدلة" -مع كونه من دعاتها من وصف 

الأيديولوجيا-. وتراه في موطن آخر يشدد على ضرورة إدراك الفرق بين النوعين من العلمانية، ليدلف إلى القول: 

"فالعلمانية تعتبر أيديولوجيا مناهضة للدين في مجتمعات مسلمة عديدة. ويرجع السبب في ذلك إلى هيمنة 

العلمانية الحازمة في دول مثل أوزبكستان وتونس.." (كورو، العلمانية وسياسة الدولة تجاه الدين ص376).

وفي سياق الإشارة إلى الدستورين الفرنسي والتركي والعلاقة بالعلمانية قال كورو: "إلا أن كليهما -يقصد 

الدستورين الفرنسي والتركي- لا يشير إلى حدود تدخل في المحيط الاجتماعي، أو بعبارة أخرى: نجد أن كلا 

الدستورين الفرنسي والتركي يشيران إلى العلمانية بوصفها أيديولوجية رسمية، وعلى أنها محدد لهوية الدولة، 

بدلا عن كونها مبدأ قانونا عمليا، يرسم علاقة الدولة بالدين.." (كورو، العلمانية وسياسة الدولة تجاه الدين، 

ص35).

الصراع بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية كان بين أيديولوجيتين، ورغم الفروق الأساسية بينهما إلا 

أنهما حديثتان وعلمانيتان، وتشتركان في الزعم بأن أهدافهما النهائية هي الحرية والمساواة

صامويل هنتجتون
أما صامويل هنتنجتون (ت:2008م)، أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعة هارفارد وصاحب نظرية "صدام 

الحضارات"، استخدم المصطلح ذاته، فقد استخدم مصطلح (الأيديولوجيا العلمانية) من قبل، حين قرر "أن أكبر 

صراع علماني شهده القرن العشرون في مرحلة الحرب الباردة دار بين أكبر قطبين علمانيين في العالم وهما 

الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، وتمحور حول أيديولوجيتين علمانيتين، إذ إن "الصراع بين 

الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية كان بين أيديولوجيتين، ورغم الفروق الأساسية بينهما إلا أنهما 

حديثتان وعلمانيتان، وتشتركان في الزعم بأن أهدافهما النهائية هي الحرية والمساواة والرفاه المادي 

الديمقراطي الغربي يمكن أن يدخل في جدل مع ماركسي سوفيتي، وسيكون من المستحيل بالنسبة له أن يفعل ذلك 

مع روسي قومي أرثوذكسي" (صامويل هنتنجتون، صدام الحضارات، ص 232).

وقد يبدو للبعض من المفارقات أن يندرج في إطار الباحثين الذين يطلقون وصف الأيديولوجيا على العلمانية؛ 

مفكر ماركسي بارز، هو الدكتور فؤاد زكريا (ت:2010م)، وإن قال: "فليست العلمانية على الإطلاق "

مشروعا" متكاملا، وليست "أيديولوجية"، بالمعنى الواسع لهذا اللفظ، وليست برنامجا يصلح لحزب سياسي، أو 

لدعوة إصلاحية شاملة، وإنما العلمانية -في وضعنا الراهن- محاولة لصد تيار ظلامي يزحف على بلادنا بقوة 

متزايدة…" (فؤاد زكريا، العلمانية ضرورة حضارية، ص291).

وهذا التحفظ الجزئي من قبل زكريا، رغم كونه أقر ضمنا بأيديولوجية العلمانية، يذكرنا بالظرف الزمني الذي قدم 

فيه دراسته، حيث كان ذلك في مرحلة الثمانينات الميلادية من القرن العشرين المنصرم، وهي -حتى في مصر- 

مرحلة من النادر فيها تصدر باحث أو داعية علماني لتبني العلمانية، على نحو ما صار إليه الأمر بعد ذلك، 

وضوحا وتماديا في الاستبسال، من قبل بعضهم في المناداة بها.

ولهذا ألفيناه يتحدث بما يفيد أن هذا التوصيف المتحفظ جزئيا على الوصف الكامل أو الواسع للعلمانية 

بالأيديولوجيا؛ مرتبط بظرفه، حيث جاء لغرض التصدي لمن وصفهم بالتيار الظلامي، أي الإسلاميين المنادين 

بشمول النظام الإسلامي في كل المجالات الحيوية للإنسان.

العقل يفرض على العقل في كل ثقافة، وفي كل فكرة الانتباه أن العقل يخطئ، أن العقل يميل دائما إلى الأيديولوجيا

محمد اركون
أما محمد أركون (ت:2010م)، فرغم كونه من أشهر دعاة العلمانية في إطار الفكر الاستشراقي الجديد، مع كونه 

في الأصل جزائريا، فإنه لا يبرح يؤكد على ضرورة مراجعة ما يصفها بالأيديولوجيا العلمانية -ضمن سياق حديثه 

عن كل الأيديولوجيات، وفي هذا يتحدث في إحدى حواراته الفكرية المتلفزة عن تجديد الفكر بقوله: "كل محاولة 

بشرية حاملة أو معرضة أن تحمل جانبا من الأيديولوجيا، هذا من الوضع البشري، لا يمكن لبشر أن يكون ملكا، 

أي أنه معصوم، لا يخطئ، ولا يميل ولا يحمل خطابه أي شيء ينتمي إلى الأيديولوجيا والميثولوجيا.

هذا "مش" [هكذا والمقصود غير] موجود، ولذلك قلت: "العقل يفرض على العقل في كل ثقافة، وفي كل فكرة 

الانتباه أن العقل يخطئ، أن العقل يميل دائما إلى الأيديولوجيا". (محمد أركون، حوار مع قناة الجزيرة، برنامج 

مسارات عن تجديد الفكر 2، نزعة الأنسنة وقواعد الاستشراق (حاوره: مالك التريكي)، 5/5/2006م).

وأما عماد فوزي شعيبي -وهو مفكر وأكاديمي سوري- فيأخذ على كثير ممن يتناول الظاهرة العلمانية تسطيحهم 

لها عند الحديث عنها، بوصفها أداة أو إجراء مجردا من الفلسفة والأيديولوجيا، ويعد ذلك من قبيل التقليد أو 

الوهم، مؤكدا أن العلمانية أيديولوجيا أو تكاد، وفق المنظور الفلسفي (عماد فوزي شعيبي، العلمانية باعتبارها 

أيديولوجيا وأسطورة، مقطع مرئي (فيديو)، مثبت على صفحة شعيبي على الفيسبوك، 23/8/2022م)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالخميس 09 مايو 2024, 9:25 am

العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (4)

يلفت النظر في سياق البحث في العلمانية بين الحيادية والأيديولوجيا بعض المراجعات الفكرية القوية التي أجراها بعض المفكرين الغربيين على مسار العلمانية من هذه الزاوية بالتحديد، كتلك المراجعة الجريئة القوية التي أجراها إرفنج كريستول، وهو مثقف أميركي يهودي أصدر دراسة وصف فيها العلمانية بأنها "رؤية دينية حققت انتصارا على كل من اليهودية والمسيحية" (انظر: المسيري، العلمانية الجزئية والشاملة، ج1، ص101).

تايلور بهذا إنما يؤكد ما يذهب إليه عدد غير قليل من الباحثين بهذا الشأن بما مفاده أن من تسطيح القضايا الكبيرة القول بأن مصطلحا كالعلمانية لا يزيد عن كونه مجرد أداة فنية، أو إجراء إداري فحسب، يصلح لإدارة أي مجتمع، بمعزل عن خلفيته الدينية والحضارية والاجتماعية.

جغرافية المصطلح وتناقض النماذج العلمانية
يعلق المسيري على مقولة كريستول آنفة الذكر بقوله: "وهو يصر على تسميتها "رؤية دينية"، أي رؤية شاملة (رغم رفض العلمانيين ذلك)، لأنها تحتوي مقولات عن وضع الإنسان في الكون وعن مستقبله، لا يمكن تسميتها علمية، ذلك لأنها مقولات ميتافيزيقية لاهوتية، وفي هذا الدين (العلماني) يصنع الإنسان نفسه أو يخلقها (تأليه الإنسان)، كما أن العالم ليس له معنى يتجاوز حدوده، وبوسع الإنسان أن يفهم الظواهر الطبيعية وأن يتحكم فيها، وأن يوظفها بشكل رشيد لتحسين الوضع الإنساني، ذلك أن المقدرة على الخلق، التي كانت من صفات الإله؛ أصبحت في المنظومة الدينية العلمانية من صفات الإنسان، ومن هنا ظهرت فكرة التقدم. وهذه العقيدة العلمانية هي الإطار المرجعي لكل من الليبرالية والاشتراكية" (المسيري، العلمانية الجزئية والشاملة، ج1، ص101-102).

نستخلص مما سبق أن لكل مصطلح -ولاسيما المصطلحات الكلية- دلالته الجغرافية (جغرافية المصطلح)، وحمولته الفكرية والثقافة، وخلفيته المعرفية التي انبثق عنها، حتى وجدنا فلاسفة غربيين مثل تشالرز تايلور في دراسة له بهذا الخصوص أشار إليها عزمي بشارة في موسوعته عن الدين والعلمانية يعلق -أي تايلور- على مطلب يورغن هابرماس المنادي بقطيعة معرفية بين العقل الديني والعقل العلماني، مناديا بشطب أية إحالات دينية في بروتوكولات البرلمانات وغيرها من المؤسسات الدينية بقوله -أي تايلور-: "إن هذا يجب أن ينطبق على أي فلسفة إلحادية أيضا، وكما أن الدولة لا يمكن أن تكون مسيحية أو مسلمة، كذلك لا يمكنها أن تكون ماركسية أو كانتية أو نفعية.." (بشارة، الدين والعلمانية، (الجزء الثاني/المجلد الأول)، ص 826-827).

وتايلور بهذا إنما يؤكد ما يذهب إليه عدد غير قليل من الباحثين بهذا الشأن بما مفاده أن من تسطيح القضايا الكبيرة القول بأن مصطلحا كالعلمانية لا يزيد عن كونه مجرد أداة فنية، أو إجراء إداري فحسب، يصلح لإدارة أي مجتمع، بمعزل عن خلفيته الدينية والحضارية والاجتماعية.

الأحزاب الليبرالية الغربية المعاصرة، لا تخلو من مثل هذا النمط وذاك، والنموذج الفرنسي بالخصوص أيا اختلفت أحزابه وأنماطه الإجرائية؛ يكاد يكون كله من نوع العلمانية الشاملة أو الصارمة، أو المتطرفة..

ومن جانب آخر فإذا كانت العلمانية مجرد أداة فنية أو إجرائية محايدة، لا علاقة لها بالفلسفة والأيديولوجيا فمعنى ذلك أن العلمانية لا تخرج عن صورة واحدة أو نموذج واحد، مهما اختلفت بيئتاها أو ثقافات القائمين عليها، أو عناوينها، على حين أننا نجدها نماذج عديدة مختلفة اختلافا حقيقيا وبنيويا كليا حينا وجزئيا حينا آخر.

وأبرز عنوانين عريضين لها ما يعرف بالعلمانية الكلية أو الشاملة أو الصارمة أو الصلبة في مقابل العلمانية الجزئية أو اللينة أو السلبية أو المتسامحة، أو المعتدلة، وكون العلمانية علمانيات مختلفة متناقضة على ذلك النحو، وبمعزل عن التسليم بدقة العنوان الأول ومفرداته المتقاربة؛ فإن كون الشامل منها أو المتطرف أو الصلب أو الصارم؛ يتسبب في اتخاذ إجراءات قاسية، بل ظالمة، وغير عادلة (غير حيادية) تلحق الضرر بطرف أو أطراف أخرى داخلية أو خارجية.

فذلك وحده كفيل بنقض فكرة أن العلمانية، لا تتجاوز كونها أداة فنية إجرائية محايدة، أيا كان الطرف الذي يحكم بها، لأنه يحق للباحث حينها أن يتساءل بدهشة: أين يذهب الحياد في حال وصول هذا النمط من العلمانية إلى سدة الحكم؟ وما الماركسية الستالينية والفاشية، والنازية والصهيونية وأخواتها مثل علمانية حزب بهاراتيا جاناتا في الهند، ولاسيما في ظل زعامة ناريندرا مودي، سوى دلائل على ذلك.

بل إن الأحزاب الليبرالية الغربية المعاصرة، لا تخلو من مثل هذا النمط وذاك، والنموذج الفرنسي بالخصوص أيا اختلفت أحزابه وأنماطه الإجرائية؛ يكاد يكون كله من نوع العلمانية الشاملة أو الصارمة، أو المتطرفة.. إلخ في حين أنه مصنف على النموذج العلماني الليبرالي، ولذلك نعود بالسؤال: هل لاتزال العلمانية في هذه الحال مجرد أداة إجرائية أو إدارية أو فنية حيادية في مثل تلك النماذج؟

إذا أصر البعض إلا أن وجود كل ذلك التوحش في بعض الأنماط العلمانية؛ لا ينفي حتمية الأنماط المعتدلة منها، ولذلك تبقى- عنده- وحدها الحل، بعيدا عن النماذج المتطرفة تلك، وبعيدا عن النماذج الدينية، بمختلف مسمياتها وأنماطها كذلك؛ فإن ذلك يصبح ازدواجا صارخا في المعايير، حيث من المعلوم إن الدين الإسلامي -وهو محل النقاش هنا- واحد، وإن جاءت أنماط التدين فيه مختلفة، من حيث وجود الوسطي المعتدل بحق، والمتشدد المغالي، وحتى التكفيري والعنيف.

فلماذا لا يشجع الوسطي المعتدل منها، وفق معايير الإسلام؟ -وليس مؤسسة راند الأميركية وما في حكمها التي سنأتي على الإشارة إليها لاحقا- ويتم تبنيه وحده، بوصفه الممثل لثقافة المجتمع وقيمه وفلسفته الاجتماعية، دون لجوء إلى التفكير باستيراد الحل العلماني، الغريب على بيئة المجتمع ومعتقداته وقيمه وثقافته؟ لكن دعاة الحل العلماني لا يلتفتون لذلك، ويسعون بكل ما أوتوا من إمكانات داخلية وخارجية وسبل- بما فيها العنف والانقلابات العسكرية والاستعانة بالدوائر الأجنبية- لفرض نموذجهم على المجتمع المسلم، من خارج تلك البيئة وقيمها وفلسفتها وثقافتها، رغم رفض الأغلبية لذلك، فهل يبقى ثمة مبرر منطقي أو أخلاقي لهم بعد هذا؟

وصفوة القول: إن التدقيق في المسألة العلمانية يؤكد أنه لا يوجد علماني لا يحمل رؤية ما مسبقة أو متشكلة: سافرة أو كامنة، مادية أو ميتافيزيقية أو معرفية، في التصور لطبيعة العلاقة مع الخالق والوجود والإنسان والمعرفة والمجتمع والقيم والحياة الدنيا والآخرة وأنماط العلاقات، بالسلب أو الإيجاب، اعترف بذلك وأقر، أم أنكر ونازع! وكمثال تطبيقي على ذلك سيناقش الجزء الخامس القادم -بعون الله- الموقف من "النسوية" على سبيل المثال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالأحد 19 مايو 2024, 6:54 am

العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (5) النسوية: نموذج تطبيقي
أزعم أن ما سقته -فيما سبق- من شواهد لكبار الكتاب والفلاسفة من الغرب والشرق؛ يحمل من الدلائل ما يجعل من مسلمة "الحياد" هذه لدى بعض العلمانيين، أو المتأثرين بمقولة الحياد فيها؛ مجرد فرضية أثبتت الشواهد السابقة أنها مقولة "غير حيادية"، وبحاجة إلى مراجعة كذلك.

ومع كل ما سبق فلن تعدم من يعود بنا إلى المربع الأول، وهو الإصرار على أن العلمانية ليست أيديولوجيا وإنما مجرد أداة إجرائية إدارية فنية محايدة، وكأنه شطب على كل ما تقدم بجرة قلم، ويرد على كل ذلك ببرود تام قائلا: "أنا لا يعنيني"، العلمانية مجرد أداة إجرائية حيادية، وهي حيادية، لا أيديولوجية فيها.

وإذا كان ذلك مفهوما -رغم المكابرة الظاهرة- في حق كل من لا يلتفت إلى الدين ومعتقداته وتشريعاته ومقرراته؛ فإن الإشكال الأكبر في حق من يزعم أنه يؤمن بالعلمانية أداة إجرائية فنية إدارية ترتيبية فحسب، مع تأكيده على إيمانه بالإسلام منظومة متكاملة عقيدة وشريعة ناظمة للحياة، في مختلف جوانبها. وهنا أستميحك -قارئي العزيز- في ضوء ما تقدم؛ لأدلل على هذه المسألة بنموذج تطبيقي من حياتنا المعاصرة، موجه بالخصوص إلى  من يصر على المضي في  ترديد مقولة حيادية العلمانية، مع كونه يعلن التزامه  بالإسلام عقيدة وشريعة.

ويرى أن العلمانية مجرد أداة إجرائية ترتيبية فنية في هذا الإطار، أما من كان لديه ذلك الموقف الرافض، أو المتحفظ على هذه القاعدة، فقد أجاب ابتداء على نفسه، بأنه خارج دائرة البحث، إذ هو مع العلمانية  التي تقصي الدين التشريعي السياسي والتربوي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي جانبا، وبذلك، فمن العبث بعد ذلك، المضيّ معه في البحث والنقاش، لأنه بات يتبنى العلمانية الأيديولوجية "عملياً"، أدرك ذلك أم جهله، أم تجاهله، اعترف بذلك أم كابر!

وفي هذا السياق فلعل نموذج الموقف من الجدل حول بعض جوانب النموذج "النسوي"، هو الأنسب، إذ هو المجال الذي يكثر الجدل حوله في مجتمعاتنا، إلى حد الصخب، وتحديد المواقف الكلية من قبل كل طرف.

تدور أسئلة محورية في هذا الباب من مثل: ما طبيعة النظرة إلى المرأة من حيث مفهوم نمط علاقاتها وحقوقها المختلفة؟ وأين موقع أ دعاة العلمانية “الحيادية" هؤلاء، في الإطار المشار إليه، من فلسفة الجندر، (Gender) أو ما بات يحلو لهم وصفه بالنوع الاجتماعي (Social Type)، والفلسفة النسوية (Feminism).

أي تلك القائلة بتماهي الأدوار والوظائف بين الرجل والمرأة، بلا أدنى فرق، إذ المسألة لا تخرج عن طبيعة التنشئة الاجتماعية Socialization))، بحيث يمكن أن تنشأ المرأة على تحمل كل الأعباء التقليدية للرجل، ويمكن للرجل أن ينشأ على تحمل كل الأعباء  التقليدية للمرأة ، فتغدو المرأة رجلا، والرجل امرأة،  بلا أي فرق، من حيث الوظائف والأدوار!

من خلال إدراكنا لنمط النموذج العلماني في التفكير؛ فأشعر كما لو أن بعض العلمانيين، أو ضحايا هذا النموذج من أبناء المجتمع الإسلامي؛ قد يوجه أصابع الاتهام مباشرة – كما هي عادة جمهرة العلمانيين، مع كل مختلف مع أفكارهم " المقدسة"- إلى كاتب هذا السطور في هذه المسألة بالخصوص

وبتعبير أكثر مباشرة واختزالا ومخاطبة لكل المستويات، وخروجا من أية نقاشات قد لا يستوعبها  الجميع بمن فيهم  بعض من يسوق للخيار العلماني، بحسن نية وسلامة قصد-: دعونا فلنضع التساؤلات التالية:

بدءا من  طبيعة الموقف من المرأة، من حيث حقوقها وواجباتها وأدوارها في الحياة، بما في ذلك  الجدل حول عملها وطبيعته؟ وهل ثمة مراعاة  للتوجيهات القرآنية والنصوص النبوية الصحيحة في هذا الباب؟ أم هي خارج دائرة البحث ابتداء، إذ الأمر مفتوح على قدم المساواة مع  الرجال، بلا أي فرق؟!

هذا ناهيك عن مراعاة  طبيعة المرأة الجسمية والنفسية  والعضوية والهرمونية والعصبية في ذلك؟ وإذا كان من فرق فلا يتعدى الجوانب العضوية والبيولوجية؟ ولكن ما الضوابط المرجعية في ذلك؟  وانتهاء بكيفية تعامل المرأة نفسها مع جسمها ولباسها، ولا سيما  "خمارها" الذي يطلق عليه البعض "الحجاب".

هل الجسم أمانة لديها، ينبغي أن تحافظ عليه، وفق توجيهات الدين؟ أم أن الأمر لا يخرج عن نطاق  الحرية الشخصية، بحيث يصبح من حقها أن  تعرض جسمها ومفاتنها على من تشاء، وأن تلبس ما تشاء، بعيدا عن أية ضوابط شرعية(دينية)، فيصبح من حقها أن تعد مسألة  لباسها، ولا سيما (الخمار) – مثلا- مسألة شخصية، ومجرد عادة من العادات الاجتماعية،  كليا أو جزئيا، فتلبس ما يروق لها، بعيدا عن أية قيود وضوابط، وربما ذهب البعض من دعاة حيادية العلمانية أنفسهم – مع كونهم يعلنون التزامهم بالإسلام – إلى عدم الالتفات إلى ذلك، حيث لا علاقة للدين بهذه الجوانب، وغاية ما في الأمر أن تراعي المرأة الذوق الاجتماعي ليس أكثر!

إن الإجابة على مجمل تلك التساؤلات تبين ما إذا كانت العلمانية التي ينادي بها البعض مجرد آلية إجرائية وعملية فنية فعليا، أم أنها أيديولوجيا ورؤية تستند إلى نظرية معرفة أخرى، مباشرة أو غير مباشرة، وقع في شركها، حتى من ظن أنه لايزال في إطار الدين يدور!

ومن خلال إدراكنا لنمط النموذج العلماني في التفكير؛ فأشعر كما لو أن بعض العلمانيين، أو ضحايا هذا النموذج من أبناء المجتمع الإسلامي؛ قد يوجه أصابع الاتهام مباشرة – كما هي عادة جمهرة العلمانيين، مع كل مختلف مع أفكارهم " المقدسة"- إلى كاتب هذا السطور في هذه المسألة بالخصوص، واصما له بالسطحية والتقليدية وضيق الأفق، والتدخل في قضايا صغيرة وخصوصية.

وهنا نذكرهم بأن بعض أبرز النماذج العلمانية  في العالم؛ ربطت بعض مسائل المرأة ولا سيما " خمارها"  بقرارات كبرى ومصيرية في حياة الفتاة في زمننا، مثل السماح لها بالدراسة الجامعية أو حرمانها منها،  ففي بعض المجتمعات المسلمة  كتركيا – ما قبل العدالة والتنمية-  استصدر العلمانيون فيها قرارا من  المحكمة الدستورية التركية  الصادر في سنة 1997م، قضى بطرد المحجبات من الجامعات، حتى ولو لم يبق على تخرجهن سوى ساعات.

ثم جاءت أزمة السماح للنائبة الفائزة في الانتخابات البرلمانية عن حزب الفضيلة- حينذاك-  مروة قاوقجي، في سنة 1999م،  بدخول البرلمان، ولما تمت مساومتها على خلع  خمارها، كي تصبح نائبة، يسمح لها بدخول البرلمان، أو الحرمان من ذلك، آثرت الحرمان، ولم يقل العلمانيون: هذه مسائل شخصية وصغيرة، تسببت في الاعتداء على حرية امرأة تمثل شعبها، وفازت بالنيابة عن عدد لا يستهان به منهم.

من المؤسف -حسب الدكتور المسيري- أنه "منذ ما يسمى عصر النهضة في تاريخ الفكر الغربي، ومعظم تعريفاتنا للظواهر الإنسانية تستند إلى تعريف الغرب وتجاربه

وفي سبيل مسألة  خمار المرأة، أو ما يسميه البعض "الحجاب" أسقط العلمانيون  حكومات، أو انقلبوا عليها، واستصدروا  قرارات قضائية عسكرية عاجلة، في ظل هيمنتهم على السلطة،  بكل مفاصلها،  تبرّر  لهم ذلك،  وتتهم من يسعى للدفاع عن حرية المرأة  بارتداء ما تراه أليق بها وبشخصيتها؛ بأنه منقلب على مبادئ الجمهورية العلمانية، والمبادئ الأتاتوركية، وخائن يستحق السحق، وكاد حكم العدالة والتنمية التركي ذي المرجعية الإسلامية أن يتعرض للسقوط، بحكم المحكمة الدستورية، للسبب ذاته، لكن الحكم الذي صدر في30/8/ 2007م، بعد 5 سنوات من صعود حزب العدالة والتنمية؛ جاء مخففا، فاكتفى بدفع غرامة مالية على الحزب.

وأن  يصل أمر  الخمار " الحجاب" في هذا البلد إلى حد أن تتحول المناداة بالسماح به إلى مادة دستورية، حسما للمزايدات تحت ذريعته، كما حدث في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في 14مايو/أيار 2023م، واستبقها مرشح المعارضة الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو في  3/10/2022م بالاعتراف بالخطيئة التاريخية الكبرى التي ارتكبت في حق المرأة التركية، من قبل حزب الشعب الجمهوري،  في كل المراحل السابقة التي حكم فيها الحزب، ليرد عليه الرئيس  رجب أردوغان عاجلا في  5/10/2022م بأنه من يضمن أن لا تكون في مثل تلك الاعترافات المتأخرة مجرد مزايدة انتخابية مؤقتة، ليقع الانقلاب عليها بعد ذلك، واقترح أن الجدية في تلك التصريحات ستظهر على محك القبول بجعلها مادة دستورية غير قابلة للتغيير.

لقد بلغ أمر الاهتمام بخمار المرأة المسلمة مستوى دول علمانية كبرى مثل فرنسا وألمانيا، فتتخذ إجراءات عدائية عنيفة بحق كل ذات خمار "محجبة"، أو من تفكر بأن ترتدي خمارا في الجامعة أو المدرسة أو العمل.. إلخ، حتى لو كان ذلك مجرد شكل أقرب إلى الرمز منه إلى المضمون، بل بلغ الأمر في شهر يوليو/ تمّوز 2021م مستوى إصدار محكمة العدل الأوروبية قرارا تنحاز فيه إلى تلك الدول (أمثال: فرنسا وألمانيا) باعتبار حظر الخمار " الحجاب" ليس تمييزا، مما دفع حكومة حزب العدالة والتنمية التركي في اليوم الثاني مباشرة لإدانة ذلك القرار، وهكذا.

أفيبقى بعد ذلك مجال لتلك الاتهامات الصغيرة، الموجهة من قبل بعض العلمانيين لإرهاب من يناقشهم في موضوع المرأة، من بعض الجوانب، معيارا لمعرفة ما إذا كانت العلمانية مجرد عملية إدارية إجرائية؟ أم أيديولوجيا؟

ومن المؤسف –حسب الدكتور المسيري- أنه "منذ ما يسمى عصر النهضة في تاريخ الفكر الغربي، ومعظم تعريفاتنا للظواهر الإنسانية تستند إلى تعريف الغرب وتجاربه. فنحن نستورد كثيرا من مصطلحاتنا من الغرب، وهو ما يبين إيماننا بمركزية الغرب وعالميته. وقد استوردنا مصطلح (علمانية) فيما استوردنا، فكان من أكثر المصطلحات غموضا وإبهاما، رغم شيوعه في الآونة الأخيرة". (المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الكلية، ج1، ص 53)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالأحد 26 مايو 2024, 2:25 pm

العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (6)

بما لا يخلو من طرافة ومفارقة شكلية، ولكنها من حيث المغزى ذات دلالة مشابهة جدا- نختتم مناقشتنا عن العلمانية بين الأيديولوجيا  والحيادية، بالإشارة إلى الجدل في كون الأيديولوجيا ملازمة لأي  فكر أو سلوك إنساني، مهما نفى عنه صاحبه ذلك، وهو ما  يذكرنا بالجدل الذي دار – ولا يزال- في  الإطار  الإسلامي" السلفي- المذهبي والطرقي (الصوفي) المعاصر"- بالخصوص-، منذ زمن.

حيث يتوافق جميع فرقائه على الرفض النظري لفكرة الانتماء، ولكن مع الانغماس العملي – في اللاوعي-  في بؤرة الانتماء ذاتها، وهو ما يظهر واضحا، بشكل لافت بالنسبة للباحث والمهتم بدراسة الظواهر السيكولوجية، ذات المنحى الأيديولوجي -بالخصوص- مع التأكيد على اختلاف طبيعة هذا الانتماء بعد ذلك، فبعض فصائل السلفية -مثلا- ترفض الاعتراف بالمذاهب الفقهية والأحزاب والجماعات والطرق الصوفية جميعها، بمعزل عن المعتدل منها والمغالي.

بدأت تشتهر بعض هذه الأنظمة بمحاربة الفضيلة والعفة والأصالة، وتتبنى ما يضادها، فتقف مع أعداء الأمة، بمن في ذلك الكيان الصهيوني مؤخرا، ويتبجح بعضها بهذا جهارا نهارا، فيصطف مع العدو علانية، للمشاركة في القضاء على أبناء غزة وفلسطين، بدعوى أنهم "إسلام سياسي" و "إخوان مسلمون" و "خوارج" و "دواعش".

وفي المقابل تدعو -بشدة- بعض الجماعات الطرقية الصوفية والتقليدية الأخرى، بعناوينها المختلفة، إلى التمذهب تارة، والالتزام الطرقي تارة أخرى، ولكنها جميعا (السلفية والصوفية) ترفض القبول، أو حتى الإقرار بمشروعية الانتماء إلى التحزب "السياسي" -بالخصوص- أو الانتماء إلى أي من الجماعات الإسلامية الدعوية أو الحركية السائدة على الساحة اليوم، أو التبرير لمن يسلك ذلك، على نحو يدفع بعض الجماعات الطرقية  للتفاخر بأنها اتجاه روحي، غير سياسي، وليست "وهابية" أو " سياسية".

مع أن من المعلوم أن بعض هذه الجماعات الطرقية تقوم بأدوار "سياسوية" وظيفية، غاية في القبح، بانحيازها الأعمى لأنظمة سياسية، ذات سمعة سيئة معروفة، فيما يتصل بعلاقتها  بالشريعة – مثلا- على نحو فعلي، وليس دعائيا، أو في ملف الحقوق والحريات والعدالة.

كما بدأت تشتهر بعض هذه الأنظمة بمحاربة الفضيلة والعفة والأصالة، وتتبنى ما يضادها، فتقف مع أعداء الأمة، بمن في ذلك الكيان الصهيوني مؤخرا، ويتبجح بعضها بهذا جهارا نهارا، فيصطف مع العدو علانية، للمشاركة في القضاء على أبناء غزة وفلسطين، بدعوى أنهم "إسلام سياسي" و "إخوان مسلمون" و "خوارج" و "دواعش"، وغير ذلك من الدعايات السوداء المعروفة عن تلك الأنظمة وأبواقها، العلمانية و"الدينية".

علاوة على محاربتها خصوم الأنظمة السيئة ذاتها، من السلفيين" الصحويين" أو "الحركيين" الإسلاميين الآخرين، وبذلك تستمر هذه الجماعات  في شرعنة جرائم تلك الأنظمة وطغيانها، وتمضي في دعمها ببجاحة، مسوغة لذلك بكونها تقوم بواجب الالتزام بطاعة لـ "الحاكم" أو "ولي الأمر".

والمفارقة، أن بعض الجماعات (السلفية) التي توصف بـ"الوهابية"، لا سيما ما يعرف منها بالمدخلية والسلفية الحكومية؛ تقف الموقف الإيجابي ذاته من تلك الحكومات، فتعلن ولاءها المطلق لها، وترفع شعار البراءة من السياسة، مؤكدة أنها اتجاه علمي فقط، على حين أنها تقوم بالأدوار الوظيفية ذاتها لتلك الأنظمة السياسية ذاتها في الغالب، وتتهم كل من يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر بكونه من "الإخوان المسلمين" و "الخوارج" و"الدواعش"…إلخ ، وربما تغدو "الوهابية" واحدة من التهم ذاتها، التي يصمها بها الطرف الأول، وسبحان من له الدوام!

وجدنا جماعات سلفية ترفع  شعار "اللامذهبية واللاحزبية"، وتجاهر بالحرب على  تلك العناوين، وما يشبههما، قائلة: لا مذهبية ولا حزبية في الإسلام، بل إسلام واحد، بفهم واحد، كما يريده الله، في الكتاب الكريم والنبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة المطهرة.

وعلى ذلك فكلا الاتجاهين المتناحرين (الطرقي  والسلفي) – مثلا- يتقربان بخدمة "ولي الأمر المشترك"، في حين يمضي كل واحد منهما متخندقا حول جماعته أو مذهبه أو طريقته وحدها، مدعيا نظريا وعمليا، أن الحق كله معه، نازعا عن خصمه تلك الصفة، وبذلك وجدنا جماعات سلفية ترفع  شعار "اللامذهبية واللاحزبية"، وتجاهر بالحرب على  تلك العناوين، وما يشبههما، قائلة: لا مذهبية ولا حزبية في الإسلام، بل إسلام واحد، بفهم واحد، كما يريده الله، في الكتاب الكريم والنبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة المطهرة، والسلف الصالح، بلا رأي للإمام فلان أو الفقيه فلان، أو المذهب الفلاني.

كما وجدنا الطرف الآخر لا يختلف عن سابقه في الشعار، باستثناء "المذهبية" من بين تلك العناوين السابقة، ويردد أن الخروج عن المذاهب السائدة، يعني تفلتا من الشرع، واتباعا للأهواء، وضياعا للدين، حتى لو امتلك من يسلك ذلك أدوات البحث، مع سعة في الاطلاع، واحتكاك بالمذاهب والاتجاهات المختلفة، القديمة منها والحديثة، أو اقتصر الفرد على تقليد واحد أو أكثر من علماء العصر ومجتهديه، ذوي السمعة الطيبة في العلم  والمسلك الحر النزيه، غير المتقيدين بواحد من المذاهب الأربعة الشهيرة.

أما الجامع بين الطرفين المتعارضين السابقين فيكمن في تلك الممارسة العملية- كل بطريقته- للتمذهب والتحزب والانحياز السياسي أو الفكري أو الفقهي لهذا الطرف أو ذاك، على مستوى جماعات أو مذاهب أو أنظمة سياسية، أو غيرها، تماما كما يسلك- من هذه الناحية- دعاة العلمانية الزاعمون أنهم براء من الأيديولوجيا، وأن علمانيتهم عصمتهم من التعصب والتخندق وجعلتهم في مربع الحياد، ولكنهم عمليا يصدرون في تفكيرهم وسلوكهم عن أيديولوجيا علمانية معينة.

لا أدري إن كنت فطنت الآن قارئي العزيز إلى مغزى إيرادي لهذه الظاهرة، على نحو ما رأيت، مع ما قد يبدو من ابتعاد كبير بينها وبين العلمانية والأيديولوجيا الخاصة بها.

ظهرت في الآونة الأخيرة، فئة علمانية، تحت عناوين مختلفة، تجمعها تلك  القراءة "العلمانية"، ولكن بنكهة "دينية"، هذه المرة، من حيث زعمها الاتكاء على القرآن وحده، وإنكار حجية السنة، مع رفض التمذهب بأي مذهب من المذاهب التقليدية السائدة، وكأنها بهذا جاءت بكلمة الفصل.

أظنك أدركت مدى الرابط " الطريف"، بل المفارقة اللافتة، بين الفكرتين (الأيديولوجيا العلمانية واللامذهبية أو اللاحزبية "الإسلامية")، في جانب خداع الذات، بظن التحرر من الأيديولوجيا في الحالة العلمانية، والتحرر من المذهبية والحزبية السياسية، في حالة السلفية المدخلية  أو الحكومية من جهة، وفي الحالة الطرقية (الصوفية)، وما في حكمها من جهة أخرى، هذا دونما تعميم على كل أطياف السلفية أو الصوفية بطبيعة الحال.

ولولا أنني لا أريد الاستطراد أكثر لضممت إلى هاتين الفئتين فئة ثالثة، قد تبدو أكثر عجبا وطرافة، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة، فئة علمانية، تحت عناوين مختلفة، تجمعها تلك  القراءة "العلمانية"، ولكن بنكهة "دينية"، هذه المرة، من حيث زعمها الاتكاء على القرآن وحده، وإنكار حجية السنة، مع رفض التمذهب بأي مذهب من المذاهب التقليدية السائدة، وكأنها بهذا جاءت بكلمة الفصل.

على حين أنها ما زادت عن أن  شايعت -من حيث لا تقصد-  الاتجاه "اللامذهبي" السلفي "الماضوي"، من حيث المنزع الصريح في رفض المذاهب الإسلامية السائدة، وإن بطريقتها "العلمانية" الخاصة المفضلة عندها، وكلا الاتجاهين: السلفي الماضوي والعلماني "الديني"، لم يزد أي منهما عن الدعوة  إلى  قراءة "مذهبية" جديدة، كل على طريقته، سواء وصفها الأول  بـ"السلفية" أم وصفها الآخر بـ" العلمانية الإسلامية" أو "القرآنية" أو حتى "المدنية" أو غير ذلك من العناوين الخادعة كذلك.

وبذلك تأكد بالقطع أن لا أحد، من الطرفين العلماني أو الإسلامي بشقيه السلفي (التقليدي الماضوي) والطرقي (الصوفي)، أو حتى العلماني" الإسلامي"، يبرأ عمليا من الأيديولوجيا، أو الاعتقاد بصواب حزبه أو جماعته أو مذهبه أو طريقته، على نحو دوغمائي مطلق، على حين ينزع تلك الصفة عن  خصمه التقليدي الآخر، في الوقت الذي ما برح يعلن براءته من التخندق والتعصب والتحزب، وحتى التمذهب بالنسبة للطرف السلفي، أو "العلماني" "الديني".

وبعبارة جامعة: فمع التأكيد- بالنسبة لكاتب هذه السطور- على حق حرية التحرر من الأطر المذهبية والحزبية والمشيخية، لكل من امتلك أهلية النظر والبحث والاختيار بين البدائل، مع التحلي بروح التواضع والمنهجية والإنصاف.

فليس العيب أو الخطأ في وجود أيديولوجيا، أو فكرة عقدية أو سلوكية معينة -بتعبير أدق- بحد ذاتها، تحت أي عنوان، لدى أي طرف، بل في مدى صواب أو خطأ هذه العقيدة، أو الأيديولوجيا -إن صحت المرادفة بين المصطلحين- وسلامة الأسس والمعطيات التي قامت عليها.

زد على ذلك  بالنسبة للطرف الإسلامي -بشقيه (الطرقي والسلفي (دعونا  الآن من الطرف العلماني "الديني")- مدى الاعتراف المتبادل بالمشروعية والحقانية والحضور والتعايش، ولا يكون ذلك كذلك إلا حين يتحرر  كلا الطرفين "الإسلاميين" من  التبعية للأطراف التي تفرض عليهما هذا  المسلك أو ذاك.

وأهم من هذا وذاك، كيف يتحرر ابتداء كل طرف في تربيته الفكرية، وتنشئة أفراده عمليا، من الاعتقاد باليقين الدائم في كل شيء، الأمر الذي يتحول بعد ذلك إلى سمة "الدوغما"، أي الاعتقاد  المطلق القائم على مجرد اليقين "الأيديولوجي"، ولو من غير بينة علمية أو عقلية أو شرعية  مؤكدة، تؤهل لذلك المستوى من الثقة" اليقين".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها     مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها  Emptyالسبت 01 يونيو 2024, 3:33 am

العلمانية بين الأيديولوجيا والحيادية (6)

ليس العيب أو الخطأ في وجود أيديولوجيا، أو فكرة عقدية أو سلوكية معينة، تحت أي عنوان، لدى أي طرف، بل في مدى صواب أو خطأ هذه العقيدة، أو الأيديولوجيا. (رويترز)
بما لا يخلو من طرافة ومفارقة شكلية، ولكنها من حيث المغزى ذات دلالة مشابهة جدا- نختتم مناقشتنا عن العلمانية بين الأيديولوجيا  والحيادية، بالإشارة إلى الجدل في كون الأيديولوجيا ملازمة لأي  فكر أو سلوك إنساني، مهما نفى عنه صاحبه ذلك، وهو ما  يذكرنا بالجدل الذي دار – ولا يزال- في  الإطار  الإسلامي" السلفي- المذهبي والطرقي (الصوفي) المعاصر"- بالخصوص-، منذ زمن.

حيث يتوافق جميع فرقائه على الرفض النظري لفكرة الانتماء، ولكن مع الانغماس العملي – في اللاوعي-  في بؤرة الانتماء ذاتها، وهو ما يظهر واضحا، بشكل لافت بالنسبة للباحث والمهتم بدراسة الظواهر السيكولوجية، ذات المنحى الأيديولوجي -بالخصوص- مع التأكيد على اختلاف طبيعة هذا الانتماء بعد ذلك، فبعض فصائل السلفية -مثلا- ترفض الاعتراف بالمذاهب الفقهية والأحزاب والجماعات والطرق الصوفية جميعها، بمعزل عن المعتدل منها والمغالي.

بدأت تشتهر بعض هذه الأنظمة بمحاربة الفضيلة والعفة والأصالة، وتتبنى ما يضادها، فتقف مع أعداء الأمة، بمن في ذلك الكيان الصهيوني مؤخرا، ويتبجح بعضها بهذا جهارا نهارا، فيصطف مع العدو علانية، للمشاركة في القضاء على أبناء غزة وفلسطين، بدعوى أنهم "إسلام سياسي" و "إخوان مسلمون" و "خوارج" و "دواعش".

وفي المقابل تدعو -بشدة- بعض الجماعات الطرقية الصوفية والتقليدية الأخرى، بعناوينها المختلفة، إلى التمذهب تارة، والالتزام الطرقي تارة أخرى، ولكنها جميعا (السلفية والصوفية) ترفض القبول، أو حتى الإقرار بمشروعية الانتماء إلى التحزب "السياسي" -بالخصوص- أو الانتماء إلى أي من الجماعات الإسلامية الدعوية أو الحركية السائدة على الساحة اليوم، أو التبرير لمن يسلك ذلك، على نحو يدفع بعض الجماعات الطرقية  للتفاخر بأنها اتجاه روحي، غير سياسي، وليست "وهابية" أو " سياسية".

مع أن من المعلوم أن بعض هذه الجماعات الطرقية تقوم بأدوار "سياسوية" وظيفية، غاية في القبح، بانحيازها الأعمى لأنظمة سياسية، ذات سمعة سيئة معروفة، فيما يتصل بعلاقتها  بالشريعة – مثلا- على نحو فعلي، وليس دعائيا، أو في ملف الحقوق والحريات والعدالة.

كما بدأت تشتهر بعض هذه الأنظمة بمحاربة الفضيلة والعفة والأصالة، وتتبنى ما يضادها، فتقف مع أعداء الأمة، بمن في ذلك الكيان الصهيوني مؤخرا، ويتبجح بعضها بهذا جهارا نهارا، فيصطف مع العدو علانية، للمشاركة في القضاء على أبناء غزة وفلسطين، بدعوى أنهم "إسلام سياسي" و "إخوان مسلمون" و "خوارج" و "دواعش"، وغير ذلك من الدعايات السوداء المعروفة عن تلك الأنظمة وأبواقها، العلمانية و"الدينية".

علاوة على محاربتها خصوم الأنظمة السيئة ذاتها، من السلفيين" الصحويين" أو "الحركيين" الإسلاميين الآخرين، وبذلك تستمر هذه الجماعات  في شرعنة جرائم تلك الأنظمة وطغيانها، وتمضي في دعمها ببجاحة، مسوغة لذلك بكونها تقوم بواجب الالتزام بطاعة لـ "الحاكم" أو "ولي الأمر".

والمفارقة، أن بعض الجماعات (السلفية) التي توصف بـ"الوهابية"، لا سيما ما يعرف منها بالمدخلية والسلفية الحكومية؛ تقف الموقف الإيجابي ذاته من تلك الحكومات، فتعلن ولاءها المطلق لها، وترفع شعار البراءة من السياسة، مؤكدة أنها اتجاه علمي فقط، على حين أنها تقوم بالأدوار الوظيفية ذاتها لتلك الأنظمة السياسية ذاتها في الغالب، وتتهم كل من يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر بكونه من "الإخوان المسلمين" و "الخوارج" و"الدواعش"…إلخ ، وربما تغدو "الوهابية" واحدة من التهم ذاتها، التي يصمها بها الطرف الأول، وسبحان من له الدوام!

وجدنا جماعات سلفية ترفع  شعار "اللامذهبية واللاحزبية"، وتجاهر بالحرب على  تلك العناوين، وما يشبههما، قائلة: لا مذهبية ولا حزبية في الإسلام، بل إسلام واحد، بفهم واحد، كما يريده الله، في الكتاب الكريم والنبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة المطهرة.

وعلى ذلك فكلا الاتجاهين المتناحرين (الطرقي  والسلفي) – مثلا- يتقربان بخدمة "ولي الأمر المشترك"، في حين يمضي كل واحد منهما متخندقا حول جماعته أو مذهبه أو طريقته وحدها، مدعيا نظريا وعمليا، أن الحق كله معه، نازعا عن خصمه تلك الصفة، وبذلك وجدنا جماعات سلفية ترفع  شعار "اللامذهبية واللاحزبية"، وتجاهر بالحرب على  تلك العناوين، وما يشبههما، قائلة: لا مذهبية ولا حزبية في الإسلام، بل إسلام واحد، بفهم واحد، كما يريده الله، في الكتاب الكريم والنبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة المطهرة، والسلف الصالح، بلا رأي للإمام فلان أو الفقيه فلان، أو المذهب الفلاني.

كما وجدنا الطرف الآخر لا يختلف عن سابقه في الشعار، باستثناء "المذهبية" من بين تلك العناوين السابقة، ويردد أن الخروج عن المذاهب السائدة، يعني تفلتا من الشرع، واتباعا للأهواء، وضياعا للدين، حتى لو امتلك من يسلك ذلك أدوات البحث، مع سعة في الاطلاع، واحتكاك بالمذاهب والاتجاهات المختلفة، القديمة منها والحديثة، أو اقتصر الفرد على تقليد واحد أو أكثر من علماء العصر ومجتهديه، ذوي السمعة الطيبة في العلم  والمسلك الحر النزيه، غير المتقيدين بواحد من المذاهب الأربعة الشهيرة.

أما الجامع بين الطرفين المتعارضين السابقين فيكمن في تلك الممارسة العملية- كل بطريقته- للتمذهب والتحزب والانحياز السياسي أو الفكري أو الفقهي لهذا الطرف أو ذاك، على مستوى جماعات أو مذاهب أو أنظمة سياسية، أو غيرها، تماما كما يسلك- من هذه الناحية- دعاة العلمانية الزاعمون أنهم براء من الأيديولوجيا، وأن علمانيتهم عصمتهم من التعصب والتخندق وجعلتهم في مربع الحياد، ولكنهم عمليا يصدرون في تفكيرهم وسلوكهم عن أيديولوجيا علمانية معينة.

لا أدري إن كنت فطنت الآن قارئي العزيز إلى مغزى إيرادي لهذه الظاهرة، على نحو ما رأيت، مع ما قد يبدو من ابتعاد كبير بينها وبين العلمانية والأيديولوجيا الخاصة بها.

ظهرت في الآونة الأخيرة، فئة علمانية، تحت عناوين مختلفة، تجمعها تلك  القراءة "العلمانية"، ولكن بنكهة "دينية"، هذه المرة، من حيث زعمها الاتكاء على القرآن وحده، وإنكار حجية السنة، مع رفض التمذهب بأي مذهب من المذاهب التقليدية السائدة، وكأنها بهذا جاءت بكلمة الفصل.

أظنك أدركت مدى الرابط " الطريف"، بل المفارقة اللافتة، بين الفكرتين (الأيديولوجيا العلمانية واللامذهبية أو اللاحزبية "الإسلامية")، في جانب خداع الذات، بظن التحرر من الأيديولوجيا في الحالة العلمانية، والتحرر من المذهبية والحزبية السياسية، في حالة السلفية المدخلية  أو الحكومية من جهة، وفي الحالة الطرقية (الصوفية)، وما في حكمها من جهة أخرى، هذا دونما تعميم على كل أطياف السلفية أو الصوفية بطبيعة الحال.

ولولا أنني لا أريد الاستطراد أكثر لضممت إلى هاتين الفئتين فئة ثالثة، قد تبدو أكثر عجبا وطرافة، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة، فئة علمانية، تحت عناوين مختلفة، تجمعها تلك  القراءة "العلمانية"، ولكن بنكهة "دينية"، هذه المرة، من حيث زعمها الاتكاء على القرآن وحده، وإنكار حجية السنة، مع رفض التمذهب بأي مذهب من المذاهب التقليدية السائدة، وكأنها بهذا جاءت بكلمة الفصل.

على حين أنها ما زادت عن أن  شايعت -من حيث لا تقصد-  الاتجاه "اللامذهبي" السلفي "الماضوي"، من حيث المنزع الصريح في رفض المذاهب الإسلامية السائدة، وإن بطريقتها "العلمانية" الخاصة المفضلة عندها، وكلا الاتجاهين: السلفي الماضوي والعلماني "الديني"، لم يزد أي منهما عن الدعوة  إلى  قراءة "مذهبية" جديدة، كل على طريقته، سواء وصفها الأول  بـ"السلفية" أم وصفها الآخر بـ" العلمانية الإسلامية" أو "القرآنية" أو حتى "المدنية" أو غير ذلك من العناوين الخادعة كذلك.

وبذلك تأكد بالقطع أن لا أحد، من الطرفين العلماني أو الإسلامي بشقيه السلفي (التقليدي الماضوي) والطرقي (الصوفي)، أو حتى العلماني" الإسلامي"، يبرأ عمليا من الأيديولوجيا، أو الاعتقاد بصواب حزبه أو جماعته أو مذهبه أو طريقته، على نحو دوغمائي مطلق، على حين ينزع تلك الصفة عن  خصمه التقليدي الآخر، في الوقت الذي ما برح يعلن براءته من التخندق والتعصب والتحزب، وحتى التمذهب بالنسبة للطرف السلفي، أو "العلماني" "الديني".

وبعبارة جامعة: فمع التأكيد- بالنسبة لكاتب هذه السطور- على حق حرية التحرر من الأطر المذهبية والحزبية والمشيخية، لكل من امتلك أهلية النظر والبحث والاختيار بين البدائل، مع التحلي بروح التواضع والمنهجية والإنصاف.

فليس العيب أو الخطأ في وجود أيديولوجيا، أو فكرة عقدية أو سلوكية معينة -بتعبير أدق- بحد ذاتها، تحت أي عنوان، لدى أي طرف، بل في مدى صواب أو خطأ هذه العقيدة، أو الأيديولوجيا -إن صحت المرادفة بين المصطلحين- وسلامة الأسس والمعطيات التي قامت عليها.

زد على ذلك  بالنسبة للطرف الإسلامي -بشقيه (الطرقي والسلفي (دعونا  الآن من الطرف العلماني "الديني")- مدى الاعتراف المتبادل بالمشروعية والحقانية والحضور والتعايش، ولا يكون ذلك كذلك إلا حين يتحرر  كلا الطرفين "الإسلاميين" من  التبعية للأطراف التي تفرض عليهما هذا  المسلك أو ذاك.

وأهم من هذا وذاك، كيف يتحرر ابتداء كل طرف في تربيته الفكرية، وتنشئة أفراده عمليا، من الاعتقاد باليقين الدائم في كل شيء، الأمر الذي يتحول بعد ذلك إلى سمة "الدوغما"، أي الاعتقاد  المطلق القائم على مجرد اليقين "الأيديولوجي"، ولو من غير بينة علمية أو عقلية أو شرعية  مؤكدة، تؤهل لذلك المستوى من الثقة" اليقين".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مصطلح العلمانية بين فتح العين وكسرها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات-
انتقل الى: